كتبت نجلاء عبد ربه- هناك الكثيرون من زعماء وحكام ومؤسسات رسمية وغير رسمية يتناولون معاناة اللاجئين الفلسطينيين في البلدان المختلفة التي هاجروا إليها بحثاً عن نوعٍ من الأمن بعد المجازر الإسرائيلي التي ارتكبتها في قراهم وبلداتهم ومدنهم في المناطق المعروفة بأراضي الـ 48.. وهناك أيضاً عشرات القرارت الأممية والرسمية تؤكد حق هؤلاء الملايين من الناس بالعودة لأراضيهم التي هجروا قسراً، ولكنهم في نهاية الأمر... فلسطينيون يملكون أوراقهم الخاصة بملكية أراضيهم التاريخية التي هي في الأصل من الجد السابع، وقد يكون العاشر لهم.. بينما هناك فئة من هؤلاء لا يعرفهم الكثيرين منا كفلسطينيين، وأصبحوا جزءاً من الماضي والنسيان.. فما بالنا بالمؤسسات الرسمية الغربية التي لا تعرف عنهم بالطلق.. إنهم بشر مثلنا تماماً، يأكلون ويشربون ويلتحفون السماء.. كما نلتحفها في غزة المحاصرة. هم ضحية كما ملايين الضحايا.. هاجروا من فلسطين وتركوا أمتعتهم ومنازلهم وأراضيهم، هاربين من بطش عصابات الهاجاناة الصهيونية وقتها، إلا أن تلك الفئة نسيت أن تتزود بما يثبت فلسطينيتهم من أوراق وثبوتات، ولهذا لم تحصهم أي جمعية أو مؤسسة أهلية أو رسمية.. ثم تكاثروا وأنجبوا، إلى أن أصبحوا بالآلاف موزعين أيضاً في بلدان مختلفة... دون أن يعترف بهم أحد.. ودون أن يستطيع الواحد منهم مغادرة البلد المستضيف.
(عشرينات) تسلط الضوء على معاناة مئات الفلسطينيين داخل المخيمات اللبنانية من خلال عددٍ من محرومين البطاقات الرسمية، وحتى بطاقة التموين، التي أصبحت عنوان المهاجر الفلسطيني هنا في فلسطين أو خارجها.
يقول الفلسطيني"مصطفى المحمد" من مخيم برج البراجنة ببيروت " لا أستطيع أن أسافر لأري والدتي التي تسكن أحد المخيمات في المملكة الأردنية، فمنذ أكثر من عشرة أعوام لم أقبل يداها، رغم أن الإنسان يشعر بحاجة قوية لحضن أمه مهما بلغ من العمر كبراً". ويضيف المحمد وقد تحشرج صوته خلال حديثه " نعيش منذ عشرات الأعوام في مجهول لا يعلمه إلا الله، ولك أن تتخيل مستقبلك يضيع أمام عينيك دون أن تستطيع عمل شيء، وذلك لأننا لا نملك أي إثباتات تخولنا السفر أو تكملة علمنا الجامعي".
معاناة من نوع خاص
وهو ما أكدته الطالبة في إحدى الجامعات اللبنانية "ميساء سلوم" أنها مهددة بالطرد منها في أية لحظة، وقالت "مع بداية كل فصل دراسي يضايقون علي لإحضار أوراق وثبوتات خاصة بي لإستكمال ملفي الجامعي".
وتتنهد ميساء بعد أن صمتت لفترة " حتى لو أكملت الجامعة، فلن أستطيع أن احصل على شهادتي منها، فلا أملك حتى إسمي، ولا إثبات من أي الدول جئت إلى لبنان".
لا أحد يعلم أن نسبة هذه الشريحة من الفلسطينيين تزداد يومياً، ومع هذا فإن نسبة العوانس بينهم بلغت أكثر من 90% منهن، أما السبب، فلا احد يتزوج هولاءً، بمعني.. من يتزوج دون أن يسجل عقداً لهذا الزواج...!؟ فهي، الفتاة الغير مثبتة رسمياً، لا تملك بطاقة أو ما يثبت إسمها وعائلتها، ولذلك لجأت تلك الشريحة في الزواج من بعضهما البعض لتكتمل دورة الحياة هناك في مخيمات الشتات، هذا بالإضافة لحرمانهم من العمل في مؤسسات رسمية أو أهلية.
تحكي جيهان يوسف "22 عاماً" من عين الحلوة، قصتها في البحث عن العمل بعد أن تخرجت من معهد متوسط كمحاسبة، "لم أترك مؤسسة أو شركة إلا وطرقت أبوابها.. دون جدوى، وها أنا أجلس في البيت كأي قطعة صماء منه، فلا حراك بيننا، وكأننا نعيش في عالم النسيان.. لا أحد يساعدنا، ولن نجد من يغيثنا من الضياع الحتمي لنا كأجيال شابة".
وضع لا يطاق
بينما يروي الشاب "ياسر أبو العبيد" من ثعلبايا في البقاع الغربي، قضية الآلاف ممن هم على شاكلته، قائلاً " بسطات وعربات متنقلة نبيع عليها بعض من تصنعه أمهاتنا داخل منازلنا، هي أكبر وظيفة نحصل عليها، لتسد رمق أطفالنا"
ويضيف أبو العبيد "ليت الأمر يقف عند هذا الحد، فقد أصبحنا عرضة للتوقيف والحبس، ففي الشهرين الماضيين إعتقلت السلطات اللبنانية ما يقرب من 450 شخص لفترات متفاوتة بين 15يوم إلى شهر، ممن لا يحملون بطاقات أو إثتباتات.. فلا يكاد الواحد منا يخرج من مصيبة حتى تلاحقه كارثة"
وكانت اللجـنة الأهـليه الفلسطينية لفاقـدي الأوراق الثبوتـيه نظمت اعتصاما جماهيريا في مخيم عين الحلوة, مطالبين بإعطائهم حقوقهم الإنسانية والاعتراف بشخصيتهم القانونية ومنحهم الأوراق الثبوتية اللازمة من اجل أن يستطيعوا وعائلاتهم وأبنائهم من ممارسة حياتهم الإنسانية العادية وبشكل كريم .
أكد مدير الرابطة الفلسطينية للاجئين عصام الحلبي (لعشرينات)، على ضرورة الاعتراف بحقهم الإنساني في امتلاك أوراق ثبوتية تثبت شخصيتهم وتمكنهم من العيش بكرامة والتنقل والعمل وهذا حق طبيعي لهم، "وليس منة من احد، بل هو حق كفلته القوانين الدولية والإنسانية وفي المقدمة منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
حقوق المواطنة
ونصت المادة رقم (6) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أحقية الفرد بإمتلاكه شخصية قانونية أينما وجد، وكذلك نصت المادة رقم (7) على سواسية الناس أمام القانون وحقهم في التمتع بحماية متكافئة دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على التمييز.
وقال الحلبي "نحن لم نخرج من وطننا بإرادتنا، ولـم نختـار مـكان لجوئنـا، فالأقـدار والأخـطار هي التي حـطت الرحـال بنا هنا، في البلد الشقيق لبنان، هـذا البلـد الـذي نحبـه ونحترمـه إن كان على المستوى الرسمي أو الشعبي، ولا يمنعنا هذا الحب والإحترام من أن نطالـب بحقوقنا في الإعتراف بشخصيتنا القانونية وتسويـة أوضاعنا وأنـسنـة حياتنـا وحيـاة أطفالنا وعائلاتنـا، بإنتـظار عودتنـا إلى أرض الـوطـن الحبيب فلسطين".
وأضاف "نحن في إنتـظار إيجـاد الحل القانوني لقضيتنا في هذا البلد الشقيق لابــد مــن الإعتـراف بورقـة إثبـات الجنسية التي منحها مكتب" منظمة التحريـر الفلسطينية" في لبنان، كمستند رسمـي يعـرف على حاملـه تسهيـلاً للحياة الإنسانية وحفاظا على كرامتنا ومعيشتنا"، متمنياً أن تجد "الاونروا" الصيغـة المناسبة من أجل تسجيلنا على لوائحها كلاجئين، "لأننـا فعـلا لاجئـون عـن أرضنا وبيوتنـا في فلسطين قسـرا وبفعـل الإحتـلال الإسـرائيلي مجـازره الفظيعـة والبشعـة".
ويبدو أن القضية كما لخصها الحاج أبو حسن الهوته من برج البراجنة ببيروت، بأن المشكلة ليست في كبار في العمر، فهم يعدون أياماً وتنتهي حياتهم، ولكن ماذا عن أولادهم وأحفادهم..!!؟
Comments