ترجمة الفصل الخاص
بمذكرة شرم الشيخ
الذباب أكثر أهمية من العباد!
نص يشبه آخر
في آخر الصيف، شمس شرم الشيخ جميلة، والبحر أزرق. في 4 سبتمبر 1999، انتقلت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، إلى المدينة الزرقاء الواقعة على خاصرة البحر الأحمر من أجل أن تقوم بدورها كعرّابة للتوقيع على اتفاق آخر وآخر بين العرفاتيين والإسرائيليين، كما قالت وسائل الإعلام، ولكن في الواقع من أجل العوم والتمتع إلى أقصى حد بذلك الذهب وذلك اللازورد اللذين يشدان الأجساد والوجوه المهددة بالتهدل. الباقي كلام فارغ، الحضور الكابوسي لمبارك، الابتسامة الخلابة لعبد الله الثاني. كل تلك الشخصيات كانت هناك لإعطاء انطباع أن الأمر جاد، وأن الشريكين باراك-عرفات (قَرَنٌ مقطور) توصلا أخيرا إلى تذليل كل الصعوبات. مع هذا الاتفاق الذي ضَمِنَهُ كل أولئك "الكبار" أعطى عرفات لنفسه مهلة جديدة ليسوس "الوضع الراهن" وقد اطمأن إلى أن أحدا لن يسأله لماذا. سيسوس أيضا عدم صبر الشعب الفلسطيني، وذلك بجعله يعتقد أن هناك معجزة بصدد التحقق. ومع ذلك، ما عدا الشمس والبحر، تمخضت شرم الشيخ فولدت فأرا... صغيرا جدا. برأس وذيل أشبه برأس وذيل الفأر الصغير جدا الآخر الذي ولدته واي بلانتيشن. الشبه هنا مذهل، لأن مذكرة شرم الشيخ تبدأ كالسطور الأولى التي اقترحها نتنياهو على عرفات أو عرفات على نتنياهو في واي بلانتيشن: "الاتفاقات اللاحقة صائرة إلى تسهيل تطبيق الاتفاق المؤقت حول الضفة الغربية وقطاع غزة الموقع في 28 سبتمبر 1995 ("الاتفاق المؤقت") واتفاقات أخرى مرتبطة به بما فيها الملاحظة من أجل مذكرة 17 يونيو 1997 (مشار إليها تحت ك "اتفاقات سابقة") كي يتمكن الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني من تحمل مسئولياتهما المتبادلة بشكل أكثر حسما بما فيها المسئوليات المتبادلة التي لها علاقة بإعادة انتشارات إضافية وبالأمن".
لنقرأ بداية اتفاق شرم الشيخ: "تلتزم حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بالتطبيق الكامل والمتبادل للاتفاق المؤقت وكل الاتفاقات الأخرى التي تمت منذ سبتمبر 1993 (المسماة فيما بعد "اتفاقات سابقة") وكل الالتزامات المعلقة الناجمة عن الاتفاقات السابقة."
يثبت الإلحاح بهذه الطريقة على تطبيق الاتفاقات التي تم التوقيع عليها إلى أية درجة الريبة القائمة بين الطرفين، مع باراك العمالي أو نتنياهو الليكودي. ويثبت هذا أيضا الدرجة العظمى التي وصل إليها الشك المحلق فوق رؤوس المفاوضين من طرف وآخر فيما يخص تطبيق واحترام هذه الاتفاقات. إذا كانت هناك مسألة انسحاب لم يتم تنفيذه من طرف الإسرائيليين هناك مسألة أمن لم يتم تأمينه من طرف العرفاتيين. وتفرض مماطلة الطرف الإسرائيلي حول الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية على الطرف العرفاتي التلويح برُهاب تغيير الوضع في هذه الأراضي نفسها وذلك بالإعلان عن دولة فلسطينية. ولهذا السبب يُخْتَتَم الاتفاقان مع نتنياهو ومع باراك حول نفس البند الوقائي.
الاتفاق مع نتنياهو أولا: "بدافع من وعيهما بضرورة خلق جو مناسب لهذه المفاوضات، يلتزم الطرفان بعدم اتخاذ إجراءات تغير الوضع في الضفة الغربية أو في غزة وذلك كما ينص عليه الإتفاق المؤقت."
والاتفاق مع باراك: "اعترافا منهما بضرورة خلق مناخ مناسب للمفاوضات، يلتزم الطرفان بعدم اتخاذ أي إجراء يغير من الوضع في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وذلك تطبيقا للإتفاق المؤقت." مما يفرض على الطرف العرفاتي عدم الإعلان عن دولة فلسطينية من طرف واحد.
هذا ما أسميه تشابها بين الاتفاقين، وإذا ما تم التوقيع عليهما، فلأن هناك خطر الإعلان عن دولة فلسطينية، ولا تهدف كل هذه الكوميديا الرديئة التمثيل إلا لإعاقة شيء كهذا، وإن بقي ذلك في حدود الأحلام.
إذن تُمارَس سياسة اللف والدوران، فنتنياهو ليس أكثر مهارة من باراك، حتى عمالي من حزب العمل يمكنه المزايدة، إذ إن للحكام الإسرائيليين في رأسهم كلهم هذا الحلم المجنون للسيطرة، وأمامهم هناك رجل الكوفية الخالدة، الموافق على كل شيء. هو أيضا لا يتغير، تبقى استراتيجيته واحدة: التخلي، التخلي، التخلي.
الوضع الدائم:
لا يكاد الوضع النهائي للأراضي المحتلة يذكر في اتفاقيات واي ريفر، وهنا لا توجد سوى تأكيدات بليغة ليست غير كلمات لا أكثر كالمثال التالي:
"أ. في إطار تطبيق الاتفاقات السابقة، سيعود الطرفان إلى التفاوض حول الوضع الدائم بإيقاع متسارع، وسيبذلان جهدهما بعزم وتصميم للوصول إلى هدفهما المشترك الذي هو إيجاد اتفاق حول الوضع الدائم حسب جدول الأعمال الذي جرى التوقف عنده والذي يتعلق بالمسائل الخاصة العائدة إلى المفاوضين المكلفين بالوضع الدائم ومسائل أخرى ذات اهتمام مشترك.
ب. يعيد الطرفان تأكيد أنه لمن المتفاهم عليه أن المفاوضات حول الوضع الدائم ستتوصل إلى العمل بالقرارين 242 و 338 لمجلس الأمن.
ج. سيبذل الطرفان جهدهما بعزم وتصميم للتوصل إلى اتفاق-إطار حول كل المسائل المرتبطة بالوضع الدائم خلال مدة خمسة أشهر ابتداء من العودة إلى المفاوضات حول الوضع الدائم.
د. سيبرم الطرفان اتفاقا شاملا حول كل المسائل المرتبطة بالوضع الدائم في مدة عام ابتداء من العودة إلى المفاوضات حول الوضع الدائم.
ه. ستعود المفاوضات حول الوضع الدائم بعد تطبيق المرحلة الأولى من تحرير المعتقلين والمرحلة الثانية من إعادة الإنتشار الأولى والثانية اللاحقتين، وإلى أقصى أجل 31 سبتمبر 1999. لقد أبدت الولايات المتحدة في مذكرة واي ريفر إرادتها لتسهيل هذه المفاوضات."
سيعود الطرفان إلى التفاوض حول الوضع الدائم، ستتوصل المفاوضات إلى العمل بقراري 242 و 338 لمجلس الأمن، سيبرم الطرفان اتفاقا شاملا حول كل المسائل المرتبطة بالوضع الدائم، سيبذل الطرفان جهدهما بعزم وتصميم للتوصل إلى اتفاق-إطار حول كل المسائل المرتبطة بالوضع الدائم، ستعود المفاوضات حول الوضع الدائم بعد تطبيق المرحلة الأولى من تحرير المعتقلين والمرحلة الثانية من إعادة الإنتشار الأولى والثانية اللاحقتين... إنها دوما قذفة الحجر المؤجلة، من أجل لا شيء غير تعكير الماء الراكد للوضع الراهن. يفلت الصدق من أيدي المفاوضين. حتى ولو كانت هناك إرادة ونوايا حسنة، في الوضع كما يجري تقديمه حاليا لن تتوصل المفاوضات القادمة أبدا، أقول أبدا، إلى العمل بالقرارين 242 و 338 لمجلس الأمن. لهذا تم ذكر "اتفاق-إطار" وآخر "شامل". لأن لو كانت حقا هناك إرادة بناءة من طرف أو من آخر لحل نهائي لوضع الأراضي المحتلة، لماذا إذن المرور باتفاق يدعى باتفاق-إطار الذي على أي حال لن يرى النور؟ سيفرض الاتفاق الشامل محادثات صريحة حول إقامة دولة فلسطينية القدس عاصمة لها منذ البداية، دون المرور باتفاقات أخرى تكرس المماطلة وعدم اليقين. على عكس ما قيل في الفقرة ه حول ما أبداه الأمريكان لتسهيل المفاوضات، تضع الإرادة السيئة حدا لكل حل نهائي.
إذن يجري الكلام عن الوضع النهائي دون يكون ذلك حقا ودون رسم الخطوة الأولى لآلية تصل في النهاية إلى اتفاق نهائي، وإن تشابه الاتفاقات بين عرفاتيين وحكومات إسرائيل من اليسار أم اليمين لا يترك لي الهامش الذي أتمناه من أجل تحليل مفصل. لهذا السبب، سأعالج في الفصل القادم مجموع مذكرة شرم الشيخ مع التشديد على ما تفضلت حكومة باراك القيام به وما لم تتفضل في صالح "السلام الإسرائيلي"، سلام تصفوي على كل حال.
فتات، لا شيء غير فتات:
فيما يخص إعادة الانتشارات في الضفة الغربية، هناك إعادة أولى تمت بمقدار 7% في 5 سبتمبر 1999، إعادة انتشار كاذبة بما أنه بقيت في المنطقة التي تم الانسحاب منها مراقبة مشتركة إسرائيلية-فلسطينية. تمت إعادتا الانتشار في 15 نوفمبر 1999 وفي 20 يناير 2000، ولكن فيما يخص كله بكله 9,1% من الضفة الغربية، بمعنى لا شيء بالنسبة لفلسطين التاريخية.
فيما يخص المعتقلين، تم إطلاق سراح مجموعة أولى من 200 معتقل في 5 سبتمبر 1999 ومجموعة ثانية من 150 معتقل في 8 أكتوبر 1999 ومجموعة ثالثة لم يحدد عددها عشية رمضان. ويمثل كل الذين أطلق سراحهم نسبة مئوية ضئيلة بالنسبة لآلاف المعتقلين السياسيين الذين يأسنون في غياهب السجون الإسرائيلية.
فيما يخص المسار الجنوبي لطرق العبور، تم فتح طريق عبور "آمن" بين غزة والضفة الغربية في 1 أكتوبر 1999 إلا أن الطريق الشمالي الآخر لم ير النور. وب "آمن" يجب فهم أن الذين يشرفون على نقاط المراقبة الإسرائيلية هم أسياد كل إيماءة، كل حركة، كل نقل، كل انتقال، حتى انتقال ذبابة لن يُسمح له إلا بأمر صادر عن الجيش الإسرائيلي.
فيما يخص ميناء غزة، بدأ بناؤه في 1 أكتوبر 1999، ولكن بناء ميناء أو لا بناء ميناء ليس هذا هو المشكل. الأهم هو "التصور والانتقال" كما تقول المذكرة، بمعنى حق الإسرائيليين في "النظر". وبكلام آخر، وجود كاميرات مراقبة مرتبطة بالموساد مباشرة كما هو الحال في المطار. لن تمر بضاعة واحدة دون تصريح إسرائيلي، لن يمر شخص واحد، لن تمر ذبابة واحدة. من الأكيد أن للذباب أكثر أهمية من العباد في مثل هذه الاتفاقات على الطريقة العرفاتية!
فيما يخص المسائل الخاصة بالخليل، لم تُفتح طريق الشهداء، ولا طريق الحسبة، ولا موقع مقام إبراهيم، وإذا كان هناك من رابح وحيد فهم المستوطنون.
فيما يخص الأمن، هناك هذه اللازمة التي لا تتوقف عن الرجوع، "تعاون حاسم وفعلي" ضد "الإرهاب"، "الإرهاب"، "الإرهاب"... "يلتزم الطرف الفلسطيني بتحمل مسئولياته في مادة الأمن، في التعاون على الأمن، وبفروضه اليومية". يلتزم، يلتزم، يلتزم... باختصار، يطلب الإسرائيليون بوصفهم محتلين من العرفاتيين أن يحلوا في مادة القمع محلهم، تحت خطر أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية. الجديد: يصطف باراك العمالي (أي بهدلة للعمال!) دون لبس وبكل قحة إلى جانب نتنياهو الليكودي وذلك عندما ينسخ عن هذا ويمتلك بنوده "وعلى الخصوص الفروض التالية الناجمة عن مذكرة واي ريفر:
1. مواصلة برنامج جمع الأسلحة اللاشرعية وتقرير حول الموضوع.
2. إيقاف المشتبهين وتقرير حول الموضوع.
3. تسليم الطرف الإسرائيلي قائمة بأسماء أفراد البوليس الفلسطينيين أقصى أجل 13 سبتمبر 1999.
4. بداية فحص القائمة من طرف لجنة المتابعة والإرشاد أقصى أجل 15 أكتوبر 1999."
... تسليم أسماء أفراد البوليس وكل الباقي، هذا هو المذهل: لم يكن الغستابو يفعل مع دُمى فيشي أفضل! ولكنهم في آخر المطاف هم المهرجون أنفسهم في زمان آخر ومكان آخر.
د. أفنان القاسم: خطتي للسلام، الإتحاد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دار لارماطان، باريس 2004، ص ص 57-65.
ترجمة د. بريجيت بوردو / الكيبيك
www.parisjerusalem.net