ع، ل، ي، ع، ب، د، ا، ل، ل، ه، ص، ا، ل، ح.
ذلك ليس حرزاً، إنه اسم الزعيم -حفظه الله
ليتهجى كل واحد منكم اسم فخامته حرفاً حرفاً، ومن ثم يخبر نفسه بماذا شعر.
أما حين نجازف الآن ونتهجى، واحدة واحدة، سنوات الرجل في الحكم، فإن الأمر سيختلف كلياً.
دعوا مشاعر السأم جانباً، وليبدأ كل واحد منكم الآن يعد معي. بسم الله:
سنة، سنتين، ثلاث سنوات، أربع سنوات، خمس سنوات، ست سنوات، سبع سنوات، ثمان سنوات، تسع سنوات، عشر سنوات، إحدى عشرة سنة، اثنتا عشرة سنة، ثلاث عشرة سنة، أربع عشرة سنة..
هل تعبتم؟ ما عليش.. الصبر حلو. واصلوا المشوار:
خمس عشرة سنة، ست عشرة سنة، سبع عشرة سنة، ثمان عشرة سنة (يا مُعين يا الله)، تسع عشرة سنة عشرون سنة، إحدى وعشرون سنة، اثنتان وعشرون سنة.
أعرف أنكم تعبتم.. "إشتحطوا" يا جماعة، باقي هَزَّة ونكمِّل..
- أين قد كنا؟ أيوه، عند اثنتين وعشرين. يا معين يا الله:
ثلاث وعشرون سنة، أربع وعشرون سنة، خمس وعشرون سنة، ست وعشرون سنة.
(ما رأيكم.. تعالوا نربُخ شوية؟ أقسم بالله لو أن فخامته كان مشترك معنا الآن في عملية العد هذه، لشعر هو الآخر بالتعب والملل).
سبع وعشرون سنة، ثمان وعشرون سنة، تسع وعشرون سنة، ثلاثون سنة. (يا معين يا الله). إحدى وثلاثون سنة. اثنتان و.......... إهييييهآه.. إننا نجري في ماراثون طوييييل.
< لعل بعضكم، أو أغلبكم إن صح التعبير، قد شعر بالدواخ وهو يعد سنوات الحكم لرجل واحد فقط، فما بالكم، إذن، عندما يصير الأمر حياة يومية نعيشها – كشعب- بالثانية والدقيقة والساعة. باليوم والأسبوع والشهر والسنة؟
وما بالكم أيضاً حينما يُصَيِّروا صاحب الـ31 سنة هذا حجر عثرة أمام مواطنيه، خصوصاً حينما يعرقل أحد وزرائه حقاً قانونياً على مواطن، بحجة أن "الرئيس خلاص ما عد يشتيش صحف!".
هذا بحد ذاته هو العبث اللعين، والحماقة التي تستحق كثيراً من مشاعر السخرية والسخط.
< أقسم أنني لا أكتب الآن لأنتقد فخامة الرئيس لشخصه. الرئيس الذي يصعب على أحد أن ينكر إنجازاته كرجل حكم البلد طيلة ماراثون عمره 31 سنة.
إنني، فقط، أسخر من الزمن.. الزمن الذي "بَنْشَر" عند 17 يوليو "وهيْه". ولا عد احترك من بعدها.
< على أية حال؛ كان صالح أو غيره، الأمر سيان. إن 30 سنة في كرسي الحكم لرجل واحد معزز -في الغالب- ببطانة سيئة، لا تصنع شيئاً أكثر من أنها تجعل منه "إلهاً" كامل الدسم. و"عررر واحد يطلِّع نخس".
إن 30 سنة في السلطة لرجل واحد، مهما كان عظيماً، فإنها تصير بالنسبة إليه "وِلْعَةْ" سيئة، ويصعب الإقلاع عنها.
< إن 30 سنة كافية لأن تجعل كل الأشياء تصير مفصلة حسب مزاج الزعيم لوحده. حسب رؤاه وحسب قناعاته، و.. حسبنا الله ونعم الوكيل. "ما عد نقول؟".
إن 30 سنة في قمة هرم السلطة يصعب معها، تلقائياً، أن يصير الحاكم مشغولاً للحظة بتكييف نفسه ورغباته ومهاراته وفقاً لما يحتاجه البلد. بل العكس تماماً، البلد بأكمله هو اللي يتكيف وفق رغبات الزعيم، ووفق مهارات القائد الرمز، القائد الإله، القائد الذي لا يُخطئ، واللي مش عاجبه يدق رأسه عرض الحيط. ونصير بسببٍ من ذلك، شعب "الفرداع" العظيم.
< إن 30 سنة لرجل واحد في الحكم، كفيلة بأن تجعل المصالح، كل المصالح، تحت رحمة السيد الأول وثلة من أهله وتابعيه فقط.
على فكرة؛ في مجال الاستثمار مثلاً، تسعى بلادنا، منذ وقت، إلى العمل بنظام "النافذة الواحدة"، هذا النظام حيوي ومنعش، لكنك كمستثمر ستشعر بالإحباط حينما تكتشف سريعاً أن فخامة الرئيس هو النافذة الوحيدة والمتوحدة! وأن كل الذين حواليه ليسوا أكثر من مجموعة "شواقيص" صغيرة، بالكاد يستطيع أن يمر عبرها "الشانني". الشانني الذي يصرع رأس كل إنسان مجتهد، ويعرق.
يا سيدي، إن أحداً لا يَتبلَّى على فخامتك، وليس لنا مصلحة أصلاً في أن نتبلَّى، لكن نظامك الرتيب هذا، وأغلب مسؤوليك أيضاً، هم من أشعروا الناس بكل هذا القرف.
إن 30 سنة –يا سيدي- لا "تفطر القلب" وحسب، بل أكثر من ذلك، إنها تلم حول سلطة الحاكم وفرة من الخائبين.. ووفرة من القيم الساقطة التي لا تستطيع أن تحقق قدرتها إلا في ظل الاسم الأكثر قداسة.
حتى بائع الزبيب في ركن باب الكبير بتعز، حينما أرادت البلدية يوماً أن تزيحه من مكانه ذاك الذي يتوسط الشارع، "نَتَع" جنبيته "فييييسَعْ" وهو يصرخ في وجوههم: "معي أمر من الرئيس أجلس أبيع هانا".
وما كان بوسع البلدية حينها إلا أن يضربوا له التحية ويغادروا ليسحبوا بقية البسطات التي لا يدعمها الرئيس!
< إن 30 سنة لرجل واحد في الحكم، لابد أن تصيِّره مغروراً، وتصيِّر الشعب كسيراً من الداخل، ويعيش حالة من الرتابة وفقدان الأمل.
إن 30 سنة بحالها لابد أن تجعل الوزارات والبرلمان والمرافق العامة كلها أبنية صحيحة ومتجانسة، لكنها بلا شخصية. كما وتجعل كل الوزراء والمسؤولين مجرد موظفين فقط. مجرد حشود من الناس الذين يتمتعون بالصحة، ويرتدون ملابس غالية، ويسافرون لقضاء الإجازات في الخارج، لكنهم في حقيقة الأمر يفتقرون إلى أي تفرد شخصي، ومن أي نوع.
و"عرررر" يتحركوا من دون أن يقطعوا "كَوْشَن" من الفرزة!
< إن 30 سنة لرجل واحد، يا سيدي، حتى وإن كان النبي نفسه، تُصَيِّر الكل متشابهين، وتُصير الدولة طبقاً لأفلاطون، مؤسسة يحكمها فاعل الخير! فاعل الخير الذي يعتبر وكلاؤه ملائكة حارسين ومُطَّلِعين على كل حركة، بل وعلى كل فكرة تدور في رأس أي مواطن.
هي هكذا الدول الاستبدادية عموماً، تتعلم طيلة حياتها كيفية السيطرة على مواطنيها من خلال خلق الانطباع بأنها تراقبهم على الدوام. فيما هي أساساً تعجز تماماً، أو لا تأبه من أصله، على مراقبة ناهبي لقمة عيش الناس.
< إن 30 سنة لرجل واحد فوق الكرسي، تجعله وبكل سهولة -بسبب المشورة الفاسدة غالباً- يضطر إلى الوقوف دائماً وسيفه في يده. إذ لا يستطيع الاعتماد على رعاياه أو يثق فيهم، لأنه يصير هو لوحده "عَبدُه الرجَّال"، والبقية، كل البقية من حوله، يصيرون مجرد تلاميذ مهذبين، يستلمون المكرمات ويرددون في حضرته: أمانة إنك مغامر يا فندم.
< إن 30 سنة لنفس الرجل في السلطة تجعله، مهما كان نبيلاً، لا يرى في معارضيه أكثر من كونهم (قوى مغوية ومؤذية. وفوقهم جميعاً، يطفو في حرية ذاتية وخالصة لفعل أي شيء).
إن 30 سنة تجعل الحاكم –أي حاكم- يحب السلام خارج الحدود، ويشن أبشع الحروب في وطنه، وعلى ناس وطنه.
< إن 3 عقود لرجل واحد في سدة الحكم –مهما كان طيباً وإنسانياً إلى حد مدهش- تجعل من الشعب كله مجرد نزلاء محشورين، وبقسوة، في عبوات صغيرة وأماكن صغيرة.
ومن أصغر صغيرة، وعلى أصغر صغيرة يتطاحن الناس في ما بينهم، إذ لا مجال –أصلاً- للأحلام الكبيرة والعقول الكبيرة والمشاريع الكبيرة.
كما ولا يصير هناك، أيضا، مجال لوطن كبير من أجله سيتخلص الناس من صغائرهم.
< أكرر.. أقسم أني لا أكتب الآن لأنتقد فخامة الرئيس. إنني فقط أكتب عن كيف أن 30 سنة لرجل واحد في الحكم يصير بوسعها، وبكل سهولة، أن تبتلع أعمار الناس؛ سنة بعد سنة، لصالح قلة لا شغل لديهم ولا مشغلة غير ابتزاز هذا الشعب وترديد عبارة "الرئيس أطال الله في عمره".
إن 30 سنة على الأقل بالنسبة لنا كجيل من الشباب اللي فتحوا عيونهم للدنيا مع بداية صعود فخامة الرئيس صالح للحكم، قد جعلت منه "أبونا" الذي نشوفه كل يوم أكثر مما نشوف آبائنا "المطعفرين" في كل "زُوَّة" لهثاً وراء لقمة العيش.
وفوق هذا يا ريت أن معاوني فخامته ووزراءه وأنصار الـ 30 سنة خلونا نعيش ونأكل لقمتنا بالحلال، كما لو أن البلد حق "أبتهم"، وكما لو أننا –الشعب- مجرد شحاتين على أبوابهم.
< بالمناسبة؛ خلال 30 سنة فائتة، صار فخامة الرئيس علي عبدالله صالح "أبونا"، الذي اعتدنا عليه. وصرنا نحن أبناءه (حلوه هذه نحن أبناءه) اللي لا يبدو أن فخامته سائل أين رمتنا الكلاب!
طبيعي أن يحدث ذلك.. لسنا مقربين من البيت، ولا عيال مشائخ أو عيال مسؤولين، ولا تربطنا بدولتهم هذه غير أن آباءنا أناس طيبون، دفعوا الضرائب والزكاة وأجرة العسكري، ودفعوا بنا إلى الحياة السوداء هذه وهم يقولون لنا: الصبر حلو.
لا بأس، سيكون لنا متسع من الراحة عندما نموت، أو.. عندما يموت الرئيس نفسه لا سمح الله.
Comments