توقفت عند صورة التقت في مطار "بن جوريون" تضم سبعة أطفال من أسرة يهودية يمنية، نجحت الوكالة اليهودية العالمية في تهريبهم بعد الادعاءات التي ساقتها عن عداء السامية في اليمن، تأملت ملامح الأطفال فيها، فوجدتهم فرحين بذاك التصفيق الذي رافق وصولهم لتل أبيب، عندها وجدت أن من الواجب التحدث عن وضع اليهود الشرقيين (سفرديم) في الأرض التي احتلها الصهاينة، لعلي أنشط الذاكرة الإنسانية والتي ارتأت التكاسل.
إن المجموعتين العرقيتين الأساسيتين في الكيان الصهيوني هما السفارديم والاشكناز، السفارديم هم هؤلاء الذين تعود جذورهم إلى إسبانيا والبرتغال، أما في لغة التداول اليومية فيستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى اليهود الشرقيين القادمين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وكذلك العالم الإسلامي كتركيا والهند وأثيوبيا ومن إيران وكردستان وأفغانستان واليمن ومن الفلبين وغيرهم من ذوي البشرة السمراء، أما اليهود من أوروبا الشرقية والوسطى فهم الاشكناز، إلا أن هذا المصطلح يطلق اليوم على اليهود من أصول غربية بصفة عامة، وهم من ذوي البشرة البيضاء الذين هاجروا من بولندا وهولندا وروسيا وألمانيا وأمريكا الخ.
كما يطلق على اليهود الغربيين "إسرائيل الأولى" وهي الفئة الغنية والمتعلمة والمهيمنة على أهم مؤسسات الكيان الصهيوني السياسية والاقتصادية والعلمية، أما اليهود الشرقيين فيطلق عليهم عادة "إسرائيل الثانية"وهي الفئة الفقيرة والمهمشة وغير ممثلة على نحو متكافئ، مع أنها ذات أغلبية عددية إذ يشكلون60% من عدد السكان اليهود.
ويعتبر ميل الصهاينة إلى التحدث بلغة "نحن" و"هم" حين مناقشة أوضاع اليهود الإشكناز والسفرديم، بمثابة دلالة واضحة على وجود خلل عنصري داخلي، ويذكر أحد اليهود الشرقيين أن معلميه الذين كان معظمهم من "الاشكناز" نقلوا إليه شعورا بأنه أقل منزلة وشأنا، وهذه النظرة الوضيعة هي النظرة الغالبة التي تلحق هؤلاء، إذ يعيش معظم المهاجرين الشرقيين في أماكن سكنية رديئة ومدارس سيئة ومعلمين أسوأ.
فاليهود من أصول عربية أو القادمون من الدول الإسلامية هم العمال الأقل أجرا في إسرائيل، وكونهم في أدني سلم للأجور في هذا الكيان العنصري يبقى حقيقة مؤكدة، فالبطالة والأجور الزهيدة، والمحيط العائلي في أوساطهم تعيس للغاية.
فالسفارديم هم الأقلية في الكنيست والجامعات والمعاهد التعليمية، إن فقدانهم للعدالة الاجتماعية والاقتصادية كان سببا في شعورهم بالحرمان وبالتمييز العنصري اللذين يشعر بهما هؤلاء اليهود، وشبابهم المولودون في هذا المجتمع الصهيوني، أو الذين شبوا فيه يجدون صعوبة كبيرة في الاندماج في هذا المجتمع الذي طالما حلموا فيه، فوجدوا أن الواقع حطم أحلامهم بأوضاع تعيسة رسخت في قاع الفكر الصهيوني، وقد لاحظ أحد علماء الاجتماع الصهاينة ملاحظة جديرة بالإشارة، فهو يعتقد أن إحدى المشاكل الرئيسة هي أن اليهود السفارديم ظنوا أنهم سوف يعتبرون متساوين مع غيرهم من اليهود الاشكناز، إلا أنهم وجدوا أنهم غير متساوين، مع أنهم يهود كغيرهم..
وأنا في هذا المقال لست مشفقة على هذه الأسرة المهاجرة، بقدر إشفاقي على طفولة أبنائها الذين سرعان ما ستنتهي في مجتمع مشحون بالعنصرية والفوقية، نعم أنا أدرك أن "السفارديم" من أشد أعداء الفلسطينيين والعرب، بل لا أستبعد أنهم صوتوا للأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات الأخيرة، ولن أتعجب لو طالبوا بإحراق غزة وصفقوا لذلك، ولكن هذا المقال يطرح استفسارا لم أجد له إجابة، لم يهاجر هؤلاء من بلاد لهم فيها جذور تاريخية إلى كيان محفوف بالمخاطر؟! كيان يتعامل بعنصرية وكأنها أمر مفروغ منه، كيان لا ينكر ولا يخفي عنصريته تجاه عرب فلسطين، أو حتى اليهود الشرقيين.
أميمة أحمد الجلاهمة: أكاديمية سعودية في جامعة الملك فيصل
Comments