المحافظ (1)

"يا

صاحب السعادة لن تصلح البلاد بوجودكم على العرش" (سعد زغلول) في غياب الحكم المحلي، لا يمكن أن تستقر اليمن، كدولة ديمقراطية.. إذ أن أكثر المشاكل التي تواجه المواطنين الآن، هي نتيجة مباشرة لسيطرة السلطة المركزية، وفرضها لمسئوليها في المحافظات دون أن توفر أدنى الشروط الضرورية لتكوين علاقة وطيدة بين المواطن والنظام العام. عندما صدر قرار تعيين المحافظين نهاية 1991م، لم تكن حتى المعايير الوظيفية العامة قد رسخت كتقليد يمارس من أصحاب القرار السياسي.. بل برزت غشكالية جديدة تعتمد على (مؤهل) الانتماء الحزبي، إلى جانب مؤهلات أخرى كان يعمل بها قبل الوحدة.. فالطائفية - والمناطقية - ومقدار الولاء للحاكم أو الحزب ظلت تسحب نفسها على الواقع الجديد المتغير، وضمن استراتيجية السلطة أخذ في الاعتبار الموقع المؤثر لمحافظات مثل: تعز - الحديدة - عدن - حضرموت - أمانة العاصمة - مأرب - صعدة.. وتم تعديل قانون الإدارة المحلية الذي اتفق عليه قلب إعلان مايو 1990م، ليتم مسخ أحد أهم أسس التوجه نحو بنا الدولة الديمقراطية، إن الخلاف الذي نشب بين قيادتي المؤتمر الشعبي - والحزب الاشتراكي وأفرز قائمة المحافظين، وتشكيلة المحكمة العليا.. قد ألحق ضرراً فادحاً بالوطن.. فرجل مثل محمد الإرياني محافظ تعز جاء بعد توتر لعلاقة مواطني محافظة تعز بالرئيس علي عبد الله صالح، بعد إعلان موعد الإضراب العام الذي كان مزمع قيامه في 17 يوليو 91م.. وبخروج محسن اليوسفي من منصب المحافظ، بدأت مهام محمد الإرياني في ترجمة تلك العلاقة الفاضحة السابقة، وتحول سوطاً محمولاً لتنفي أحكام الامتهان، وسد بؤرة النفاذ إلى مستقبل أكثر عدلاً ومساواةً واحتراماً للحقوق.. فلم تغير واقع الحال سوى ما يتغير عند تحريك قطع الشطرنج.. فحفر الشوارع، وانفجار مجاري المياه، وتضخم مشكلة مشروع مياه تعز، وانتشار البطالة، والعبث برصيد مجلس تحسين المدينة و...و... كل ذلك ما زال قائماً: بل ابتدعت أشياء جديدة لعبت فيها الشخصية الحديثة دوراً سلبياً للغاية: فحذر المحافظ من المواطنين عبر عنه نشر عساكره في أزقة ومداخل دار المحافظة، منع المواطنين من التعبير عن آرائهم في استخدام القاعات العامة نتيجة فهم غبي للديمقراطية، وسلطة المحافظ والمؤسسات العامة وكل ذلك كان لها رد فعل غاضب.. ثم محاولة بيع (استثمار) المساحات العامة وهي القضية التي وقفت ضدها كل الأحزاب والنقابات والقوى داخل تعز، وسببت جرحاً في صدر المسئول المستثمر الذي يحاول مدفوعاً الانتقام وتشويه تاريخ نضال أسرته العريقة ليخدم السلطة ويثبت أنه رجل "مودرن" في يد الذين كان لهم فضل تعيينه، وهو بذلك يفرغ تماماً مما كان يحسب له من كونه ،فرضا، قد تعلم دروساً حضارية أيام مثل اليمن في أرقى دول العالم وأكثرها احتراماً لحقوق مواطنيها. إن الإشكالية القائمة الآن، ليست بوجود محمد الإرياني، محافظاً لتعز.. بل هي بوجود سلطة أو نظام سياسي يجعل في تركيبته كل المتناقضات ونواقض الديمقراطية.. فالحق الذي خول للسلطة أن تفرض أشخاصاً ممسوخي الإرادة ليتولوا شئون المحافظات.. هذا الحق هو نفسه الذي يخول للمواطنين علان احتجاجهم ضد نظام مركزية السلطة.. وفي هذا على الأقل حماية للحاكمين الذين يعلنون في بياناتهم السياسية أنهم يسعون لبناء يمن حديث وتطبيق البرنامج الاقتصادي، ومبدأ الثواب والعقاب.. خلال ستة أشهر (على طريقة كيف تتعلم الإنجليزية في 6 أشهر) كما أعلن ذلك الأخ الرئيس في رسالته للحكومة ووافقه عليها "ضمن تكتيك سياسي" ممثلوا الاشتراكي في مجلس الرئاسة، وربما حدث ذلك من قبيل تقليص لعب المسئولية التي يتحملها الحاكم لوحده. إن المحافظ عندما يخطئ فهو ينفذ أمر الحاكم، ومدير المديرية عندما يسرق فهو يقتدي بالحاكم، و.. مع أن نظام الحكم المحلي سيبدو أفضل مخرجاً ئتخفيف "الرتوش" التي تشوه صور الزعماء والقادة، لأن قبضتهم الآن على مفاصل السلطة وقرارات تشغيل المستوى الأدنى من أجهزتها، تضعهم وجهاً لوجه أمام المواطنين.. ومجرد الرغبة باستمرار النظام السياسي الراهن، هو ضرب من خيال، طالما أن محافظ حضرموت يصدر من صنعاء، ومحافظ شبوة من تعز، ومحافظ صعدة من أبين، ومحافظ تعز من ذمار.. هذه التركيبة أقرب لسياسة سلطة استعمارية، مستبدة، ولا يشرف أي نظام ديمقراطي اتباعها، وإذا ما أراد قادة المؤتمر الشعبي والحزب لااشتراكي أن يرتبطوا باليمنيين فعليهم التخلي عن عقلية السيطرة المركزية.. والمعروف بأن الحزب الاشتراكي في تصريحات مسئوله يناهض هذه السيطرة، ولم تبق سوى مشكلة كيف يقتنع الفريق علي عبد الله صالح كرئيس دولة أن يتخلى عن رموز الفساد الذين يستندون بشكل مباشر أو غير مباشر إلى منصبه، وبقناعته ستجد المؤتمر الشعبي يقف مع أهمية تعديل قانون الحكم المحلي ومنح المواطنين حق انتخاب المحافظ ومدير المديرية وممثليه المشرفين على سياسة التخطيط والتنفيذ. وبدون ذلك لن يقتنع المواطنون بقرارات السلطة وتعييناتها، لأن الذي يرفض دعم الحكم المحلي لن يكون قادراً على اختيار أفضل من يصلحون للمناصب الإدارية والتنفيذية.. فالموفق هو تعبير عن أمراض لا تحصى تبدأ بحب التسلط وتنتهي بممارسة العبث والسرقات، والإهمال. ولسنا بحاجة للتدليل على إدراك مستوى التخريب الذي يتم في أجهزة السلطة مركزية، ومحلية، فالذي يستلم الملايين كرشاوي لبيع الأراضي العامة في المدن يتساهل في بيع المواطنين ومشاريعهم وحقوقهم الدستورية والقانونية، والمحافظ الذي يغتال المواطن حتى في سجنه يجرد من شرف المسئولية وأمانتها.. ولو حصل مثل هذا في ظل حكم لما بقي هؤلاء المتخلفون يحكمون الشعب، ويفرخون عناصر الابتزاز داخل الوطن بأكمله. (صوت العمال 26/ 11/ 1992م عدد 1086) عبد الحبيب سالم مقبل القدسي من مواليد قرية الزبيرة (قدس) الحجرية بمحافظة تعز عام 1961م. بدأ دراسته الأولية في القرية ثم انتقل إلى الحديدة ليدرس الإعدادية وأكمل الثانوية في صنعاء. كان ضمن أول دفعة تجنيد عام 1979 "خدمة الدفاع الوطني". توظف وهو طالب ثانوي كإداري في مؤسسة سبأ للصحافة والأنباء بصنعاء. حاصل على ليسانس شريعة وقانون من جامعة صنعاء. انتقل للعمل بفرع المؤسسة بتعز، والتحق بقسم الأخبار وقسم التصحيح بصحيفة "الجمهورية". من أول الثمانينيات بدأ الكتابة والعمل كمحرر صحفي بـ "الجمهورية" . عين رئيساً لقسم التحقيقات الصحفية بصحيفة "الجمهورية" وهي مرحلة الظهور الصحفي له ولزملائه في القسم "عبد الله سعيد، عز الدين سعيد" وغيرهم، وبدأ يعرف عبد الحبيب ككاتب صحفي جريء متميز. عين نائباً لمدير تحرير صحيفة الجمهورية. بعدها تفرغ للكتابة الصحفية في أكثر من صحيفة أشهرها "صوت العمال". عضو في نقابة الصحفيين. عضو في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. عضو في المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية ورئيس فرعها في محافظة تعز. عضو في المنظمة العربية لحقوق الإنسان "القاهرة". كان واحداً من قادة لجنة الإضراب الشهير بتعز 1991م ومن قياديي المؤتمر الجماهيري بتعز. خاض انتخابات البرلمان "مجلس النواب" في انتخابات 27/ إبريل/ 1993م وفاز عن الدائرة (35) - دائرتي الانتخابية - بمدينة تعز بأغلبية جماهيرية كاسحة. استقال من مجلس النواب في 28/ 3/ 1995م وسبب استقالته بالفوضى داخل المجلس وعدم المصداقية والتستر على فساد الدولة ... إلخ. عين ملحقاً ثقافياً لليمن في جمهورية بولندا قبل ان يغادر الحياة صباح الأحد 22/ 10/ 1995م وذلك في ظروف غامضة بمحافظة صنعاء. دفن في موكب جنائزي مهيب صباح الإثنين 23/ 10/1995م بمدينة تعز. كان أكبر إخوانه وترك أربعة أبناء (إشراق، إشواق، دلال، ووائل). طبع له بعد موته كتاب "الديمقراطية كلمة مرة" وفيه جمع أصدقائه ما استطاعوا أن يجمعوه من أفضل مقالات عبد الحبيب سالم. ويعد الكتاب ثروة كتابية وسياسية وتأريخ هام لمرحلة حرجة من عمر الوطن.
Read more…
Ottawa International Poets and Writers for human Rights (OIPWHR)