قدم للحوار: د. أفنان القاسم

أجرى الحوار: د. أفنان القاسم

كنت في اليمن زائرا بعد زمن قليل من تبوء علي عبد الله صالح عرش اليمن التعيس الشمالي، كان شابا يتغزل الخصيان بجماله، وكان وزراؤه الذين هم على صورته ينسون مفاتيح وزاراتهم أين وضعوها بعد جلسة قات تقرع فيها كؤوس الكوكا كولا لمضاعفة مفعول "الحشيشة" الإمامية، فيضطرون في اليوم التالي إلى كسر أقفالها، ولكثرة ما تكرر الأمر، طلب منهم رئيسهم أن يتركوها مفتوحة، فلا شيء فيها يستحق المقامرة، ولا سر لها يدفع إلى المغامرة، وعلى أي حال أسرار البلاد كلها معروفة للقاصي والداني، والقات لا سر لديه، والسر الوحيد الذي كان يتجاوز كل أسرار الدولة الحربية إذ إن حروب القبائل لم تتوقف يوما واحدا منذ الانقلاب على الإمام الوحيد أيضا الذي حال دونها لهيبته وهيبة نسائه الحاكمات الحقيقيات لليمن في عهده وسيدات الوضع السياسي والرجولي على الرغم من كل ما يقال في المرأة اليمينة المهضومة حقوقها، السر الوحيد هو غناء علي عبد الله صالح كلما ضرب القات وتره تحت خده المنتفخ ككرة من المطاط، وكانت قراراته المصيرية تتم في تلك اللحظة على شكل ترانيم أو مزامير إن شئت تضاهي ترانيم ومزامير داوود في سوئها، لهذا خسر اليمن كل ما في اليمن من أمر حسن على الجبهتين العسكرية والاقتصادية، وهو ما استطاع التغلب على "المحششين" الحمر حكام الجنوب إلا لأنهم يزمرون ويترنمون أسوأ منه، هذا إذا ما تركنا جانبا أرباب التحشيش في العالم الذين هم الأمريكان، والذين ساندوه ووقفوا معه. ولما كنت في إحدى المكتبات، وأعتقد أنها المكتبة الوحيدة في صنعاء، وأردت شراء بعض الكتب، رفض صاحبها أن يأخذ مني ثمنها، أشار إلى شخص كان ينظر إليّ ويبتسم أسمر يضع على عينيه نظارات بنية ضخمة، وقال لي كل الكتب التي اخترتها هدية منه، فهو قد سمع اسمي، وصاحبي يقدمني لصاحب المكتبة، وخلال الفترة التي فحصت فيها ما أردته من كتب كان قد تفاهم معه على كل شيء، وعندما ذهبت إليه لأشكره وأتعرف عليه قدم لي نفسه وزيرا للثقافة، طلب عنوان من أنزل عنده ضيفا، ووعد بالمجيء لاصطحابي إلى جلسة قات مع رئيس الجمهورية، وبالفعل جاء وزير الثقافة كما وعد، فكان اللقاء مع علي عبد الله صالح في بيته المتواضع آنذاك قبل أن ينهب اليمن ومن فيه، وكان هذا الحوار...

بعد مضغ وتخزين كميات كبيرة من القات وشرب كؤوس كثيرة من الكوكا كولا بدأ علي عبد الله صالح يغني ومن كان معنا من قادة ووزراء يدونون وكأن ما يقوله من فعل وحي نزل عليه من السماء...

* صوتك جميل سيادة الرئيس!

(لم يجب كان مندمجا)

* سيادة الرئيس من أين لك هذه الموهبة؟

(لم يجب مال على جنبه وتوقف عن الغناء بينما سارع من هم معنا لتعميم الأوامر والقرارات)

* سيادة الرئيس هذه طريقة فريدة في الحكم.

(لم يجب فاعتقدت أنه نام لكن وزير الثقافة أشار لي بيده أن أتمهل وبعد مضي عشر دقائق أو أكثر عاد علي عبد الله صالح إلى الغناء أريد القول إلى العواء فكم كان صوته بشعا)

* سيادة الرئيس يعشق الطرب في عالم السياسة كيف تفسرون ذلك؟

(ابتسم واستمر في النهيق تارة والعواء تارة... لاحظت وزير الدفاع يأتي مسرعا مبتسما ويهمس في أذن علي عبد الله صالح وهذا يداوم على الغناء ويبتسم)

* سيادة الرئيس لا بد أن هناك خبرا سعيدا لليمن السعيد.

(أجاب وزير الدفاع عنه)

. استطعنا إلحاق هزيمة مريرة بالعدو الداخلي.

* أي عدو؟ القبائل المعارِضة؟

(وإذا بالرئيس اليمني يردد على نغمات: لا لا لا... لا تكذبي!)

* عفوا سيادة الرئيس؟

( أشار إلى وزير حربه أن يقول لي وهو يردد "لا لا لا..." دون كلل وعلى نغمات... قال وزير الحرب اليمني)

. بل المعارَضة على شتى أنواعها وخاصة رموزها في الخارج الذين تمت تصفيتهم واحدا واحدا وكل ذلك بوحي من غناء الرئيس وإلهامه.

(وعلي عبد الله صالح قد أخذ يولول بدل أن يزغرد)

* لماذا كل هذا الصراخ المأتمي سيادة الرئيس في لحطة انتصار لكم ولنظامكم كهذه؟

(توقف عن الولولة فجأة وأشار بيده إلى ضمة القات الضخمة التي لاكها وهمهم)

. كانت ألذ ضمة قات مضغتها منذ زمن بعيد وأنا أبكي وأنوح عليها وعلى اليمن السعيد.

(وعاد إلى الولولة واللطم والترداد: لا لا لا... لا تنتهي!)

 



You need to be a member of poetsofottawa3 to add comments!

Join poetsofottawa3

Ottawa International Poets and Writers for human Rights (OIPWHR)