شهاب (2)

قارة بلون الكاكاو قلبها أبيضإهمال إفريقيا

في هذا التحقيق الذي خصصه الملحق الثقافي لإفريقيا ثمة عدة نتائج يمكن الخروج بها، الأولى تتمثل في تأكيد جميع من شاركوا في التحقيق على تاريخية العلاقات الثقافية بين العرب وإفريقيا، تلك التاريخية المهملة الآن حيث لا يلتفت إليها في الجامعات العربية أو مشاريع الترجمة المختلفة، النتيجة الثانية ترتبط بالوعي العربي المعاصر ذلك الناظر إلى العديد من القضايا المختلفة بعيون غربية، مما يدفعنا إلى التساؤل إلى مدى ندرك العالم عبر الغرب؟ ذلك سؤال فرضه علينا تأكيد جميع المشاركين أيضاً على أن معلوماتنا وصورنا الذهنية الموجودة عن إفريقيا نتيجة لتأثير المركز الغربي، نتيجة ثالثة تتعلق بتلك الهوية الموجودة في الشمال العربي للقارة الإفريقية والتي لم تبحث أبداً في جذورها الثقافية، وقراءة ثانية للموضوع قد تطرح السؤال الآخر: ماذا فعل الأفارقة لتجسير الفجوة الموجودة بينهم وبين العرب؟ هنا ربما ندخل في باب البحث عن مسؤولية الجهل والتجاهل المتبادل، وقراءة ثالثة ربما تسأل بدورها عن المصالح المشتركة بين الطرفين والتي تدفع كل منهما للاقتراب من الآخر.يقول الدكتور شهاب غانم: القارة الإفريقية تضم عدداً من الدول العربية، ولغة هذه البلدان العربية وشعر وأدب هذه البلدان بالعربية، وإن كان هناك بعض الأدب بالفرنسية لأدباء من بلدان في شمال إفريقيا خضعت للاستعمار الفرنسي. الصومال أيضاً بلد ينتمي إلى الجامعة العربية ولكن لغته هي الصومالية، وكانت لغة شفاهية ولكن في منتصف القرن العشرين بدأ تدوينها بحروف لاتينية.القارئ العربي بشكل عام يجهل الأدب الصومالي وما ترجم منه إلى العربية قليل جداً، وهناك أدباء من الصومال من كتبوا بالعربية.أما اللغات واللهجات الإفريقية الأخرى فهي بالمئات وأغلبيتها الساحقة شفاهية غير ذات أبجدية مكتوبة ومن اللغات الرئيسية في إفريقيا لغة السواحيلية في شرق إفريقيا (كينيا وتنزانيا) ولغة الهوسا في غرب إفريقيا (نيجيريا)، وهاتان اللغتان متأثرتان بالعربية وكانتا تكتبان بالأبجدية العربية حتى جاء الاستعمار البريطاني، وفرض كتابتهما بالأبجدية اللاتينية تماماً كما فعل مصطفى كمال أتاتورك مع التركية العثمانية.هناك أيضاً من اللغات الإفريقية المكتوبة الأمهرية في إثيوبيا والسوتو والزولو في جنوب إفريقيا واليوروبا في نيجيريا وغير ذلك من اللغات في مختلف المناطق.وقد جاء الاستعمار الأوروبي بلغاته كالإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والألمانية والهولندية، كما نشأت في جنوب إفريقيا اللغة الأفريكانية التي يتحدثها المستوطنون البيض وهي لغة مشتقة من الهولندية. والفرنسيون والبرتغاليون كانوا أشد إصراراً على الدمج الثقافي لشعوب مستعمراتهم من البريطانيين. ولكن الإفريقيين المستعمَرين الذين كانوا يرغبون في الارتقاء وظيفياً واجتماعياً كان عليهم تعلم لغة وثقافة المستعمر. وانتشر المبشرون ومدارس الإرساليات حتى في المناطق التي كان الإسلام قد سبق إليها في الشرق والوسط والغرب من إفريقيا، وكان المستعمرون يحاولون تشويه سمعة المسلمين العرب لدى الأفارقة بتصويرهم كتجار رقيق مع أن البيض هم من اختطفوا مئات الآلاف من الأفارقة وشحنوهم للعمل كعبيد في العالم الجديد، أمريكا والكاريبي، وقضى مئات الألوف منهم في السفن التي شحنوا بها لسوء المعاملة والظروف الصحية وسوء التغذية.الأدب الإفريقي كان قبل مجيء الاستعمار الغربي في معظمه شفاهياً ولذلك كان مقصوراً على مناطقه ولم يصل للقارئ العربي منه شيء يذكر. وبالنسبة للأدب المكتوب باللغات الإفريقية فلم يترجم منه إلى العربية حسب علمي إلا الشيء القليل جداً، ومنذ أوائل القرن العشرين بدأ بعض الأفارقة في المستعمرات الإفريقية الذين تلقوا التعليم في بلدانهم وفي أوروبا يكتبون بلغات المستعمرين، فظهر شعراء وأدباء وصلت أصواتهم إلى القارئ العربي المطلع بالإنجليزية والفرنسية أو من خلال الترجمات، فعرفنا بعض كتابات أمثال سيريز من المارتينيك الذي كان أول من استحدث كلمة “الزنوجة” في شعره ثم تلقاها الشاعر السنغالي الكبير سنغور فأصبح المنظر الرئيسي لهذه الفكرة.وكان هذان الشاعران يكتبان بالفرنسية وأعد سنغور مختارات من الشعر الزنجي والملغاشي الجديد باللغة الفرنسية بعنوان “أورفيوس الأسود” وكتب مقدمة هذه المجموعة جان بول سارتر الذي أشاد بما في ذلك الشعر من ثورية. وكان شعر الأفارقة في حقبة الاستعمار في معظمه يثور على الاضطهاد الذي جاء به المستعمر ويحن إلى العهود البدائية قبل الاستعمار، وقد صار سنغور أول رئيس للسنغال عام 1960 فعرفه العرب وقرأوا بعض ترجمات لأشعاره وأنا نفسي ترجمت له بعض القصائد.في عام 1960 استقلت 18 دولة إفريقية وتولى الأفارقة شؤون بلدانهم ولكن ظهر الكثير من الفساد والفشل في التنمية والانقلابات العسكرية، وشعر كثير من الأدباء الذين كانوا يحلمون بالاستقلال ويحاربون المستعمرين بكتاباتهم ويتعرضون للسجن والتعذيب أن تضحياتهم كانت هباء وشعروا بالإحباط، وبعضهم آثر الهجرة إلى الغرب المستعمر نفسه وظهرت خيبة الأمل هذه في أشعارهم ومسرحياتهم ورواياتهم وقصصهم القصيرة وكتاباتهم النثرية الأخرى.ومن أهم الكتاب الأفارقة في مرحلة ما بعد الاستعمار وول سوينكا الذي اشتهر كمسرحي وشاعر عبر عن إحباطه من فساد الحكم الوطني وهاجر بعض الوقت إلى بريطانيا فهو من الكتاب بالإنجليزية، وقد تعرض للسجن لأكثر من عامين من قبل الحكم النيجيري. وهذا الأديب نال شهرة عالمية بحصوله على جائزة نوبل، وقد ترجمت بعض شعره في كتابي “قصائد من شعراء جائزة نوبل”.وعلى العموم، فالقارئ العربي لا يعرف عن الأدب الإفريقي إلا القليل مثل ما كتبه د. علي شلش، وعلى كل حال فما نشر من الأدب والشعر الإفريقيين يعد قليلاً جداً حتى باللغات الأوروبية إذا قورن بآداب القارات الأخرى كأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية.
Read more…

ولد الدكتور شهاب محمد عبده غانم عام 1940 في عدن. حاصل على بكالوريوس هندسة ميكانيكية, وهندسة كهربائية من جامعة أبردين, وشهادة في الإدارة

الصناعية من لندن, وفي إدارة الأفراد من برمنجهام, وماجستير في هندسة تطوير موارد المياه من جامعة روركي, ودكتوراه من جامعة ويلز في الاقتصاد 1989. عمل في عدة مناصب فنية وإدارية عليا في بريطانيا, ولبنان, وعدن, والإمارات. زميل معهد المهندسين الميكانيكيين بلندن, ومعهد الإدارة البريطاني, وعضومنتسب بمعهد المهندسين الكهربائيين في لندن, ومهندس مجاز ببريطانيا. نشر عشرات القصائد في الصحف والمجلات العربية, كما شارك في أكثر من عشرين مؤتمراً علمياً وثقافياً. دواوينه الشعرية : بين شط وآخر 1982 - بصمات على الرمال 1983 - شواظ في العتمة 1986 - صهيل وترتيل 1987 - هو الحب 1991 - بصمات على الرمال 1993 - الزمن السريالي 1999. مؤلفاته: الصناعة في دولة الإمارات - المعجزة الأبدية. ممن كتبوا عنه: مصطفى النجار, وسعد دعبيس وعبدالعزيز المقالح. حصل على جائزة المعارف من عدن للمقال1959, وجائزة الشعر- الشارقة 1983, وجائزة راشد للتفوق العلمي من دبي1989.


:من أشعاره


قبضاً على الجمر

سماؤُكَ مهما خطَّطوا وتآمرُوا
سيبقَى شعاعُ الله منها ُيسَافِرُ
سماؤك يا إسلام رغم أنوفهم
ستعلو قباب ملؤها ومنائر
سماؤك في ليل الوجود وأهله
بها البدر يزهو والنجوم الزواهر
سماؤك ما فوق الرسالات كلها _
ولا فكر إلا عن سمائك قاصر
وعندك في القرآن في كل آية
دليل وإعجاز - مدى الدهر - سافر
ولكنه الحقد القديم يصيبهم
فتعمى قلوب عندهم وبصائر
فمنذ رسول الله تغلي صدورهم
وما زال يزداد اللظى والتآمر
ففي كل ركن من ربوعك فتنة
ومن خلفها في الظل يقبع كافر
ونحن أَضَعْنا ديننا فتقطّعت
روابط حب بيننا وأواصر
وصار بنو الإسلام من بعد رفعة
قبائل فيما بينها تتناحر
فهاتيك مقديشو وبيروت قبلها
وكابول تلهو بالردى والجزائر
وكم من حروب في الخليج تتابعت
فضاعت بلايين وضاقت مقابر
وأغلى بطولات الطفولة أُطفئت
مخافة ينمو في ربى القدس ثائر
وتلك سراييفو تئن جريحة
وتفجعها في كل يوم مجازر
يذبَّح فيها المسلمون كأنهم
نعاج وخرفان, ويلتذ ناحر
وكم يعبث الصرب الغلاظ كأنهم
(هُلاكو) ومافي الكون ناهٍ وزاجر
أعادوا من النازِي جميع جنونه
ويدرك ذاك الغرب, لكن يداور
فأي نظام عالمي أتى به
وليس جديد فيه إلا المناكر
وحقد على الإسلام أكثر خسة
فمن صحوة الإسلام أمسى يحاذر
أفي قلب أوروبا ستُترك دولة
أذان بها يشدو, وتدعو منابر
لقد نُصِّرت أطفال دين محمد
وليس لهم من حومة الدين ناصر
وكم بُقِرت يا قوم بطن لحامل
وكم هُتكت في كل ركن حرائر
فأين صلاح الدين أو أين خالد?
وأين سيوف الله أين البواتر?
لقد سمق البنيان بين شعوبنا
وقد نفقت أخلاقنا والضمائر
ولم يبق من كل المروءات عندنا
سوى ما يغنّي في دجى العار شاعر
فصبراً سراييفو وقد أطبق الدجى
فحتْما له في مطلع الفجر آخر
وصبراً سراييفو فهل دام عندكم
للينين أوثان ودامت عساكر
وصبراً سراييفو فكم قد تحطمت
على صخرة الإسلام قِدْما خناجر
وصبراً سراييفو على الجمر واللظى
فدوما على العادي تدور الدوائر
وصبراً سراييفو فرغم أنوفهم
سماؤك لن تنهار فيها المنائر


الـبحـث

وما زلت أبحث دون انقطاع

وما زال يغمر دربي الضياع

أطوّف في كل صُقع وأرض

فحينا بأقصى المشارق أطوي الشراع

وحينا لأقصى المغارب أمضي

وحينا أولّي جنوباً فألقي الرحال

وتحت أسنة شمس الزوال

تموت حيالي الرمال

وحينا على العشب تحت أشعة شمس الشمال

وحينا بغاب الصنوبر أسرح فوق التلال

أعب الهواء العليل

وأسند ظهري لبعض الجذوع

وأفرح بالشمس تلقي الدنانير بين الظلال

وترسم لوحات زيت

حوت ألف لون ولونٍ من الإخضرار

فأذكر ما فيك من بهجة واشتعالْ..

وحيناً بشط البحيرات أجثو

وألقي على صفحة الماء بعض الحصى

وأمضي أناجي الدوائر تنداح لا تلتقي

كذلك نكبر..

والعمر يمضي ولانلتقي

ويوما فيوماً سنكبر حتى التلاشي

فيا حلوة الروح..

يا عالما في فؤادي رقيق الحواشي

ويا وردة في بهاء وعطر

وياسر أروع ما قال شعري

وما لم يقله..

وما لايقال!


إلى حفيدتي هنوف: بخبوخ

بخبوخ *
وَسَّطْتُ الدّرهمَ فوقَ الكفِّ اليسرى
ونفختُ عليهِ
ووضعتُ عليهِ الكفَّ الأُخرى
قلتُ لها: قولي (بخبوخ)
قالت: (بحبوح)
ففتحتُ الكفين..
أين الدرهم?.. أين?
غاب بلمحةِ عين
ضحكت.. والتمعت فرحَتُها في العينين
كانتْ - يحفظُها المولى - دون العامين
(بخبوخ)
وتوارى درهمنا المنفوخ
راحت تُحْضِرُ دميتها الضَّخْمَةَ ذاتَ الثَّوبِ الجُوخ
وَضَعَتْهَا في كفّي
وقالت: (بحبوح)
قلت أراوغُ, في صوتٍ مبحوح,
هذي الدمية أحْلى مِنْ أَنْ تُخْفَى,
.. يا روح الروح!
-------------------
* (بخبوخ) كلمة يقولها الحاوي في بعض البلدان العربية في لعبة إخفاء الأشياء.

Read more…
Ottawa International Poets and Writers for human Rights (OIPWHR)