في كتاب "أليس في بلاد العجائب " للويس كارول، سألت "أليس" القط "شيشاير": - "هلا أخبرتني من فضلك أي طريق ينبغي أن أسلك لأخرج من هنا؟" - "هذا يعتمد كثيرا على المكان الذي ترغبين في الذهاب إليه" أجاب القط. - "لا يهمني كثيرا إلى أين..." قالت أليس. - "إذن، لا يهم أي طريق تسلكين" أجاب القط. - "حسنا، طالما أصل إلى مكان ما" أضافت أليس. - "بالتأكيد ستفعلين ذلك لو أنت مشيت بما فيه الكفاية" أجاب القط. إذا لم يكن الهدف واضحا، فليس مهما أي الطرق نسلك. طالما نحن نواصل السير، فسوف نصل إلى مكان ما بالتأكيد، كما يقول القط شيشاير. لكن، لا يجب أن نفاجأ إذا وجدنا هذا المكان يختلف عما نحلم به. إذا كنا لا نعرف الهدف، وإلى أين نحن ذاهبين، كما في حالة "أليس"، فهذه طامة كبرى. في هذه الحالة، لن تفرق معنا كثيرا، مرشح الحزب الوطني أم غيره. إذا كنت لا تعرف محطة الوصول، فلا يهم بعد ذلك نوع المركبة وسرعتها وإتجاهها وطبيعة السائق الذي يسوقها. المشكلة ليست في السائق أو المركبة، لكن في عدم وجود هدف محدد يلتف حوله الشعب المصري. مثل مشروع نهضة لقيام دولة عصرية، تكون نبراسا وقدوة لكل شعوب الشرق وأفريقيا. دولة عصرية يتمتع فيها الفرد بالحرية والمساواة والديموقراطية وسيادة القانون وتبادل السلطة. دولة يعيش فيها الشعب المصري بكل طوائفه وطبقاته في سلام ووئام. فهو شعب أسدى للبشرية الكثير، ويستحق بكل تأكيد أن يعيش حياة أفضل من الحياة التي يعيشها الآن. أسوأ شئ يمكن أن يورثه الأب لإبنه، هو حكم بلد مثل مصر في ظل دستور مثل الدستور الحالي الصادر عام 1971م. خصوصا بعد التعديلات التي أدخلت عليه عام 1980م، الخاصة بالمواد 1، 2، 3، 4. والمادة 77، التي ألغت تحديد مدة رئاسة الجمهورية بفترتين. والمادة 76، التي لا تساوي بين المواطنين في فرص الترشيح لرئاسة الجمهورية وقصرها على مرشح بعينه. أسوأ شئ يمكن أن يتركه الأب لإبنه، هو نظام حكم يضع كل السلطات في يد الإبن. لكي يحكم به شعبه بالحديد والنار، الجيش والأمن المركزي وقانون الطوارئ والحزب الواحد وخمس أجهزة مخابرات. لو كان الأب يحب إبنه حقيقة لما فعل ذلك. لو كان الأب يحب شعبه حقيقة، لما ترك كل أدوات القمع والكبت والسلطة المطلقة في يد شاب ليست له شعبية، وغير مطلوب من الجيش. السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة فساد مطلق. الرجال العظماء دائما يكونون سيئين، لأن السلطة، تجذب الطالح وتفسد الصالح. المشكلة ليست في شخصية وكفاءة من يجب أن يحكم مصر الآن، بقدر ما هي في كيف تحكم مصر. كيف تحكم في ظل مجموعة القوانين سيئة السمعة والدستور الحالي، الذي شكل على أسس خاطئة، وعدل لكي يعصف بفكرة الحرية والديموقراطية والمساواة من أساسها. هذا الدستور وتلك القوانين، لن تفرخ إلا أسوأ الحكام وأشدهم بطشا وقمعا. ليس المهم من هو رئيس مصر القادم، في ظل الأوضاع والقوانين الحالية. لذلك تعجبت ممن يقترحون بعض الأسماء المضيئة في سمائنا المكفهرة بالغيوم، مثل الدكتور البرادعي، والدكتور أحمد زويل، والدكتور يحى الجمل، والأستاذ عمر موسى. وتعجبت أيضا ممن يقترحون، ولعله لدواعي الإحباط واليأس، تدخل الجيش لكي يتولى زمام الأمور. (تاني) دستور 1971م الذي نعيش في كنفه، لا يصلح لحماية حقوقنا الطبيعية والمدنية. فهو لا يرسخ الحرية والمساواة والعدل وتكافل الفرص بين المواطنين. ولا يخلق الدولة العصرية أو المواطن الصالح والمواطنة. ولا ينشر الأمن والسلام الإجتماعي بين الناس. لكنه، وبكل تأكيد، يرسخ الدكتاتورية وحكم الفرد والإستبداد. ويحول الناس من مواطنين صالحين إلى رعايا وعبيد. وإليكم الأدلة. توضع الدساتير لكي تحافظ على الحقوق الطبيعية للمواطنين وحمايتها. هكذا كانت الدساتير منذ "سولون" في أثينا و"ليكورجوس" في اسبرطة قبل الميلاد. توضع لكي تحول الناس من مجرد رعايا وعبيد، إلى مواطنين صالحين. لهم كل الحقوق الطبيعية والمدنية. لم يكن أبدا هدف الدساتير في الماضي أو الحاضر، حماية الحاكم وتدعيم حكمه الشمولي، وتكريس السلطة في يد فرد واحد وحزب واحد. الرئيس مبارك لم يبدأ هكذا، لكنه ورث نظام الحكم والدستور الحالي عن سلفه الرئيس السادات. هذا يعني أن السلطة المطلقة هي التي تخلق الدكتاتور، وليس العكس. في ظل الدستور الحالي والقوانين السيئة التي تشوه مواده، عملية التوريث سوف تحول الرئيس الجديد إلى طاغ مستبد رغما عن أنفه. دستورنا الحالي مثل مخلوق فرانكشتين، المشكل جسمه من أعضاء مختلفة من أجساد الأموات. مواد غريبة من هنا وهناك تتعارض مع بعضها البعض. وتتعارض مع أبسط حقوق الإنسان والمساواة. دستور لا يقوم بحماية الناس، ولا يحافظ على حقوقهم الطبيعية والمدنية، إنما هو فُصل لحماية الحاكم من شعبة، ويعتبر تفويضا له لكي يفعل بشعبه ما يريد. دستور يدعم الإستبداد واحتكار السلطة. لذلك لا يعتبر عقدا إجتماعيا بين الحاكم والمحكوم كما يجب أن تكون عليه الدساتير. إنما هو عقد من طرف واحد. وسوف أوضح لماذا؟ لننظر إلى السلطات التي يضعها رئيس الجمهورية في يده: هو رئيس الدولة بنص المادة 73، ورئيس السلطة التنفيذية بنص المادة 137، ورئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية، المادة 173، والقائد العام للقوات المسلحة، المادة 150، والرئيس الأعلى لهيئة الشرطة، المادة 184، ورئيس مجلس الدفاع الوطني الذي يجمع أجهزة المخابرات الخمسة، ورئيس مجلس الوزراء إذا حضر الإجتماعات، المادة 142. ليس هذا فقط، لكن لرئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب، المادة 136. ومجلس الشورى، المادة 204. وتعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى، المادة 196. له الحق في إصدار القوانين والإعتراض عليها، المادة 112. إعلان حالة الطوارئ المستمرة 28 سنة ولا ندري متى سوف تلغى، المادة 148. له حق العفو أو تخفيف عقوبة المحاكم. نصيب الشعب من مواد الدستور يمثل 18 مادة. أما نصيب رئيس الجمهورية فهو 59 مادة، كلها إختصاصات وسلطات ولا تمثل قيودا. نلاحظ الخلل في الدستور بعدم فصله بين السلطات. فرئيس الجمهورية، هو نفسه رئيس السلطة التنفيذية، ورئيس السلطة القضائية في نفس الوقت. أي يقوم بتعيين وعزل القضاة، المادة 44. هو أيضا المهيمن على السلطة التشريعية برئاسته للحزب الحاكم. أين فصل السلطات الذي تنص عليه كل الدساتير الحديثة. مبدأ فصل السلطات يُعمل به في كل الأنظمة الديموقراطية، بهدف تفتيت السلطة ومنع تكدسها في يد شخص واحد، مهما كان إخلاصه وإنجازاته في الحرب أو السلم. لأن الدساتير لا تُفصّل لخدمة شخص معين. وإنما توضع لكل الأجيال. في معظم الدساتير، السلطة التشريعية تفتت إلى أكثر من مجلس. والأعضاء لا تنتخب في وقت واحد. حتي لا تتكتل وتتحد ضد مصلحة الناس. لكن عندنا مجلس واحد هو الذي يقوم بإصدار القوانين، أو بسلق القوانين إن شئت. مجلس الشوري ليست له سلطة إصدار القوانين، وثلثه معين من رئيس الجمهورية. كذلك السلطة القضائية تنقسم إلى قاض ومحلفين. كل ذلك لتفتيت السلطة ومنعها من التكدس في يد شخص واحد أو مجموعة واحدة. ذلك لحماية حقوق المواطنين. المادة الثانية من الدستور تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". هذه المادة لم تكن موجودة في دستور 1923م، أو دستور 1930م. كان أول ظهورها عام 1956م، ثم إختفت في دستور الوحدة عام 1958م، لكي يعاد ظهورها في دستور الرئيس السادات عام 1971م، وهو الدستور الحالي المستمسك به نظام الحكم الحالي والرافض لتعديله. إذا كان الإسلام هو دين الدولة بمقتضى نص الدستور، فلماذا نمنع جماعة الإخوان المسلمين من تكوين حزب لهم على أساس ديني. كيف نلومهم إذا رفعوا شعار "الإسلام هو الحل"؟ وكيف نسميهم الجماعة المحظورة، ثم نسمح لهم بدخول مجلس الشعب؟ أليس هذا تناقضا وخللا منطقيا عجيبا؟ كيف يكون حالنا إذا وصل الإخوان المسلمين إلى الحكم، وهذا وارد؟ ومن يمنعهم من تحويل مصر إلى إيران أخرى، أو حماس ثانية؟ إذا كان الإسلام هو دين الدولة، فما هو وضع الإخوة الأقباط، وغير الأقباط؟ سوف يصبحون، في هذه الحالة، غير مواطنين، ودخلاء على هذا الوطن. الم تلاحظوا أن مشاكل الوحدة الوطنية بكل أنواعها، لم تبدأ إلا بعد إحتواء الدستور على هذه المادة. هذه المادة صارت سلاحا ماضيا في أيدي الجهلة والأغبياء والمتعصبين، يمارسون به كل أنواع التفرقة بين أفراد الشعب الواحد. فهل هذه المادة حقا كما يقول الدكتور فتحي سرور، مادة فوق الدستور؟ وهل هي مادة مُنزّلة من السماوات العلى؟ لا توجد دولة دستورية واحدة متحضرة ومحترمة في هذا العالم، يستند دستورها إلى شريعة دينية. مصر حالة شاذة لا مثيل لها، بالرغم من وجود نسبة لا تقل عن 15% من سكانها غير مسلمين. الدول ليس لها دين. الدول لا تصلي وتصوم وتقيم الشعائر. إنما الذي يقوم بذلك هم الأفراد، كل حسب دينه. إنما الدول لها دساتير تحمي حقوق مواطنيها من الحكم الشمولي. سبب تمسك الحكام بهذه المادة، هو رغبتهم في إضافة السلطة الدينية إلى باقي السلطات المخولة لهم. جشع وشبق شديدين للسلطة ليس له حدود، لا أكثر ولا أقل. السلطة الدينية سلطة خطرة. المذاهب والنحل والفرق الدينية كثيرة ولا تعد. نحن بجهلنا وغبائنا، نعد المسرح لكي نحكم بالوهابيين أو بطالبان أو القاعدة. لم لا، أليسوا مسلمين؟ والدستور يقول نحن دول إسلامية؟ وهل حدد الدستور الحالي أي نوع من الإسلام نتحث عنه؟ الدول الدستورية، لها دساتير تحمي حقوق الناس الطبيعية (حق الحياة والحرية وما يتفرع عنهما). هذه الدساتير، تحول شعوبها من مجرد رعايا وعبيد إلى مواطنين صالحين أحرار. الدساتير عقود إجتماعية لحماية الحقوق. ولم توضع لكي تفرض الأفكار الدينية بالقوة. الدساتير التي لا تحمي الحق الطبيعي للناس، لا يجب أن تسمى دساتير. إنما هي "منافستو" في يد الحكام، لكي تحكم به شعوبها بالحديد والنار. هي خيوط عنكبوت، يتعثر فيها الضعيف ويمزقها القوي. البنود التي تمثل الحقوق الطبيعية في كل الدساتير، لا يجب أن تمس أو تهمل أو تلغي أو تقوض بقوانين أخري. القوانين يجب أن تخدم الدستور وتعلي من شأنه في حفظ حقوق المواطنين الطبيعية. إذا قال دستورنا بتعدد الأحزاب، جاءت القوانين لكي تجعل من عملية إنشاء الأحزاب مستحيلة، إلا ما يتفق مع مصلحة الحاكم وتخليده في السلطة. إذا قال الدستور بحرية التعبير وإنشاء الصحف، جاءت القوانين لتقيد حرية إنشاء الصحف وحرية الرأي، وجاء الأزهر لكي يضع قيدا آخر على حرية التعبير والفكر. الدستور يقول إننا دولة إشتراكية ولدينا قطاع عام. ثم جاءت القوانين لكي تبيع القطاع العام، ولكي تبيع أصول مصر وأراضيها للأجانب، ولدول لا تسمح للمصريين بتملك حبة رمل واحدة من تراب أراضيها. لا شك أن لدينا دستور ردئ لا يحمي حقوق المواطن الطبيعية، ويكرس كل السلطات في يد الحاكم. وهناك رئيس جديد قادم، لا ندري من يكون. هل عن طريق الإرث أو الجيش أو الإخوان المسلمين؟ لا أحد يستطيع التكهن بما سوف يحدث في السنوات القليلة القادمة. من هنا جاء إقتراح الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، بإنشاء مجلس أمناء الدولة والدستور بصفة مؤقته. لكي يقوموا بالإشراف على صياغة دستور جديد. دستور بحق وحقيقي، يحفظ للمصريين حقهم الطبيعي في الحياة والمساواة والحرية بكل أشكالها. وينقذنا من المستنقع الذي نغوص فيه. ويجنب الوطن كوارث ومآسي قادمة لا محالة، لا يراها المخمورون بالسلطة والثروة. دستور جديد، يجعل المصري فخورا بنفسه ووطنه. دستور يهدف لخلق دولة حديثة عظيمة ديموقراطية. كما كانت مصر معظم تاريخها المدون. دستور يشجع على عودة الخبرات المصرية المشتتة في كل أنحاء العالم لخدمة بلادها، والتي تبلغ 280 ألف عالم ونابغة حسب تقدير الأستاذ هيكل. لكي تخصب أرض الوطن بعد تجريفها من الكفاءات والعقول والخبرات النادرة في العقود الماضية. دستور يضع العصمة في يد الشعب، لكي نقوم بالتصنيع والمنافسة، وتعمير سيناء وغزو الصحراء، وتوليد الطاقة من المفاعلات الذرية والشمس والرياح ومساقط المياة، وتوسيع الرقعة الزراعية والإهتمام بزراعة القمح والقطن كما كنا. وحماية البيئة وتنقية الهواء والماء. وتنقية مياة النيل وفروعه ومصارفه والآبار والمياة الجوفية. والإهتمام بنظافة الشوارع والحارات والبرك وأسطح المنازل من الزبالة والتلوث والقاذورات. بغير ذلك، نكون مثل "أليس" في بلاد العجائب. نسير ونسير ونتوه ونتخبط بغير هدف واضح. إذا لم يكن الهدف واضحا، فليس مهما أيضا أي الطرق نسلك. مواصلة السير بغير هدف، بالتأكيد سوف تخرجنا من المستنقع الذي نغوص فيه، كما يقول القط شيشاير. لكن، لكي نجد أنفسنا في مستنقع آخر أعمق وأخطر. في هذه الحالة، لا يجب أن نفاجأ، ولا يجب أن نلوم إلا أنفسنا.
You need to be a member of poetsofottawa3 to add comments!
Replies
zakariael@att.net
إقتراح هيكل والحاجة إلى دستور جديد
البريد الالكتروني والاسم وصورة الكاتب تنزل مباشرة. العنوان كرر . العنوان في بند العنوان يكتب مرة فقط
ارجو العودة الى المقال ونقر البند
Edit Discussion
وعمل التعديلات .المحرر