أهم وأخطر تطبيق لمعادلة أينشتين الشهيرة الخاصة بمساوات الكتلة بالطاقة المنشورة عام 1905م، هي القنبلة الذرية. E=mc2, . ظهور هذه المعادلة مع تأثيث نظرية "الكم", جعلت هذا العمل الشيطاني ممكنا. كيف حول العلماء هذه المعادلة البسيطة الجميلة، التي تبدو عليها ملامح البراءة والطهر, إلي شئ مريع بشع؟ لم يكن الأمر مقصودا أو سهلا. لم يكن هدف العلماء في البداية صناعة القنابل أو أدوات الحرب. إنما كان الهدف هو معرفة تركيب المادة وكنهها, وفهم مكونات الذرة. معرفة كيف تعمل القوانين التي تحكم هذا الكون الذي نعيش فيه. لم تكن أبحاث الذرة جهد فرد واحد, إنما كانت ثمرة جهود علماء العالم كله. لقد راعهم وأفزعهم الكم الهائل للطاقة المخزونة في نواة الذرة. مارد جبار داخل القمقم. الصياد المسكين قام بنزع الغطاء. فخرج المارد إلى الوجود. شبيك لبيك كل ماتطلب بين إيديك. ماذا تريد؟ بنت السلطان, أم تدمير العالم؟ أمرك مطاع يا مولاي. الأمر متروك لك. مسألة خيار فقط لا غير. سكة سلامة وسكة ندامة. في البداية كان الهدف علمي بحت. لوجه الله والمعرفة الخالصة. لكن تدخلت السياسة. وما أدراك ما السياسة. حولت كل الجهود النبيلة إلى ألاعيب شيطانية بهدف تطوير فنون القتل والتدمير والسيطرة. الباقي نعرفه جميعا. هيروشيما وناجازاكي. وأكثر من 300 قنبلة ذرية إسرائيلية. الآن أكثر من نصف علماء الفيزياء في الولايات المتحدة يعملون في البحرية الأمريكية لتطوير وتحسين أدوات القتل والتدمير. لم يشترك أينشتين مباشرة في عمل القنبلة الذرية. هذا خطأ شائع يقع فيه معظم كتابنا. كان أينشتين يؤمن بالديموقراطية وبالحكومة العالمية ونزع التسلح وإلغاء الجيوش. كان يناهض الحروب بكل أشكالها. ورفض أن يكون رئيسا لدولة إسرائيل عند قيامها. وكانت علاقته عظيمة بالدكتور مصطفى مشرفة باشا العالم المصري المشهور. لكن بسبب ظهور النازية في ألمانيا, والخوف من سيطرة هتلر على أوروبا وتصنيعه للقنبلة الذرية, قام أينشتين بتشجيع حكومة الولايات المتحدة على صناعة القنبلة الذرية. وأرسل خطابا إلى الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1939م. محذرا من إحتمال توصل الألمان إلى القنبلة الذرية أولا. فقد كان لدى الألمان أعظم العقول المتخصصة في الذرة في ذلك الوقت. لكنه ندم على خطابه هذا أشد الندم, وكان يعتبره أعظم الأخطاء في حياته. في الواقع, أينشتين لم يكتب الخطاب بنفسه. إنما كتبه عالم الذرة ليو سيلارد, وأغرى أينشتين بتوقيعه. فقد كان أينشتين يعيش في الولايات المتحدة منذ عام 1933م, بعد هروبه من ألمانيا خوفا من النازية. وجاء في الخطاب: "سيدي: بعض أبحاث فيرمي وسيلارد، التي قمت بمراجعتها, تجعلني أتوقع أن عنصر اليورانيوم من الممكن أن يتحول إلى مصدر هام جديد للطاقة في المستقبل القريب". طاقة القنبلة الذرية تأتي من نواة الذرة. لذلك تسمى أيضا القنبلة النووية، وهو الإسم الأدق, لكن الناس تعودت على الإسم الأول. الكتلة تتحول إلى طاقة حسب معادلة أينشتين E=mc2. هذه الطاقة تعرف بطاقة الربط أوالجذب أو الشد في النواة. ولتوضيح ذلك ومادمنا نتكلم عن الذرة, فيجب أن نعرف شيئا عن تركيبها وتكوينها. الذرة تتكون من جسيمات صغيرة جدا تعرف بالجزيئات. حتى العشرينات من القرن العشرين, كان معروفا أن الذرة تتكون من نواة وإلكترون أو أكثر. الإلكترون له شحنة سالبة، ويدور حول النواة. مثل المجموعة الشمسية. الشمس تشبه النواة, ومجموعة الكواكب التي تدور حولها تمثل الإلكترونات. نواة الذرة تتكون من نوعين من الجزيئات أو الجسيمات الصغيرة تسمى بروتونات ونيترونات. البروتون له شحنة موجبة تعادل شحنة الإلكترون. أما النيترون فمتعادل الشحنة. كتلة النيترون تزيد قليلا عن كتلة البروتون. وكتلة البروتون تعادل 1836 ضعف كتلة الإلكترون. كم عدد البروتونات والنيترونات والإلكترونات في الذرة؟ هذا يتوقف على نوع العنصر الذي نتكلم عنه. بعض العناصر مثل غاز الهيدروجين, ذرته بسيطة التكوين ومكونة من: بروتون واحد في النواة, وإلكترون واحد يدور حولها (الأبحاث الحديثة تثبت أن الإلكترون عبارة عن سحابة تغلف النواة). وبعض العناصر معقدة التركيب مثل ذرة اليورانيوم. اليورانيوم عنصر ثقيل, أثقل من الذهب. يوجد نوعان أو نظيران منه في الطبيعة. اليورانيوم 235, واليورانيوم 238. اليورانيوم 235, يرمز له بالرمز U-235, وهو مكون من 92 بروتون و143 نيترون و 92 إلكترون. أما اليورانيوم 238, ورمزه U-238, فيتكون من 92 بروتون و146 نيوترون و92 إلكترون. الفرق بينهما مجرد ثلاث نيوترونات، لكن ياله من فرق. اليورانيوم مثل البترول, لا يمكن تصنيعة متى نضب. لكنه يوجد في الطبيعة مختلطا بالصخور بكثرة في أنحاء متفرقة من العالم. النوع الأول, اليورانيوم 235 موضوعنا هنا, يوجد بنسبة 6 في الألف مختلطا بالنوع الثاني, اليورانيوم 238. ومن الصعب فصل النوع الأول عن النوع الثاني ويحتاج إلى تكنولوجيا عالية جدا. نحن في الواقع نتحدث عن ذرة في حجم ووزن الفيل بالنسبة لباقي الذرات. داخل النواة, 92 بروتون كل منها مشحون بشحنة موجبة. ونحن نعرف أن الشحنات المتشابهة تتنافر. فما الذي يجمع 92 قوة متنافرة مع بعض؟ الذي يجمع البروتونات مع بعضها هي طاقة الربط (Binding Energy). نعرف أيضا أن النيوترونات متعادلة الشحنة. فما الذي يمنعها من التطاير في الفضاء وترك النواة؟ طاقة الربط أيضا هي التي تمنعها من ترك النواة. طاقة الربط تجعل نواة الذرة متماسكة إلى حد ما, بالرغم من وجود 235 أو 238 جسيم بداخلها تتوق إلى التنافر والهرب. القوى الطبيعية التي تتحكم في هذا الكون عددها أربعة: - الجاذبية - الكهروماغناطيسية - القوة الضعيفة - القوة القوية القوي الأربعة هذه هي التي تسير هذا الكون منذ بدء الخليقة. قوة الجاذبية نعرفها جميعا وتمنعنا من التطاير في الفضاء. وهي ضعيفة إلى درجة أن مغناطيس صغير يمكنه رفع مسمار صغير والتغلب على جاذبية الأرض بحجمها الضخم. القوة الكهرومغناطيسية هي المسؤولة عن الضوء وباقي الأشعة. وهي التي تربط الإلكترون بالنواة. القوة الضعيفة هي التي تجعل بعض العناصر الثقيل مشعة. أما القوة القوية, فهي شديدة جدا وتعمل لمسافات قصيرة جدا. وهي التي تكون "طاقة الربط" التي تربط جسيمات النواة مع بعضها. عندما نحك حبة سبحة بقطعة صوف, فهي تفقد بعض الإلكترونات وتصبح مشحونة بشحنة موجبة. لأن القوة التي تربط الإلكترون بالذرة تعتبر ضعيفة جدا بالنسبة للقوة التي تربط جسيمات النواة ببعضها. القوة القوية هذه, تعادل ملايين المرات القوة التي تربط الإلكترون بالذرة. طاقة الربط التي تستخدم لربط جسيمات النواة (البروتونات والنيوترونات) ببعضها وتمنعها من الإنفراط, تستهلك جزءا من مجموع كتلة النواة. هكذا يقول أينشتين. بذلك تكون كتلة مجموع مفردات مكونات النواة, أكبر من كتلة النواة وهي مجمعة. البيع بالجملة أرخص من البيع بالقطاعي. في هذه الحالة, الطاقة المخزونة داخل النواة تكون أكبر من طاقة مجموع جسيماتها المفردة. لماذا؟ لأن جزءا من الكتلة داخل النواة، قد تحول إلى طاقة ربط. هذه الظاهرة معروفة ب "نقص الكتلة". في بعض الأحيان, طاقة الربط التي تحافظ على جسيمات النواة مع بعضها, تكون غير كافية. في عام 1896م, كان الفيزيائي الفرنسي هنري بيكويريل منبهرا بتجارب الأشعة السينية التي يقوم بها رونتجن في ألمانيا. في معمله بمتحف التاريخ الطبيعي بباريس, بدأ بيكويريل تعريض شرائح فوتوغرافية لضوء الشمس, بعد طلائها بأملاح اليورانيوم. ظانا أن هذا سوف ينتج عنه أشعة إكس. وفي يوم ملبد بالغيوم, وضع بيكويريل الشرائح الفوتوغرافية في أحد الأدراج مع أملاح اليورانيوم. عندما قام بتحميض الشرائح وهو يعلم أنها لم تعرض للشمس, وجد أنها قد تأثرت بأشعة قوية. هذه الأشعة القوية, لم تكن سوى أشعة أملاح اليورانيوم. عندما علم بيير وماري كوري بما حدث لشائح بيكويريل من أملاح اليورانيوم, قاما بالبحث عن عناصر أخرى لها خاصية الإشعاع. فوجدا أن عنصري الثوريوم واليورانيوم بنوعيه، لهما خاصيتي الإشعاع. في عام 1898م, إكتشفا عنصرين آخرين هما البلونيوم (سمي بإسم بلد ماري كوري, بولندا), والراديوم (إسم يدل على نشاطه الإشعاعي Radioactivity). في إنجلترا, صمم إيرنست رازرفورد تجربة لفحص خاصية الإشعاع هذه. فوجد أن هذه الأشعة نوعان. أحدهما أكثر إختراقا للأجسام من الأخرى. الأشعة الأقل إختراقا لها شحنة موجبة, أسماها أشعة ألفا, والأخرى لها شحنة سالبة, أطلق عليها أشعة بيتا. لماذا بعض العناصر لها خاصية الإشعاع هذه دون غيرها من العناصر؟ قوة الربط الموجودة في نواة الذرة قوية جدا, فكيف لا تبقي على جسيمات هذه المواد المشعة داخل النواة، وتسمح لها بالهرب عن طريق الإشعاع؟ السبب هو أن قوة الربط الموجودة في النواة تعمل في مسافات صغيرة جدا. بمعنى أن جسيمات الذرة لابد أن تكون قريبة جدا من بعضها, أي تكاد تتلامس, حتي تبدأ هذه القوة في العمل. قوة الربط لا تعمل في المسافات البعيدة. وتترك المجال لقوى التنافر بين شحنات البروتونات الموجبة, لكي تعمل عملها. فيقوم كل بروتون بدفع البروتون القريب منه خارج نواة الذرة وبذلك يحث الإشعاع. في الذرة المستقرة, تتعادل قوى الربط بين جسيمات النواة مع قوى التنافر للبروتونات. النيوترونات داخل النواة تؤثر عليها قوى الربط فقط. لأنها متعادلة الشحنة ولا تتعرض لقوى التنافر. إذا كان لدينا عدد كاف منها فإنها تعمل على إستقرار النواة. المشكلة تأتي من الذرات الكبيرة. فهي مثل الحكومات الكبيرة والشركات الكبيرة. تصبح تحت ظروف معينة غير مستقرة. مثلا, عندما يزيد عدد البروتونات داخل النواة عن 30 بروتون, تصبح القوى المؤثرة على البروتون الموجود في قلب النواة, مختلفة عن القوى المؤثرة على البروتون القريب من سطح النواة. عندما يزيد عدد البروتونات زيادة كبيرة, قد تتغلب قوى التنافر على قوى الربط. وبذلك تصبح الذرة غير مستقرة. في هذه الحالة, تبدأ كتل صغيرة من النواة في الهرب. كل منها عبارة عن 2 بروتون و2 نيوترون. وجد أن هذه الكتل, عبارة عن أنوية ذرات الهيليوم. أو ما يسمى بأشعة ألفا. النيوترون المتعادل الشحنة, والذي يعمل على إستقرار نواة الذرة, لما له من قوة ربط هو الآخر, خصوصا عندما تكثر البروتونات المتنافرة داخلها, له خاصية غريبة. هو لا يعيش طويلا خارج النواة. مثل السمك, يموت بسرعة خارج الماء. النيوترون كذلك, إذا ترك النواة, فإنه يعيش فقط لمدة 15 دقيقة. ماذا يحدث له بعد ذلك؟ في الأنوية الكبيرة للذرات الغير مستقرة, النيوترونات داخل النواة تظل كما هي، ولا يسمح لها بالتغيير. أما الموجودة على السطح الخارجي للنواة, مثل البرتقال الموجود على وش القفص, يمكنه التفكك إلى ثلاثة جسيمات في نفس الوقت. بروتون وإلكترون وشئ جديد لم نسمع عنه من قبل إسمه نيوترينو. ألاعيب شيحة. البروتون الناتج من التفكك, يظل موجودا في النواة ولا يرغب في مغادرتها. لماذا؟ لأن النواة تسمح له بالإنضمام إليها مادام البروتون على السطح (العربية مليانة لكن الضيف الجديد يمكن أن يركب فوق السطح). النواة لا تسمح بخلق بروتونات جديدة داخل قلب النواة, وإلا تحولت كل النيترونات في قلب النواة إلى الثلاث جسيمات المشار إليها بعد 15 دقيقة هي عمر النيترون الحر. فقط النيترونات التي على السطح الخارجي هي التي تتحول, عندما تكون النواة غير مستقرة. الإلكترون والضيف الجديد النيوترينو, ليس لهما مكان داخل النواة. لذلك يخرجان من غير مطرود إلى رحاب الكون الخارجي. هذا ما يعرف بأشعة بيتا. النيترينو له خاصية عجيبة لا ينافسه فيها أحد, فهو يستطيع أن يخترق جسمي وجسمك وحتي الكرة الأرضية وينفذ من الناحية الأخرى دون أن يصطدم بشئ. النوع الثالث من الإشعاع الذي تم إكتشافه, ويأتي من أنوية الذرات الغير مستقرة أيضا, عبارة عن موجات إلكترومغناطيسية مثل الضوء. تسمى أشعة جاما. ليس لها شحنة كهربائية. في عام 1930م, عندما كان العلماء يطبقون مبادئ نظرية الكم على الذرة لمعرفة ماذا يحدث هناك, كانوا يبحثون أيضا عن طرق لتحويل النواة العادية إلى نواة مشعة. بهدف المعرفة وحب الإستطلاع فقط لا غير. ولم يكن موضوع القنبلة الذرية في دماغ أحد منهم. في عام 1934م, كان الفيزيائي الإيطالي إنريكو فيرمي يستخدم النيوترونات من الذرات المشعة كقذائف موجة إلى أنوية اليورانيوم. وكان يعتقد أن تجربته هذه سوف تنتج عناصر أثقل من اليورانيوم, وليس عناصر جديدة. المعروف أن عدد البروتونات في النواه هو الذي يحدد نوع العنصر. ويسمى العدد الذري. الفرق بين الذهب والفضة هو مجرد إختلاف في عدد البروتونات في أنوية كل منهما. عدد البروتونات يحدد نوع العنصر, أما عدد النيوترونات في النواة فيحدد أنواع النظائر. إذا تغير عدد البروتونات أو العدد الذري, تغير العنصر. أما إذا تغير عدد النيوترونات, مع بقاء العدد الذري ثابت, فتسمى الذرة نظير. مثلا هناك اليورانيوم ونظائر اليورانيوم, الكربون ونظائر الكربون. كلها تتساوى في العدد الذري ولكن تختلف في عدد النيوترونات. إعتقد فيرمي أنه نجح في تحويل ذرة اليورانيوم إلى ذرة أثقل, أي إلى نظير جديد. ونشر بحثه في المجلات العلمية. لكن عالمة كيمياء تدعى عايدة نوداك, كتبت مقالا علميا قالت فيه أن فيرمي لم يأت بعنصر جديد. إنما قام, من حيث لا يدري, بتفتيت الذرة. تفتيت الذرة جاء عن طريق الخطأ. قليل من علماء الفيزياء هم الذين قرأوا مقال عايدة نوداك, لأنه نشر في مجلة علمية تختص بشؤون علوم الكيمياء. الذين قرأوه لم يصدقوا أن فيرمي يمكن أن يخطئ في النتائج. فيرمي نفسه قرأ المقال, وراجع بعض الحسابات. لكنه قرر أن عايدة مخطئة في إستنتاجها. أيهما على صواب؟ فيرمي العالم المخضرم، أم نوداك العالمة الشابة؟ الإجابة على هذا السؤال أتت بعد عدة سنوات، في منتصف الحرب العالمية الثانية. على أيدي عالمة الذرة النمساوية ليز ميتنر، ومجموعة الباحثين الذين يعملون تحت إشرافها. من قال أن المرأة لا تصلح أن تكون عالمة ذرة. ماري كوري وعايدة نوداك وليز ميتنر وسميرة موسى وغيرهن كثيرات. قامت ليز ميتنر, هي ومجموعتها, بدراسة تجربة فيرمي لمدة أربع سنوات متواصلة. في نهاية الدراسة, شرحت بالتفصيل ما فعله فيرمي بالضبط. فيرمي إكتشف إنشطار الذرة وهو لا يدري. إنشطار الذرة هو أول خطوة عملية في صناعة القنبلة الذرية. في عام 1938م, ذهبت ليز ميتنر لزيارة ابن أختها في كوبنهاجن أوتو فريش، الذي كان يعمل باحثا في معهد نيل بور. أثناء السير على الجليد في صباح يوم قارس البرد, بدأ الإثنان يناقشان تجربة فيرمي وموضوع إنشطار ذرة اليورانيوم. قامت ميتنر بحساب معادلة أينشتين في رأسها E=mc2, فوجدت أن كمية الطاقة الناتجة من الإنشطار هائلة. الطاقة الناتجة من إنشطار نواة ذرة واحدة من اليورانيوم, صغيرة نسبيا وتبلغ جزء من ترليون(مليون مليون) جزء من الطاقة المستخدمة في رفع كرة السلة من الأرض إلى صدر إنسان متوسط الطول. لكن هذه الطاقة تصبح مهولة إذا أطلقت من كل الذرات في نفس الوقت. عدم إطلاقها في نفس الوقت لن يأتي بالنتيجة المرجوة. عالم واحد كان دائم التفكير في تصنيع القنبلة الذرية. هو ليو سيلارد, الذي ورط أينشتين وجعله يوقع الخطاب المرسل للرئيس روزفلت. في عام 1932م, جاء ليو سيلارد بفكرة أن النيوترونات أفضل من أشعة ألفا في قذف نواة اليورانيوم 235. وجاء سيلارد أيضا بالطريقة التي تجعل كل طاقات الأنوية المنشطرة تنطلق في آن واحد. كانت فكرة سيلارد هي أننا نبحث عن عنصر, عندما نقذفه بنيوترون واحد, فإنه يطلق إثنين أو أكثر من النيترونات. النيترونات المنطلقة, سوف تقذف أنوية جديدة. فتنطلق أربع نيترونات أخرى. والأربعة تصبح ثمانية. وهكذا في سلسلة تفاعل, ينتج عنها كمية هائلة من الطاقة. سرعان ما بدأ التفكير الجدي في صناعة القنبلة الذرية لزوم الحرب، بعد خطاب أينشتين إلى الرئيس روزفلت. كانت فكرة إستخدام النيوترونات في سلسلة التفاعل التي إقترحها سيلارد, هي موضوع الساعة. عندما فكر فيها سيلارد, لم يكن إنشطار الذرة قد أكتشف بعد. ولم يكن أحد يعرف أن نواة الذرة الكبيرة يمكنها أن تنقسم إلى ذرتين بإستخدام قذائف بطيئة من النيوترونات. في عام 1942م, إستطاع إينريكو فيرمي في معمله في مدينة شيكاجو توليد أول سلسلة تفاعلات نووية. فيرمي كان قد ترك بلده الأصلي إيطاليا، هربا من موسوليني والحكم الفاشستي, ولجأ إلى الولايات المتحدة. في سلسلة تفاعلات فيرمي, كتلة نواة اليورانيوم 235 قبل التفاعل بالإضافة إلى النيترونات التي نستخدمها كقذائف, كانت أكبر من كتلة الأجزاء المتفتتة بعد سلسلة التفاعل. كل ذرة يورانيوم 235 يتم تفتيتها, تتحول إلى ذرة باريوم + ذرة كربتون + 3 نيوترونات. معادلة أينشتين تخبرنا أن الفرق في الكتلة, ينطلق كطاقة عندما تنشطر نواة اليورانيوم. فيرمي لم يسمح بالتفاعلات داخل معمله بالإنطلاق بدون حدود. وإلا حدث إنفجار مروع داخل معمله. فقد كان يتحكم في سلسلة التفاعلات عن طريق إستخدام مواد ماصة للنيوترونات مثل قضبان الكربون. لكن داخل القنبلة الذرية, سلسلة التفاعلات تنطلق بدون أي سيطرة أو تحكم. لكي يحدث الإنفجار, نحتاج إلى كمية كافية من اليورانيوم 235 لمساندة وإستمرار سلسلة التفاعل. ونحتاج إلى تصميم جيد يجعل التفاعل يبدأ في الوقت المناسب. 52 كيلوجرام من اليورانيوم 235 كاف لبدء التفاعل. لذلك تسمى كمية اليورانيوم هذه بالكتلة الحرجة. اليورانيوم 238 لا يصلح للإنشطار بالرغم من وجوده بكثرة. إذا كانت لدينا الكتلة الحرجة من اليورانيوم 235, فإنها تبدأ في الإنفجار من نفسها. أي نيوترون واحد سايب يمكنه أن يشعل التفاعل. داخل القنبلة الذرية, الكتلة الحرجة تتكون فقط عند وقت الإنفجار. القنبلة التي ألقيت على المدنيين في هيروشيما في اليابان في 6 أغسطس عام 1945م, وهو يوم أسود في تاريخ البشرية، مهما قيل في تبريره, كان إسمها الطفل الصغير(منتهى البراءة). وكانت على شكل سيجار سميك. اليورانيوم 235 داخل جسم القنبلة منفصل إلى جزئين, كل جزء أقل من الكتلة الحرجة. عندما يلتقي الجزءان, تتكون الكتلة الحرجة وتبدأ سلسلة التفاعل والإنفجار. الإنفجار يحدث في الجزء العاشر الأخير من الميكروثانية. هذا ما يجعل قوة الإنفجار مدمرة للغاية. لأن الطاقة تنطلق في وقت واحد. بعد عدة سنوات, قامت الولايات المتحدة بتصنيع قنبلة أخرى أقوى آلاف المرات من القنبلة الذرية. هي القنبلة الهيدروجينية. تعمل تماما مثل الشمس. شمسنا العظيمة هذه، والتي تعطينا الدفئ والحياة, ما هي إلا قنبلة هيدروجينية ضخمة. يعني ببساطة، نحن مدينون بحياتنا لقنبلة هيدروجينية. القنبلة الهيدروجينية لا تعمل بالإنشطار النووي مثل القنبلة الذرية. إنما تعمل، على العكس, بالإلتحام أو الإنصهار النووي. الإنصهار النووي عبارة عن دمج نواتين من عناصر خفيفة من نظائر الهيدروجين مع بعضهما. كما أسلفنا سابقا، بعض العناصر لها نظائر. غاز الهيدروجين هو أيضا له نظائر. أحدها يسمى ديوتيريوم، له نواة بها بروتون واحد ونيوترون واحد. ونظير آخر إسمه ترايتيوم, نواته بها بروتون واحد و2 نيوترون. بالطبع الهيدروجين العادي, نواته بها بروتون واحد وبس. لو صهرنا نواة النظير الأول للهيدروجين مع النظير الثاني, فإن الناتج يكون نواة جديدة لعنصر الهيليوم, التي تتكون من 2 بروتون و2 نيوترون. ويتبقى نيوترون حر طليق. معادلة أينشتين الشهيرة E=mc2, تخبرنا أن كتلة أنوية نظائر الهيدروجين, أكبر من كتلة الهيليوم مضافا إليها النيترون الطليق. أين الفرق في الكتلة؟ قد تحول إلى طاقة هي طاقة القنبلة الهيدروجينية. مشكلة التقنية في القنبلة الهيدروجينية هو كيف نقوم بصهر أنوية نظائر الهيدروجين مع بعضها والتغلب على قوة التنافر الموجودة بين البروتونات, وهي قوة شديدة جدا. مثل قوة التنافر بين أقطاب المغناطيس المتشابه. لكي نفعل ذلك, لا بد أن نقوم بتقريب الأنوية مع بعضها إلى درجة تقترب من التلامس حتى تبدأ القوة القوية, أي قوة الربط, في العمل. وكما قلنا سابقا أن القوة القوية, وهي إحدى القوى الأربعة التي تتحكم في هذا الكون, لا تعمل إلا في مسافات صغيرة جدا. الحل هو إحاطة أنوية الهيدروجين المراد صهرها بقنبلة ذرية عادية. عندما تنفجر القنبلة الذرية العادية, الطاقة المتولدة منها تقوم بدفع أنوية الهيدروجين إلى الداخل فتقترب من بعضها إلى مسافات صغيرة جدا ويحدث الإنصهار. والنتيجة, صناعة شمس أخرى على سطح الكرة الأرضية. الإسم الأصح للقنبلة الهيدروجينية هو القنبلة الشمسية. كارثة أخرى وعمل شيطاني آخر يهدد مستقبل الجنس البشري. القنبلة الذرية صنعت خوفا من ألمانيا النازية, لكنها لم تستخدم ضد ألمانيا. لأن الحرب مع ألمانيا كانت قد إنتهت في مايو عام 1945م. لكن القنبلة أسقطت على المدنيين في هيروشيما وناجازاكي باليابان لتنهي الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب العالمية الثانية, بدأ النظر إلى أينشتين على أنه أبو القنبلة الذرية. لكنه كان يكرة هذا اللقب بشدة. ورفض الإشتراك مع مجموعة العلماء التي شكلها الرئيس الأمريكي روزفلت لتصنيع القنبلة. وكان أينشتين يقول بإستمرار: "لو كنت أعرف أن المانيا لن تستطيع عمل القنبلة الذرية, لما كنت أيدتها أو أرسلت خطابي إلى الرئيس روزفلت". وسبق في عام 1921م, أن قال أينشتين: "أنا أرفض وبدون حدود أي عمل, مباشر أو غير مباشر, يخدم أغراض الحرب." ومن أقواله المأثورة: "قتل الناس عمل مقزز". عندما قام أينشتين بزيارة الولايات المتحدة عام 1930م, جاء في مقال له نشرته جريدة نيويورك تايمز: "لو 2% من المطلوبين للتجنيد في كل الدول رفضوا الإلتحاق بالجيش, وطالبوا بأن تحل كل المنازعات الدولية بالطرق السلمية, لأصبحت الحكومات عاجزة عن إشعال الحروب. الحكومات لا تستطيع أن تضع كل هذا العدد من الناس في المعتقلات". بعد الحرب وحتى وفاة أينشتين عام 1955م, كان يناهض التسلح النووي, ودائم المطالبة بنزع السلاح وتدمير الأسلحة النووية. تدمير هذا الشيطان الذي خرج من القمقم ولا نعرف كيف نعيده إليه. يكفي أن نعرف أن الغواصة الحربية العادية في هذه الأيام, تحمل قوة تدمير نووية تعادل 25 ضعف قوة المتفجرات التي ألقيت في الحرب العالمية الثانية كلها. فأي مصير ينتظر البشرية ونحن نتسابق في فنون الأسلحة النووية.

You need to be a member of poetsofottawa3 to add comments!

Join poetsofottawa3

Email me when people reply –

Replies

This reply was deleted.
Ottawa International Poets and Writers for human Rights (OIPWHR)