دخلت ألجمهوريه العربية اليمنية في التحالف الدولي المناهض للشيوعية أواخر القرن الماضي وجندت لهذا الغرض إعداد كبيره من مواطنيها وبعض معارضي النظام الاشتراكي الذي كان قائماً في جمهورية اليمن الجنوبية . تولت إرسالهم إلى أفغانستان للجهاد ضد الوجود العسكري السوفييتي هناك وإعدادهم إعداد عسكري وعقادي تمهيداً لعودتهم إلى اليمن واستخدامهم في معركة الاستيلاء على دولة الجنوب تحت غطاء إسقاط ( بقايا الشيوعية ) وتحقيق ( الوحدة اليمنية ) ، حيث مثل موضوع الجنوب ارض وثروة , شعب ودولة بالنسبة لسلطة صنعاء الاستحقاق الأول الذي أرادت الحصول عليه ثمناً لدخولها التحالف المناهض للشيوعية . هذا يعني إن الهدف الفعلي لسلطة صنعاء من دخولها هذا التحالف لم يكن الهدف المعلن نفسه مثلما هو عليه الحال عند بقية الدول , فالهدف الحقيقي بالنسبة لهـا كان دولة الجنوب وأراضيها وثروتها , وموضوع (إسقاط الشيوعية) و(الوحدة اليمنية) لم تكن سوى ألأغطية التي موهت بها أهدافها الحقيقية . الأمر الذي تأكد بالفعل وظهـر على نحـو واضـح في تحـالف الحرب التي أعلنتها هذه السلطة على الجنوب في 1994م وانتهت باستبعاد وإقصاء كلي لشعب الجنوب وأبنائه , لتقضي بذلك على الوحدة , وتجاوز الأمر ذلك ليصل التعامل مع الجنوبيين خارج مفهوم المواطنة واعتبارهم أناس في الهامش وبخروج الجنوب من المعادلة بفعل الحرب انهار التوازن وانهارت الوحدة ليحدث فراغ خطير فسح المجال لتسيد الطغيان ونشؤ وتكاثر الطفيليات لتشكل بالنتيجة بيئة خصبه للاضطرابات والحروب واتساع ظاهرة الإرهاب وعدم الاستقرار وهو ما يعني حالة فشل حقيقي للدولة . يشكل العائدون من أفغانستان الذين احتفظ بهم نظام صنعاء تنظيماً وتسليحاً وتمويل احد ابرز أعمدة تحالف الحرب ضد الجنوب . فما كانت تستبطنه السلطة في سنوات ما قبل إعلان الوحدة وإعلان الحرب بات مكشوفاً بعدهما . انكشاف الأهداف الحقيقية للسلطة قاد إلى التمايز وإعادة الفرز داخل تحالف الحرب بما في ذلك داخل العائدين من أفغانستان حيث قاد هذا التمايز إلى توزعهم في ثلاث مجموعات : المجموعتين الأولى وتضم أولئك الذين انخرطوا في الجهاد بهدف واحد هو إسقاط الشيوعية وبسقوطها وسقوط النظم الحليفة لها فضلوا العودة إلى ممارسة نشاطهم السياسي في البعد الوطني فمنهم من انخرط في صفوف الحزب الحاكم ومنهم من انخرط في أحزاب المعارضة أحزاب ألوجهة الدينية على وجه الخصوص . إما ألمجموعه الثالثة فقد آثرت البقاء على استقلاليتها التنظيمية ولم تنخرط في أحزاب المنظومة السياسية التي تعمل في الإطار الدستوري والقانوني الرسمي , ومع ذلك ظلت السلطة الحاكمة على علاقات وطيدة بهذه ألمجموعه . ولكن من غير المعروف ما إذا كانت هذه ألمجموعه قد أخذت بهذا الخيار من تلقاء نفسها أم إن ذلك تم بالاتفاق مع السلطة وما الهدف من ذلك إذا كان قد تم بالفعل ؟!. فالعلاقة الغامضة بينهما التي تتسم بالتحالف والتوافق تارة والتنافر والعداء تارةً أخرى . يدخلون السجون ويظهرون في المحاكم حيناً ويتحركون طلقا أحراراً أحياناً أخرى كل ذلك يجعل الاستنتاجات القطعية بهذا الشأن أمر صعب . الثابت في هذه العلاقة هو ارتباطها بالشأن الجنوبي , فمثلما تحالفت السلطة مع هذه المجموعات قبل سنوات من اجل الاستيلاء على الجنوب حين شكلت هذه المجاميع رأس حربة القوات التي اجتاحت الجنوب في حرب 1994م وبغطاء الوحدة اليمنية والقضاء على بقايا الشيوعية فإننا نرى العناصر المنتمية للمجموعة الثالثة تبدوا اليوم وكأنها موجهه لإلصاق تهمة الإرهاب بالحراك الجنوبي الذي أعلن صراحة فشل الوحدة مع ج . ع . ي. وما ترتب على ذلك من فشل للدولة ومطالبته بفك الارتباط وإعادة بناء ألدوله الجنوبية الكاملة السيادة , والهدف من ذلك سلب الحراك الجنوبي التعاطف الإقليمي والدولي حيث يتم إظهاره بمظهر الحليف للإرهاب وإظهار مناطق الجنوب وكأنها بيئة حاضنة للإرهاب . شكلت مثل هذه الأطروحات المضمون العام للحملة التي نظمتها سلطة صنعاء لتشويه الشعب الجنوبي وحراكه السلمي . ولم تكتف بآلياتها الإعلامية الخاصة وبعض الصحف المحلية المأمورة لها , بل وجندت بعض الكتاب العرب والأجانب المأجورين للأنضمام إلى حملتها في تضليل وخداع الرأي العام العربي والدولي . فالمتتبع الفطن والراصد الدقيق لطبيعة الوقائع والتحركات المرتبطة بهذه ألمجموعه سيكتشف إن هناك رابط , بل و تزامن يجعل من تحركاتها وكأنها تحدث بوصفها ردود أفعال مناهضه أو مشوشة على ما يحدث في الجنوب . وللتدليل على صدق ما نقوله نورد فيما يلي بعض من هذه الحقائق والوقائع:- 1- في 13 يناير 2006 أعلن في عدن عن مشروع التسامح والتصالح بين أبناء الشعب الجنوبي ومكوناته الوطنية والاجتماعية وتحدد هدفه بتجاوز ما خلفته صراعات الماضي من انقسامات واستعادة الوحدة الوطنية الداخلية بين كل أبناء الشعب الجنوبي. 2- الثابت إن المشروع اغضب السلطة وأقدمت على إغلاق جمعية ردفان في عدن التي احتضنت اللقاء الذي أعلن فيه التسامح , ونبشت مقابر الصراعات الجنوبية القديمة بهدف إذكاء الفتن وقامت بحملات ضد القادة الجنوبيين السابقين وملاحقات أمنية للمتبنين لمشروع التسامح والتصالح . واللافت أكثر في التداعيات هو انه لم تمض سوى 20 يوماً من الإعلان الجنوبي في التسامح , لتفاجئ السلطة العالم كله بإعلانها فرار 23 معتقل من منتسبي القاعدة من زنازينهم الانفرادية في سجون الأمن السياسي في العاصمة صنعاء يوم 6 فبراير 2006 م . 3- بعدها بفترة زمنيه مضت يطلع تسجيل إعلامي عن إعادة تشكيل تنظيم القاعدة في اليمن وتحديد اسم ناصر الوحيشي مسؤلاً عن هذا التنظيم وهو احد المعتقلين الفارين في مجموعة الـ23 معتقل. 4- تلى ذلك ظهور الشخص إياه على شاشات التلفزة ليعلن وقوفه إلى جانب الحراك الجنوبي ودعمه لقضية الجنوب في مسرحية هزلية واضحة هدفها التشويش والتضليل على الرأي العام الخارجي وخدمه للسلطة في الحصول على دعم وتأييد دولي في مواجهتها لمطالب الشعب الجنوبي وحراكه السلمي واستمرار سيطرتها على الجنوب تحت غطاء الحرب على الإرهاب وان الكل سمع أو شاهد عبر الفضائيات النفي الذي صدر من قيادات عليا في القاعدة لذلك البيان مؤكدة رفضها التعامل مع الحراك والمطالب التي يتبناها . 5- ظهور مفاجئ لجماعات صغيرة , أفرادها غرباء على مناطق الجنوب بحسب إفادات السكان , في مناطق نائية محددة بعيده عن القرى الأهلة بالسكان في بعض محافظات الجنوب انتهت بإعلان صنعاء يوم 17/12/2009م قيامها بضرب معسكرات القاعدة في أبين – ضربه لم تمس القاعدة لأنها أصلا غير موجودة هناك وضحايا الضربة هم نساء وأطفال وشيوخ تجاوز عددهم الخمسين . 6- استهداف المدنيين وقتلهم بهذا العدد الكبير تحت يافطة ضرب الإرهاب وما أشيع على نطاق واسع في الإعلام بالتزامن مع الضربة عن الدور الأمريكي في الضربة يوحي وكأنه يتضمن نوع من التوجيه لردود الفعل الغاضبة تجاه الضربة في الجنوب لتكون ضد الولايات المتحدة بدلاً من إن اتجاهها ضد سلطه صنعاء لينتج عن ذلك إظهار الشعب الجنوبي وحراكه السلمي وكأنه يقف مع القاعدة ضد الولايات المتحدة والتحالف الدولي في الحرب على الإرهاب على غرار إدخال مفرزة إلى الجيش اليمني في جبل الدخان واستدراج الحوثيين للصدام مع المملكة العربية السعودية. يؤكد هذا الاستنتاج ما حدث بالفعل في المهرجان التضامني الكبير الذي نظمه أبناء الجنوب وتوافدوا إليه من كل محافظات الجنوب مع الضحايا الأبرياء الذين حصدتهم الغارة , وتسرب نفر من الناس اندسوا خلسة بين الحضور وهم جاهزون بالوسائل الخاصة بهم من ميكرفونات وآلات التصوير والتسجيل وغير ذلك وينفردوا في نهاية المهرجان وفي إطراف الحشد في الهامش ليلقوا كلمتهم التي وجهوا فيها تهديدات للولايات المتحدة وتطمينات الجيش اليمني بأنهم لن يستهدفوه , وبحبكه مرتبه وبإتقان أظهرتهم وكأنهم جزاء من المهرجان تحقيقاً لإلصاق تهمة الإرهاب بسكان المناطق التي ينتموا إليها ضحايا الضربة وبالجنوب وحراكه السلمي عموماً . ولم تمض سوى أيام قليله أو ساعات إلا ويأتي الإعلان عن ضربه جديدة قتل فيها الشخص الذي تطفل على مهرجان المحفد والقي كلمة التهديد التي ترددها وسائل الإعلام . وقيل إن الضربة استهدفت اجتماع لقيادات مطلوبة في القاعدة أسفرت عن سقوط 32 شخص وهو كلام دحضته كل المعطيات اللاحقة التي نشرت حول الضربة ويبدوا إن هدفها ينحصر في قتل الشخص المذكور فقط ؟!! على هذا النحو تتضح الأمور و لمن يريد إن يفهم ما يحدث , فسلطة صنعاء دخلت التحالف الدولي المناهض للشيوعية بهدف حددته وأضمرته وهو الاستيلاء على الجنوب , واليوم تدخل التحالف الدولي المناهض للإرهاب من اجل الاحتفاظ بواقعة استيلائها على الجنوب ورفض مطالب شعبه عملاً بمبداء ‘‘ الغاية تبرر الوسيلة ‘‘ وهي لذلك تعمل على تشويه شعب الجنوب وحراكه السلمي وتحاول بكل الوسائل إلصاق تهمة الإرهاب به وتعزز قواتها في الجنوب تمهيداً لضرب الحراك الجنوبي باسم ضرب الإرهاب وتضلل المجتمع الدولي ودول الجوار الإقليمي بهدف الحصول على دعم سياساتها المتبعة تجاه خصومها السياسيين في الجنوب وفي الشمال أيضاً . إعلان الحرب على الجنوب عام 1994م وما نتج عنها من فشل الوحدة بين دولتي اليمن الجنوبية واليمن الشمالية والفشل الناتج عن ذلك لدولة الجمهورية اليمنية ألتي هي ثمرة لاتحاد الدولتين . يعيش اليوم شعبي الدولتين ومعهما المجتمع العربي والدولي التداعيات الناتجة عن ذلك الفشل . وهي تداعيات يمكن تصنيفها في مسارين : مسار ايجابي ومقصده الخروج من النفق المظلم الذي قادتنا إليه حالة الفشل ألقائمه . هذا المسار الايجابي يمثله الحراك الجنوبي الشعبي السلمي الذي يرى بان الوحدة فشلت ولم يعد لها وجود وانهارت بفعل ذلك ألدولة ومؤسساتها و بالتالي فان الطريق الأمثل هي إن يقر الطرفان بهذا الفشل وينكب كل منهما وبمساعدة عدة الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي على إعادة بناء كل طرف لدولته فاستعادة واقع الدولتين وبنائهما المؤسسي يمثل مدخل لاستعادة التوازن المنهار وإعادة بناء أسس الاستقرار في الدولتين وفي المنطقة لهما وتامين المصالح الدولية . وتدخل في هذا المسار أيضاً المطالب الايجابية التي تطرحها المعارضة في اليمن الشمالية المتضمنة فكرة التغيير وإصلاح النظام السياسي للدولة. وهي خطوات مهمة لإعادة بناء ألدوله ومؤسساتها في الجمهورية العربية اليمنية. وهذا يعني إن وثيقة الإنقاذ الوطني التي اجتمعت عليها أحزاب المعارضة الشمالية صالحه إن تكون أساس لإصلاح ألدوله في الجمهورية العربية اليمنية فيما تشكل قرارات الشرعية الدولية 924 و 931 والتي تؤكد على عدم جواز فرض الوحدة بالقوة إن تكون الأساس المرجعي لحل ألازمه مع الجنوب شعب ودوله . إما التداعيات بالمعنى السلبي فتمثل بالمسار الأخر مسار انتشار مظاهر العنف واتساع ظاهرة الإرهاب والانفلات الأمني وكلاهما أخطار تهدد امن شعبي الدولتين وامن المنطقة والاستقرار العالمي كله . وهي ناتج فعلي لفشل الوحدة والدولة والدخول في حالة اللآ دولة والفوضى . إن هذه المسارات ووجهتها تطرح طبيعة وخارطة الحلول التي ينبغي الأخذ بها. فيما تضع العالم على مفترق طرق : دعم الفشل الذي تمثله السلطة ونظامها السياسي بما يعنيه ذلك من تعزيز لانتشار ظاهرة الإرهاب وحالة عدم الاستقرار ؛ إما دعم وتطوير المسارات الايجابية للخروج من الأزمة. وهو ما يعني التركيز على إنهاء الأسباب والمحاصرة والتخلص تماماً مما ترتب عليها من نتائج وظاهرة الإرهاب دون شك أولى هذه النتائج .
You need to be a member of poetsofottawa3 to add comments!
Replies