قيل وكتب الكثير عن أحداث اليمن ، بتوافق أو بتخالف . وكان معظم ذلك يظهر نتيجة حالات مهيمنة ، أو صور إستقرت ضمن منظورها ، وأغلبها تنطلق من :
- رؤية ذاتية ضيقة معزولة عن الوساعة أو عن المعلومة .
- أو من رؤية وأحكام مسبقة في تراكماتها ، تقيس من خلالها كل الأمور .
- أو من تبعية أيديولوجية فكرية وثقافية وسياسية ، لاتقبل مجرى الأحداث ، وطبائع الأمور ، وشمولية الرؤية .
- والقليل القليل مما قيل أو كتب ، كان ضمن شمولية الرؤية ، وموضوعية البحث ، والثوابت العامة للأمة العربية عبر سفرها التاريخي .
وإن كان من واجبي ، وتلبية لتساؤلات أخوات وأخوة عن " رأيي " و " تقييمي " للحالة اليمنية وتوضيحها لأقرب صحة نسبية أعتقدها ، وحتى لا أدخل في السرد المقالي أو البحثي المطوّل ، رأيت تحديد " محاور واضحة " معمقة ومُلخصة ومتشابكة ، تشكل لديكم : أساس ، ومنطلق ، ومحددات للمشكلة :
1- الوضع العالمي الأمروصهيوني :
-----------------------------------
لايمكن بأي حال من الأحوال ، فصل ماوصلت إليه الأحداث في اليمن اليوم ، عن المخطط والإستراتيجية العامة للعدو الأمروصهيوني ، الذي ينفذه تدريجيآ وتراكميآ على أرض الوطن العربي .
فمن : فلسطين ، إلى العراق ، إلى لبنان ، إلى مصر ، إلى السودان ، إلى الصومال ، وصولآ اليوم إلى اليمن .
وهو مخطط شامل ومترابط في نتائجه المراد تحقيقها ، لخلق " شرق أوسط جديد " ، قاعدته المركزية " الدولة الصهيونية " ، ومحيطه المطلوب الوصول إليه : تفتيت المفتت ، وتقسيم الدول ، بالصراعات الداخلية " كأداة " تستند إلى إعادة إنتاج ( الهويات القاتلة ) الإثنية والطائفية والفئوية . حيث أن المنطقة الإستراتيجية الموضوعة تحت " المشرط الإستراتيجي " ، هي الممرات المائية الأكبر والأهم كجغرافية إستراتيجية في العالم ، وفي بؤرة الصراع اليوم . البحر الأحمر ، خليج عدن ، بحر العرب ، الخليج العربي .. وبكل الجغرافيا الأرضية المحيطة : السودان ، الصومال ، القرن الأفريقي ، مصر ، السعودية ، اليمن ..
السيطرة هنا .. هي سيطرة على أهم موقع جغراسي إستراتيجي في المنطقة والعالم .
2- الوضع الإقليمي المتفاعل مع العالمي :
----------------------------------------
ما وصلت إليه الأمور هنا في خواتيمها – وليس منذ بداياتها – هو مايمكن أن يكون " إطارآ عريضآ " للصراع الإقليمي – الإقليمي من جهة ، وللصراع الإقليمي – الأمروصهيوني من جهة أخرى .
فالصراعات الإقليمية – الإقليمية ، كانت موجودة ومستمرة ، وللمستقبل الغير منظور . صراعات : إيران مع العراق - إيران وسوريا والمقاومة العربية ، مع مايسمى " محور الإعتدال العربي " – المقاومة العربية ضد الصهيونية ، السعودية ، مصر – السعودية ومصر ضد إيران- السودان ، ضد الدول الأفريقية المحيطة الطامعة والمدفوعة .
ثم .. الصراع الصدامي بأشكاله المتعددة بين المخططات والمصالح الإيرانية ، وبين المخططات والمصالح الأمروصهيونية ، في مساحات واسعة على " الأرض العربية " .
وهنا في اليمن .. واليوم – وليس سابقآ لأعوام – هناك محاولة أمروصهيونية لخنق وتركيع وتفتيت إيران من خلال الهيمنة التامة على المداخل البحرية الإستراتيجية ، شريان الحياة بالنسبة لإيران ، كمدخل للخليج العربي .
3- الأوضاع العربية :
---------------------
من لم يساهم في الفعل والتحالف مع طرف هذا الصراع أو ذاك .. يجلس خائفآ متوجسآ راضخآ للقوة العظمى إمبراطورية الشر الأمروصهيونية :
• السعودية فاعلة في الصراع ، تحالفآ مع محور الشر .
• مصر ، الأردن ، فاعلان بدرجات أقل ، تحالفآ مع محور الشر .
• السلطة اليمنية فاعل رئيس في الصراع ، تحالفآ مع محور الشر .
• النخب العربية .. ممزقة ، مسلوبة الوعي والفعل ذاتيآ وموضوعيآ . متردية مضيّعة لبوصلة توجهها ، منحازة بدون إدراك – في معظمها – لهذا الطرف أو ذاك ، متشابكة مع بعضها البعض ، مضيّعة "أولوياتها " ، خالقة عدوآ ذاتيآ بين بعضها البعض .
• الشعوب العربية .. كتلة صامتة غائبة غير مبالية ، في معظمها .
4- الأوضاع في اليمن :
------------------------
كتل ومتجزئات وعوامل تفتيت :
- السلطة اليمنية الفاسدة والمتآمرة .
- الحوثيون في الشمال .
- الحراك الجنوبي في بعض محافظات الجنوب .
- "القاعدة" المنتشرة في الداخل اليمني ، هنا وهناك مع إمتدادها لدول الجوار .
- الإخوان المسلمون .. البيضة الفاسدة أبدآ في كفات الميزان ، المتنقلة من كفة على أخرى.
* عن السلطة اليمنية الفاسدة والمتآمرة : لاشيئ جديد يقال .. وهي السبب الرئيس لتخلّق كل هذا .
قبلية ، رجعية ، تسلطية دموية ، فساد جلل ، تحالفات تآمرية متغيرة .
• الحوثيون : ولا إعتراض على صعوبة فهم الكثيرين ، وتمييز محددات للحوثيين ، ضمن تفكيرنا الثنائي ( أسود – أو ابيض ) . فهم في الواقع " إشكالية قائمة بذاتها " ..
قبلية متخلفة ، في منطقة جغرافية متخلفة بعيدة عن التنمية والتطوير ، كانوا في تحالف سندآ رجعيآ لحكم الإمامة ، ضد ثورة اليمن وضد مصر / عبد الناصر ، في تحالف وثيق مع الرجعية السعودية .
منذ 1990 كان " تنظيم الشباب المؤمن " الذراع العسكري لهم ، يطرحون أنفسهم " كفكرة دينية " . وفيما بعد عام 2000 خرج منهم / حسين الحوثي / وشكل تيار جديد أسماه " حركة الشعار " ، وكان مناهضآ للولايات المتحدة وإسرائيل ، ومناصرآ مطلقآ للقضية الفلسطينية . بينما تحول " تنظيم الشباب المؤمن " إلى التحالف الوثيق مع السلطة اليمنية ، ومع حزبها الحاكم .
وبعد مقتل / حسين الحوثي / عام 2004 – الحرب الأولى – أصبح الحراك الحوثي مع بدء صداماته المسلحة مع السلطة التي إنقلب عليها ، يطالب بمطالبات تصحيحية تنموية ، وتصحيحية سياسية ودستورية ، ولكن : بقوة السلاح والقتال .!
ومنذ الحرب الأولى .. وحتى ماقبل الحرب السادسة اليوم .. كانت تلك المطالبات الأساس للحوثيين .
ويقول الباحث والكاتب / فواز طرابلسي / بورقته المقدمة " للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي " في اكتوبر العام الجاري :
[ ان حركة الحوثيين تؤشر إلى نمط المشكلات والأزمات التي تنجم عندما " ينجدل " التهميش الإقتصادي والتمييز السياسي والحرمان الإجتماعي ، مع الخصوصيات والهويات المذهبية والمناطقية . ويزيد من حدة الأزمة ضيق قاعدة السلطة وإزدياد طابعها الفردي والتخلي المتزايد للدولة عن دورها في التنمية والخدمة الإجتماعية ، وإطلاق العنان للفساد والمحسوبية .. وأن الصراع في صعدة يشير اليوم إلى التحميل المتزايد للصراع " على الوحي الخارجي والإرتباطات بالخارج .. ] .
في الحرب السادسة اليوم .. تحولت المطالبات الداخلية المحقة – ليس بأسلوبها – إلى واقع جديد . وتحولت إلى الإستراتيجي السياسي ضمن تشابكات ، وإستغلالات ، وتحالفات متناقضة وشيطانية متشعبة ، ودخولها ضمن ( الصراع الإقليمي ) . والموضوعية تدفعني للقول :
( ان تعنت السلطة الحاكمة ، لايعفي الحوثيين من المسؤولية .. إذ لايرون ردآ على التهميش والتمييز ، إلا في الإرتداد – ليس على السلطة فقط - .. على " النظام الجمهوري " ، والسعي لإقامة " إمارة دينية " مستقلة ، على المناطق التي يسعون للسيطرة عليها في الجمهورية العربية اليمنية ) ..
ومن باب ومنطلق ( المصلحة المطلقة ) .. توجه " الحوثيون " إلى التحالف مع " إيران " لتحقيق وتوفير أسباب قوتهم وتسلحهم وتدربهم . وقبلت " إيران " بسعادة إقامة مثل هذا التحالف ، لإفشال المخطط الأمروصهيوني المرسوم للهيمنة على شريان حياتها في منطقة إستراتيجية كاليمن ، مدخل الخليج العربي . وقد ظهر هذا الوضع مع إنكشاف ما صار يعرف بإسم خطة " يمن خوش هال " ، أي : اليمن السعيد ، التي أعدها قسم قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني .
• الحراك الجنوبي :
--------------------
وذلك المنطلق الذي ذكرته أعلاه عن " مسؤولية الحوثيين ".. ينطبق تمامآ أيضآ على "الحراك الجنوبي " في اليمن :
( ان تعنت السلطة الحاكمة .. لايبرر بالمطلق ، ولا يعفي الحراك الجنوبي من المسؤولية الكبرى بطروحاتهم .. إذ أن الرد على الظلم والتهميش والتمييز ، لايبرر نهائيآ إرتداد الحراك الجنوبي ، إلى ما تمثله شعاراته ، وطروحاته ، ومطالباته ، ومساعيه : " بفك الإرتباط – بالإنفصال – التحرر من الإستعمار الوحدوي – رفض دولة الوحدة .. " .
ان تلك الطروحات ، توضح وتؤكد أن هناك " نهجآ وتوجهآ " يتقاطع تمامآ : بمعرفة وإصرار لدى النخبةالإنفصالية، أو بجهل وإنقياد وإنسياق لدى جزء من الشارع .. مع التوجه الغربي الإستعماري ، وتحديدآ الأمروصهيوني في التفتيت والتقسيم والتجزيئ . وخاصة مع التحرك السياسي لنائب الرئيس السابق / علي سالم البيض / في الخارج .
• " القاعدة " :
-----------------
كشفت الأحداث الأخيرة ، وجود المئات من أعضاء تنظيم " القاعدة " في اليمن ، ومنهم من فر من السعودية والصومال وباكستان وأفغانستان ، إلى اليمن خلال الأشهر الماضية . وخاصة مع عملياتهم بالفرار من السجون اليمنية ، ومداهمة مستنشفايات في " ابين " وهرّبوا الجرحى بالقوة ، إضافة لتفجيرات سيارة متنقلة . ثم قيام السلطة اليمنية – يقال طائرات أمريكية – بقصف " معسكر القاعدة في أبين " مع ماخلفه من ضحايا وجرحى مدنيين ، كانت كارثية بالنسبة لسكان المناطق الجنوبية التي تعيش حالة من الإحتقان . فظهر تنسيقآ وتشابكآ بين "الحراك الجنوبي " وبين أنصار القاعدة .. ذلك الحراك الذي يقوده الزعيم القبلي والجهادي السابق ، / الشيخ طارق الفضلي / .. نعم .. تشابك وتنسيق بين متناقضين : ماركسيين ، سلفيين جهاديين . وبالتشارك في عمليات جرائم قتل إستهدفت الكثير من الشخصيات السياسية والأمنية. وقد ظهر اخيرآ .. أن القيادي البارز في تنظيم " القاعدة " / أبو صالح الكازمي / تسبب في مقتل أسرته بكاملها من خلال إستغلال قريته " مودية " لإنشاء معسكرات لتدريب الإرهابيين .
• الأخوان المسلمون :
-----------------------
ليس هناك بجديد لتوضيحه أو لشرح وتبيان مواقفهم الإنتهازية الإجرامية المتذبذبة ، ليكونوا مع هذا الطرف أو ذاك ، في تحالفات شيطانية : دائمة ، أو مؤقتة .. إنهم من الأسباب المستمرة لبلاء الأمة العربية .
5- الموقف القومي العربي الغير سلطوي :
------------------------------------------
بعيدآ عن مقاربات بعض الأنظمة العربية لما يجري في اليمن ، ومحاولة الجامعة العربية المتمثلة بالسيد / عمرو موسى / .. والذي كان أقرب الآخرين للإحتكاك بهذا الحدث ، على الأقل في " المستوى الإعلامي الظاهري " ، لدرجة أن وصلت بعض التطلعات لدى البعض ، كمثل الغريق الذي يتمسك " بقشة " .. وصلت إلى تعبير : [ لم يبق سوى " عصا موسى " ] . بكل إنعدام الرؤية أو الإستفادة من تجارب سابقة ، وبكل اليأس والإحباط المحيط بجميع الأطراف ..
فعلى المستوى النخبوي والشعبي الوطني اليمني .. كانت معظم التوجهات تؤكد على ضرورة الجميع مع : المشروع الذي تقدمت به المعارضة .. " مشروع الإنقاذ الوطني " . التي لاقت الترحيب الواسع والتأييد من قبل معظم القوى السياسية والأوساط الأكاديمية ومراكز الأبحاث الإستراتيجية ، والأوساط الدبلوماسية العربية والخارجية .
ويقول السيد / د. عبد الله الفقيه / أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء ، بما يشكل تعبيرآ عن مجمل الآراء الوطنية للخروج من الأزمة :
[ ان مشروع المبادرة اكتسب أهمية على كثير من المستويات ، والأهم من ذلك أنه مثّل نقطة تطور مهمة في النضال السياسي السلمي ، وفي تطور الوعي السياسي للنخب السياسية اليمنية ، سواءآ في السلطة ، أو في المعارضة ، أو خارج الإثنين .. ] .
إن الحفاظ على الوحدة والإستقرار في اليمن ، هي مهمة تقع على عاتق ( اليمنيين ) أولآ ،وبين بعضهم البعض ، وبتلاحم مع المساندات والدعم الشعبي والنخبوي العربي ، الذي يشكل عوامل إسنادية مساعدة وضاغطة .
وأكاد أجزم .. أن موقفنا كقوميين عرب ، يتلخص في النقاط التالية :
1- ان العروبة والقومية العربية ، هما من الثوابت الإجتماعية والمجتمعية المستمرة للأمة العربية .
2- ان " حركة القومية العربية " في حراكها : الفكري والسياسي والإقتصادي والإجتماعي .. هي حركة وحدوية ديمقراطية تنموية عادلة .
3- ان " حركة القومية العربية " ترفض رفضآ مبدئيآ ودائمآ .. أي : إنفصال ، أو تمزيق ، أو تشتيت ، أو إعادة تجزيئ .. تحت أي من : الأحجبة ، أو الستائر ، التي تختبئ وتبرر وتتلطى وراءها ، قوى : الردة ، والإنفصال ، والقطرية ، والإثنية ، والطائفية ، والمناطقية ، تحت أي سبب : موجود وقائم ، أو مختلق تبريريآ ، لتحقيق مخططاتها . ونعتبر في الحركة القومية العربية ، أن من يقوم ويطرح هذا الطرح التآمري والتدميري للأمة العربية ، بعلم وتصميم وإدراك ، أو بإنسياق وإنجرار ضمن " القطيع " ، إنما هو متقاطع ومتوافق تمامآ مع مخططات أعداء الأمة ، ومع المشروع ( الصهيوأمريكي) .
4- لاديكتاتورية الأنظمة ، ولا فسادها ، ولا تنكيلها ، ولا دمويتها ، ولا إستبدادها .. المرفوضين جملة وتفصيلآ .. يمكن أن يُعتبروا " ركيزة للتقاطع مع العدو " .. ونؤكد على :
أن التوحد على طريق الوعي والإدراك ، والتنسيق ، والتحالفات ، وحشد القوة ، لإسقاط هذه النظم ، وضمان عدم فرز مثلها فيما بعد .. هو طريقنا وقناعاتنا .
You need to be a member of poetsofottawa3 to add comments!
Replies