تحياتي للجميع :هذه مقالة الصحفي السويدي دونالد بوستروم "إنهم ينهبون أعضاء أبنائنا" مترجمة إلى العربية.أتمنى أن يعمل الجميع على البحث عن مثل هذه الأصوات الشريفة في العالم الغربي , والتي من أهمها دونالد بوستروم، برونو غيغ، ستيفانو شيرياني، مارك إدوارد ناب وغيرهم الكثيرين; كي يتعرف إليها القارئ العربي... على الضفة الأخرى، يوجد أحيانا من هم أكثر عروبة من بعض العرب أنفسهم.
خالص مودتي. دكتورة بثينة شعبان
فلسطينيون يتهمون الجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء ضحاياه. هنا يروي دونالد بوستروم الفضيحة الدولية لزرع الأعضاء وكيف كان بنفسه شاهدا على الإضرار بجسد شاب فلسطيني ذي تسعة عشرة سنة.
“بإمكانكم اعتباري وسيطا.” قال ليفي إسحاق روزنباوم من بروكلين بالولايات المتحدة الأمريكية في تسجيل سري أجراه معه عون بمكتب التحقيقات الفيدرالي كان روزنباوم يعتقد أنه أحد عملائه الجدد. بعد عشرة أيام وفي أواخر تموز/ يوليو من هذا العام، اعتقل روزنباوم كما تمت إماطة اللثام عن شبكة واسعة للاتجار بالأعضاء وتبييض الأموال. هذه الشبكة الجديرة بالسوبرانو تم كشفها في نيو جيرسي وقد تورط فيها حاخامات ومسؤولون منتخبون وموظفون.
بلال أحمد غانم (19 عاما) قتل برصاص جنود إسرائيليين، أخذوا جثته ثم أعادوها إلى عائلته وقد خيطت حافتا جرح يمتد فيها من الذقن إلى أسفل البطن. الصورة لـ: دونالد بوستروم.
عمل الوسيط الذي يقوم به روزنباوم ليس له أي علاقة بالرومانسية. الأمر يتعلق بشراء وبيع الكلى القادمة من إسرائيل في السوق السوداء. روزنباوم يؤكد على أنه يشتري كلى من أشخاص ينتمون إلى أوساط متواضعة بعشرة آلاف دولار ثم يبيعها لاحقا إلى مرضى يائسين في الولايات المتحدة بمائة وستين ألف دولار. زمن الانتظار للحصول على كلية بواسطة القنوات القانونية هناك يمتد على فترة قد تبلغ في معدلها تسع سنوات.
الاتهامات هزت الصناعة الأمريكية لزراعة الأعضاء. وقد صرح خبراء في ولاية نيو جيرسي لـ “ريال تايم نيوز/ Real-Time News ” بأن هذه الاتهامات إن كانت فعلا صحيحة، فإن هذه هي المرة الأولى التي توثق فيها عملية الاتجار بالأعضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.
عن سؤاله عن عدد الأعضاء التي باعها، أجاب روزنباوم متبجحا: “ليس قليلا. ولم يسبق لي أن فشلت.” الواضح أن تجارته في هذا المجال قد استمرت لمدة طويلة جدا.
يشير فرانسيس ديلمونيتشي/ Francis Delmonici، الأستاذ في جراحة زرع الأعضاء بجامعة هارفارد والعضو بمجلس الإدارة للمؤسسة الوطنية للكلى، لنفس الصحيفة أن الاتجار بالأعضاء، المماثل لذلك الذي يشار إلى أنه وافد من إسرائيل، يقع أيضا في مناطق أخرى من العالم. وأغلب الظن أن حوالي 10 ٪ من 000 63 عملية زرع كلى في جميع أنحاء العالم غير قانونية، وفقا لتصريحات ديلمونيتشي.
البلدان التي يشتبه في ممارسة مثل هذه الأنشطة فيها هي باكستان والفلبين والصين، حيث يتم نزع الأعضاء من السجناء الذين يقع إعدامهم. ولكن الفلسطينيين يشكون بجدية في أن إسرائيل تقبض على الشبان الذين تستعمل أجسادهم، كما هو الحال في باكستان والصين، كاحتياطي أعضاء قبل الإجهاز عليهم. اتهام خطير جدا، مع ما يكفي من علامات الاستفهام التي من شأنها تحفيز محكمة العدل الدولية للتحقيق في جرائم حرب محتملة.
لقد تعرضت إسرائيل مرارا عديدة لانتقاد إدارتها غير الأخلاقية للأعضاء وزرعها. فرنسا كانت من بين البلدان التي توقفت عن التعامل مع إسرائيل منذ التسعينات. وقد كتبت جيروزاليم بوست أن “البلدان الأوروبية الأخرى ينبغي أن تحذو حذو فرنسا في المستقبل.”
منذ أوائل القرن الواحد والعشرين، تم شراء نصف الكلى المزروعة للإسرائيليين بصورة غير قانونية في تركيا، وأوروبا الشرقية أو أمريكا اللاتينية. السلطات الصحية الإسرائيلية مدركة تماما لهذه التجارة، ولكنها لا تفعل شيئا لوقفها.
خلال مؤتمر عقد في عام 2003، وقع إثبات أن إسرائيل هي البلد الغربي الوحيد التي لا تدين هيأتها الطبية الاتجار غير المشروع للأعضاء كما أنها لا تتخذ أية إجراءات قانونية ضد الأطباء الذين يشاركون في هذه التجارة غير المشروعة. الأدهى من ذلك أن رؤساء الأقسام من الأطباء بأكبر المستشفيات الإسرائيلية يشاركون في معظم عمليات الزرع غير القانونية، وفقا لصحيفة داجنز نيهيتر السويدية الصادرة في 5 كانون الأول / ديسمبر 2003.
خلال صيف عام 1992، حاول إيهود أولمرت، الذي كان حينها وزيرا للصحة، معالجة مسألة النقص في الأعضاء عن طريق شن حملة كبيرة تهدف إلى العثور على متطوعين إسرائيليين يمنحون أعضاءهم بعد الموت. تم توزيع نصف مليون من المنشورات التي تدعو الإسرائيليين إلى التسجيل للاشتراك في التبرع بعد موتهم على الصحف المحلية. إيهود أولمرت نفسه كان أول من سجل اسمه ضمن المتطوعين.
بعد مرور أسبوعين، أعلنت صحيفة جيروزالم بوست أن الحملة كانت ناجحة. ليس أقل من 35000 شخص سجلوا أنفسهم، مقابل 500 في الشهر سابقا.
ومع ذلك فإن الصحفية جودي سيغل كتبت في نفس المقال أن الفجوة بين العرض والطلب لا تزال شاسعة. 500 شخصا كانوا على قائمة الانتظار لزرع كلية، في حين أنه لا يمكن تحقيق أكثر من 124 عملية زرع. من ضمن 45 شخصا من الذين يحتاجون إلى زراعة كبد، لا يمكن إجراء العملية لغير ثلاث حالات في إسرائيل.
خلال هذه الحملة، بدأ عدد من الشبان الفلسطينيين من قرى الضفة الغربية وقطاع غزة في الاختفاء. جنود إسرائيليون يعيدونهم موتى ومفتوحي الأجساد بعد خمسة أيام.
الحديث عن تلك الأجساد المذبوحة والممزقة يروع لسكان الأراضي المحتلة. كانت هناك شائعات عن وجود زيادة رهيبة في معدل اختفاء الشبان الذي تتبعه جنازات ليلية للأجساد المشرحة.
كنت في المنطقة حينها وكنت أعمل على تأليف كتاب. اتصلت في مناسبات عدة بموظفي الأمم المتحدة الذين كانوا يشعرون بالقلق إزاء تطورات الوضع. الأشخاص الذين اتصلوا بي قالوا إنه من الأكيد أن سرقات أعضاء بشرية كانت تحدث، لكنهم ممنوعون من فضها أو التدخل ضدها.
بعد أن وفقت في إيجاد شبكة أقدر من خلالها على بث التحقيق الصحفي، تنقلت إلى المنطقة لمقابلة عدد كبير من العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث التقيت آباء وأمهات رووا لي كيف أن أجهزة أبنائهم قد أزيلت قبل قتلهم.
من أحد الأمثلة التي اعترضتني خلال هذه الرحلة الكئيبة قصة رامي الحجارة الشاب بلال احمد غانم.
كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل تقريبا عندما تردد هدير محركات رتل سيارات الجيش الإسرائيلي على مشارف قرية Imatin الصغيرة والواقعة في شمال الضفة الغربية. سكان هذه المدينة الذي يعدون ألفين استيقظوا على صدى الدوي. كانوا مثل ظلال صامتة في الظلام الدامس. بعضهم كان مستلقيا على السطوح وكان البعض الآخر مختفيا وراء الستائر أو الجدران والأشجار التي توفر لهم الحماية أثناء حظر التجول ولكنها تمنحهم دائما رؤية واضحة لما سيكون قبرا لأول شهيد حينها في تلك القرية.
قطع جنود الجيش الإسرائيلي الكهرباء وصارت القرية الآن منطقة عسكرية مغلقة - حتى القطة لا يمكنها أن تكون في الخارج دون أن تتعرض حياتها للخطر-.
الصمت المطبق الذي لا يطاق في هذه الليلة الدامسة كان لا يتخلله غير النشيج الأخرس. لا أتذكر إن كان ارتجافنا بسبب البرد أو التوتر. قبل خمسة أيام من ذلك، في 13 أيار / مايو 1992، استخدمت فرقة من القوات الخاصة الإسرائيلية ورشة نجارة في القرية ككمين. الشخص الذي تم ترتيب العملية من أجله هو بلال أحمد غانم، وهو واحد من أولئك الشبان الفلسطينيين الذين كانوا يرمون الحجارة وكانوا يجعلون حياة الجنود الإسرائيليين صعبة.
بما أنه واحد من أهم رماة الحجارة، فقد كان بلال غانم مطلوبا لدى الجيش في السنوات الأخيرة. لذلك تراه يختبئ مع أولاد آخرين من أطفال الحجارة في جبال نابلس، بلا سقف يحميهم. الوقوع بين أيادي العدو يعني بالنسبة لهم التعذيب والموت: ولهذا ينبغي عليهم أن يبقوا في الجبال مهما كان الثمن.
في 13 مايو، خالف بلال ما اعتاد عليه من حيطة، عندما لسبب غير معلوم مر دون أن يحمي نفسه من أمام ورشة العمل. حتى طلال شقيقه الأكبر، لا يعرف لماذا عرض نفسه لمثل هذه المجازفة. ربما خرج الفتى لجلب ما يسد رمقه ومرافقيه من المواد الغذائية التي لا شك أنها كانت قد نفذت عندهم.
كل شيء سار وفقا لما خطته القوات الإسرائيلية الخاصة. حطم الجنود سجائرهم، ألقوا بعبوات الكوكاكولا، وركزوا بهدوء من خلال النافذة المكسورة. عندما صار بلال قريبا بما يكفي، كان عليهم فقط أن يضغطوا على الزناد. الطلقة الأولى أصابت صدره. وفقا للقرويين الذين كانوا شهودا على الحادث، أصيب بلال بعيار ناري في كلا ساقيه. حينها نزل جنديان راكضين من ورشة النجارة وأطلقوا النار من جديد على بطن بلال. ثم أمسكوا به من القدمين، وجروه على امتداد العشرين درجة حجرية لسلم الورشة. يقول القرويون إن أشخاصا تابعين لمنظمة الأمم المتحدة والهلال الأحمر ممن كانوا موجودين على مقربة من مسرح الحادثة سمعوا طلقات النيران وجاءوا للبحث عن الجرحى الذين يحتاجون إلى عناية. وقد دار حوار حول من الذي ينبغي أن يهتم بالضحية. انتهت المناقشات بنقل الجنود الإسرائيليين لبلال الذي كان مصابا بجروح خطيرة في سيارة جيب إلى مشارف القرية، حيث كان في انتظارهم طائرة هليكوبتر عسكرية. حمل الفتى إلى وجهة مجهولة من طرف عائلته نفسها. بعد خمسة أيام، أعادوه ميتا وملفوفا في قطعة من قماش المستشفى الأخضر.
لقد عرف أحد القرويين الكابتن يحيى رئيس فرقة الجيش التي قادت العملية. كان هو الذي حمل بلال من مركز التشريح بـ “أبو كبير” خارج تل أبيب حتى مثواه الأخير. “الكابتن يحي هو الأسوأ من الجميع.” همس القروي في أذني. ” بعد أن أنزل يحي الجثة وغير قطعة القماش الخضراء بقطعة قطنية أخرى خفيفة، اختار الجنود بعض الرجال من عائلة الضحية لحفر القبر، وخلط الإسمنت.
على الرغم من علو الأصوات الناجمة عن ارتطام المعاول بالأرض، كنا نقدر على سماع ضحكات الجنود الذين كانوا يتبادلون النكات في انتظار العودة إلى ديارهم. عندما تم وضع بلال في الحفرة، تعرى صدره. وفجأة أصبح من الواضح للعدد القليل من الناس الحاضرين آنذاك أي نوع من الإساءة كان الفتى قد تعرض إليه. بلال لم يكن أول شاب فلسطيني يدفن مع شق يمتد من البطن إلى غاية ذقنه. وسرت منذئذ التكهنات حول سبب هذه الغرز سريان النار في الهشيم.
كانت العائلات القاطنة في الضفة الغربية وقطاع غزة على يقين تام بما يحدث لأبنائها: ” أبناؤنا يقع استعمالهم كمانحين غير متطوعين للأعضاء.” قال قريب لخالد من نابلس، وهو نفس ما ردده كل من والدة رائد من مخيم جنين وأعمام محمود ونافس في قطاع غزة. جميع أولئك اختفوا لعدة أيام قبل أن يعودوا ليلا، جثثا هامدة مشرحة.
“لماذا إذن هم يحتفظون بالجثث لمدة خمسة أيام على الأقل قبل أن يسمحوا لنا بدفنها؟ ماذا يحدث للجثث خلال تلك المدة الزمنية؟ لماذا يتم تشريحها، ضد إرادتنا، في حين أن سبب الموت واضح؟ لماذا يرجعون لنا الجثث ليلا؟ ما سبب المرافقة العسكرية لعملية الدفن؟ لماذا يتم إغلاق المنطقة حين الجنازة؟ لماذا يقطع التيار الكهربائي؟ ” عم نافع كان متوترا حد البلبلة وكانت أسئلته الكثيرة دامية.
أقارب القتلى الفلسطينيين لم يعد لديهم أدنى شكوك حول الأسباب الكامنة وراء هذه العمليات الإجرامية، بيد أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يؤكد أن ادعاءات سرقة الأعضاء لا تعدو أن تكون أكاذيب. “جميع الفلسطينيين الذين قتلوا كان المفروض أن يقع تشريحهم. هي مجرد عملية روتينية.” هو يقول.
بلال أحمد غانم كان واحدا من بين 133 فلسطينيا قتلوا بطرق شتى خلال هذا العام. وفقا للإحصاءات الفلسطينية، أسباب الوفاة كانت: قتل في الشارع، انفجار، غاز مسيل للدموع، دهس متعمد، شنق في السجن، قتل في المدرسة، قتل في المنزل، وما إلى ذلك.
الـ 133 شخصا الذين قتلوا تتراوح أعمارهم بين 4 أشهر و 88 عاما. نصفهم فقط أي 69 ضحية تم تشريحهم. التشريح “الروتيني” للفلسطينيين المغتالين الذي يتحدث عنه المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي لا يعكس واقع الوضع في الأراضي المحتلة… وتظل التساؤلات ملحة.
نحن نعرف أن إسرائيل لديها حاجة كبيرة للأعضاء التي يقع الاتجار بها على نطاق واسع وبطرق غير قانونية منذ سنوات عديدة وحتى الآن، كما أننا نعرف أيضا أن السلطات هناك على علم بما يحدث وأن الأطباء ذوي المناصب الإدارية العليا في المستشفيات الكبرى مشاركون في مثل هذه الممارسات مثلهم مثل كثير من الموظفين بكافة المستويات.
كما أننا أيضا نعرف أن الشبان الفلسطينيين يختفون، ثم تتم إعادتهم بعد خمسة أيام ليلا وفي سرية تامة بعد أن ترتق أجسادهم التي كانت تشق من الذقن إلى أسفل البطن.
يبدو أنه قد حان الوقت بما فيه الكفاية لإضفاء سمة الوضوح على هذه التجارة البشعة المتوحشة وإلقاء الضوء على ما يحدث الآن وما كانت ترتكبه إسرائيل دون وازع يذكر في الأراضي المحتلة منذ بدء الانتفاضة.
عن صحيفة ” أفتونبلادت” السويدية: 17 أغسطس 2009
دونالد بوستروم: صحفي من السويد
Comments