هل يتحوّل اليمن قريباً إلى ساحة المجابهة الإقليمية- الدولية الرئيسة في كل من شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي- البحر الأحمر، وربما الشرق الأوسط برمته؟ ثمة مؤشرات عديدة تنبئ بذلك، تصاعد الاتهامات الرسمية اليمنية الأسبوع الماضي لإيران بدعم التمرد الحوثي في صعدة، إلى تزايد الحديث في المملكة العربية السعودية عن تحوّل اليمن إلى منصة انطلاق لتنظيم القاعدة نحو أراضيها (الأمر الذي يحتم تدخلها في شؤونه الداخلية)، مروراً بأحاديث أخرى عن صراعات إقليمية تغذي الحركة الانفصالية في الجنوب. السبب الأهم الذي قد يحوّل اليمن إلى ساحة صراع خارجي، كما كان لبنان في حقبة السبعينيات (ولايزال) وكما العراق الآن، هو بدء انحدار هذه الجمهورية الفتية إلى وضعية «الدولة الفاشلة»، ومن ثم اقترابها من امكانية التحلل والتفكك، الأمر الذي سيجر إلى ساحتها كل القوى الإقليمية والدولية التي تتسابق الآن لتحديد مصير الشرق الأوسط برمته. صحيح أن الأضواء مسلطة الآن على التمردات الأمنية والإرهابية في الشمال والجنوب وحتى في العاصمة صنعاء، إلا أن الحقيقة أن الأوضاع الاقتصادية والبيئية (المائية) والديموغرافية (السكانية) هي التي تلعب الدور الرئيس في احتمال اندفاع اليمن نحو «الانفجار العظيم» النهائي. لكن، هل يمكن حقاً أن يسمح صنّاع القرار الدوليون بمثل هذا الانفجار في عقر دار البحيرة النفطية التي تسبح فوقها دول الخليج، والتي تعتمد عليها حياة الاقتصادات الغربية برمتها؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك وقفة أمام طبيعة السحب الداكنة التي تتكثف الآن في سماء اليمن مهددة باطلاق إعصار مريع. إن استنفاد الموارد الطبيعية الحيوية، والآثار المترتبة على التباطؤ الاقتصادي العالمي، والفساد والبطالة والتضخم، تشكل أهم خطر على اليمن على المدى الطويل. فاليمن هو أفقر بلد في العالم العربي، وهو يزداد فقراً بسبب السياسات الحكومية التي يزيدها تعقيداً ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على استيعاب عدد متزايد من السكان في سوق العمل المحلية. وتعتبر صادرات النفط، التي تؤمن أكثر من 75 في المئة من العائدات الحكومية، بالغة الأهمية بالنسبة الى الاقتصاد اليمني. وتعتمد الحكومة على العملة الصعبة التي توفرها مبيعات النفط لتمويل نفقات الدولة. الأهم من ذلك، أنه في ظل غياب مؤسسات الحكم الناضجة والمستقرة، فإن عائدات النفط تساعد على الحفاظ على شبكات رعاية واسعة توازن المصالح المتنافسة بين مختلف القبائل وأصحاب المصلحة الآخرين. والتناقص السريع لاحتياطي النفط، إضافة إلى الانخفاض الهائل في أسعار النفط العالمية كان له تأثير شديد على الاقتصاد اليمني. فالإنتاج ينخفض في كلتا المنطقتين اللتين تتركز فيهما احتياطيات النفط اليمني، حوض مأرب في وسط البلاد وحوض مسيلة في الشرق، حيث تقترب الحقول من نهاية دوراتها المفيدة. وتنقسم احتياطيات النفط في اليمن إلى 97 منصة تنقيب وإنتاج برية وبحرية، منها اثنتا عشرة منصة منتجة فقط. أهم هذه المنصات مأرب (منصة 18)، ومسيلة (منصة 14)، وشرق شبوة (منصة 10)، وجنة (منصة 5) ، وغرب إياد (منصة 4). وقدرت شركة «بريتش بتروليوم» أن احتياطيات اليمن المؤكدة من النفط تبلغ 2.8 مليار برميل (تقول الحكومة اليمنية إن هذا الرقم يقلل بشكل كبير من الاحتياطيات، ولكن تبقى ادعاءات صنعاء بلا دليل). صادرات النفط في اليمن انخفضت بشكل حاد في السنوات الأخيرة، من أكثر من 450 ألف برميل يومياً وقت الذروة في العام 2003، إلى حوالي 280 ألف برميل يومياً في كانون الثاني (يناير) 2009، وفقا لما يقوله أمير سالم العيدروس، وزير النفط والمعادن. وما لم يتم العثور على أي اكتشافات جديدة، فإن خبراء الطاقة يقدرون أن تتوقف صادرات اليمن من النفط في غضون عشر سنوات. ويؤكد البنك الدولي أنه بحلول العام 2017 لن تكسب حكومة اليمن أي دخل من النفط. وهناك تقديرات أخرى تشير إلى أن الاحتياطيات النفطية المؤكدة ستستنفد في غضون خمس سنوات فقط. وقد أخفى الارتفاع الأخير في الأسعار، المدى الحقيقي لانخفاض إنتاج النفط، ما أتاح لليمن جني المزيد من المال رغم بيع كميات أقل من النفط الخام. وبما أن الأسعار العالمية قد انخفضت من الرقم القياسي الذي سجلته في صيف العام 2008، فقد تعرضت البلاد لضربة مضاعفة، لجهة إيرادات الوحدة وإجمالي الوحدات المبيعة. وبينما يعتبر انخفاض الاحتياطيات مسؤولاً عن هبوط الإنتاج، فقد أدى ضعف الصيانة والقدرة المحدودة لقطاع النفط في اليمن إلى تفاقم المشكلة. وقد حددت وزارة النفط والمعادن العديد من العوائق التي تحول دون زيادة الإنتاج، بما في ذلك عدم وجود خطة إستراتيجية طويلة الأجل لقطاع الطاقة، وعدم ترشيد اتفاقيات اقتسام الإنتاج. وحاليا هناك ثلاث اتفاقيات منفصلة: واحدة للنفط وواحدة للغاز وأخرى للاثنين معاً. ونتيجة لذلك، ليس هناك حافز لشركات النفط العالمية لتطوير الموارد غير المشمولة في إطار اتفاقية لتقاسم الإنتاج. فأي غاز يتم العثور عليه خلال عمليات التنقيب عن النفط، على سبيل المثال، لايتم تطويره لأنه لم يكن ضمن ما تم الترخيص للشركة العاملة لاستخراجه. وعلاوة على ذلك، يتعين عرض كل اتفاقية لتقاسم الإنتاج على البرلمان للموافقة عليها قبل بدء الإنتاج، وهو ما يؤدي إلى شهور طويلة من التأخير في بعض الحالات. ولمعالجة هذا الأمر، فإن الوزارة تسعى لأن تكون لها سلطة إصدار الاتفاقيات المقبلة والموافقة عليها. وعلى نحو منفصل، تريد الوزارة إجراء المزيد من الدراسات الجيولوجية، من خلال استخدام تقنيات التصوير الاهتزازي المتطورة والمكلفة، للكشف عن مخزونات النفط والغاز. ومع ذلك فليس من الواضح أن من شأن أكثر التحاليل تعقيدا اكتشاف مزيد من النفط، وفي كل الأحوال، فإن صعوبة الظروف المادية والأمنية من شأنها أن تعقد المزيد من عمليات الاستخراج. نتيجة لانخفاض عائدات الصادرات النفطية، قلصت الحكومة اليمنية بدرجة كبيرة من توقعات الدخل. خلال شهر تموز (يوليو) 2008، سجل النفط الخام سعراً قياسيا وصل إلى 147 دولارا للبرميل الواحد؛ وخلال الربع الأول من العام 2009، وفقا للبنك المركزي اليمني، بلغ متوسط سعر البرميل الواحد 43 دولارا، وأشارت تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن متوسط سعر برميل النفط سيصل إلى 55 دولارا في النصف الثاني من العام. ما يزيد من تعقيد الميزانية الوطنية، والتي تعتمد على عائدات النفط، هو أن العادة قد جرت بشكل تقليدي على اعتبار الجزء الأكبر من الميزانية، بما في ذلك الإعانات الحكومية والمرتبات والمعاشات التقاعدية، محظوراً سياسيا. واعترافا منها بالنقص الشديد في الميزانية، قيل إن وزارة المالية أمرت في بداية العام 2009 بتخفيضات في الميزانية بنسبة 50 في المئة في كل جهاز الحكومة؛ وفقا لوحدة الاستخبارات الاقتصادية، ومع ذلك، تم تنفيذ خفض بواقع 4 في المئة فقط. علاوة على ذلك، فإن هذه التخفيضات لم تطبق على نحو شامل في كل الحكومة؛ حيث لن تتأثر وزارتا الدفاع والداخلية، من بين وزارات أخرى. وبالفعل فإن الضائقة المالية شديدة أكثر مما كان متوقعا. فالبيانات الصادرة عن البنك المركزي اليمني تشير إلى أن العائدات من صادرات النفط بلغت مستوى قياسياً منخفضاً في الربع الأول من العام 2009 بانخفاض نسبته 75 في المئة عن الفترة نفسها من العام 2008. من الواضح أن الموارد النفطية في اليمن تنفد، كما أن إيجاد مصادر جديدة للاحتياطيات النفطية ليس حلا ممكنا. وفي غضون ذلك، لم تنجح محاولات خفض الميزانية. ومن المحتم أن البلد يستعد لمرحلة اقتصاد ما بعد النفط. أزمة المياه بينما يعتبر تضاؤل احتياطيات النفط في اليمن مصدر قلق رئيسياً، فإن النضوب السريع لإمدادات المياه في نهاية المطاف أكثر مدعاة للقلق. فالنقص في إمدادات المياه حاد في جميع أنحاء البلاد، وقد تصبح صنعاء، التي ينمو سكانها بمعدل 7 في المئة سنويا نتيجة لزيادة التحضر، أول عاصمة في العالم تنفد فيها المياه. هذه الأزمة ناجمة عن عدة عوامل، بما فيها ارتفاع الاستهلاك المحلي، وسوء إدارة المياه، والفساد وعدم وجود سيطرة على الموارد، والإسراف في تقنيات الري. فحتى قبل خمس سنوات خلت، لم يكن هناك وزارة للمياه والبيئة، واليوم لا تزال الرقابة القانونية محدودة. ووفقا لتقرير صدر في العام 2009 عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يعتبر اليمن من بين أكثر دول العالم التي تعاني من ندرة المياه، ولديه واحد من أدنى معدلات نصيب الفرد من توافر المياه العذبة. وبسبب عدم وجود أي رقابة قانونية جدية قابلة للتنفيذ، يتم استخراج المياه من طبقات المياه الجوفية بأسرع مما يجري تجديدها. ، ففي العام 1998 انهار حوض المياه في تعز، وهي من أكبر المدن. وتقدر معدلات استخراج المياه في صنعاء حاليا بنحو أربعة أضعاف معدلات تجديدها، والحوض هناك وفي عمران على وشك الانهيار، ويقدر أن ينهار حوض صعدة بعد ذلك بفترة وجيزة. ووفقا لأحد التحليلات الحديثة، فإن تسعة عشر من طبقات المياه الجوفية الإحدى والعشرين في البلاد لا يتم تجديدها. وفي بعض الحالات، يجري الآن استخراج المياه الأحفورية غير المتجددة. في السنوات القليلة الماضية، انخفض منسوب المياه الجوفية في اليمن حوالي مترين، أو 6.6 أقدام، في السنة، ما أرغم على حفر الآبار بشكل أعمق. وهذا يؤثر على جودة المياه، حيث لاحظت مؤسسة الأبحاث البريطانية تشاتام هاوس في تحليل واقعي أن جودتها تتدهور بسبب زيادة تركيز المعادن. وغالبا ما يتطلب انخفاض منسوب المياه الجوفية استخدام آلات الحفر الخاصة بالنفط. في حين أن هناك الآن نظاماً قانونياً قائماً لضمان الاستخدام العادل والمنصف للمياه السطحية، فإنه لا يوجد مثل هذا النظام القانوني للمياه الجوفية. ونتيجة لذلك، فإن أي شخص يريد الحصول على المياه (ويستطيع تحمل كلفة ذلك) يحفر بئراً ويستخرج ما أمكنه من المياه. وقد قدر عبد الرحمن الإرياني وزير المياه والبيئة، أن نسبة 99 في المئة من عمليات استخراج المياه غير مرخصة. لا يخضع استيراد منصات الحفر لأية رسوم جمركية أو الترخيص أو ضرائب. ويقدر المسؤولون في وزارة المياه والبيئة أنه اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2009، هناك أكثر من 800 منصة حفر خاصة تعمل في البلاد. في المقابل، ليس هناك سوى ثلاث منصات في الأردن، ولا يزيد عددها في الهند، التي يزيد عدد سكانها بأكثر من 50 ضعفاً عن سكان اليمن عن 100 منصة. في نقطة مضيئة على جبهة الماء، تم اكتشاف حوض للمياه الجوفية بالقرب من المكلا في منتصف العام 2009، وتشير التقديرات إلى أنه يمكن أن يمد المنطقة بالمياه لسنوات عديدة. ويشير المسؤولون اليمنيون إلى أنه تم العثور على المياه على أعماق تزيد عن 200 متر أو 656 قدماً، ما يدل على تزايد صعوبة مهمة العثور على المياه العذبة. ومن المرجح أن تذهب الكثير من المياه إلى القطاع الزراعي، الذي يعد أكبر مستهلك في البلاد. كما ينصح المسؤولون بوجوب حماية الاكتشافات المائية الجديدة من التلوث من المياه المالحة ومياه الصرف الصحي والإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات. تأثير القات ويتم تخصيص كميات كبيرة من استهلاك المياه في اليمن لري القات، وهو من النباتات شبه المخدرة ويمضغه ما يقدر بنحو 75 في المئة من الرجال في اليمن. إذ تدور كل الفعاليات الاجتماعية في اليمن تقريبا، من الأعمال التجارية إلى الحكومة، حول جلسات مضغ القات التي تتم يوميا بعد الظهر. وفي حين يصعب الحصول على أرقام دقيقة، فإن غالبية الأراضي الصالحة للزراعة في اليمن مخصصة لزراعة القات. والقات نبات شديد التحمل ينمو في المناطق التي لا تنمو فيها محاصيل أخرى مثل البن. ويفضله المزارعون لقدرته على تحقيق السيولة النقدية بسرعة، وعندما يكونون في حاجة الى الدخل، يعمد المزارعون ببساطة إلى فتح الحنفيات لري الحقول. وبعد أسابيع من والري، يمكن حصاد أوراق القات على مدار السنة تقريبا بهدف بيعها في اليوم نفسه. وعلاوة على ذلك، فإن القات أكثر ربحية من زراعة المحاصيل الأخرى، مثل العنب أو البطاطا. ولأن القات يصبح أوفر إنتاجاً عندما يعطى المزيد من المياه، فإنه لا توجد حوافز للاقتصاد في المياه في عمليات الري. ولذلك يفرط المزارعون في كثير من الأحيان في ري حقولهم دون النظر إلى التأثيرات البيئية اللاحقة، بما فيها تدهور التربة الناجم عن استنفاد المواد المغذية للتربة. ويمثل وقود الديزل اللازم لتشغيل مضخات المياه الجوفية أكبر إنفاق بالنسبة إلى مزارعي القات لاستخراج المياه الجوفية لري حقولهم. وفي مثال على والتحديات المترابطة التي يواجهها اليمن، تحصل زراعة القات بالتالي على فوائد غير مباشرة من دعم الحكومة لوقود الديزل. كان للفساد تأثيره هو الآخر. ففي السنوات القليلة الماضية، اتخذ اليمن خطوات للحد من الفساد، وسن قوانين خاصة بعمليات غسيل الأموال والشفافية المالية ومكافحة الفساد. ويحظى الجهاز المركزي للرقابة والتدقيق في اليمن بالاعتراف بوصفه هيئة تزداد كفاءة، كما أن إنشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد يمثل خطوة إيجابية، رغم أن تأثير الهيئة سيكون محدوداً إلى أن يتم منحها قدرات تنفيذية. ولكن رغم هذه الجهود، لا يزال الفساد يمثل مشكلة خطيرة ومستمرة، وهناك حاجة لإجراء محاكمات عادلة وشفافة. وقد زعم ديوان المحاسبة أن ما يقرب من 30 في المئة من عائدات الحكومة لا يتم إيداعها أبدا في حسابات الحكومة. وقد أشارت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في تقريرها للعام 2006 «تقييم الفساد في اليمن»، إلى أن الفساد في اليمن هو نتيجة لضعف المؤسسات الحكومية. وحددت الوكالة أربعة مصادر رئيسية للفساد مثل عملية وضع الميزانية الوطنية، ونظام المشتريات، والنظام العسكري - التجاري وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، أو جهاز الحزب. ولا تزال المزاعم عن وجود تجارة نشطة بالمنتجات النفطية المكررة في السوق السوداء، وكذلك عمليات التهريب المؤيدة رسمياً أو يتم التساهل بشأنها، قائمة. الانفجار الديمغرافي ثاني أهم مجموعة من التحديات التي تواجه اليمن ديموغرافية. ورغم أن معدل النمو السكاني انخفض قليلا في السنوات الأخيرة، فإنه من بين أعلى المعدلات في العالم عند ما يزيد قليلا عن 3.4 في المئة سنوياً. ونتيجة لذلك فإن أكثر من ثلثي السكان دون سن الـ 24 عاماً. ويتوقع محللون غربيون ويمنيون على حد سواء، أن يتضاعف عدد السكان في اليمن، في العقدين المقبلين، إلى أكثر من 40 مليون نسمة. الفقر في اليمن شديد، حيث يبلغ نصيب الفرد من الدخل السنوي أقل من 900 دولار، وحوالي نصف عدد السكان يكسبون أقل من دولارين يوميا. ويشكل معدل وفيات الرضع مصدر قلق كبيراً، وذلك ناجم جزئيا عن الرعاية المحدودة للغاية قبل الولادة وبعدها. وحققت البرامج الصغيرة التي وضعتها الجهات الأوروبية المانحة بعض النجاح في مكافحة هذه المشكلة، ولكن الأطفال اليمنيين مستمرون في الموت بسبب أمراض الطفولة التي يمكن الوقاية منها. وتزيد وعورة التضاريس والتشتت الجغرافي للسكان، من تفاقم التحديات الديموغرافية. وينتشر سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليون نسمة في حوالي 135 ألفاً من القرى والمستوطنات. الكثير من القرى اليمنية نائية، وتنتشر عبر المنحدرات الجبلية والأودية الصحراوية، حيث يعيش أقل من ثلث السكان في المناطق الحضرية. ولم تتمكن الحكومة المركزية من بسط وجود حكومي أو أكثر من خدمات اجتماعية أساسية لمثل هؤلاء السكان الذين ينتشرون على نطاق واسع. ونتيجة لذلك، تضطر العديد من المستوطنات لأن تكتفي ذاتياُ إلى حد كبير، وتوفر مراكز الرعاية الصحية والمدارس والخدمات الاجتماعية الأخرى الخاصة بها. وفي المستقبل، فإن قدرة الحكومة المركزية على ممارسة سيطرتها بصورة فعالة في جميع أنحاء البلاد، وتوفير الخدمات الأساسية، موضع شك خطير، وهي تكافح من أجل القيام بذلك الآن. ويدخل سوق العمل أكثر من 25 ألف شخص كل عام، وهذا الرقم آخذ في الازدياد لأن عدد السكان في اليمن يزداد بسرعة. ونظرا إلى ضعف الاقتصاد والافتقار إلى التنمية، يصل معدل البطالة، وفقاً لتقديرات محافظة، إلى 35 في المئة. ويعترف مسؤولون يمنيون بأن الحكومة المركزية غير قادرة على توظيف جميع الباحثين عن فرص عمل، كما أن القطاع الخاص غير قادر على كبح الركود. ويشير علي محمد العنسي، مدير مكتب الرئاسة ورئيس مكتب الأمن القومي، إلى أن الشباب العاطلين عن العمل يتعرضون للاستغلال من قبل العناصر المتطرفة، بما فيهم تنظيم القاعدة والمتمردون الحوثيون. وتعترف الحكومة بأن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد تساهم في تفاقم مشاكلها الأمنية، كما يعترف بعض المسؤولين بأن خطط الحكومة لمعالجة هذه المسائل ليست كافية. مع تضاعف عدد سكان اليمن بحلول العام 2030، فإنه لا يمكن استيعاب الزيادة في سوق العمل المحلية. وسيحتاج اليمن إلى تصدير العمالة إلى دول الخليج الغنية. إذ تسهم تحويلات العمالة بالفعل بما يقرب من مليار دولار في الاقتصاد في كل عام. ويعول العامل اليمني المغترب ما يصل إلى سبعة أشخاص في الوطن. ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى لم تعد مهتمة كثيرا باستيراد العمال اليمنيين غير المهرة، وليس من المرجح أن يحل العمال اليمنيون محل رعايا الدول الثالثة الأخرى العاملين في الخليج. ولكي يكون قادراً على المنافسة، يحتاج اليمن الى تصدير عمال شبه مهرة مدربين ومعتمدين في مجالات متخصصة. ولتحقيق هذه الغاية، أطلق العديد من دول المنطقة برامج التدريب، وفي تموز (يوليو) 2009، أعلنت المملكة العربية السعودية عزمها تمويل 69 معهداً للتدريب الفني في اليمن. هل ينفجر؟ نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: هل يسمح أصحاب القرار الدولي بانفجار اليمن في قلب البحيرة النفطية، ما قد يهدد بإشعالها؟ حتى الآن، لا تزال القوى الإقليمية والدولية تتعاطى مع اليمن بصفته قضية أمنية في الدرجة الأولى. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تبني كل علاقاتها مع اليمن على أساس قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب وحسب، إلى حد استبعاد كل القضايا الأخرى تقريباً. وهذا يعني أن كل المساعدات الأميركية تخضع إلى تصوّر واشنطن حيال ضرورة تقدم جهود صنعاء في مجال مكافحة الإرهاب. ونتيجة لذلك، فإن عدم وجود تحرّك في شأن قضايا مكافحة الإرهاب، أوقف كل الاتصالات الأخرى. وحقيقة أنه من المقرر أن يحصل اليمن على مزيد من المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية أكثر من المساعدة الإنمائية في السنة المالية 2010، وهي تدل على استمرار هذه الأولويات. الأمر ذاته يسحب نفسه على السياسات السعودية التي فرضت ما يشبه الطوق على اليمن في أعقاب حرب الكويت التي أدت إلى إعادة اكثر من مليون عامل يمني إلى بلادهم. فما يهم الرياض أساساً هو نشاط تنظيم القاعدة في اليمن، إضافة بالطبع إلى النشاط الأمني والسياسي الإيراني فيه. أما بالنسبة إلى طهران، فاليمن قد يكون مادة دسمة لها لتمديد نفوذها إلى حدود السعودية، من جهة، ولتعقيد حياة الأميركيين في كل من شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي، من جهة أخرى. طالما أن الصراعات اليمنية تبقى داخل الأراضي اليمنية، لن نشهد جهوداًَ حقيقية من دول الجوار والولايات المتحدة لمساعدة اليمن على الخروج من أزماته الحقيقية الكامنة في المجالات الاقتصادية والبيئية وقضايا الحوكمة الرشيدة. لكن، هل يمكن لهذه الأزمات حقاً أن تبقى محلية؟ حتماً لا. فالمنظمات الأصولية الإسلامية المسلحة ستجد في اليمن المفكك مرتعاً أهم بكثير من العراق وأفغانستان، بسبب الموقع الجغرافي المميز لليمن ووعورة تضاريسه. والصراعات المذهبية، بامتداداتها السعودية والإيرانية، ستجد متنفساً جديداً وخطيراً لها في جبال البلاد وبين قبائلها. هذا إضافة إلى أن انهيار اليمن قد يؤدي إلى «صوملة» (من صومال) كل منطقة البحر الأحمر – القرن الإفريقي. وإذا ما تقاطعت هذه العوامل معاً، فلن يطول الوقت قبل أن تمتد النيران اليمنية العاصفة إلى كل منطقة شبه الجزيرة العربية. وحينها، أي جهود لاحتواء الحريق اليمني ستأتي متأخرة. متأخرة للغاية في الواقع. نقلا عن مجلة " الكفاح العربي "

You need to be a member of poetsofottawa3 to add comments!

Join poetsofottawa3

Email me when people reply –
Ottawa International Poets and Writers for human Rights (OIPWHR)