دعا الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد طرفي الصراع في صعدة إلى إيقاف المواجهات بمناسبة خواتم شهر رمضان والى الاحتكام إلى لغة الحوار من أجل إخراج المحافظة من حالة اللاسلم واللا حرب التي تعيشها منذ خمس سنوات، وشدد ناصر على ضرورة الإنصات للدعوات المخلصة التي تنادي بوقف الحرب وحل القضية سلميا من خلال الاستفادة من المبادرات وآخرها الدعوة التي أطلقها الأمين العام لجامعة الدول العربية ، مؤكداً في حوار شامل مع الصحوة أن ما يتعرض له الأبرياء والنازحون في صعدة لن يعفي طرفي الصراع من المسؤولية، وحذر رئيس المركز العربي للدراسات من مخاطر الأزمات المحدقة باليمن وقال بأن القضية الجنوبية تمثل اليوم لعدالتها وأولويتها قضية إجماع وطني وتداركها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع الوحدة الذي شكل حلم الأجيال لأزمنة طويلة وهذا الحلم لا يتعمد بالدم بل بالشراكة الحقيقية والعدالة والمواطنة المتساوية وقوة القانون لا قانون القوة.
وأكد الرئيس اليمني الأسبق بأن عدم توصل اليمنيين إلى حل لقضاياهم في الإطار الوطني يعني الاستدعاء غير المباشر للخارج.. فإلى تفاصيل الحوار
حاوره : محمد اليوسفي
* سعادة الرئيس نبدأ بسؤال عام: كيف تقيم الأوضاع في اليمن في الوقت الحالي والى أين تتجه الأمور في نظرك؟
- تُجمع القوى السياسية والوطنية في البلاد على وجود أزمة خطيرة ومتعددة الأبعاد، وقد انضم صانع القرار إلى هذا الإجماع عندما أقر بالأزمة ولوح بمستقبل يتقاتل فيه الناس من طاقة إلى طاقة.. وبالرغم من التوصيفات المتعددة للأزمة وأسبابها ومآلاتها ودقتها وموضوعيتها إلا أنها تصطدم بحائط مبكى يتمثل في انسداد أفق الحل من خلال التعنت والإنكار تارة والترقيع والترضيات تارة أخرى وذلك ما يجعل الجميع يحذرون من واقع خطير ومستقبل أخطر.
* تحدثت عن انسداد أفق الحل.. من يعطل حلول الأزمة في اليمن؟
- تعطل الحلول عقلية الاحتكار.. –احتكار البعض للسلطة والثروة والقرار وحتى الأزمات- وهناك جهات مستفيدة من هذا الوضع وأعتقد أنها تبذل جهوداً حثيثة لإقناع الرئيس بأن الأمور في أحسن حال من خلال تقارير تضليلية ربما لأنهم يعتقدون بأن مصالحهم ستتضرر إذا حُلت أزمات البلاد.
* وماذا عن الفعاليات الأخرى هل يعفيها تحميل السلطة مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في الأخذ بيد السلطة للاستجابة لصوت العقل؟
- على الجميع أن يعي مسؤولياته الوطنية ويشارك في حل الأزمة التي تمر بها البلاد والعباد.
* بالإقتراب أكثر من تفاصيل الأزمة في اليمن نبدأ بالقضية الأبرز حالياً على الصعيد المحلي في اليمن الحرب في صعدة كيف تقرأ ما يجري؟
- الحرب في صعده مأساوية بكل ما للكلمة من معنى، وأياً تكن المواقف المتصلبة وحيثياتها من قبل أطراف النزاع وعدم قبول طرف بمبادرة الآخر، فإن ذلك لا يعفي المسئولين عن هذه الحرب مما يتعرض له الأبرياء والنازحين الذين لاذنب لهم سوى أنهم وجدوا في هذه المنطقة التي يُراد لها أن تتحول إلى أرض محروقة، ومن المؤسف أن تتحول مأساة النازحين هي الأخرى إلى مجرد قضية مساعدات بعيداً عن الجانب الإنساني والسياسي..
وقد استبشرنا أخيراً خيراً بتعليق العمليات العسكرية، ومع الأسف أن القتال تجدد بعد ذلك بساعات مما يزيد من معانات المواطنين، وعليه فإنا نطالب مجدداً بإيقاف هذه الحرب حقناً لدماء الأبرياء من المدنيين والعسكريين أو تعليقها بمناسبة حلول خواتم شهر رمضان المبارك.
* أين يكمن الحل في نظرك خاصة عندما سكت الجميع تقريباً و تركوا الأمر للمدافع والرصاص؟
- الاحتكام خلال هذه الفترة إلى لغة الحوار لأن الحل السياسي يحتاج إلى تنازلات من أطراف النزاع حينما تتوفر الإرادة والنية للحل من أجل إخراج المحافظة من حالة اللاسلم واللا حرب التي تعيشها منذ خمس سنوات، والإنصات للدعوات المخلصة التي تنادي بوقف الحرب وحل المسألة سلمياً بالاستفادة من المبادرات وآخرها الدعوة التي أطلقها الأمين العام لجامعة الدول العربية مؤخراً والتي نأمل أن تشق طريقاً مضيئاً في ظلام هذه الحرب لأن من شأن ذلك أن يحدث ارتياحاً وانفراجاً سياسياً في الداخل والخارج.
* ننتقل لما بات يعرف بالقضية الجنوبية كيف ينظر لها الرئيس علي ناصر محمد اليوم؟
- القضية الجنوبية تمثل اليوم لعدالتها وأولويتها قضية إجماع وطني وتداركها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع الوحدة الذي شكل حلم الأجيال لأزمنة طويلة وهذا الحلم لا يتعمد بالدم بل بالشراكة الحقيقية والعدالة والمواطنة المتساوية وقوة القانون لا قانون القوة.
* طالبتم في تصريحات لكم بالاعتراف الكامل بالقضية الجنوبية وخاصة بمفصلها السياسي، ماهي مقتضيات هذا الاعتراف من وجهة نظرك؟
- الجانب السياسي في القضية الجنوبية هو جوهرها وكما يقولون في المنطق هو السبب والمقدمة أما الجانب الحقوقي فهو المآل والنتيجة والاعتراف بالجانب الثاني هو تابع للاعتراف بالجانب الأول. لذا لابد من مراجعة حقيقية وامتلاك الشجاعة الأدبية للاعتراف بحقائق حرب 94م لأنها الأساس لما يجري اليوم وأنه جرى توظيف نتائج الحرب توظيفاً سيئاً وتبعاً لذلك جرى انتقاص المواطنة في المحافظات الجنوبية، وتم إقصاء آلاف الموظفين المدنيين والعسكريين ومصادرة حقوقهم، وجرى العبث بالأراضي والمنازل والمزارع والممتلكات العامة والخاصة دون وازع من ضمير وبلا حسيب أو رقيب وكانت النتيجة هذه الصورة التي نراها اليوم بكل تفاصيلها المؤسفة.
* لكن هناك من يرى أن ما يجري في الجنوب هو نتاج لمحاولة قيادات في الداخل والخارج للعودة إلى الواجهة عبر استغلال المعاناة التي تحدثت عنها وتضخيمها وتقديمها بمعزل عن معاناة الشعب كله في الشمال والجنوب؟
- الشارع الجنوبي ليس شارعاً قاصراً ولا يحتاج إلى أوصياء.. ومعاناة الناس هي حقيقة ماثلة وكيف يمكن تضخيمها هل بالقول معاناة المعاناة.. هذا الطرح غير مجدي. الناس بعد طول عهد المعاناة لم يعد يهمهم شيء.. يخرجون إلى الشوارع بتلقائية وعفوية ولديهم الاستعداد لأن يواجهوا آلة القمع فلم يبق في حياتهم ما يخشون عليه.. والذين نهبوا المنازل والأراضي وصادروا الوظائف والحقوق المكتسبة هم من يخشون على مصالحهم التي باتت مهددة بالخطر، وهؤلاء لا يهمهم الوحدة كما يدعون بل همهم مصالحهم وحسب.
* لكن الكل يعاني وهناك مما ذكرت يمارس في المحافظات الشمالية؟
- صحيح إن المعاناة هي عامة على امتداد الوطن شماله وجنوبه وشرقه وغربه إلا أنه وكما أوضحنا سلفاً هناك قضية سياسية تقف وراء معاناة الجنوبيين، وبالنسبة لاستغلال معاناة الناس فهناك من يؤكد بأن أكثر المستفيدين -من استمرار الحراك- هم من نهض بهم الحراك الجنوبي وأدى إلى تسلمهم مناصب عليا أو الحصول على صلاحيات نسبية ضمن سياسة الترضيات المعتمدة وقد أثبتت الأيام عدم جدوى هذه السياسة لأن الشارع الجنوبي سيتجاوز الجميع في آخر المطاف فهو من يعيش المعاناة وهو من يشعر بها ويلامسها ويكتوي بنارها يومياً.
* هل هناك بنظرك مخاطر أخرى لا يجري التركيز عليها في هذا الشأن؟
- أعتقد أنه على صعيد الحراك الجنوبي فإن ثمة خطر آخر يتمثل في لجوء السلطات إلى الدفع بمواطنين لمواجهة الاحتجاجات السلمية الجنوبية ونحذر هنا من الزج ببعض الأبرياء في أمور غير محسوبة من خلال مواجهة الاحتجاجات السلمية تحت مسمى تأييد الوحدة وقد رأينا النتائج المؤسفة لهذه السياسة الخاطئة والتي إذا تطورت فإنها تنذر بفتنة وبخطر داهم وربما حرب أهلية لا سمح الله. علماً أن جميع المتظاهرين مهما كانت شعاراتهم قد حملوا السلاح وقدموا التضحيات الجسام في الماضي من أجل قيام الوحدة. كما أن الاستعانة بمواطنين في مواجهة مواطنين آخرين يدل على ضعف الدولة وهذا للأسف يتكرر اليوم في صعدة من خلال تجنيد القبائل وهو أمر أثبت فشله في حروب صعدة السابقة وأدى إلى احتدام الثارات بين المواطنين.
* تتهمون السلطة بالمكابرة في الاستماع لكم كمعارضين في الداخل والخارج وعدم الاعتراف بوجود مشكلة، لكن هناك من يتهمكم بوضع عقبات في طريق استجابة السلطة عبر مطالب واشتراطات مجحفة والهدف منها في النهاية إزاحة السلطة لصالحكم؟
- أولاً أود تصحيح سؤالك فأنا لا أعد نفسي معارضاً بالمعنى السياسي المعروف للكلمة.. لنا وجهات نظر خاصة تغاير آراء آخرين في السلطة وفي المعارضة بمختلف أطيافها في كل أطروحاتنا في مناسبات وظروف مختلفة، وحرصاً على المصلحة الوطنية العليا لم نضع شروطاً ولم نسجل مطالباً على الإطلاق إنما كانت مرتبطة بمصالح الوطن والمواطنين (كوقف الحرب وإطلاق المعتقلين والسماح للصحف بالصدور وغيرها من الأمور) ولازلنا نقول ونكرر ليس لدينا شروط ولا مطالب خاصة أو مجحفة. بل إننا رفضنا عروضاً وامتيازات كبرى.
* لماذا لا تعود كل قيادات المعارضة في الخارج إلى البلاد وتعارض من الداخل؟
- بإمكانك توجيه هذا السؤال لمن أسميتهم المعارضة في الخارج، وفي تقديري أن لكل ظروفه وحساباته الخاصة وله قناعاته ورؤيته السياسية للأمور، وهذا التنوع والتعدد ينبغي أن نقبل به وأي حوار مفترض ينبغي أن يشمل الجميع.
* هل تعتقد أن النظام يعي الآن خطورة ممارساته ويبحث عن حلول لأخطائه أم أنه لا يزال يعيش بذات العقلية؟
- لا توجد حتى الآن مؤشرات حقيقية تدل على الوعي بالأزمة بمحتواها الكامل وبكافة ظروفها وملابساتها، وهذا ما تؤكده جميع القوى السياسية في الداخل ومن بينها أعضاء في الحزب الحاكم التي تضطلع بمسؤولية متابعة الأمور عن كثب وعن قرب وجلّهم على حدّ علمي مصابون بخيبة أمل كبيرة.
* تسربت معلومات بأن اتصالات أجريت معك من قبل مسؤولين في النظام الم تعكس رغبة في البحث عن حلول؟
- هناك محاولات كثيرة للتواصل ورسائل الترحيب بنا من قبل مصدر مسؤول في الحزب الحاكم، وهناك عدد من المسؤولين قاموا بحكم مواقعهم القيادية بزيارتنا، ولكن للأسف هناك بعض المسؤولين _تربطني بهم علاقات تاريخية_ لم يجرؤوا على زيارتنا _وأنا لا ألومهم وأقدر ظروفهم_ علماً أن قلبي ومكتبي ومنزلي وهاتفي مفتوح للجميع من دون استثناء ولكل أبناء الوطن.
* هل خاطبتم القيادة بشأن ما يجري من مستجدات أم أن الأمور في حكم القطيعة؟
- لم تتوقف مناشداتنا للقيادة مع كل تطور يحصل على الساحة وأرسلت عدداً من الرسائل إلى الأخ رئيس الجمهورية في مناسبات مختلفة انطلاقاً من مصلحة الوطن وحرصنا على إحداث انفراج سياسي، وكنا ولا نزال نطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين على ذمة الاحتجاجات السلمية لأنها مشروعة ومعبرة عن مطالب حقّة ولكننا للأسف نُفاجأ باعتقالات جديدة ومتكررة وهاأنا أكررها من خلال صحيفتكم الغراء، كما نطالب بعدم المساس بالهامش الديمقراطي من خلال إيقاف صحيفة الأيام وعدد آخر من الصحف وأعتقد أن من شأن هذه الإجراءات أن تشكل أعباءً إضافية للأزمة الحرجة التي يمر بها الوطن.
* ننتقل لتحديات أخرى ماذا عن القاعدة؟
إن بقاء الأوضاع على ما هي عليه وعدم اللجوء إلى الاعتراف بجوهر الأزمات الراهنة وإبقاء البلاد في حالة استنفار دائم، إضافة لانتشار الفقر والبطالة والجهل والتخلف جميعها تشكل أرضاً خصبة لنشاط القاعدة وخلاياها.
* وكيف ترى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية؟
- وصلت إلى أسوأ حال والأمر مرتبط بعدم الاستقرار السياسي وهيمنة أخطبوط الفساد وترك الحبل على الغارب لسرّاق المال العام يعيثون في البلاد وأجهزة الدولة فساداً وإفساداً.علماً أن استمرار الأزمة اليمنية الراهنة بكل ما تتضمنه من مخاطر أدت وستؤدي إلى إحجام المستثمرين ووقف المشاريع الاقتصادية والاستثمارية بما ينعكس سلباً على العملية التنموية في البلاد. وأحب أن استشهد بما جاء في تقرير وكالة التنمية الدولية الذي نشرته أغلب الصحف والمواقع الإخبارية الأسبوع الماضي حيث قال الأستاذ الإرياني أن الفساد «لا يزال من أسوأ ما يمكن وهنا أنقل ما جاء في قوله «الفساد مركزي جدا وجزء لا يتجزأ من هيكل النظام ولا يستطيعون العيش بدونه.» وأشار أيضا إلى موضوع التهريب حيث قال: تهريب الديزل يكلف الميزانية العامة ما يوازي إجمالي ميزانيتي الصحة والتعليم مجتمعتين وهو أكثر من مليار دولار وقال أيضا ( أن 60 في المائة من ميزانيتنا العامة تغذي شبكة المحسوبية عن طريق الفساد بطريقة أو أخرى.) « وفي نفس التقرير يقول ارون ايرا الخبير في البنك الدولي أن دراسة مسحية أظهرت أن 425 مسؤولاً اتهموا بالفساد منذ عام 2005 إلى عام 2007، إضافة إلى الموظفين الأشباح (كما سماهم التقرير) الذين يقدرون بـ 30 ألف وغيرهم في المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية.
* حذرتم من الصوملة وانحدار الأوضاع لحالة خطيرة لكن ألا تعتقد أن مثل تلك التحذيرات تصب في صالح النظام الذي يجعل البديل له دوما ما يجري في العراق وفي الصومال؟
- حذرنا من الصوملة بالقول بأننا لا نريد للوطن أن يتصومل، ولكن تحذيرنا مختلف تماماً عن تحذيرات بعض المسؤولين الذين يقرؤون الصوملة اقتصادياً ومادة لطلب المساعدات وترهيب الجيران.. حذرنا من الصوملة سياسياً ووطنياً حذرنا من التشرذم والانقسام والتكتلات المسلحة التي كانت حصيلة سيئة وتركة ثقيلة لفترة حكم سياد بري في الصومال ولا نريد لليمن أن يكون مسرحاً لمثل هذه المأساة.
* كيف تنظرون للنتائج التي خرج بها مؤتمر التشاور الوطني وما تبعه من فعاليات على طريق مؤتمر الحوار الوطني؟
- هناك شبه إجماع على أن المؤتمر أحسن توصيف الأزمة وتشخيصها، ولكن التوصيات ما تلبث أن تعود إلى المربع الأول من خلال التأكيد على الحوار مرة أخرى حيث تصبح المسألة أشبه ببيت الشعر القائل:
كأننا والماء من حولنا ناس جلوس حولهم ماءُ
* لكن هناك من يقرأ كل تلك الجهود بشكل آخر ويعتبر مايتم في هذا السياق بالتأمر على الوطن والخيانة وعدم الوطنية؟
- من يشكك بوطنية أي أحد من أبناء الوطن عليه أن يبرز بصيرة ملكية وطنية. والشعب هو مالك الوطن وهو قادر على التمييز والحكم على قياداته في السلطة والمعارضة في الداخل والخارج.
* سعادة الرئيس أمام كل ماسبق هل تعتقد بإمكانية أن يتوصل اليمنيون لحل لأزماتهم بأنفسهم، أم أن الأمر بات يحتاج لتدخل خارجي؟
- الخارج لن يتدخل إلا إذا تم استدعاؤه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويمكن القول بأن عدم توصل اليمنيين إلى حل في إطار وطني يعني الاستدعاء غير المباشر للخارج فاليمن جزء لا يتجزأ من محيطه والجميع ينظر إلى هذا الجزء باهتمام كبير.
Comments