التراجيديا الإنسانية 3

أطفأتُ حُلْمِي في الصباحِ الباكرْ
كنتُ قد صرتُ في البَعْدْ
قبلَ أن أسحبَ الستائرْ
اقتربنا بالبُعْدِ مِنَّا
بعدَ أنْ صِرْتُ وصِرْنَا
في الطريقِ إلى العملْ
لِ
وفي الحدائقْ
في عقاربِ الساعةْ
ةِ
وفي الدقائقْ
في حاسوباتِ الباعةْ
ةِ
وفي النوافذْ
في كَنَبَاتِ القاعةْ
ةِ
وفي الفِراشْ
فينا على ظهورِ الفَرَاشْ
السمارتفونُ يفعلْ
لُ
والعنكبوتُ شبكتُهُ من ألماسْ
سٍ
تخنقُنَا من معاصِمِنَا
أحبُّ هذا
أعبدُ هذا
أموتُ بهذا
إحساسي سكينْ
نٌ
أطعنُ بِهِ
فأتلاشى
* * *

كلَّ يومٍ أنظفُ أسنانَ سمارتفوني بالفرشاةِ مرتينْ
مرةً بعدَ تناولِهِ طعامَ الإفطارْ
ومرةً قبلَ دخولِهِ في سريري
لينامْ
مَ
ومني يرتاحْ
كما يرتاحُ من أبي المتكاسلْ
لِ
في قبرِهْ
تلفونُهُ النَّقَّالْ
من كلامِهِ مَعَ العِظامْ
من صفقاتِهِ مَعَ النحلاتِ التي "أبليكيشِناتُهَا" هي العالمُ المتماثلْ
* * *

عندما يكونُ الطقسُ جميلا
والشمسُ تشرقُ في الكتابِ القَيِّمْ
تذهبُ سمارتفوناتُ كلِّ البشرِ إلى العملِ مشيًا على أقدامِهَا
ما عدا سمارتفونُ أبي المَيِّتْ
كي لا تذبلَ في المقابرِ أزهارُهَا
كانَ عليهِ أن يساعدَهُ في تنظيفِ قبرِهْ
وكانَ عليهِ أن يمسحَ الغبارَ عنْ صُوَرِ أمي وَضَبَّاتِهَا
وكانَ عليهِ أن يطبخَ لأبي الذي لا يحسنُ الطبخَ بطريقةٍ تُرضي أسنانَهُ هي من بعضِ سرِّهْ
خطأُ أمي التي دللتْهُ كثيرًا في حياتِهَا
وكانَ عليهِ أن يلعبَ الشَّدَّةَ معَ الديدانْ
نِ
ليسلِّيِهَا
فأبي كانَ يفضلُ أن يشربَ كأسًا من الشايْ
وأن يشتمَ العالمْ
مَ
لأنهُ ماتْ
ولمْ يَعُدْ يَهُمُّهُ أيُّ شيءْ
* * *

وأنا ونانسي والسمارتفونُ في الفراشِ تشتمُ نانسي الدنيا كأبي
"العالمُ قحبةْ! العالمُ قبحةْ! العالمُ جنونْ!"
"لماذا خلقتَنِي يا ربي؟" تتساءلْ
"في بنسلفانيا كُلُّنَا كبذورِ زهرةِ عُبَّادِ الشمسِ!" تقولْ
أتجاهلْ
تقومْ
في المرآةِ تدخلُ بحثًا عن أخي الميتْ
تِ
أخي المَهُولْ
وفي سريري أبقى
أنا وصديقي الوحشُ المُهَوِّلُ أبقى
أنا وبشار أسدْ
* * *

العالمُ قوقعةُ الحلزونْ
الإنسانيةُ تتثاءبُ بكسلْ
كالكركدنْ
تتحادثُ بمللْ
كالتماسيحْ
تُغْمِضُ عينيها المثقلتينِ بالنومِ على الجثثِ في حربِ اليمنْ
وتفتحُهَا نصفَ فتحةٍ على ما يسلي سمارتفونَها من حواديتْ
الأطفالُ الجوعى في أفريقيا
والبنوكُ المفلسةُ في المريخْ
الإنسانيةُ المجرمةٌ في حقِّ نفسِهَا
والإنسانيةُ الفَسِيخْ
الأشرارُ لا يُعَيِّرُ بعضُهُمْ بعضا
والأخيارُ قِناعُهُمِ ستوكهولمْ
* * *

نفعلُ نفسَ الشيءْ
ولنا نفسُ اللامبالاةْ
نفسُ الفُتُورْ
كالطاووسِ الأقرعْ
عِ
تَمَاثُلُنَا
كَبَصْقِ الثلوجْ
كالكسوفْ
كصورِنَا الدميمةِ في الفيسبوكْ
كالوجوهِ المقلوبةِ على قفاها
كالقرودْ
حَمَلْتُ وجهَ نانسي وأردتُ تمزيقَهُ تمزيقي ورقَ عدمِ الاكتراثْ
عضني الوجهُ
هُ
وهاجمتني الكلابْ
كانتِ الطبيعةُ في تماثُلِهَا
كانتِ الإنسانيةْ
كانتِ الأمواتْ
تُ
وكيفَ عليها أن تكونَ للصديقِ ذئبًا أو نعلاً للحذاءْ
كانتِ البربريةْ
أصبحَ أبي الميتُ ألدَّ أعدائي
كانَ قبرًا وصارَ قبورَ العراقْ
لمْ يعدْ يعرفُنِي
لم يعدْ يتعرَفْ على كَفِّهِ الملتصقِ بعمري
نزعتُهُ
وهو يصرخُ مِنِ الوجعْ
كانَ وجعُهُ وجعَ دجلةَ والفراتْ
كانَ حبورَ أمي التي مدتْ يدَهَا مِنِ الغيمْ
وقرصتْ نانسي مِنْ خدِّها
* * *

ضائعونَ في المكانْ
لا ليسَ الذنبُ ذنبَ البنوكْ
الذنبُ ذنبُنَا
هل نفتكُ بالزمانْ؟
باحثونَ عنِ الحيوانْ
لا ليسَ الذنبُ ذنبَ الملوكْ
الذنبُ ذنبُنَا
هل نرضخُ للإنسانْ؟
قاطنونَ على الأغصانْ
لا ليسَ الذنبُ ذنبَ الطيورْ
الذنبُ ذنبُنَا
البندُقُ ذنبُنَا
واللوزْ
زُ
والمِدَقْ
الفستقُ ذنبُنَا
هل نغردُ للأشجانْ؟
قلتُ للموتِ "أبي عندكمْ"
قالَ الموتُ لي "الإنسانيةُ عندنا"
* * *

أنا الحاكمُ والمحكمةْ
كلُّ هذا القتلِ
وليسَ هناكَ قاتلٌ أحاكمُهْ
كلُّ هذا الصيدِ
وليسّ هناكَ صائدٌ يعلمني القتلَ في الطيورْ
كلُّ هذا الرقصِ
وليسَ هناكَ راقصٌ يجعلُ مني ترافولتا العربي
"سأقتلُكَ يا أبي" قلتُ لأبي
"تقتلُنِي وأنا القتيلُ" قالَ أبي
"سأقتلُ أخي"
"تقتُلُهُ وهو القتيلُ"
"ساقتلُ نهدَ نانسي بطنَ نانسي ساقَ نانسي ربَّ نانسي دينَ نانسي إنترنتَّ نانسي"
"اقتلْهَا" قالَ لي
* * *

هربَ الجنونُ من معتقلِ السمارتفونْ
نِ
وأتاني
قالَ لي "أنتَ حريتي"
فأجبتُهُ "أخطأتَ الطريقْ"
وبكلّ جنوني قتلتُهْ
هُ
نتفتُ ريشَهْ
هُ
وشويتُهْ
هُ
كالفَرُّوُجِ السمينْ
وعلى بسطةٍ للإنسانيةِ في بيروتْ
قَطَّعْتُهُ شُقُفا
وأخذتُ أبيعُهُ للعقلاءْ
ءِ
مِنِ الهائمينْ
نَ
على وجوهِهِمْ واحدًا واحدا
واحدًا واحدا
واحدًا واحدا
واحدًا واحدا
ويا للغرابةْ!
كانوا الإنسانيةْ
ةَ
التي تشمعتْ في الرتابةْ
لم تكنْ نظرتُنَا إلى الأشياءِ التي تختلفُ مِنْ واحدٍ إلى آخرْ
كانتِ هي الأشياءْ
تشمعتِ الأشياءُ في سوقِ التِّقَانَةْ
وجهُ نانسي تشمعَ كنهدِهَا كبطنِهَا كقدمِهَا
تشمعتْ فساتينُهَا
تشمعتْ كلاسينُهَا
تشمعتْ جواربُهَا
تشمعتْ صنادلُهَا
تشمعتْ أحلامُهَا
تشمعتْ أوهامُهَا
تشمعتْ هاريسبرجُ عاصمتُهَا
تشمعتْ بنسلفانياها
تشمعتْ أمريكاها
تشمعتْ دولُ العالمِ كلُّهَا
وبعودِ كبريتَ أشعلتُهُ فيها جعلتُهَا تذوبْ
سالَ وجهُ نانسي ونهدُهَا وبطنُهَا وقدمُهَا
سالتْ كلُّهَا
وكلُّ أشيائِهَا سالتْ
وسالتْ عاصمتُهَا
بمساكنِهَا وحدائقِهَا وشوارعِهَا ودكاكينِهَا
وسالتْ ولايتُهَا
بمزارعِهَا وأنهارِهَا ووديانِهَا وجبالِهَا
وسالتْ أمريكاها
بأنيابِهَا وأسنانِهَا وأظافرِهَا ومخالبِهَا
بِرُقِيِّهَا وقوتِهَا وسحرِهَا وعظمتِهَا
وسالت الدولُ الأخرى
بما لها وما عليها
ماجَ الشمعُ وهاجْ
والشمعُ يلتهمُ الدنيا
والدنيا قَلَمُ حُمْرَةْ

E-mail me when people leave their comments –

You need to be a member of poetsofottawa3 to add comments!

Join poetsofottawa3

Ottawa International Poets and Writers for human Rights (OIPWHR)