All Posts (1973)

Sort by

غرب

الأعمال الكاملة الأعمال الشعرية (9)
غرب OCCIDENT
القصيدة الملحمة باللغة الفرنسية وترجمتها إلى العربية
إلى رجل نعال الريح،
رامبو

Read more…

أجرى الحوار: فواز فرحان

 

1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟

 

* عن أية قوى يسارية تتكلم؟ ونقابات؟ واتحادات؟ اتحادات هي في حقيقتها حلقات عائلية وقبلية، ونقابات هي أقرب إلى النفايات والتكايا والأحذية في أقدام النظام، وقوى يسارية هي قوى القلة المزايدة المنقطعة عن عالمنا، أما إذا كنت تقصد بالقوى اليسارية الأحزاب الشيوعية، فهي أحزاب مؤدلجة قبل أن تكون ذات إيديولوجيا، أي مروضة بما يتلاءم مع وجودها على الخارطة السياسية للبلدان القمعية تحت ذريعة عدم النضج التاريخي كما تسوق وشروط المرحلة كما تبرر، فالمهم بالنسبة لها هذا الوجود، أن تكون أهم بكثير من كل الشعارات البراقة التي تدافع عنها، ومن كل الفئات الكادحة والمقهورة التي تدعي أنها ترفد منها، وتناضل من أجلها، ومن كل التغييرات التي لا مكان لها إلا في أدبياتها. في سوريا مثلاً كان الحزب الشيوعي "شكلة" على صدر النظام الأسدي القمعي، كي يوهمنا بديمقراطية ليست موجودة إلا في كوابيس الشعب السوري، وفي لبنان لم يزل الحزب الشيوعي إلى اليوم يبحث عن مكانه في النظام الطائفي، مكانه مقابل الاكتساح الطائفي الهمجي للأحزاب التي تتفوق عليه شعبيًا، شيعة أو سنة أو موارنة، ولكن أبدًا ضد هذا النظام، والعمل على إسقاطه، وفي إسرائيل منذ كان ركاح وقادته يعملون على تدجين العمل السياسي للأقلية العربية، وقتل كل روح متمردة فيه تحت ذريعة أننا بهذا نحول دون تصفية الوجود العربي والحقيقة دون تصفية وجودهم ومكاسبهم، وهم قد سبقوا الكل عندما مهدوا لعرفات الطريق إلى أوسلو خطوة خطوة عند لقائه معهم أولاً ثم مع فلول ما يدعى باليسار الإسرائيلي ثم مع صقور ما يدعى باليسار الحاكم ليبتلع الجمهوران الفلسطيني والعربي لقاء عرفات بالقيادة الإسرائيلية والتوقيع على ما أوصلنا إليه من تصفيات للقضية الفلسطينية نعيش اليوم أصعب وأقذر مراحلها. وتحت الاحتلال الأوسلوي هل تعتبر الديمقراطية يسارًا، ونايف حواتمة قائدًا، وداوود تلحمي منظرًا؟ هو بالأحرى يلقي علينا درسًا في الإملاء! هذا اليسار هو يساري على قدر ما كان يدفع ياسر عرفات وما يدفعه محمود عباس اليوم، في زمن الأول كان لهذا اليسار دور ألا وهو تمرير ما لا يجرؤ على تمريره عرفات "الدولة الديمقراطية"، واليوم تلعب الديمقراطية الدور ذاته عندما تروج "لتساوي الحقوق" بمعنى التخلي عن كل الحقوق الوطنية تحت سماء إسرائيل الكبرى. مثل هذا اليسار اسمه يسار "بالونات التجارب"، وهو نجح لغاية الآن في كل تجارب تركيعنا المذل ولكن المخملي على طريقة كل التحاليل الفذة للقفاز ذي الأبعاد الثلاثة: دوليًا وعربيًا وفلسطينيًا، أليس هذا هو دأب أساطين الديمقراطية في التحليل من أجل التمطيط والتمييع ولا شيء غير التمطيط والتمييع. وإن سألتهم عن التحديد، مثل تسمية النظام السوري الوحشي القمعي، فهم يتهربون من الجواب لحسابات شخصية بالطبع، ولانتهازية تظل مزدوجة إلى أن تتم معرفة الكاسب من الخاسر في اللعبة، عند ذلك يتم الانحياز إلى الكاسب، أيًا كان، وتبدأ حملة التبرير. أما اليسار الآخر، اليسار القومجي، الاشتراكجي، الليبرالجي، فهو يمين وليس يسارًا، لأنه لا يوجد يسار حسب المواصفات التي لدينا هنا في الغرب، يوجد فكر يساري لبعض المفكرين، لكنه يبقى فرديًا، وأقرب إلى النظرية منه إلى الفعل والتأثير.

 

2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟

 

* بالطبع كان، لكن ليس هذا هو المهم، المهم هو مواجهة هذا القمع وذاك الاستبداد، وفي حالة هذه القوى لم تكن هناك مواجهة، بل انتهازية وسلبية ولغة مزدوجة. أنا أفهم كيف أعمل في السقوط، وكيف أبتكر طرائق النهوض، أو كما يقال دفع عجلة التاريخ إلى الأمام، لكن هذه القوى لم تفهم ولم تبتكر ولم تجرؤ على دفع عجلة التاريخ لا إلى الأمام ولا إلى الوراء، كانت تواكب كل ما هو ضد التاريخ، كل ما هو ضد الفرد، كل ما هو ضد المجتمع، تختار المراوحة أو الظفر بالنوم والراحة.

 

3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟

 

* كيف تعطي وهذه القوى ليست موجودة؟ أو أنها موجودة كما كانت في السابق على هامش القوة الأقوى في المعارضة، الإخوان المسلمين. لهذا سيطر هؤلاء الأخيرون بلحاهم على الثورات العربية من الدار البيضاء إلى القاهرة، وعما قريب في دمشق وعمان حتى صنعاء. الإخوان المسلمون أخذوا الدروس الكبيرة الثمينة والجديدة من الأوضاع العربية الجديدة هم وليس الذين تدعوهم بالقوى اليسارية والديمقراطية، لهذا بدلوا شعاراتهم، وخطاباتهم، وبرامجهم، ليبقوا، وهم سيبقون. لهذا تجدني أنا المتحمس الأول لما يسمى الربيع العربي من أكثر المتشائمين، فالوعي الشبابي لا يكفي، والحماس الشبابي لا يكفي، والدم الشبابي لا يكفي، لأنني أعجز في وضع كهذا عن تحديد ما يجري شبابيًا، لكنني أرى بوضوح كامل كيف تحل دكتاتورية محل أخرى، فالهمجية العسكرية ليست أقل ضراوة من الهمجية الدينية.

 

4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية؟ وما هو شكل هذه المشاركة ؟

 

* اشطب على الأحزاب اليسارية ولا تعول عليها شيئًا... في هذا الخضم الشبابي سيكون التأسيس مع أمل ضعيف جد ضعيف لتيار –فلندعه باليساري- هو عبارة عن تيار مدافع عن مجموعة من القيم، كالقيم التي دافعت عنها الثورة الفرنسية، والتي تلخصها الكلمات الثلاث: حرية مساواة أخوّة، هذه القيم ستجمع من حولها الطبقات المتوسطة، دينمو الثورات، وستخوض نخب الطبقات المتوسطة المعركة السياسية لتكون جزءًا في العملية السياسية، لكن هذا يمكن أن يأخذ قرنًا من الزمن كما حصل مع الثورة الفرنسية، فأصحاب اللحى والدين الهمجي، لاحظ أنني لا أقول الدين السياسي، لأننا معهم سنعود إلى عصور الانحطاط الأولى، ولأن الدين أبدًا لم يكن إلا قمعيًا –في كل التراث الإنساني منذ هوميروس إلى صُنع الله إبراهيم يوجد عشرة بالمائة مما يوجد في القرآن من نفي للآخر وتهديد وتهميش- أصحاب اللحى هؤلاء يقفون للشبيبة والطبقات الوسطى التي يمثلونها بالمرصاد، بقوة ميتافيزيقية وأموال سعودية ومخابراتية أمريكية، وإن لزم الأمر بقوة السلاح على طريقة إقرار الشريعة في ليبيا، أو بقوة ديماغوجية على طريقة المنصف المرزوقي حينما طلب أول ما طلب كرئيس جمهورية ممن هم وراء الفوران الشعبي، أصحاب الثورة الحقيقيون، إمهاله ستة شهور دون مظاهرات ولا احتجاجات (هذا هو التحالف المقدس بين برجوازي صغير والإسلاميين، لهذا هو هنا). أما شكل المشاركة لأصحاب القيم الجديدة هؤلاء، فليس على التأكيد الاعتصام إلى الأبد في ساحة التحرير، وليست الانتخابات المحسوم أمرها سلفًا، يكفي أن تنظر إلى طوابير النساء المتحجبات عملاً بالقول المأثور "الله يحب الجمال"، لهذا تخفي تلك النساء دمامتهن! وليس بقرار من مجلس الأمن، أو من الجامعة العربية، أو من مجلس التعاون الخليجي، وإنما بحملات الوعي ضد الأمية، ضد التجهيل، ضد الدين، وبالنضالات الاقتصادية، فالمرحلة القادمة لن تكون كلها سياسية، والعمل من أجل رفع مستوى عيش الفلاح المصري، كالكادح في كل مكان في العالم العربي، لهو مطلب ثوري وخيار استراتيجي سيرفع من الوعي، وسيضع حدًا لتمرير الخزعبلات وتعليق التمائم على النوافذ والأبواب.

 

5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي، مع الإبقاء على تعددية المنابر، يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟

 

* أعتقد كما سبق وأجبت على السؤال الرابع أنه ستكون هناك قوى شبابية ممثلة للطبقات المتوسطة بكل تنوعها الفكري وتعددها السياسي في كل البلدان العربية تلتقي من حول قيم جديدة قيم مستوحاة من الشارع بعيدة عن كل أيديولوجيا سائدة، قيم تفرضها الأوضاع الجديدة، وتكون دينمو الفعل القادم طويل النفس، ولكن بكل فرح وابتهاج وقدرة على استنباط طاقات موضوعية للفرد والمجتمع.


6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركًا أوسع بين الجماهير وآفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية؟

 

* لماذا تلح على ما يدعى بالأحزاب اليسارية؟ أحزاب يساروية بالأحرى، لماذا تراهن عليها، وهي أقرب إلى الجيفة منها إلى الوليد الجديد؟ القيادات الشابة لن تقبل العمل مع هذه الأحزاب، لأنها مهترئة، ولا سبيل إلى ترقيعها بأديم شاب أو غيره. هذه الأحزاب لو كان لها شرف لحلت نفسها بنفسها، لكننا نراها تقف إلى جانب الفاشية في سوريا ومستعدة للعمل مع أزلام القذافي الثوريين في ليبيا، بيادق الشريعة والنفط ووطن الرمل والتجهيل الأخضر! في الجزائر تم محوها تمامًا، في مصر تجاوزتها الأحداث، في الأردن تبحث عن دور في صفقة ما بين الهمجية الدينية والهمجية التشريعية، وفي اليمن وقعت صك وفاتها برعاية خادم الأمريكتين الشريفتين.

 

7- قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟

 

* قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن كل شيء وأول الأشياء فرج المرأة، بمعنى المرأة كموضوع جنسي تمامًا كما هو الحال لدى الإسلاميين مفسري سورة النور بشكل خاطئ وبطريركي همجي، هذا هو التحرر في مفهومها، وحقوق المرأة تتلخص بهذا الفضاء الضيق: فرجها، فرجها المباح، فالرفاقية لدى هذه القوى هي هذا وهذا أولاً، ثم ثانيًا، وثالثًا، وبعد ذلك بعض الحقوق الخجولة، ولغايةِ رجوليةِ المرأة، رجولية هي صورة لما لهذه القوى النهلستية عن المرأة لديها، لهذا تلوثت المرأة، وردًا على هذه الممارسات امتد الأفق واسعًا فوق رؤوس الإسلاميين، بعد أن قدمت لهم ما تدعوه بقوى اليسار على طبق من فضة كل الذرائع التي يبحثون عنها من أجل تحجيب المرأة ومصادرة أنوثتها ولجم كل رغبة في التحرر لديها، فغدت موضوعًا دينيًا للطهارة، زوجة لله، ولقمة سائغة في أفواه عباد الله الصالحين.

 

8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر؟

 

* القوى العلمانية ربما، القوى التي تلتقي قيمها والقيم الجديدة المنبثقة عن مدنية ساحة التحرير، لكنها لن تؤثر في الهمجية الدينية على المدى القريب، ستؤثر فيها، وستحد من تقدمها "الحسبواتي" عندما يقرأ الطالب كما يقرأ هنا عندنا في الغرب حسب مناهج علمية تعتمد الطريحة والنقيضة والحصيلة في الجدل الهيغلي، عندما يغدو الدين ذكرى من ذكريات يوم الأحد لبعض العجائز وأرامل المسيح، عندما ينظر المرء إلى المرأة فلا يرى وجهها أو صدرها أو كتفيها المدورين وإنما المفكرة وامرأة الأعمال ورئيسة الجمهورية، عندما لا يصفق الفلسطينيون لمحتليهم الأوسلوويين لأنهم يخدعونهم بدولة افتراضية، دولة بالقوة كما يقال في الفلسفة لا بالفعل، ويدركون أن كل هذا عبارة عن تكتيك سهل للتهويد المجاني وبناء المستعمرات وقضم الضفة وإنسان الضفة خطوة خطوة تحت أنظار العالم أجمع دون حسيب أو رقيب، لتصفية قضيتهم وجوهرهم ووجودهم، وأنه آن الأوان لإسقاط أكبر دكتاتورية في التاريخ العربي الحديث، دكتاتورية بدأت مع بداية ما يدعى بالثورة المفبركة في تل أبيب أول يناير 1965، عندما ينتفض الشعب الكوردي نافضًا عن كاهله العبء المتمثل بقياداته بنات الموساد والسي آي إيه، وتؤدي نهاية الفساد إلى استرداد كل الحقوق الوطنية بما فيها حقوق الورود الجبلية الكوردية في العراق الواحد الموحد، عندما يتم إسقاط كل مكبرات الصوت عن المآذن، هذا القمع الديني السلطوي خمس مرات في اليوم لبسيكولوجية الشعوب، ويُكتفى بالآذان الإنساني الروحي الحقيقي، في عهد مؤذن الرسول بلال لم تكن هناك مكبرات صوت، عندما لا يبدأ كتاب أنترنت ممن هب ودب كتاباتهم بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" وينهونها بعبارة "الله أعلم" وتحل المرجعية العلمية محل المرجعية الدينية الألفية النورانية كمفهوم سرمدي الجاذبتنا إلى وراء كل الأمم التي لم يعد لديها الوقت إلا للعمل والبناء، عندما يتغير الخطاب اليومي كما هو الحال هنا في فرنسا فلا تسمع "إن شاء الله" و "الله معك" و "بارك الله فيك" والله والله والله لا في الشارع ولا في المترو ولا في الفراش، فيرتاح الله منا، ونرتاح من أوهامنا، ونكف عن رشوة الله بإيمان يضمن لنا الدخول إلى الجنة، وعندما، وعندما، وعندما...

 

9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟

 

* نعم، آليات جديدة لقيادة أحزاب يسارية جديدة، ألح على كلمة جديدة.

 

10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟

 

* الحوار المتمدن مشكلته في الشكل لا في المضمون، المضمون متعدد منفتح فضي كالقمر أحيانًا وأحيانًا ماسيّ كخاتم العروس، الشكل معقد مترهل مجبر حتى القمع، يجب تغييره بعد عشر سنوات من عمره، وهذا شيء كثير، بمعنى أنه شاخ، وما أقصده هو البساطة في شكله وألوانه على غرار الجرائد الإلكترونية هنا في الغرب عندنا، جريدة لوموند مثلاً، وترك الإخراج لكل كاتب، هو من يدخل مواده، وهو من يشرف على سكبها وتصحيحها والعناية بها، وهو من يتصرف بموقعه كما يشاء ووقتما يشاء، ويدفع عن المسؤول الفني عندكم، شخص لطيف من ألطف الأشخاص، الكثير من الأتعاب.

 

باريس الجمعة في 16.12.2011

ramus105@yahoo.fr

 

* مفكر وأديب وأكاديمي متقاعد من السوربون

 

 

 

 

 

Read more…

الطفل الآتي من هناك

قصة: د. أفنان القاسم

(( إلى أخي الشهيد بيان القاسم ))

أتيتَ باريس مريضًا ومبتسمًا، فابتسمنا لك، ونحن لا نعرف خطورة مرضك، ولكن، بعد حين، عرفنا خطورة ابتسامتنا. كان الشتاء في باريس. كلما فكرت في باريس أفكر في الشتاء، وكلما فكرت في الشتاء أفكر فيك. كان الشتاء ثوب باريس القديم، وأنت، بثوبك الجديد أتيتنا. كنت جميلاً، أجمل طفل. كنت أجمل لحظة في حياتك. في العاشرة. لحظة انتهاء الطفولة واكتمال الفصول. لكنك لم تكمل سنتك هذه من حياتك معنا نحن البعيدين عن طفولتنا وقصتنا، القريبين منك اليوم رغم بعدك. هل مت حقًّا، ونحن نعيش في باريس شتاء آخر؟ هل ذهبت حقًّا، ونحن نأتي إليك بالفصول والذكريات؟ هل ودعتنا حقًّا، ونحن نطرد بابتسامتك أحزاننا؟

ومع ذلك، مذ كنت في بطن أمك كنت ترفض أن تتركنا وحدنا أمام تعاساتنا. كنا عديدين، عناقيد من الصعب إرواؤها، إعلاؤها، عصرها. كانت أمك في الجزائر تضرب بطنها مرددة: يجب أن أسقطه! يجب أن أستأصله من لحمي! يجب أن أتخلص منه! كنت تقاومها. ثم تلك الأقراص الصفراء التي كانت تبتلعها في الحمام. تلك الأقراص الصفراء التي دمغت حياتك وحياتنا. تلك الأقراص المدورة. تلك الأقراص المدورة وخاصة الصفراء، صفراء بالقدر المرعب ذاته لذاكرتنا سنوات ما بعد موتك. لقد وقعت مريضة، أمك، بعد كل محاولاتها لإسقاطك، دون أن تنجح. وكان أبوك يجلس إلى جانبها ليقرأ القرآن بصمت. كان يعتقد أن الله يزود كل وليد برزقه. ووقت الصلاة، كان يذهب إلى المسجد.

 

قرب ستراسبورغ، بعيدًا عن التاريخ الذي صنع السلالات والحروب، كانت أم تكابد الألم كأمك. هل هو قدر كل أم بائسة؟ كانت كأمك حبلى، وزوجها تركها منذ بعض حين. صاح بها: بؤس ثلاثة أمر لا يحتمل، فقررت التواري وراء الأفق، نهائيًا. دون رجل، ودون إله، لم يكن هناك خيار آخر لها غير الإسقاط. وهذه الأقراص الصفراء التي تترك آثارها على وجوه النساء التعيسات خلال كل حياتهن. لون أصفر دون لمعان، كامد، مُخَشَّن. لون أصفر يهمس بالموت، يدمدم بالعدم. لون الألم!

ومع ذلك، ولد جوهان. مثلك، كان يكره كل ما هو أصفر. كان حقده على لون الخريف يمده بالقوة على عدم الاستسلام. ولأنه كان يحب أمه كثيرًا. هذه الأم التي دمغ الألم وجهها. وجه دمويّ. وجه دون وجه بما أن مرضها كان داخلها. وهي في القطار الذاهب إلى باريس للعلاج، كانت تسعل سعالاً قويًا. جوهان الذي كان يحاول النوم، رفع رأسه، ونظر إليها. هل ستموت، أمه؟ هل ستتركه وحده مع هذا اللون الأصفر الذي يكرهه؟ هل ستخضع، هي، لإرادة هذا اللون الذي كان قد نجح في التغلب عليه بقوة إرادته؟ لم يكن هناك مسافر آخر في العربة، ففضل اللعب، بينما داومت أمه على السعال. أراد العودة إلى جانبها، لكنها أشارت له بأن يستمر في اللعب. لم يكن الهواء ساخنًا ليس إلا، لكنها كانت مريضة جدًا.

وهي على عتبة مستشفى سان-فنسن دو بول، بدلت رأيها. طلبت من سائق التاكسي أن يقودها إلى فندق صغير، وهي تخبئ ألمها خلف ابتسامة تعبة. لتوهم ابنها أنها في صحة أفضل، وقبل الدخول إلى المستشفى، يجب انتهاز فرصة وجودهم في باريس. التماثيل جميلة في الليل. الناس يلهون أحسن لهو. المتع عابرة، الرغبات قصيرة وخاطفة. لم تكن تعلم أن رغبتها تلك في عيش ليلة في باريس كانت الأخيرة. على عكس ما يقال، يمكن للموت أن ينتظر. وعلى أي حال، رغبتها هي، لن تكون الأخيرة.

 

بيان، اسمك، بوح بالحب. وبأشياء أخرى يمكن أن تكون من أسرار الوجود. استدعاني الطبيب، ولم يقل لي إنك ستموت. قال لي فقط إن الورم الذي في أمعائك يكبر، ويتحجر. وابتسم. لم تحو ابتسامته نفس الضوء الذي تحويه ابتسامتك. هل أقول له إنك أخي وإن عليه واجب إنقاذك من أجلي؟ هل أحدثه عن أبيك الذي يبكي؟ هل أقول له إنك أتيت من هناك، وإني أتيت لأراك، وكنتَ تبتسم، وجعلتني ألمس بطنك القاسي، وكنتَ تبتسم؟ لم تكن تتوقف عن الابتسام، والنظر إليّ، فغرقت بعينيّ في نظرتك العميقة، وقلت لنفسي لن أدعهم يقتلونك. لم تنجح أمك في قتلك، فعليك العيش. عليك أن تعيش الحياة التي اخترتها حتى النهاية. لما كان عمرك عدة أسابيع في بطن أمك، أرادت أمك قتلك بكينينها، عبثًا. ولما كان عمرك عدة أشهر في أحشائها ضربت بطنها بالمدق لتسقطك لكنها هي من سقطت على الأرض، بساقيها المزاحتين، وهي تواصل ضرب بطنها، وهي تدق، وهي تدق كيانها. أم جوهان أيضًا ضربت بطنها بمسند السرير، ضربت نفسها، ضربت نفسها حتى الإنهاك. أنت وجوهان كنتما قد قررتما العيش.

 

من وراء نافذة الفندق، كان جوهان وأمه يراقبان الحياة ((العادية)) لأحد الشوارع. ثم ابتعدت أمه كظل أصفر شاحب ورقيق. لم يدر الطفل رأسه. كان اللامتوقع يتهيأ في ظهره. كان الشارع ضيقًا يعج بالحركة، يؤدي إلى كنيسة. مكان للعبادة مقفل بقُفل، كان يبدو معزولاً عن العالم. كان يفلت منه صوت البحر. صوت مخنوق. صوت أشبه بصرخة أو بضحكة مقموعة. صوت لم يكن في الواقع صوتًا. كان على البحر أن يبدل صوته أو مكانه إذا ما عاند. وأولئك الناس الذين لم يكونوا يركضون من وراء متعهم، كما كانت تعتقد الأم التعسة. كأمك، ككل أمهات هذا العرق اللعين الذي هو عرقنا، نحن، بؤساء هذا العالم أجمع، هذه الأم تخدع نفسها عندما يتعلق الأمر بإشباع رغباتها. كان الناس الذين يتحركون على الأرصفة يتحركون لأسباب أخرى غير الركض من وراء متعهم، حتى أن كثيرين منهم كانوا مضطرين إلى النزول على الطريق المعبدة للالتفاف حول الخط الطويل للسيارات المصفوفة على ظهر الرصيف. هذا ما يدعى بخطوط جهنم. ومع ذلك، كانت الجنة على بعد خطوتين من هناك: قاعة عرض وحلم للذين هم مثلك، مثل جوهان، للذين كانوا قد نجوا من الموت في الرحم الخائن. وإعلان للأقزام... توأم أمك عادت إلى السعال بقوة، بقوة كبيرة، فاضطر جوهان إلى ترك النافذة. كان يريد أن ينادي طبيبًا، فهزت أمه رأسها سلبًا. كان الفندق ساخنًا أكثر مما يجب، مما جعل الأمر غير محتمل. لهذا السبب كانت تسعل. لا شيء خطير. اتجه توأمك نحو النافذة، كما لو كان يريد فتحها. أخذ يلعب بالستارة. كانت أمه تعلم أنها كانت تموت، فما فائدة الذهاب إلى المستشفى. متع باريس ستكون للمرة القادمة. من يدري؟ ستعود على شكل ملاك. بنفس عمرها. ستعود على شكل ملاك بنفس عمرها. ستعود مع صغيرها جوهان، وقد غدا شابًا. آه! لو يمكنها الراحة قليلاً، ستغادر غدًا في الليل، ويوم الاثنين صباحًا، ستكون في البيت. البيت، الريف، الطفولة. أنت ولدت في المدينة، وجوهان في الريف. كان الريف مهده. ومثلك ولد رغم إرادة أمه. عصى. عانى، لكنه عصى. ولأنه تحمل كل آلام العالم، لم يصرخ، وهو يخرج من بطن عذاباته. لم يعد يمكنه العذاب. لهذا نظرت إليه أمه كأمك بحقد، لم تكونا طفلين كباقي الأطفال، لم تبكيا عند عناق الحياة. كانت الحياة لكما دمعة زائفة، ولنا بسمة زائفة.

 

في اليوم التالي، أتيتك بحذاء جديد، غير أنك، ابتداء من تلك اللحظة، لم تعد تمشي. كان الورم في بطنك قد ازداد تصلبًا، ولم تعد تستطيع الأكل. كنت تأكل نفسك كالحجر يأكل نفسه، أو أنه الوحش في أعماقك هو الذي كان يأكلك. وكنت تبتسم. لمست الحذاء الجديد بأصابعك، وطلبت مني أن أحتفظ به في البيت حتى عودتك، قائلاً لي إنك ستلبسه، إننا سنذهب معًا إلى باريس، وإننا سنتمشى. لكنك لم تعد، وحذاؤك الجديد بقي جديدًا.

لم تكن تستطيع أن تقول الوداع للحياة بطريقة أخرى. وعلى العكس، كانت توأم أمك تريد أن تقتل لحظاتها الأخيرة على طريقتها. تركها جوهان لقلقها الرهيب، وخرج. وما أن انغلق الباب، عضت إصبعًا، ثم لعقتها. كان دمها، وكان الحق معها. أخيرًا، تركت نفسها تسقط على السرير، وهي تتعلق برأسه، وهي تنتحب، وتئن، وهي تهز رأسها في كل صوب. كانت طريقتها كي تقول الوداع للحياة: نوبة هستيرية، وجرعة كحول كبيرة، ثم جرعة ثانية، ثم جرعة ثالثة. كانت تئن، كانت تسعل، لكنها كانت تحتفل بالموت.

لم تزل تسعل، توأم أمك. أسقطت القنينة على السرير. حاولت القبض عليها برعونة في الوقت الذي كانت فيه تتكلم مع نفسها. عند غياب جوهان، كانت تتكلم مع نفسها. كانت تتكلم مع أمك دون أن تعرفها. كانتا أختين دون أن تكونا أختين، كسمك البحر، كالطيور المهاجرة. كانت تتشبث بالفراش بعناء. كان من اللازم أن تبقى صاحية. كان لها صيت المنطقيّ. لم تعش أبدًا حياة سهلة. كانت لها بعض الأحلام، بعض المغامرات، بعض المشاريع التي فشلت كلها دون عاقبة. رغم أنها كانت تفكر بشكل عقليّ. أو ربما بسبب ذلك. في حالتك، في حالتها، كان لكما مرض عضال، هذا كل ما في الأمر. كان ذلك دون منطق. لكن هذا ما كان. عضال. مرض يُعطى اسمًا لنوهم بمنطق. دون دواء، ليس هناك أقل مكان للعقل. كان الطب يهذي بخصوصك، بخصوص أم جوهان. كان الموت الذي ينتظركما المنطق الوحيد. أضف إلى ذلك، سقطت من السرير، يائسة، وأخذت بالنحيب، بالأنين كالهالك اللعين. كانت على ركبتيها، ويداها ممدودتين على السرير. كانت تهمهم: يا إلهي، اجعلني أصل إلى البيت قبل موتي! وبعناء نهضت. بصقت دمًا، لوثت العالم، قبل أن تعود إلى السقوط، ساكنة دون حراك. كان نفير سيارة الإسعاف يدوي من بعيد. صورة واحدة بقيت حية في رأسها: جوهان وهو يركض في حقل من القمح الذهبيّ. كانت تنادي. كانت قلقة. كان مفاعل نووي يبصق الدخان. أما أنت، أيها الصغير، فلم تكن تتوقف عن الركض. كنت تسلك شارعًا بعد الآخر. كانت أمك تركض من ورائك، كانت تمسك بك، كانت تضربك. كانت تضربك، وتبكي معك. في النهاية، كنت تفلت منها إلى ذراعي أبيك. وكلاكما، مع مصلين آخرين، كنتما تدخلان المسجد. كان آخر ملجأ لك. لم يكن جوهان يبدي أية مقاومة، وأمه تضربه، وهي تبكي. لم يكن يستطيع أن يجد ملجأ لدى أحد، لا إنسانًا، ولا إلهًا. ثم كانت أمه تضمه بحنان. وبحركة خاطفة، كانت تختطف سنبلة قمح تفركها بين أصابعها. دون حَب. حقدها كان المفاعل النووي. كانت قد أخذت بالسعال قويًا جدًا، وهي تجر جوهان من ذراعه للرجوع إلى بيتهم، في ريف قتيل.

 

أسابيع مضت. حجرتك المزججة كانت إلى جانب حجرة توأم أمك. كنت تبتسم لها بلا كلل رغم أنها كانت تغمض عينيها، وكانت مخدرة. كنت تبتسم لها. كنت تبتسم لي. كنت تنحف يومًا عن يوم. الصخرة في بطنك كانت تقوى من لحمك، وأنت، كنت تبتسم. كنت تتشبث بابتسامتك، بطفولتك الذاهبة، وبصخرة الموت في ذات الوقت. كان الألم لم يأت بعد. كان اليأس لم يهاجم بعد. وفي لحظة أمل، تركتك إلى الطبيب. قال لي هذه المرة إنك ستموت، قال لي إنك ستموت. بكل بساطة. كان إله الألم يتأهب للعمل بكل قسوة. رجوته أن يفعل شيئًا، لكنه حدثني عن العجز المالي لمستشفى (( فيلجويف ))، هناك حيث يعالج السرطان، هناك حيث كنت تستطيع أن تجد حظًا، حظًا صغيرًا، حظًا صغيرًا جدًا، فمن يدري. كان أمل اليائس. اللاأمل، في الواقع. لم لا نحاول؟ كان العجز المالي لا يسمح بذلك. المفاعل النووي لم يكن يطرح أي مشكل للنقود. لشفائك، كانت النقود تنقص. أمل شفاء مستحيل.

 

أما جوهان، فلم يغادر نافذة الفندق. كان ينتظر عودة أمه. لم يكن يعلم أن الأمل ليس أبدًا إلى جانب اليائس. سقط الليل، وهو لم يزل يترقب دومًا عودة أمه. لقد وعده الطبيب. سيكون سريعًا، قال له. ستكون عودتها سريعة. لم يكن الطفل يعرف التفكير في الموت. يبقى طفلاً رغم كل شيء. بالنسبة له، البشر لا يموتون. كانوا كلهم ملائكة الأرض. كانوا كلهم خالدين، خاصة الأقزام، أولئك الأطفال الذين لا يكبرون أبدًا. هذا ما كان الطفل يفكر فيه. هذا ما كانت البراءة تفكر فيه ببراءة. أضاء إعلان الأقزام. تمنى جوهان ألا يكبر. ترك النافذة ليجول في ممرات الفندق. سينتظر أمه قرب الباب، فكر الطفل. هكذا سيمكنه أن يأخذها بين ذراعية بأكثر سرعة. ثم قال لا، لن تأتي. تذكر أنها بصقت دمًا كثيرًا. بحر من الدم أكثر غَدَقًا من المرة الأخيرة، عندما كانا في البيت قرب دخان المفاعل النووي الذي يقتل. كان عليه هو أن يذهب لإحضارها. لن يفعل كما فعلت أمك عندما اكتشفت الورم في بطنك للمرة الأولى. كانت أمك قد بكت، وشدت شعرها. كان أبوك قد حمل القرآن، وأخذ يتلو الآيات الأكثر رحمة. سيذهب لإحضارها، أمه، هناك حيث كانت، ويعود معها. توقف على بساط أحمر بلون الدم. رجل صغير جدًا، بأنف كبير معوج، وعينين مدورتين، وغرة على الجبين، مر بسرعة من أمامه، فعاد جوهان يسير نحو جدار علقت عليه لوحة في إطار ذهبي. كان يمثل لوحة لامرأة سمينة عارية تتضارب مع شخص يرتدي سروال جلد كثير الشعر وحذاء مفلوقًا. كانت المرأة زهرية كلها، والشخص أسمر الأديم مثلك ومثلي، مثلنا أبناء شمال إفريقيا. كان شعر على كل بدنه. وجوهان ينظر إلى المشهد عن مقربة، لاحظ أن المرأة لم تكن ساخطة بما أنها كانت تبتسم ببلاهة.

 

في شوارع باريس كان الناس يركضون من عمل إلى آخر كالعادة، ولم يكن أحد يعرف أنك تحمل صخرتهم في بطنك. كانوا الجبل العاجز أمام موتك، أنت تدري! بين قنبلة هيروشيما والبحث العلمي سيختار الجلاد القنبلة. بين قتلك والبحث العلمي سيختار الجلاد قتلك. بين قطع ذراعه والبحث العلمي سيختار الجلاد قطع ذراعه، بعد أن يقطع كل أذرع العالم. وهذا ما فعل، بشكل من الأشكال، هذا الكائن اللاإنساني، حين عمليتك الأولى. انهارت أمك على مقعد. بكى أبوك، ودعا. كانا يتألمان ألمك قبل وصوله بوقت كبير. كان انتظارك للألم جريئًا. لم تتوقف أبدًا عن الابتسام. أتقاتله بابتسامة؟ كانت الابتسامة سلاحك. أتقاتله بيأسي؟ كان اليأس سلاحي. أتقاتله بصيف الجزائر؟ كان أبوك يبكي في الجزائر، ودموعه كانت سلاحه. لكنك لم تكن تعلم أنك ستموت، وكنت تحلم بحذائك الجديد يوم تعود إلى البيت لتلبسه، ونذهب إلى شوارع باريس لنتمشى.

 

وجوهان يفحص اللوحة، كان يحدد بصره إلى الحيوان، وهو يداعب فخذ المرأة. إنه جلادك الذي تدبر أمر عدم قطع ذراعه. أدار توأمك ظهره للوحة ليذهب نحو باب مفتوح، لكن الأقزام هم الذين كانوا هناك. خمسة رجال صغار منشغلين بحمى وانفعال كانوا لا يقفون في مكان، وهم ينتقلون بسرعة، ويتكلمون، ويومئون. على طرف السرير، كان قزم عجوز سمين جدًا يجلس بشعر أبيض وعيني عصفور. كان يخيط ثوبًا صغيرًا لعروس، ويشير إلى جوهان الذي دخل الحجرة لتوه. وكما هو الأمر في الحكاية، انغلق الباب وحده من ورائه. أخذ الطفل يضحك، بينما كنت تصرخ، وأم جوهان تبكي، عاجزة، في سريرها. كان جوهان يضحك، كان يضحك. ارتدى ثوب العروس الصغير. كان الأقزام يضحكون، كانوا يضحكون. كانوا قد أحاطوا به كما لو كانوا يحضرون عرضًا مسرحيًا. قفز أحد الأقزام المرتدي لقناع قرد على السرير وعمل سلسلة من الحركات التي أظهر فيها خفته ومهارته. كانوا يضحكون، كانوا يضحكون، إلى أن انفتح الباب فجأة، وظهر رئيس الأقزام. أخذه الغضب على منظر الحجرة. أعطى أمرًا بصوت جاف وساخط، ورمى بقبعته أرضًا. استداروا كلهم، مذعورين، بينما كان رئيسهم ينذرهم بترتيب الحجرة. أطاعوا، وتوأمك المرتبك قليلاً يتقدم من الجلاد، الذي خلع عنه الثوب، وأشار إلى الباب بطريقة شرسة جدًا. فهم جوهان هذه المرة أن أمه لم تكن موجودة خلف الأبواب المفتوحة، وأن عليه الذهاب للبحث عنها في مكان آخر. لكنه لم يكن يعرف ما يفعل للحاق بها. عاد إلى حجرته، ونظر من النافذة. كان الليل مخيمًا...

 

سقط عليك الألم دفعة واحدة بعنف وضراوة، وكأنك غدوت شعبك، وكأنك غدوت مكانك الآخر، ذلك الذي يعذب، وهو يبتسم، وكأنك غدوت كفارتنا إلى خراب الحضارة، وكأنك كنت تريد إطلاقنا من حضارة الخراب، من ذنوب آدم، من قاتل هيروشيما، من ذابح الجزائر الذي يبقى غير مسمى، وكأنك غدوت صرختنا المسموعة أخيرًا، وكأنك غدوت كل هذا على الأقل في غرفتك الصغيرة التي في مستشفى سان-فانسن دو بول، الواقع قرب مترو بور-روايال، هناك حيث تصمت التماثيل... وعلى العكس، كان توأمك يبدو الوحيد الذي يريد أن يقول شيئًا في حالتك، الذي يستطيع أن يحكي عنك، دون أن يصل رغم ذلك إلى صياغة الكلمات التي تعبر عن فاجعتك. كان جوهان يقف دومًا وراء النافذة، لم يكن جوهان ينام، كان ينتظر عودة أمه بيأس. هل ستعود إلى وضع حذائك الجديد ذات يوم؟ هل سنتمشى في شوارع باريس كما كنت تحلم؟ هل ستشتري من الشانزلزيه شوكولاطه وتطعمني؟

 

في آخر عرض الأقزام، غادر المشاهدون القاعة مع ضحكهم غير اللائق، وفرحهم الزائف. تفرقوا، واستعاد الشارع هدوء ما بعد منتصف الليل. طلب الأقزام الفندق ما عدا رئيسهم. أشار بيده إلى جوهان بالنزول، فنزل توأمك. كان على رئيس الأقزام أن يأخذه إلى المستشفى بما أن كليهما قد ذهب معًا اليد باليد. وأنت الذي كنت تصرخ، كنت تصرخ. كنت تصرخ... قال لي طبيبك من الأفضل أن تموت في الجزائر، هناك حيث يبكي أبوك. أمام سُخطي، أوضح لي كيف أن ترحيلك، وأنت ميت، سيكلف الدولة غاليًا. وعندما قلت له ما أنت سوى طفل، وإنك غدوت ضامرًا بسبب الصخرة التي تنهشك في بطنك، إنك غدوت خفيفًا كعود زيتون يابس، أجابني أن الوزن لا حساب له، أن الميت ميت أولاً وقبل كل شيء، سواء أكان ضامرًا أم بدينًا، طفلاً أم بالغًا، وهو سيكلف الدولة غاليًا، غاليًا جدًا. حتى طفولتك لم تشفع لك.

 

قاد رئيس الأقزام جوهان إلى المستشفى. في الممر الطويل المؤدي إلى غرفة أمه، سقطت عليه صرختك كالصاعقة. رآهم، وهو يمر أمام غرفتك، وهم يخدرونك، ثم دخل، مع هذا الشخص البَئِس، غرفة أمه. خانتك الطفولة والرجولة، وغدا موتك أمرًا مهمًا من أمور الدولة. هل أتركك تذهب؟ كانوا قد اتخذوا قرارًا دون أن يأخذوا برأيي. وجوهان، وهو يرتمي على صدر أمه المخدرة في سريرها، لم يفهم أنه لم يكن يمكنه شيئًا أمام قرارهم. سرطان رئة، قرأ رئيس الأقزام على البطاقة الطبية. بلا أمل. مثلك. بلا أي أمل. يعني لا أمل في الشفاء. أبعد الشخص البَئِس توأمك عن أمه الغائبة عن الوعي، وبيد عزومة رمى الغطاء على الأرض. كانت توأم أمك عارية كما ولدتها أمها. صعد عليها، واغتصبها تحت النظرة المستقرة للطفل. بدأت تبصق الدم، لكن هذا الشخص الخسيس واصل اغتصابها حتى أسلمت الروح. انسحب جوهان دون أن يفوه بكلمة. تردد قليلاً أمام بابك، ثم دخل. كنت مخدرًا تمامًا. ومع ذلك، ارتمى على صدرك منتحبًا. كان الدمع يسيل من عينيك المغلقتين. كان يسيل... أخذ جوهان بالسعال كأمه. كان يسعل سعالاً قويًا، قويًا جدًا. لم يتوقف عن السعال أبدًا.

* * *

أتيتك إلى الجزائر بعد موتك، وبكيت. قالوا لي إنك انتظرتني طويلاً، إنك بحثت بعينيك عني، ثم يئست. كنت محاطًا بأقزام يرددون الشهادتين كي تعيد كلماتهما، وتموت مسلمًا صالحًا. جلسوا طوال ليلة احتضارك، وهم يقبضون على يدك بين أيديهم، ويأمرونك بقول القول الطقسيّ. أبوك، أبوك التقيّ، لم يعد يحتمل أن يراهم، وهم يعذبونك أكثر مما فعل الشيطان فيك، فطردهم جميعًا، ثم تقدم بيده نحو فمك المفتوح قليلاً، وضغط بكل قواه.

 

باريس/ أبريل 1980

 

* من "حلمحقيقي" المجموعة القصصية الرابعة لأفنان القاسم بمناسبة نشره للأعمال الكاملة.

مفكر وأديب وأكاديمي متقاعد من السوربون

ramus105@yahoo.fr

Read more…
جين نوفاك المحللة السياسية الامريكية والمختصة في الشئون اليمنية في حوار ساخن مع الدكتور المنصوري


الدكتور محمد توفيق المنصوري في حواره الساخن عن المعضلة اليمنية يتناول قضايا الفساد في القيادة العسكرية والجيش والأمن وأجهزة ومؤسسات الدولة الأخرى. في الحوار كذلك يوضح الدكتور السلوك الإجرامي من قبل مسئولي النظام وعلاقتهم مع الضباط والقادة العسكريين العراقيين السابقين وكذلك العلاقة الرسمية بين الحكومة وتنظيمات الجهاد والإرهابيين.
يتطرق الباحث أيضا إلى الحراك الجنوبي من أجل الإنعتاق من نظام صنعاء الجائر وحرب صعدة وقضية شهداء 15 أكتوبر عام 1978م وحقيقة مرض الرئيس صالح ومواضيع أخرى.
الحوار يعتبر ليس فقط نقلة نوعية في الخطاب السياسي الفكري ولكن أيضا له أبعاده الإستراتجية التي تستشرف مستقبل اليمن. كما يحتوي الحوار على وصايا ودعوة "لقادة" اليمن وشعبه إلى الإيمان بالحضارة والعلم والمعرفة والدين الحقيقي.
الحوار موجود كاملاً على الرابط:
http://www.armiesofliberation.com
Read more…
الاعلامي والناشط السياسي مجيب حسن يعري صالح واعلامه في اهم قناه بلجيكيهبعد اعتقاله في مطارصنعاء و مصادرت الامن القومي للكمبيوتر المحمول الخاص بمجيب حسن وتهديدهم له في حال قام بالكشف او التصريح عن اعتقاله في المطار ! هذا بعدمرور عام من محاوله اغتيال مجيب حسن امام منزله في صنعاءhttp://www.deredactie.be/cm/vrtnieuws/mediatheek/programmas/terzake/2.15995/2.15996/1.1040032
Read more…

 

ارتقيتُ عرشَ السماءِ لعرشِكِ

ونظرتُ إلى دنياكِ ما وراءَ البحار

كنتِ امرأةَ القبيلةِ الفقيرة

بالقمحِ وبالذرةِ حاصرتِ الأنهار

وبالتِّبغِ لشفتيكِ وللضفيرة

أَثَرتِ الدخان

حتى مشارفِ البيرو

كان كريستوفر كولومبس لم يميزِ الكفَّ مِنَ الأصابعِ الطليّة

في حلمٍ لم ينتهِ إلى اليوم

أحرقَ فيهِ الخشبَ

وأذابَ النحاس

ومن أثداءِ النساءِ بنى العواصمَ قربَ البحيراتِ الكبرى

وصارت لأوروبا في اقتلاعِ الشجرِ فنون

وفي قطعِ القدمِ الحمراء

أو دفنِها في قبورِ الطاعونِ والكوليرا

كان الكومانشُ في أصلهِمْ من يافا

وكان الهنودُ الحمرُ أهلَنا

لم نكنْ حُمرًا وقتها

وغدونا حُمرًا وخُضرًا وسُمرًا وكلَّ الألوانِ في قوسِ السحاب

إلى أن محتنا قبلاتُ بنادقِ الفاتحين

كانَ ذلكَ حبَّهُم لمن يحبونَ الأرضَ التي اغتصبوها

وبعدَ ذلكَ قلنا نحبُّهُم كما يحبوننا

فمحونا مِنْهُمُ الشفاهْ

وتركناهُمْ دونَ قُبَلٍ إلى الأبد

إلى الأبدِ هُمْ تركنا

 

*

 

ولم نكن أفضلَ أخلاقًا من قاتلينا

يوم تركنا أكلَ الحشائشِ والنباتات

وأخذنا نأكلُ لحمَ الحيواناتِ التي كنا نعيشُ في وئامٍ معها

وفي كنفِ الرياشِ الملونة

لطاووسِ الوقت

وصراخِ الألوان

عندَ عبثِ الألوان

فلا السهمُ ولا القوسُ ولا مناقيرُ النسورِ جعلتنا نرجعُ عما عزمنا

حتى ولا طنينُ الذباب

أنزلَتْ بنا الأرواحُ المرضَ

قناصينَ كنا أو صائدينَ للسمك

ولم تفرقْ ما بيننا

كان غضبُها من غضبِ أممِ البرقِ التي تعيشُ في فضاء

الكون

حزنتِ الحيواناتُ علينا

وقَبِلَتْ منا أكلَنَا للحمِها وفكرةَ الانتهاء

جسدًا فينا

إلا أنّ الفاتحينَ فيما بعد

الذين فعلوا بنا كما فعلتِ الأرواحُ بنا

رفضوا عناقَنا في طبقٍ من دم

واستباحوا الملحَ

وسلخوا للأمهات

الحنطة

بينما كانتِ الأعشابُ أكثرَ رأفةً بالملحِ المستباح

وبالحنطةِ التي منها وُلِدْنَا

قدمتْ لنا العلاج

وبَرِئنا

 

*

 

ومثلما كنا للكومانشَ أصلا

كان الهنودُ الحمرُ أصلَنا

وكنا للعوالمِ فصلاً يتبعُ فصلا

سبعةٌ هي عوالمُ الإنسانِ والرابعُ اليومَ عالمُنا

دقتِ النارُ في الأولِ كما تدقُّ النارُ في الياقوت

لهذا صارَ الياقوتُ أحمرَ

وغزا الثاني الجليدُ كما يغزو الجليدُ القطبَ

لهذا صار القطبُ أبيضَ

وغرقَ الثالثُ في المحيطِ كما يغرقُ سمكُ القرش

لهذا صار سمكُ القرشِ السِّفْرَ الأولَ في التوراهْ

كان ذلكَ بعدَ أن أعطى (( ديوفه)) الإنسانَ في العالمِ الأولِ

العقلَ والتناسقَ

وكلَّ ما هو ضروريٌّ في السياق

قبل أن يختارنا لنشهد

على الفَجَرَةِ الذين كانوا منا

شهادةَ شوبنهاور

وعلى ما ألمّ فيما بعد

بجزرِ عيدِ الفصحِ وهاوايَ مِنْ عظيمِ الهلاك

هناك حيث رفعَ الخالقُ لنا بينهما كاسكارا جَنَّتَنَا

ثم رفعَكِ إليه

بعد أن أحبَّكِ

وأجرى عَقدًا معنا ليبقينا

وليبقيكِ قربه:

((إذا أردتم أن تكونوا أسماءً أكتُبُهَا لكم بالنجوم

حروفا

فعليكم أن تجعلوا البرتقالَ يحبلُ بالمعرفة

وأن تمحوا الحربَ من كتبِكُم وعقولِكُم وكتبِ وعقولِ كلِّ من تبعكُم من عبادنا

ممنوعٌ عليكم أن تقتلوا لأني أحبُّكُم

ولا أن تقلعوا الشجرَ لأني علمتُكُم قوانينَ الفصول

ولا أن تَعُدُّوا النجومَ لأنها بيوتي

واذا لم تفعلوا ما أشاء

فلن تكونَ الأنهارُ أُخوةً لَكُم

ولا النارُ قدحًا وشررا))

 

*


وعندَ ذلكَ خرجتْ قارةُ أمريكا الجنوبيةِ مِنَ المحيط

كالمرأةِ الحُبلى بألفِ توأم

إلى جانبِ قارةٍ أصغرَ من كاسكارا

أسميناها ((بلدُ جهنم))

لأنها تشبهُ الجحيم

كانت أفريقيا تشبهُ الجحيم

وكانت أوروبا تشبهُ الجحيم

وكانت آسيا تشبهُ الجحيم

وأوقانوسيا

وكان الجحيمُ يشبهُ نارَكِ عندما تغضبين

سَكَنَهَا أناسٌ منا

بعد أن كفروا بديوفه خالقِنَا

ونكثوا العهدَ معه

فطردهم من عندنا

أبعدهم عن كاسكارا

وفصلهم عنا

في بلدِ جهنمَ تجمعوا

لم يكن قد حان وقتُ عودتهم إلى دمنا

كان عليهم أن يقطفوا الإجّاص

أولاً

والمندلينا

غَزُوا البلدانَ والقارات

وأسموا بلدَ جهنمَ التي أسمينا

أتلانتيدا

 

*

 

ونافسَ أهلُ أتلانتيدا الخالقَ في أسراره

لَقَبَهُمْ كانَ (( فاتحو السماء))

صعدوا إلى النجوم

فجعلها لهمْ هباء

ووصلوا إلى أفلاكِ البروج

فجعلها لهم عائمةً في القيءِ كلَّها

كالمستنقعات

كان لا يريدهم له أندادا

طَرَدَهُمْ من جديدٍ وأبقاهُمْ كالخوخِ معلقينَ على أغصانِ الشتات

كعناقيدِ العنب

كالوطاويطِ في النهار

كنا نرى في ذلك ظلما

وكان غيرنا يرى في ذلك عدلا

فَغَمُضَ للوجودِ معناه

حتى أن المساءَ لم يَعُدِ المساء

غدا الليلُ سقفَ بيوتهم

والشمسُ ثوبَ كلِّ يومٍ

فَحْمِيِّ اللون

الازدراءُ كانَ طعامَهُم

والذلُّ كان شرابَهُم

والعناءُ حجرَ الحياةْ

اسألي الأمَّ

عن ألمِهَا

تقلْ لكِ

ما تقولُهُ الأمهات 

إلا أن جبابرتهم ارتأوا غيرَ ما ارتأى الجبارُ الأولُ لهم

تحدوا الكلَّ

تحدوا المِدفأةَ والحطب

أرادَ كلُّ واحدٍ أن يجعلَ من نفسِهِ إلها

الوهمُ له آنيةٌ والطعام

غرامُ اللؤلؤ

والماس

وكمثرى اللهب

أن تكونَ له دنيا الأرضِ بعدَ أن فقدَ دنيا السماء

دنيا الممكنِ مَنْجَما

وأن تكونَ له كلُّ امتيازات

الخالق

لم يكن تحقيقُ ما يرمونَ إليهِ سهلا

إلا إذا جَمَعَتْ رَعَاعَهُم من حولهم فكرةٌ كانت فكرة

وكانت حلما

وإلا إذا انتشرتِ الفكرةُ على أجنحةِ طيورِ الموت

وجثمت على النفوسِ بمخالبها

وكان للخالق

أخٌ للموتِ اسمُهُ (( رلته))

آريُّ المحتِد

عاشق

... قٌ

للحلماتِ المقطوعة

لأن أثداءَ أمهِ كانت بلا حلمات

وغاضب

... بٌ

لجمالِ حلماتِ نساءِ أتلانتيدا

الممنوعة

فقطعها لهنّ

ونشرَ الموتَ بينهنَّ وقالَ عن نسلِهِنَّ ملعونا

أحرقَ نسلَهُنّ

وعذبنا

لم يكن يعلمُ أننا سندفعُ ثمنَ الثديِ الذي قتلَهُ وبكيناه

من دمِنَا

لم يكن يعلمُ أننا سنخضَعُ للثدي الذي أخضعَهُ ورفعناه

على كتفِنَا

بيرقا

لم يكن يعلمُ أن جبابرةَ الثديِ قد دغدغوا بالثديِ الفكرة

التي غدتْ فكرةً وحُلُمَا

كانتِ الفكرةُ حمايةَ أهلِ أتلانتيدا

ولم تكنِ الفكرة

وكان الحُلْمُ العودةَ إلى كاسكارا

ولم يكنِ الحُلْمَ

وهكذا بعد تَجْوالِهِم بينَ طبقاتِ السماء

واحتراقِ الحلماتِ بعيدًا عن أبوابِنَا

نمتِ الفكرة

واستبدت بهِمُ الرغبةُ في قضمِ عنبنا

وفي تسلقِ سلالمِنَا

وفي حرقِ صورِنَا

كما حرق لهم أخو الخالقِ رلته صورَهُم

من أجلِ أن تكونَ صوامعُنَا لهم أمكنةً للبكاء

وبعد أن كانوا يحلمونَ بكاسكارا بلدِنَا

حُلْمَ المعذبِ المشتاق

ويصلّونَ لأجلها

صلاةَ ذئاب

الله

وكأننا لم نكن أهلَهَا

أخذوا يعملونَ على تحقيقِ الحُلْمِ من على حوافِ أثداءِ نسائنا

عملَ الضحيةِ التي تسعى إلى الانتقام

ويعدّونَ العدة

مناقيرَ للبرق

وكأننا لم نكن مطرَ كاسكارا قبلَ أن نكونَ بشرَهَا

كنا لهم عبورَ الرياح

على أرضٍ لم تُفلحْ بأظافرنا

ونعيقَ الزاغ

في حفلِ ختانِ البلح

وعِنّةِ أصداف

البحر

 

جمعهُمُ الحُلْمُ وشتتَنَا

قَرّبهُمُ الحُلْمُ وأبعدَنَا

 

كانوا لغيرِنَا عُقدةَ النفس

لنا منهم قسوةُ الرومان

أو عبوديةُ السودِ التي لم يفطن لها أبراهام لنكولن

وإلى اليوم

هناك منهم من لا يرى فينا

نظامَ النوارس

المولعَ بالإبحار

والعابدَ لأرباب

الموانئ

المُعليةِ للرمل

وكانوا لبعضِنَا مساكينَ الكون

لهم منا شفقةُ جوبتر

أو احتقارُ هرقل

وإلى اليوم

هناك منا من لا يرى فيهم

انتخابَ الصقور

والقاتلَ بالإيجار

البالعَ للقرار

المدمرِ للغير

عندما تسلحوا بالبرقِ وبالوعد

وتأكدوا من قوةِ ما في أيديهم من قوة

عادوا إلى الأرض

ليخضعونا

فصبغنا وجوهنا بأقواسِ قزح

أشعلنا النار

وعلى إيقاعِ الطبول

رقصنا

رقصةَ الحرب

والدخانُ يعلو كأجنحةِ سودِ القواطعِ إلى أعشاشِ الموتِ في السماء

حملنا أقواسنا وسهامنا

ووضعنا على رؤوسِنَا الأرياش

رمزَ عزتِنَا وكرامتِنَا

واعتلينا الخيولَ والذئابَ وأسِنَّةَ الرماح

وذهبنا

ونحن نطلق صرخاتِ النصرِ إلى المذبحة

لكنَّ القمرَ والشمسَ كانا في كاسكارا معنا

فصمدنا

إلى أن استهلكنا كلَّ ما في المِحَنِ من جَمَال

مات أكثرُ ذئابِنا إخلاصا

وأكثرُ خيولِنا أصالة

وانضنى

الذهبُ والفضة

لم يكونا

بقوةِ فاتحي السماء

قُبَلِ المنيّة

 

اشتراهُمُ الجبنُ وباعَنَا

أغناهُمُ الجبنُ وأفقرَنَا

 

من الجوِّ

ضربوا مدنَنَا بالمَغْناطيس

وبالرؤية

ومن البحرِ

بِحراشفِ حُوُرِ المحيطِ وكلِّ أنهارِ العالم

وكلِّ مناقعِ المعرفة

ومن البرِّ

بحوافرِ الخيلِ وقرونِ العتاريس

وأظلافِ المحكمة

 

برّأهُمُ الجرمُ وأدانَنَا

خلّصَهُمُ الجرمُ وأهلكَنَا

 

كادوا يُنهونَ علينا

إلا أن الخالقَ لم يَخْذُلْنَا نحنُ السائرينَ على دربه

جَعَلَنَا

نتركُ من كاسكارا قسمًا لهم

وأنقذَنَا

بعد أن فرَّقَنَا

كانت كارثتنا الأولى

 

*

 

وكانت تعيشُ في العوالمِ الثلاثةِ بيننا

كائناتٌ أسميناها ((كاتشين))

وتعني الكائنَ الجديرَ بالاحترام

والتقدير

جاءتنا من الفراغ

بأسرعِ من البرقِ كانت تنتقل

على مَتْنِ سفنٍ فراغية

السماءُ لها بحرٌ

والفضاءُ لها سكين

كان بإمكانها أن تُعيننا في صدِّ فاتحي السماء

لكنها اتخذت من الجدارةِ ذريعةً على تركنا وحيدين

كشجرِ الجوز

ادعتِ القتالَ إلى جانبنا

ولم تقاتل

وادعتِ الدفاعَ عن الحق

على ألا تهادن

رأت في أهل أتلانتيدا ما لم ترَهُ فينا

رأت فيهم سيدًا للزمنِ القادم

وحليفًا دهريا

بقاؤهُ بقاءٌ لها إلى أبدِ الأوابد

وزوالُهُ زوالٌ لها

كما زال من قبلها أُخوةٌ من غبراءَ وداحس

وغيرُهُمْ ممن كانت لهُمْ رمالُ الممالك

كان الكاتشينيون يقرأونَ التاريخَ بعينِ القوةِ والأَيْد

وبأسِ القواطع

وكانَ (( الإنسانُ ذو العقلِ الكبيرِ)) سلطةً لهم

سلطةَ القوةِ وجبروتَ السطوةِ وصولجانَ القادر

الناقم

المنتقمِ للقبر

سلطةً رأت في أهلِ أتلانتيدا كيفَ تكونُ السلطة

ولا أحدَ فوقَ سلطةِ الخالق

هذا صحيح

ولكن..

وكان من الكاتشينيين

البدويون

كي تكونَ الرمالُ الساخنة

والأسكيموويون

كي تكونَ الرمالُ الباردة

ومهندو الماء

كي تسري الدماءُ في عروقِ الجلامِد

وبناتِ الخيال

أقاموا عَلاقاتٍ معَ كلِّ نساءِ الكون

النساء البشر والنساء السحاب

وكلِّ أنثى من كرومِ العنب

وشجرِ التين

وكلِّ أميرةٍ سَحَرَهَا السحرةُ للرُّمَّان

ياقوتًا أصفر

وحنين

.. نًا

أحمرَ للشفاه

وأزرقَ للزَّنبق

أبناءُ الزنا

كانوا أطفالَهم

المختارين

أطفالُ الرملِ والحكمةِ والقول

وفي قادمِ الأيامِ سحرةُ الدنيا

 

*

 

السفنُ الكونيةُ سفنُهُمُ التي كانت للرحلاتِ بينَ الكواكب

سفنٌ كالدرعِ الطائرِ سافرنا على مَتْنِهَا كُلُّنا

كُلُّنا سافرنا

نحنُ وكلابُنا وأبناؤنا ونساؤنا

لأجلِ إعلانِ الطاعةِ للإنسانِ ذي العقلِ الكبير

بعدَ الطاعةِ لديوفه خالقِنَا

وخالقِ كلِّ كائن

لكنه كان يزدرينا

ازدراءَ القدمِ للنملِ

ولكلِّ الدويباتِ ذواتِ الأنامل

كان يعتقدُ أنَّ السحرَ كلُّ شيءٍ في الوجود

وهو لمن يستحقُهُ منَ الأمم

حتى لمن لا أخلاقَ لهم

إذا كانوا جديرين

به

وكانوا له في المؤتمراتِ رُسُلاً

وفي المحافل

لهذا مدَّ يدَ العونِ لأهلِ أتلانتيدا على مِداده

ليبنوا بالسحرِ الترسانات

وليصنعوا الدروعَ الطائرة

وتصنعَهُمُ المغامرات

في رحابه

صار لأهلِ أتلانتيدا ما كان لحُماتنا

من دروعٍ

كانت تتحركُ في حقلٍ مَغْناطيسيّ

كما تتحركُ في المرايا

في الصور

في رؤوسِ الغافين

في هَوْم الموت

وفي حياةِ الهوم

وامتدادِه

وكانوا يتنقلونَ عليها ليسَ لاكتشافِ أسرارِ العالم

وأسوارِه

ولكن لمتابعتِنَا والتربصِ بنا

لكمشِنَا بين أصابعِ الضوء

المعتم

ونهارِ التكنولوجيا الدامسِ بنجومه

ونعاله

هم كانوا مِثْلَنَا

وغيرَنا كانَ الكاتشينيون

أسيادُ رملِ السماء

شكلُ البشرِ كانَ شكلَهُم

وقدراتُ الآلهة

لهم

وحدبُ الأقوياءِ على الضعفاء

فيما بينهم

كانوا يتصلونَ عن بعدٍ

بقوةِ فِطْنَةِ الرعد

التي كانت لهم

ولم تكن لنا

وينقلونَ الصخورَ من أماكنَ بعيدة

على ظهورِ جِمال البرق

التي كانت لهم

ولم تكن لنا

 

*

 

ولتعرفي قَدَرَ الذين كانوا مثلنا وضدنا

وقَدَرَ الذين كانوا غيرنا وضدنا

يصنعُ أفرادُ قبيلةِ الهوبي

التي هي إحدى قبائِلِنَا

في أمريكا اليوم

من الدمى صغيرَهَا

الملونَ ويقولونَ عنها

كاتشينيي الماضي

دُمى ترقصُ للآلهة

وتعينُ الأطفالَ على فهمِ ما يجري في الدنيا

وما يختفي تحتَ الأقنعة

ويصنعونَ من الدمى كبيرَهَا

الفحميَّ ويقولونَ عنها

أبناءَ أتلانتيدا

يُغْرِقونها في المدادِ الأسودِ لليل

ويُحْرِقونها

في حفلاتِ البارب كيو

انتقامًا ممن لم ننتقم منهم

واعتذارًا للبَيْسونَ الذي يصطادونه

ويجعلون من لحمِهِ عيدا

ولكي تختلطَ الروائحُ برائحةِ الخوف

التي ظلت تطاردُهُم

منذُ الكارثةِ الأولى

 

*

 

وبأمرِ الإنسانِ ذي العقلِ الكبير

لم ينقذنا الكاتشينيون من الكارثةِ الثانيةِ التي أَلَمَّتْ بنا

لم يدافع عنا بدوُ السماءِ وحواجبُ الكواكبِ وحوافرُ النيازكِ وأشقّاءُ القمرِ الفضيّ

بعد أن تركَنَا ديوفه خالقُنا وحيدِينَ والقدرَ وجهًا لوجهٍ ليجربنا

حاربوا ولم يحاربوا

قاتلوا ولم يقاتلوا

هاجموا وهم يديرونَ الظهر

ولم يهاجموا

وجعلوا من هزيمتهم أمامَ أهلِ أتلانتيدا قدرنا

الغبيّ

كانوا لا يعرفونَ سوى شيءٍ واحد

ألا ينصرونا

عندما كان النصرُ لا يكلِّفُ أكثرَ من كيلوغرام من اللفت

الأبيّ

ابتلع المحيط كاسكارا قارتنا

وكلَّ الجزرِ جزيرةً من وراءِ جزيرة

بعد أن دمرتِ القذائفُ ما تبقى من مدننا

بعد أن محقتِ القنابلُ ما تبقى من جبالنا

بعد أن محتِ الجرافاتُ ما تبقى من آثارنا

وذُبنا كجبالِ الملح 

شيئًا فشيئا

 

*

 

وبرزت بعد غرقِ كاسكارا أرضٌ

نقل الكاتشينيون إليها من اختارهُمُ الخالقُ منا

حسب صعودنا في طبقاتِ الآخرة

على أجنحةِ اللهب

الصفائحِ المدرعة

أو الصنادل

كان على هذه الأرضِ أن تكونَ بلدَنَا

الجديدة

أرضُها لم تكن أرضا

بحرُها لم يكن بحرا

سماؤها لم تكن سماءا

أسميناها

العالم الرابع

عالمٌ كانَ في رأسِ كلِّ واحد

منا

لم يكنِ العالمَ الخيمة

ولا العالمَ الحقيبة

كان العالمَ في الرأس

في الدماغ

في البدن

العالمَ البدن

يوم تغدو الكينونةُ فكرة

والمأساةُ خيالَ المأساة

كان ذلك كُنْهَ قدرِنَا

الغادر

وهكذا قررَ القويُّ العادلُ القادرُ مرةً أخرى إنقاذنا

من غيرنا

بعد أن رمانا فينا

 

*

 

وبعد مرور آلاف السنين

نكث قسمٌ منا العهدَ مع ديوفه خالِقِنَا

خُنَّا الحمامَ الأمين

على صدورِ زوجاتِنَا

بعنا الجوهرَ الثمين

بين أفخاذهنّ

فجَّرنا دمَ الأنبياءِ السخين

على أقدامهنّ

من آدمَ إلى لينين

فجَّرنا

وبولَ المسيسيبي

وبرازَ الأمازون

والنيل

والسين

وغيّرنا الشكلَ لهنّ

صرنَ غيرَ الحمام

شيئًا أقربَ إلى أجملَ ما يجدُهُ إنسانٌ لدى الضَّبُعات

إلى الثقوبِ في فساتينِ المؤامرات

إلى الأنوفِ المصابةِ بالزكام

وأَجَدْنَا

طردتنا الجبالُ السبعة

ولم يقبلِ الدمقسُ أن ننبتَ كالقِنَّبِ على جانبه

قلنا نذهبُ إلى الأمام

فذهبنا إلى جمهورياتٍ أقمناها في كلِّ مدينةٍ منَ المدنِ

التي خربنا

وقلنا نعودُ إلى الوراء

فعدنا إلى فيلاّت اكتريناها في كلِّ حيٍّ منَ الأحياءِ

التي عهرنا

كان الأمامُ كالوراء

خطًا واحدا

إلى موائد الثلج

وبين الأمامِ والوراء

أخمدنا الانتفاضات

بماءِ الجنة

ونارِ المجد

وصنعنا النصرَ في الأذهان

ومن الأُخْطُبوط سلاسلَنَا

بالتسترِ والضلوعِ وإرادةِ حجارةِ الشطرنج

علينا

وكان العقابُ أن هزَّ ديوفه بنا الأرضَ هزَّا

أن دكَّ من حولنا الجبالَ دكَّا

أن أفاضَ الأنهارَ التي ركبناها إلى البحار

الأعظمِ هولا

تَرَكْنَا أين كنا وأوغلنا في البعدِ أبعد

من المكانِ الأكثرِ بعدا

في الأحلام

حتى وصلنا برفقةِ الكاتشينيين حُماتِنَا

إلى جزيرةٍ في جنوبِ أمريكا

 

الليلُ فيها أسود

والقمرُ أخضر

النهارُ فيها أسود

والشمسُ زهرية

 

الليلُ فيها أسود

والقمرُ أحمر

النهارُ فيها أسود

والشمسُ بُنية

 

أخذنا نسرقُ الخبزَ من موائدِ الفحم

والماءَ من ينابيعِ معادنِ الليل

الهيولية

تعوضنا عنِ الشمسِ بقليلٍ من زهرِ النهار

أو بُنِّه

وعنِ القمرِ بقليلٍ من خَضارِ الليل

أو رُمّانِه

كان الليلُ حقلَ الدنيا

والنهارُ غَمْزَ الزمانِ لخَلخالِك

واستطعنا أن نبني بلدًا شيئًا فشيئا

لا تشبهُ البلدَ التي أردتِها في أحلامِك

كانت في البلدِ سجون

وكانت فيها محاكم

كان فيها المجانينُ الذين فقدوا جنونهم طاعة

... ةً

للحاكم المحكوم

وللحاكم الحاكم

وكان فيها المجانينُ الذين باعوا جنونهم سلعة

... ةً

للخالق المخلوق

وللخالق الخالق

لم تكن لها عاصمة

وكانت فيها مباول

الكثير من المباول

وبعد ذلك بقرون

قرر حُماتنا الرحيلَ كالجناحِ الضائع

بعد أن صاروا يُجْرَحون مثلنا

ويَخْشَوْنَ مثلنا قُبَلَ البنادق

وأهلَ أتلانتيدا

الذين ظلوا يطاردوننا أينما ذهبنا

وأينما اختبأنا

في نقراتِ الطيرِ أو في خَدْشِ المخالب

وإذا ما هربنا منهم إلى الأحلامِ في أحلامنا

أو إلى أحلامك

وبعد أن فقدوا قدرةَ التنقلِ في الهواء

وقوةَ السحرِ ومهابةَ الطلاسم

بعد أن فقدوا عِلْمَهُمْ في السحرِ

وسيطرتَهُمْ على الرمالِ والبحار

ولم يعدْ لهُمُ السيفُ سيفًا للمكارم

ولا روعًا للجَمال

حبُّ النساءِ قِوامُه

قِوامٌ استبدلوه بقِوام

سحاقُ الوردِ وقصوفُ السمكِ

ولواطُ الأقمار

تركونا لمصيرٍ لم يكنْ لَهُ أخٌ على وجهِ الأرضِ

بينَ كلِّ مصائر

أبناء

الوقت 

كانت كاسكارا وهمًا ظلَّ أهلُ أتلانتيدا يقاتلونَ من أجلِهِ ليلَ نهار

وكنا نحن لا ننام الليل في الليل ونحن نفكر فيها

تفكيرَ المتيمِ العاشق

كانت كاسكارا لنا لونَ الليلِ لليل

وضَوْءَ النهارِ للنهار

وطَعْمَ البرتقالِ للحامض

كانت لنا جَمَالَ الفستان

وأنتِ فيه

 (( في يومٍ قادمٍ سيأتيكُمُ الرجلُ الشاحب

من مكانٍ أبعدَ من وطنِكُمِ الفقيد

الذي ليس وطنا

الوطنُ القصل

والمقصلة

الحكمُ والمحكمة

الدخانُ والمدخنة

وطنُكُمُ الضائع

وسيعينُ الرجلُ الشاحبُ أعداءَكم فكونوا جاهزين)) قال الكاتشينيون لنا

قبل أن يودعونا

كان وداعُهُمُ الصامت

دون بكاء

ودون عناق

كان وداعُهُمْ إلى الأبدِ لنا

ارتفعوا في السماء

وعادوا إلى كواكبِهِمُ السيارة

ليُعْلِموا الخالق

بعذابنا الأزليِّ بعدَ أن دمرنا

وقال أنقذتكم

وبعد أن شتتنا

وقال جمعتكم

كالقوارب

المحطمة

تحررَ الخالقُ منا

بعد أن كنا سلاسل

... لَ

قيدناه بنا

كنا الحديد دون أن نعلم

دون أن يقولَ أحدٌ لنا

ولم نكن ((كن فيكون))

لَهُ

أخرجَنَا من العيون

كحجرٍ ينام

ثم ينهض

نهوضَ السادرِ العاثر

هو من كان ((كن فيكون))

لنا

أدخلناهُ في العيون

كشعاعٍ يحتار

أين يجلس

ثم يجلس

على عرشٍ يكونُ لَهُ المكانَ الدائم

قبل أن ينسانا

 

*

 

ظهرت الشمسُ على الجزيرةِ مَعَ ظهورِ الرجلِ الشاحبِ بِتِبْرِهَا وحُسْنِهَا

حُسْنِ الظلمِ وتِبْرِ الجرمِ على ظهورِ النساءِ الحُبالى

عندما يغدو التبرُ والحسنُ لفحةً وخداعا

وظَهَرَ القمرُ إلى جانبِهَا

تارةً كُحْلِيَّا

وتارةً فُستُقِيَّا

كان ظهورُ الرجلِ الشاحبِ كالقمرِ غريبا

ظهورَ البراعة

في التكنولوجيا

على ظهورِ الحيتانِ الطائرة

لم نعملْ بالنصيحةِ التي أعطانا إياها حماتُنَا القدامى

كنا له طاعة

وكنا له الجسدَ مشاعا

جعلنا الشجرَ والحجرَ والطيرَ له طاعة

حتى النوارس العاشقة للذهبِ والملحِ والتي لا تأتي شواطئَنَا إلا لماما

جعلناها له طاعة

كان ذا سطوةٍ كبيرةٍ علينا

وككلِّ نبيٍّ صنعَ وأعجزَ

علَّمَنَا كيف نموتُ من أجلِهِ وكيف نكرهُ كلَّ ما كنَّا

نحبُّهُ أو لا نحبُّه

أن نحبَّهُ هُوَ وألا نحبَّنَا

ملأ قلوبنا بجفاءِ الألفة

ومن شفتيكِ بقوةِ طاقةِ الدمِ علينا

كان قادرًا على رفعِ كتلِ الصخورِ بإصبعِهِ الصغيرة

وعلى تحريكها بذراعٍ تفهمُ لغتها

كشف لأبناءِ أتلانتيدا أسراره

علمهم ما لم يَعْلَمْهُ أحدٌ منا

قوّاهم في البحرِ وفي البر

ومكّنهم مِنَ القنصِ وَمِنَ الصيد

وجعلهم له ذراعا

وبعد ذلك اعتلى ظهورَ أسماكِ القرش

وكلابِ البحر

واختفى

أسميناهُ ملكَ قروشِ البحر

أو إمبراطور كلابِ الموج

شيئًا كهذا أو ذاك مما كنا نخشى

 

*


وبقينا نَحِنُّ إلى وطنِنَا الأصليّ

وطنِ أجدادِنَا من الطيورِ يومَ كانتِ الطيورُ تتكلم

وأجدادِ أجدادِنَا من السمكِ يومَ كانَ السمكُ يحبل

كان بعيدًا هناك ما وراء المياهِ الكبيرة

يسكنُ خيالنا

يحفرُ جباهنا

يعطي اللونَ الأحمرَ لدمائنا

ولكلِّ جنسِنَا لقبا

على الرغمِ من أنه لم يعد موجودا

محورَ حديثِنَا اليوميِّ كان

وفي قلبِ شقاءِ العيشِ كانَ دافِعَنَا

على احتمالِ الشقاء

في عالمِنَا الجديدِ القديم

عالمِنَا السينما والخيال

العلميّ

في ظلكِ نراه

وفي ظلِّ الصخورِ التي نرفعُهَا على أكتافِنَا

في بطونِ الينابيع التي نُفَجِّر

وفي أحشاءِ الطرقاتِ التي تذهبُ من نيويورك

إلى لوسَ أنجلس

ومن لوسَ أنجلس إلى آلاسكا

ومن آلاسكا إلى القمر

الفستقيّ

على أكتافِنَا

ومثلما علمهُمُ الرجلُ الشاحبُ تكنولوجيا الحيتان

ارتدى أهلُ أتلانتيدا أجسادَهَا

وذهبوا يعيشونَ فيه وحدَهُم

فالحياةُ الحقيقية

هي الحياةُ في جوفِ البحار

تم لجبابرتِهِمْ ما أرادوا

حتى أنهم أخذوا ما كانَ لأوشينوسَ من صفات

نبت في رأسِ كلِّ واحد

... دٍ

منهم قرنان

وفي ذقنِ كلِّ واحد

... دٍ

منهم لحيةُ راهب

وصار لهم أسفلَ أجسامِهِمْ ما كانَ للسمكات

لم يَجِئْ

حُماتُنَا ليعيدونا إليهِ سمكًا نعيشُ فيهِ نحنُ أيضًا وأهلُ أتلانتيدا تحتَ الماء

جنبًا إلى جنب

قلبًا على قلب

وحلمًا مقابل حلم

وهاجسًا

في قُوّارِ هاجس

لم يَجِئْ

أولئك الكاتشينيون الذين كانت لهم صفاتُ البشر

ولم يعودوا بشرا

بعد أن تركوا للرجلِ الشاحبِ

كلَّ الصفات

والذين كانت لهم قدراتُ الآلهة

ولم يعودوا آلهة

بعد أن تركوا للرجلِ الشاحبِ

كلَّ القدرات

لم يَعُدْ

يهمُّهُمْ مصيرُ تلكَ القارةِ الضائعةِ كاسكارا قارتنا

أهمّ منها كان على قلوبهم مصير ما في الطناجر

كان في ضَياعِهَا ضَياعُ العالمِ الذي يتربعُ الرجلُ الشاحبُ فوقه

وَهُمْ

في ظله

الأسود

وكان في ضَعْفِهِا ضَعْفُ العالمِ الذي يسيطرُ الرجلُ الشاحبُ عليه

وَهُمْ

قُبلةٌ لنعله

الأبيض

لم يَعُدْ

يقلقُهُمْ أمرُنَا

أهمّ منا كان على قلوبهم شجن العناكب

وإلا قويَ العالمُ بقوةِ كاسكارا

ونافسَ العالمُ الرجلَ الشاحب

في علمه

وفي عمله

وحتى في شَوْيِ الهمبرغر وصناعةِ البيتزا

والصورِ الافتراضيةِ للأرانب

المحشوةِ بالصنوبرِ وبالأرز

وكانت نهايتُهُ ونهايةُ من هم

في ظله

الأسود

الأسودِ الحالك

لَوَّثْنَا وجوهَنَا بألوانِ الموت

الأبيض

الأبيضِ الناصع

ولجأنا إلى مانيتو الروحِ المسيطرِ على كل قوى الطبيعة

روح غاليليه

نَصْل العقلِ وإفحام القانونِ للسابقِ وللاحق

مما تعلمنا

امتطينا أحصنةَ البحر

وخضنا البحرَ معَهُ ضدَّ غيرِهِ وغيرِنَا

بعد أن أشعلنا النارَ في الماء

وأطلقنا صيحاتِ الحرب

قاومنا

الوحوشَ الخياليةَ منها وغيرَ الخيالية

وصارعنا

الأمواجَ وكلَّ ما بين أنيابِ الأمواج

وفجَّرنا

البراكينَ اللُّجِّيَّة

هدمنا

أعمدةَ الماءِ الناطحةَ للسحاب

تسلقنا

الأعاصيرَ المكوكية

وتفجرنا

مع حلزوناتِ الردى في جهنم ما تحت المياه

فقدنا

أجملَ الفتيانِ ممن لدينا

وأجملَ الفتيات

وأجملَ العقاربِ مما لم يكن لدينا

نبتت في كل بيتٍ من بيوتِنَا وردةٌ سوداء

وفي كل عشٍ من أعشاشِنَا جناحٌ ثالثٌ لأطفالنا

وفي كل مِخَدَّةٍٍ من مِخَدَّاتِنَا ثلاثُ شفاه

احتفلتِ النارُ بأعيادِ دمنا

وصعدت معَ الدخانِ وجوهُ موتانا وهي تبتسمُ لنا وتشجعنا وتحثنا على الصمود

والإقدام

ثم.. اتحدت كلُّ وحوشِ البحرِ مع جبابرةِ أهلِ أتلانتيدا ضدنا

 

هذا ما كانَ يريدُهُ الرجلُ الشاحب

لتبقى الأمورُ على ما هي عليه الأمور

والوحوشُ على ما هي عليه الوحوش

والنظامُ القائم

 

نعم.. في اتحادِ الجبابرةِ والوحوش

قوةٌ جهنمية

لم تكن لنا

كان لنا ضَعْفُنَا الدائم

وانهزاماتُنَا العبثية

كانوا من كلِّ الأصناف

من كلِّ الأشكالِ والألوان

ومن كلِّ ما لا يصطادُ للموائد

كانوا جبروتَ البحارِ السديمية

وكلَّ ما لا ينهار

العظاءاتِ التنينية

القروشَ المتعددةَ السنام

التماسيحَ الهندية

الفقماتِ الأمازونات

كبارَ الزواحف

الربوبية

وثعابينَ البحرِ والكركدنات

كانوا أسماكَ المنشارِ والسيفِ والفأس

الهمجية

أسماكَ الزَّجَرِ والتُّنَّ والماردات

من الحيات

أسماكَ الزَّمِّيِرِ والوَرَنْك وباقي الأسماكِ الهلّستينية

السمكَ الطيَّار

السمكَ المدرَّع

السمكَ الزحَّاف

السمكَ الذي لا يوجد إلا في رؤوسِ آلهة الحروب

الهِستيرية

حيتانَ الوال والبال

وصغارَ العنابرِ من الحيتانِ الأوتوماتيكية

حتى الدلافينُ أُخوتُنَا اتحدتْ معَ جبابرةِ أهلِ أتلانتيدا ضدنا

 

هذا ما كانَ يريدُهُ الرجلُ الشاحب

لتبقى السيورُ على ما هي عليه السيور

والسيوفُ على ما هي عليه السيوف

ومشيئةُ السلاسل

 

وتمكنت

القوةُ الجهنمية

من طردِنَا إلى سطحِ الماء

العابرونَ لم يعودوا نحنُ

عَبْرَ ما في الرأسِ من طرقات

بعد أن وقفنا ما بعدَ العبور

ومن خلفِنَا

كلُّ القناطر

وكلُّ العوالم

دونَ مساء

أخذنا نعومُ كالجزرِ التائهة

ولم يعد بقدرتنا تسلقُ حبالِ الهواء

كان الكونُ قد انفصلَ عنا

 

هذا ما كانَ يريدُهُ الرجلُ الشاحب

لتبقى القدورُ على ما هي عليه القدور

والقدودُ على ما هي عليه القدود

وأَيْدُ رافعاتِ النهدين

في فنادق

... قِ

المتعة

 

انتظرنا

من حماتنا القدامى أن يرأفوا بمن لم يعد لهم لا البحرُ ولا الأرضُ ولا السماء

انتظارَ الغاضب

منا

واعتقدنا

أن أبناءَ أبناءِ الرجلِ الشاحب

الذين جاءوا فيما بعد ليضاجعوا الحمام

أهلُ كاتشينَ لِجَهْلِنا

ولِقَطْعِنا رؤوسَ سلاحفِ الأيام

فعلوا فينا

ما لم يفعلْهُ أحد

لقحونا بكلِّ مضادٍ للانتصار

وللعلم

وللعقل

وجعلوا منا ساحاتٍ مفتوحةً للهزيمة

وللبلاهة

وللعبادة

حين تغدو العبادةُ وعودَ التوتِ وشظايا العنب

انتزعوكِ من بين ذراعي ديوفه خالقنا

ورموكِ بين ذراعيِ النهرِ والجنس

لتكونَ الفيضانات

تحتَ أقدامِنَا وفي الجسد

أيقظوا كرهَنَا القديم

وجعلوا منهُ الصلاةَ في المسجد

وفي السرير

وفي سراباتِ الغضب

لم يمنعنا

روادُ الحياةِ من قطفِ فاكهةِ

الموت

وكلِّ فاكهةٍ أخرى كالموت

ليست فاكهة

لم يفهمنا

فلاسفةُ العبثِ عندما غدا الموتُ والحريةُ لدينا

عنصرًا واحدًا للجنونِ وللسأم

ولاغتصابِ العزلة

لم يحمنا أبطالُ حقوقِ الرمان

منا

متوَّهين كنا أو غيرَ راضينَ بالعقابِ الذي أُنزلَ بنا

من أجلِ إثباتِ الظلال

والدفاعِ عنِ البراءة

لم يحررنا المحبونَ للعدلِ مِنَ العالمِ البدن

الذي لنا

تركوا نفسنا السجينة

تنام

فينا

لئلا ترى الأشياءَ على حقيقتها

إلى ما لا نهاية

لم ينقذنا

رسلُ الحضارةِ مِنَ الكارثةِ

ابنةِ الكارثة

وعمرُ الكارثةِ اليومَ

مائتانِ وستونَ ألف عام

وستةُ شهور

وثلاثةَ عَشَرَ يوما..

 

 

نابلس الأربعاء 1964.4.8

باريس الخميس 2010.10.21

 

من ديوان أنفاس1 لأفنان القاسم بمناسبة نشره للأعمال الكاملة

 

ramus105@yahoo.fr

 

 

* مفكر وأديب وأكاديمي متقاعد من السوربون

 

Read more…

أرسل لي محمد حلمي الريشة ديوانه "قمر وحبة أسبرين" قبل نشره من أجل مقدمة، لكني تفاجأت بقصائد لم يكن فيها طعم المفاجأة، فالشاعر يعيد بالطريقة ذاتها كتابة كل دواوينه، وكأنه يكتب قصيدة واحدة مملة، واقترحت عليه أن يكتب هذا الديوان مرة ثانية –ولم لا ثالثة ورابعة وخامسة؟- حسب ملاحظات دونتها أولاً بأول أثناء قراءتي له، فلم يحاورني، حتى ولو بتعليق صغير لم يرد، بل قاطعني، ولم يعد يجيب على إيميلاتي (سمة من سمات شخصية العام الثقافية التي ساهمت في تلاقح الحضارات والثقافات، حلوة هادي كلمة تلاقح!) وأعتقد أن كلامي قد جعله يصاب بوجع رأس لم تنفع علبة أسبرين كاملة معه، علمًا بأن الشاعر وليس أي شاعر الشاعر الكبير بالفعل يترك غروره (في الحالة التي أقدمها ربما يكون العجز؟) جانبًا لكلمة نقدية واحدة حتى ولو خرجت من فم طفل، ويصغي، لكنه لم يصغ، وأنا كل قصدي ما كان سوى إعلاء شعره والشعر تحت الاحتلالين الأوسلوي والإسرائيلي. الآن وقد حصل على جائزة أسترالية تضاهي جوائز نوبل في قيمتها ومالها (!) –ما يثير الضحك أن مصدرها موقع من بين مئات آلاف المواقع على إنترنيت التي لا تتفضل في تصفحها وأن أعضاء لجنة التحكيم من الأدباء والإعلاميين لا أحد منهم أخبر عن اسمه أو ماضيه الأدبي والعلمي- الآن وقد أرسل هو الخبر لي دون كلمة واحدة من طرفه، وقصده القول: "شوف غيرك إيش بقول عني!" رأيتني أجيب معلمًا أنني سأنشر ما دونته من ملاحظات لناحيتين الأولى لأنني أجد نفسي بعد الجائزة مضطرًا إلى الإدلاء بدلوي فيما يقال عن الديوان وعنه وعلى الخصوص بعد كلمة التقريظ التي لم أقرأ مثلها في بودلير أو رامبو أو آراغون والتي كتبها الشاعر بقلمه –على ما يبدو- فنحن نشتم منها أسلوبه في السجع والسجح والإطناب، والثانية لأن الرأي الآخر المختلف شيء إيجابي يدفع إلى التساؤل، وبالتالي إلى النقاش حول هذا العمل، وفي جو نقدي بناء حول كل أعمال الشاعر. إليكم هذه الملاحظات "الخام" التي أنقلها كما هي، ويا حبذا لو يشارك القارئ في النقاش والتعليق على التعليق، إذ هناك النص والتعليق عليه...

 

الفَهْرِسْتُ

قَمَرٌ لَا يَلِيقُ بِضَوْئِهِ كل العناوين ليست جميلة!!!!!!!!!!!!!!!! (علامات التعجب كلها مني).

 

 

 

 

بِوَهْجَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ خُضَّ يُوسُفِي!!!!!!!! .........................

 

 

فَوْقَ ظِلِّ عَبَّادِ الأَمْسِ!!!!!!! .....................................

 

 

مُسَوَّدَةٌ بَيْضَاءُ!!!!!!!! .............................................

 

 

أَوْصَافُ حَدِيقَةٍ مَقْطُوفَةٌ!!!!!!! ...................................

 

 

رَغَوَاتُ!!!!!!!!! دَاءِ الفَرْجَارِ!!!!!!!!!!!!! .......................................

 

 

كُؤُوسِي مَلِيئَةٌ فِي حَانَةِ فَرَاغِهَا!!!!!!  

يا الله يا محمد تمرد لماذا كل هذا الخجل والارتباك أمام اللغة لماذا لا تدخلها في ماخور الإبداع وترميها في أحضان آلهة الشعر ليفعلوا ما يشاؤون قبل أن تصنع منها ثيابًا للروح؟ لماذا لا تجبل منها كما جبل الله الإنسان من قبلك؟ لماذا لا تجعل منها لغة للضواري وللسمك، فيغير منك الطير لأنك شاعر؟                                              

..............................

 

إِغْلَاقُ الخَاتَمِ ضِدَّ مَذْهُولٍ !!!!!!!!!!!!!!!!!..............................

 

 

 

 

 





قَمَرٌ لَا يَلِيقُ بِضَوْئِهِ: العنوان مفعم بالأناقة المفتعلة كنت أفضل: قمر لا يليق بجسده، الدلالات هكذا تتعدد فتشمل الفتاة الجميلة كالقمر أيضًا.

"أُهَرِّبُ وَقُودًا لِتَوْبَةٍ مُسْتَعْصِيَةٍ": المصطلح كلاسيكي مهضوم وممجوج والتلاعب اللفظي ضعيف وواهن وكل العبارة لا تزين هادا الفصل بقدر ما تملأه بالسأم منذ بدايته!!!

(شَرْبِل دَاغِر) (كيف حاله شربل داغر؟ هوه لساه بكتب شعر؟)

بِوَهْجَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ خُضَّ يُوسُفِي: يجب البحث عن مفردات جديدة ومبتكرة تعتدي على السائد وعلى القارئ أو تبديل المفردة بصورة غريبة تغريبية تزلزل خيال القارئ وتملك عليه ذائقته.

 

"إِنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا، مُهَذَّبًا، غَيْرَ مُؤْذٍ، يُبَدِّدُ عَاطِفَتَهُ بِجَعْلِهَا شِعْرًا"

(جِين دُوفَال- عَشِيقَةُ بُودْلِير السَّوْدَاءُ): أنا أريدك العكس من كل هذا أريدك غير مهذب مؤذ ولا تبدد عاطفتك بجعلها شعرًا وإنما عقلك وكل أحاسيسك المدركة إضافة إلى الجنون العاقل أو إن شئت المعقلن... الجنون الخلاق في الشعر هو جنون الناسك الذي يتوحد مع الطبيعة المتوحشة كي يصقل ماسها ومع الإنسان الأول كي يسقيه ماء الحضارة من كفه...

 

1

عَتَبَةٌ خِلْتُهَا أَخِيرَةَ القَلْبِ

أَوْجَسْتُ مِنْهَا فَكِدْتُ أَؤُوبُ،

لكِنَّ عَيْنَيْنِ نَضَّاحَتَيْنِ بِالشَّغَفِ

مَغْنَطَتْ حِكْمَتِي العَاجِلَةَ،

وَأَرْسَتْ طَيْشِيَ الشَّهِيَّ: شو هادا؟ أين فلسفة الحكمة في هذه الوحدة الشعرية أو حكمة الفلسفة التي تبقى جد سطحية ومستهلكة، لماذا لم تعمق؟ لماذا لم تقل مثلا: موجة خلتها أخيرة القلب... ارتديتها فكدت أهلك... لكن عينين إغريقيتين منذ القدم... فرشت حكمةَ أرسطو حكمةً لي... وأرست ميتافيزيقيا طيشي... هنا ببضع كلمات تلخص دور العرب العظيم في نقل فلسفة الإغريق ودور ابن رشد الذي تقمص الشاعر شخصيته!!!

 

2

وَمِيضُ صُدْفَتِهَا

لَمْ يَزَلْ يَجْذِبُ النَّبْضَةَ الأُولَى

مِنْ عُنُقِ بَهْجَتِهَا

لَاثِمًا بِلِسَانِ: اللثم ليس باللسان يجب تبديل كل الصورة قَلَقِهِ العَارِيِّ

صُورَتَهَا - القَصِيدَةَ: كل الوحدة الشعرية ليست جميلة لا ابتكار فيها ولا تشعير!!!!!

 

3

يَا النِّدَاءُ الَّذِي غَطَّسَنِي: يا أخي شاعر زيك مرهف يقول غطسني!!!!!!!!!!!!!!!!،

رَغْمَ مِحْنَةِ المَسَافَةِ المُضَبَّبَةِ: يجب قول: رغم محنة حارة الياسمينة رمز الصمود في مدينة نابلس القديمة المحتلة... أجمل بكثير. 

فِي تَأَوُّهِ المَاءِ المَكِينِ شو هادا؟ ليش ما بتقول في تأوه الماء الفضيّ وفي الفضة مكانة:

لَكَ مِنِّي خُضُوعُ نَرْجِسِي: استعارة النرجس مستهلكة كان من الأجدى تجنب الصفة وقول: نرجس الخضوع أو إذا صممت على الاحتفاظ بالصفة فأعط صورة ملموسة للخضوع كالبندقية التي تخضع أو السيف أو النسر فتكون الاستعارة أجمل: بندقية نرجسي... سيف نرجسي... نسر نرجسي... أو الرعاع الخاضع للملك: رعاع نرجسي... فتيات ليل نرجسي... أحذية نرجسي... إلخ.

بِانْتِصَابِ القضيب؟ له يا زلمة!!!!العِقَابِ البَهِيِّ: ليش البهي؟ البهي كمصطلح مستهلك قل عقاب روما، فهو بهي أو العقاب العراقيّ أجمل وأجمل.

 

4

بَعْدَ انْشِطَارِ!!!!!!!! البَابِ عَلَى مِصْدَاعَيْهِ: الله ما أبشع هذه الكلمة في هذا السياق!!!!!!!!!!!!!؛

كَانَتْ عَيْنَاهَا طَائِرَيْ عُقَابٍ

يَذُودَانِ: شو هادا المصطلح الجاهلي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ عَنْ ثَمَرَةِ صَبْرِي: قل بالأحرى "عن تفاح نزقي".

بِانْحِنَاءِ جَنَاحَيْهِ البَرَّاقَيْنِ

فَوْقَ تَنَاثُرِ صَمْتِي: له يا محمد هون بتذكرني بكتاباتنا الأولى في المدرسة الابتدائية المدرسة الخالدية في مدينتنا نابلس!!!

 

5

كَأَنَّهَا انْسِكَابُ!!!!!!!!!!!  نَغَمَاتٍ: كأنها سيمفونية موزارت 

حِينَ شَقَّتْ أَصَابِعُهَا سَهْلَ عُشْبِي: حين لمست أصابعها ذهب عشبي

كَوَرْدَةٍ تَتَفَتُّحُ فِي فَصْلِ وَصْلِيَ: وصلي مصطلح مستهلك!!! النَّحِيلِ: كقدر يُهلك في فصل موتي المعدنيّ

وَصَاغَتْ أَنْفَاسَهَا مُتَّقِدَةً: وصاغت أنفاسها نيزكا

لِـمَجْهُولٍ يَرْتَسِمُ رَغْبَةً وَانْتِظَارًا: لمجهول ينعظ رغبة وانتظارا

(خليني أعيد لك كتابة الديوان بس كم بتدفع؟ ها! ها! ها!)

 

6

مِثْلَ نُوَّارٍ مَكْنُونٍ!!!!!!!!! يَضِجُّ أُلْفَةً: التعارض مستهلك!!!!!!!!؛

حِينَهَا سَرَتِ القَشْعَرِيرَةُ: ابحث عن صورة بدل القشعريرة قل: حينها سرت الأشرعة بحذافيرها (بِحَذَافِيرِهَا)

(كَدَبِيبِ نَمْلِ اللُّعَابِ:تبديل الاستعارة!!!!!!!!!!!!!) كدبيب نمل البحار!!!!

"هَيْتَ لَكَ" شو هادا!!!!!!!!!

بِغُمُوَضٍ: نبويّ (مَحْمُومٍ)، وَانْهِيَارِ عُذْرِيَّةِ: يعقوب (عَذْبَةٍ).

 

7

-: أَنْتِ.. يَا...

-: أَنْتَ.. يَا...

وَلَمْ تَكُنْ لُغَةٌ تَرَى فَرَاغًا بَيْنَنَا،

فَتَوَارَتْ خَلْفَ عُنْفِ خَجَلِهَا،

وَتَوَارَيْنَا نَفُضُّ الآهَ فِينَا: كل هذه الوحدة الشعرية مجترة والبداية الحوارية مسئمة ومذلة لأنا القارئ، كان من اللازم أن تكمل: أنتِ يا أيتها البغي!... أنتَ يا أيها القديس... ولم تكن لغة ترى محرابًا بيننا... فتوارت خلف جدار بطنها... وتوارينا نفضّ بكارة القدس... أنا تمثلت كل ما تريد قوله هنا إضافة إلى التورية السياسية التي تتجنبها... لماذا؟ لا تصدقهم اذا ما قالوا لك الشعر هو الابتعاد عن السياسة، فالشعر بإمكانه أن يكون شعرًا وسياسة، وأنت لا بد من دور لك كبير طالما بقي الاحتلالان الإسرائيلي والأوسلوي.

 

8

مُعَافَىً مِنَ التَّوَتُّرِ المَالِحِ: اقلب الاستعارة تغدو أجمل: معافى من الملح المتوتر أو ملح التوتر أو توتر الملح أما صفة المالح للتوتر فضعيفة ومستهجنة!!!

مُعَانِقًا سُكَّرَ الصَّلْصَالِ: شفت هون أجمل بسبب تحاشيك للصفة لكن الصلصال لفظة ليست موفقة لو وضعت الطمي لكانت اللفظة أقوى وأجمل: سكر الطمي... في نيله (نسبة إلى النيل وطميه بدلاً من في مداراته) فِي مَدَارَاتِهِ؛

جِئْتُهَا ثَرِيًّا: جئتها تمساحًا بِأَسْمَاءِ يَأْسِي،

وَقَاحِلًا كَأَحْشَاءِ!!!!!!!! وقاحلاً كثدي قمر ممزق... هيك أجمل بكتير مع كل هذه الغرائبية... قَمَرٍ عَقِيمٍ!!!!!!!!!!:

- مَنْ يَلِدُ الآنَ مَنْ؟!!!!!!!!!! مستهلك: من يقيء الآن من؟ وفي القيء عوارض الولادة!!!

 

9

أَحُكُّ رُوحِي: ليش انت جربان يا محمد ولو؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ بِمَرْفَأِ القَلْبِ

لِأُصَدِّقَ حُلُمِي، أَوْ يَصْدُقُنِي؛

فَثَمَّ بِهَار!!!!!!!! مَاضٍ سَحِيقِ!!!!!!!!! اليَأْسِ!!!!!!!!!!!!!! مستهلك

يُزَوْبِعُ !!!!!!!!!!! ولو ما فيش مصطلحات تانية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟رَاقِصًا فِي خَاطِرِي،

وَيَنْبُشُ!!!!!!!!!!!!!! فِي جُرْحِ رَحِيقِي الرَّحِيمِ: استعارة مستهلكة وعقيمة لماذا لم تقل: ويخدش في جرم رحيق الجليل الإشارة هنا كما تريد ولكنها مبطنة بالسياسي.

 

10

تَشَعْشَعَتْ صَرْخَةً: أين الإعجاز اللغوي والدلالي؟ أين اللفظة الجديدة الغريبة؟ لماذا لم تقل تفجرت صرخة كموج يحترق... غسلني نارًا حتى كدت أهوي... لم أكن أدرك أن جمري ثوبها... وأني شجرة القمر وهي إجّاصها... وأنها تائهة وقصيدتي قنديلي... كل المعاني التي أردت هنا لكن كل الاستعارات جديدة... كَمَوْجٍ يَتَوَالَى

غَسَلَنِي ارْتِجَافًا حَتَّى كِدْتُ أَهْوِي.

لَمْ أَكُنْ أَدْرِكُ أَنَّ قَطْفَتِي قَطْفَتُهَا: يا محمد وبعدين! وين الرهافة؟ وين الصور اللي بتزلزل المخيلة والذاكرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وَأَنَّي شَجَرَةُ اللَّيْلِ وَهِيَ ثِمَارُهَا: التبادل الاستعاري مستهلك!!!!!!!!!!،

وَأَنَّهَا تَائِهَةٌ وَقَصِيدَتِي دَلِيلِي: شرحه!!!!!!!!!!.

 

11

أَبْيَضُ النَّدَى فِي الحَنَانِ الثَّرِيِّ؛

أَيْقَظَ شَهَقَاتِ رُوحِي مِنْ بَيَاتِهَا المَكْمُومِ

أَنْقَذَ اسْمِي قَبْلَ تَسْمِيَتِي فِي تَجَوُّفِ التُّرَابِ.

هكَذَا كَانَتْ/هكَذَا هِيَ؛

مَدْخَلُ ضَوْءٍ تَنِزُّ جُدْرَانُهُ حَاءً لِابْتِلَاعِ عُرْيِي: هادا كله مصيبة وفي الآخر بتقول حاء... له يا محمد!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

12

لُغَةٌ لِلُّغَةِ

صُورَةٌ صَافِنَةٌ!!!!!!!!!!! مستهلك كَمِنْقَارِ حُزْنٍ يَبْتَلِعُ انْخِطَافًا!!!!!!!!!!!!!!مستهلك!

شَبَكَةٌ لِاصْطِيَادِ غَزَالَةِ الأَقَاصِي.

بِاسْمِهَا حَطَّ سُؤَالُ الأَزْرَارِ:

كَيْفَ مِنْ وَهْجَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ خُضَّ يُوسُفِي؟!!!!!!!!!!!!!!مش بس مستهلك مرة بل ملايين المرات وبدون عمق أو دلالة!

 

13

أَخَذَتْ كَأْسَ المَرَارَاتِ عَنْ تَشَقُّقِ شَفَتَيَّ

رَشَقَتْهُ، مِنْ فَرْطِهَا، فِي سَرَاحِ المَرَايَا،

وَسَالَتْ غُرْفَةً فِي مَسَاءِ إِنَائِي.

صَدَحْتُ: دَعِي كَأْسَ غَيْبُوبَتِي فِيكِ

فَارِغَةً مِنْ زُجَاجِهَا: كل هذا غير جميل التراكبية التعبيرية عندك لا تسأل لا تتساءل لا تتفجر لا تفجر... اذهب بالتخييل إلى أبعد مدى، يا رجل!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

14

تَوَغَّلْتُ فِي التِّيهِ

دَغْلُهَا شَائِهٌ بِلِبَاسِ النُّعَاسِ

أَمُجُّ المَسَافَةَ كَمَا يَشْتَهِي طَلْقُ خَيْلِي

أَؤُوبُ وُقُوفِي عَلَى جَمْرَةِ المَاءِ؛

هِيَذِي أَنَانَا فِي أَتُونِ التَّمَاهِي!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.

 

15

كُنْتُ نَسِيتُ غُبَارَ دَمِي فَوْقَ طَعْنَةِ العُزْلَةِ،

وَأَحْلَلْتُ شَاهِدِي دَلِيلًا لِنُبُوءَاتٍ مَرْضَى

بِهَبَّةٍ تَتَشَاغَفُ خَجَلًا مُسْتَوْحِشًا؛

أَيْقَظَتْ قِنْدِيلَ شَرَاهَتِي،

وَاسْتَسْلَمَتْنِي!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.

 

16

فِي مَرْفَأِ الذَّاكِرَةِ القُصْوَى

خَلَعْتُ نِعَالَ الصَّدَأِ عَنْ ظِلَالِ قَدَمَيَّ،

وَبُحْتُنِي عَلَى ظَمَأِ مَوْجَةٍ:

أَنَا الَّذِي كُنْتُ بِانْتِظَارِي

فَكَيْفَ الَّذِي جَاءَ.. هِيَ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

17

لِأَنَّ حِصَّةَ الْقَلْبِ

لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ؛

عَلَيْهَا

: أَنْزَلْتُكَ نَفْسِي،

وَأَلِدُكَ الآنَ مِنْ أَوْصَافِ رَحْمِكَ!!!!!!!!!.

لا جديد ولا ابتكار لا نرفزة ولا شبق لفظي ومعنيي... أنصحك بألا تنشر هذه القصائد اذا كانت كلها على هذه الشاكلة، سبق لي وقرأت لك في بداية كتاباتك مثلها إذن لم التكرار؟ اطعن هذا الديوان واقلب كل شيء رأسًا على عقب انسف السائد في قصيدتك وفي القصيدة العربية... واجعل من قصيدتك حدثًا... لا تكثر من الكتابة وأكثر من الحلم الفرويدي الغريب... ومن الفلسفة ليس كما يمضغها نيتشه أو ديكارت وإنما الفلسفة كما تخرج من بين شفاه الأطفال...

 

تابع الملاحظات حتى صفحة 42

 

ميرسيه

 

فَوْقَ ظِلِّ عَبَّادِ الأَمْسِ: ولكنك هنا تبقي على صورة عباد الشمس في ذهن القارئ فتنزع الجديد في الدلالة لو قلت فوق ظل قرنفل الأمس لكان أفضل أنت بهذا تكسر العلاقة بزهرة عباد الشمس مع إبقائك للزهرة بعد أن ألبستها عباءة الزمن.

هَايْكُو شُبِّهَ لِي فِي انْتِظَارِ أَحْفَادِ "غُودُو" وَأَيْتَامِ الـ"بَرَابِرَةِ"

 

أَشُمُّ - حَتَّى عُلْبَةَ لَفَائِفِهَا

أَلْحَسُ: لا رجاء!!!!!!!!!!!!!!! - حَتَّى إِنَاءَ قَهْوَتِهَا

أَشْعُرُ - قَصِيدَةً أَكَادُهَا.

 

1

أَنْهَضُ كُلَّ لَيْلَةٍ

بَحْثًا عَنْ صَبَاحٍ: تبادلية صورية مستهلكة سهلة وضعيفة!!!!!!!!!!!

بَيْنَ جَنَاحَيْ غُرَابٍ: أنت تصدم القارئ من أول كلمتين فيتوقف عن القراءة!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

2

أَبْتَلِعُ الأَسَى

نَحْلَةً مَرِيضَةً،

وَأَصْرُخُ مِنْ شَبَعِي: التبادلية الصورية والمعنيية ضعيفة ومستهلكة قل بالأحرى: ابتلع الأسى... قبعة عسكرية... وأصرخ من نهمي... أنت هنا تلخص الاحتلال في كلمتين دون أن تقوله لأني أعرف رغبتك في عدم مقاربة السياسي في قصيدتك.

 

3

أَصْعَدُ شَجَرَةَ الحَيَاةِ

لِأَلْتَقِطَ ثَمَرَةً

سَقَطَتْ فِي القَبْرِ: التبادلية ضعيفة ومكرورة.

 

4

أَرَى بُومَةً: يعني من بين كل طيور الأرض ما فيش الا البومة والغراب!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!لَا تَرَانِي؛

يَبْدُو أَنَّ عَيْنَيْهَا

مُعَارَةٌ!!!!!!!!!!! لِلْعَتْمَةِ: تبادلية الصورة جميلة لكنها ضعيفة ليست قوية وبالتالي خفيفة الأثر على المستقبِل الذي هو القارئ... أقترح بدل مُعارة للعتمة: ماسة معتمة!

 

5

أَبْحَثُ عَنْ ظِلِّي

تَحْتَ شَمْسٍ عَمُودِيَّةٍ

عَلَى بُقْعَةِ اسْتِوَائِي: لا لا كل الوحدة ماضوية بمعنى مستهلكة ولفظة بقعة منفرة لماذا لم تقل:

أبحث عن ظلي... تحت ضفيرة عمودية... على حديقة ساعدي؟

أنا هنا لم أبتعد عن المعنى الذي تسعى أنت إليه لكنها استعارات جديدة فيها زعزعة للمهيمن والمجتر في الشعر العربي.

 

6

أَزْرَعُ زَهْرَةَ أَمَلٍ: مستهلك لماذا لم تقل ازرع زهرة وحل؟ الأمل في الاستعارة جلي وجميل هنا وسيعجب به بارت!!!!!!!!!!!!!!!!

سَيُرْدِيهَا: مستهلك ومصطلح من الجاهلية، المعلقات أحدث منه!!!!!!!!!!!!!!! خَرِيفُ العُمْرِ: مستهلك لماذا لم تقل خريف برج ايفل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ عمر البرج حوالي القرنين؟

بَيْنَ فَكَّيْ !!!!!!!!!!!!دُودَةٍ: فكين وفوق هادا دودة!!! لماذا كل هذا العقم الخيالي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 

7

أَحُطُّ !!!!!!!!!!!!!!عَلَى دُوَارِي!!!!!!!!!!!

نَازِفًا عَرَقًا: ولو اللغة العربية عجزت عن المصطلحات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

فِي جَفَافِ سُكْرِي.

 

8

أُدَاوِلُ!!!!!!!!!!! له يا محمد هيه مداولات التعبانين جماعة أوسلو!!!!!!!! الحَنِينَ

بَيْنَ جَسَدٍ وَقَلْبٍ

لِآكُلَ الثَّمَرَةَ مَرَّتَيْنِ: لماذا لم تقل لأقسم الثمرة شفتين؟ أنا هنا لا أبتعد عن أسلوبك لكني جئت باقتراح جديد وممتع حين القراءة وفي المعنى الذي تريده.

 

9

أَقْرَأُ الجَسَدَ العُضَالَ؛

قُوَّةُ الغَرِيزَةِ

أَقْوَى مِنَ الغَثَيَانِ.

 

10

أَنَا مَرِيضٌ بِهَا: لو قلت بروست مريض بها لشددت الانتباه إليك أكثر عندما نعرف أن بروست مات مريضًا!

حَتَّى اكْتِمَالِ العَافِيَةِ: شو هالاستعارة هاي ولو!!!!!!!!!!!!!!

كَيْفَ صَدَّقْتُ طَبِيبَ العُقَابِ: العقاب تكررها دومًا فلا هي موسيقية ولا هي مزلزلة كاستعارة؟

 

11

أَبْكِي مِنْهَا

أَبْكِي عَلَيْهَا: مستهلك !!!!!!!!!! لماذا لم تقل أبكي منها... أبكي على ساقيها؟ هذا ابتكار سياقي وفيه المعنى الذي تريده بدلاً من إعادة ما قيل ملايين المرات في السائد الشعري العربي؟

خَشْيَةً مِنْ بُكَائِي: تلاعب في الكلمات مستهلك!!!!!!!!!!! لماذا لم تقل خشية من ضحكي؟ فتقلب السائد وتنسف المكرور المكرر والمعاد.

 

12

أَرْتَجِفُ فِيهِ

حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَزَلْ بَعْدُ دَافِئًا

فَرَاغُ لَحْدِي: مستهلك!!!!!!!!!!! وكل الوحدة الشعرية مستهلكة!!!!!!!!!!!!!!!.

 

13

أَعْمَى بِرُؤْيَةِ عَمْيَاءٍ

نَنِزُّ وَمِيضَ عَتْمٍ

عَمَايَ وَأَنَا.!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

14

أَثْدَاءُ نَحْلَةٍ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!ولو!

حَلَمَاتُ!!!!!!!!!!!!!!ولو! فَرَاشَةٍ؟

رَائِحَةُ حَلِيبٍ!!!!!!!!!ولو حليب الملاجئين (احنا في نابلس بنقول ملاجئين وليس لاجئين! فِي فَمِ صَمْتِي!!!!!!!!!!!!!!.

 

15

أَظَلُّ أَشْتَهِيهَا: لماذا لم تقل أظل حلقًا في سرتها، فنفهم أنك تشتهيها، لماذا لا توظف الاستعارة المعبرة عن الفعل بدلا من الفعل؟

أَلَذُّ مِنْ ثِمَارِهَا التَنْتَهِي: يا سلام!!!!!!!!!!!؛

نَبْتَةُ عَبَّادِ الأَمْسِ!!!!!!!!!!!!!!.

 

16

أُغَطِّي الثَّمَرَةَ المَرِيضَةَ

بِمِعْطَفِ!!!!!!!!! مستهلك!!!!!!!!! شَفَقَتِي،

وَأَبْتَدِعُ: لماذا تقول أبتدع ولا تبتدع صورة للابتداع؟ مَذَاقًا آخَرَ.

 

17

أَخْطُو بِقَدَمَيْ قَشٍّ!!!!!!!! وَنَارٍ

لَا أُبَاعِدُ بَيْنَهُمَا

لِسُوءِ!!!!!!!!!!! احْتِرَاسِي!!!!!!!!!!!.

 

18

أَهُشُّ !!!!!!!!!!!!حَتَّى اخْتِبَاءَ!!!!!!!!!! خَيَالِي!!!!!!!!!!!!!!!

لِتَكُونَ كُلُّ مَرَّةٍ

أَوَّلَ مَرَّةٍ.

 

19

أَصْنَعُ إِلهَ هَبَلٍ: له يا محمد طب ليش هبل هادا انت نابلسي قح!!!!!!!!!!!!!!!

إِنْ جَاعَ غَدًا

أَكَلْتُهُ أَمْسِ: مستهلك!!!!!!!!.

 

20

أَسْخَفُ !!!!!!!!!!!مِنْ حَرْثِ بَحْرٍ

أَجَنُّ مِنْ زِرَاعَةِ ثَلْجٍ فِيهِ؛

تَاءُ!!!!!!!!!!!!!: ومن قبل حاء!!!!!!!!!!!!!!!!! تَذْكِيرِهَا.

 

21

أُطْلَقْتُ ذِئْبِي!!!!!!!!!!!!!

فِي بَرِّيَّةِ اسْتِسْلَامِهَا!!!!!!!!!!!!؛ 

عَادَ عَاطِفَةً!!!!!!!!!!!!!!!.

 

22

أَنْسَى؟

لِسَانُ: مالك انت واللسان؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ زَهْرَةِ اللَّيْمُونِ

يَهْتَزُّ مِنْ لُعَابِي واللعاب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 

23

أُبْعِدُ حِصَانَ قُرْبِي

عَنْ يُنْبُوعِ أَرْبَعَتِهَا!!!!!!!!!!!!!!!!؛

وَيَشْرَبُ!

 

24

أَنْحَنِيهَا !!!!!!!!!!!!!!!!! هادا انت هون نابلسي ألف مرة قح!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!قَوْسَ قُزَحٍ

بِلَوْنٍ وَاحِدٍ؛

مَائِي.

 

25

أَقْطِفُ كَرَزَتَيْهَا!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!: سأتوقف................. كل القصيدة لا طعم لها، ما كنا نريده كحريق الكرز كسم الكرز على اللسان (ها أنا أستعمل كلمة لسان مثلك ولكن في سياق جديد!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! تابع الذهاب حتى صفحة 42 هناك ملحوظة أخيرة مع الشكر.............

تَنْبِتُ ثَانِيَةً؛

شَفَتَايَ.

 

26

أَخْتَفِي فِي إِبْطِ ظِلِّي: إبط! يا رب السموات إبط!!!!!!!؛

شَيْطَانُ: شيطان!!!!!!!!!!!!!!!!! شَمْسِهَا

يَبْحَثُ عَنْ صُدَاعِي: صداع!!!!!!!!!!!! ربما كان الشيطان أنا!

 

27

أَنْزَعُ: أنزع!!!!!!!!!!!!!!!! قُبَّعَةَ الأَلَمِ

أَضْحَكُ عَلَى نَفْسِي كَحَاوٍ: حاوي!!!!!!!!!!!!!!!!

مِنْ كَثْرَةِ قُبَّعَاتِهِ: قبعات!!!!!!!!!!!! الله يسترنا!!!!!!!!!!!!!!! إلى آخره إلى آخره.............

 

28

أَتَأَوَّهُ

تَتَصَارَخُ: أين في الفراش؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ لِصَلَاةِ النَّرْجِسِ: ولماذا كل هذه العفة؟؟؟؟؟؟؟؟ النرجس مرض وإجرام بالنفس، بعد الكتابة بالأحرى، أي في الحياة، ولدى الكثير من الشعراء !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

29

أَخُونُ قَلْبِي؛

أَجْعَلُ اسْمَهَا رَذَاذًا

بَيْنَ أَصَابِعِي: لا معنى ولا دلالة ولا إيحاء!!!!!!!!!!!!!!

 

30

أَحْسِدُهُ؛

دُورِيٌّ يَشِيخُ

فِي بَيْضَتِهِ: يشيخ في بيضته يا رجل!!!!!!!!!! شو هادا!!!!!!!!!!!!

 

31

أَعْزِفُ أَوْتَارَ قَهْرِي

مُوسِيقَى مَلَاكٍ

بِآلَةِ شَيْطَانٍ: التعارض مستهلك لا يرقى إلى مستوى شياطين وزارة الثقافة التي تعمل موظفًا أخرس فيها!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

32

أُرِيدُكِ

لَيْسَ كَمَنْ يَعْتَنِقُنِي

بَلْ يَعْتِقُنِي: صرخة دون صدى لابن السلطة الوطنطنجية!!!!!!!!!!

 

33

أُعَانِقُ اللِّقَاءَ

وَالوَدَاعَ

بِصَدْرِي الوَاحِدِ نَفْسِهِ: غموض بعيد عن الخلق هو بالأحرى تغميض!!!!!!!!

 

34

أَغِيظُنِي بِالغَيْرَةِ؛

بَيَاضُ القُبَّرَةِ

يَرْقُصُ بِعُرْيِي: كلها كليشيهات مستهلكة!!!!!!!!!!!!!!!!

 

35

أَحْتَرِقُ؛

لَحْمُ المَسَاءِ وفَحْمُ اللَّيْلِ

فَوْقَ حُمَّى ذَاكِرَتِي: فذلكات دون أي اجتراح لغوي أو فلسفي وعلى الخصوص دون متعة للقارئ!!!!!!!!!!!!!!

 

36

أَخْدِشُ صُورَتِي لِعَيْنَيْهَا؛

أَزِيزُ رَحْمَتِي

أَصَابَ صَدَايَ: دون اجتراح!!!!!!!!!

 

37

أُرَاقِبُ أُمُومَةَ ظِلِّي

تَشُدُّنِي كَطِفْلٍ

إِلَى البَيْتِ: دون اجتراح!!!!!!!!!!

 

38

أَخْفِقُ؛

كَنَارِي نِيسَانَ

يَخْتَفِي أَوَّلَ أَيَّارَ: رصف وصفي للشطارة البلاغية لا غير!!!!!!!!!!!!!

 

39

أَنْتَظِرُ أَحْفَادَ "غُودُو"،

وَأَيْتَامَ الـ"بَرَابِرَةِ"

لِأَطْرُدَ رُؤْيَايَ: هل قرأت على الأقل غودو لبيكيت بالطبع لا لأن لا أحفاد له واختراعًا منك أحفاد غودو لا يمكنهم أن يكونوا هم الذين تنتظرهم لأن عالم العبث يمنعهم من الحضور، أن يحضر غودو نعم، ولكن تحت شرط العدم.

 

40

آخُذُهُ فَأَتْعَبُ

أَتْرُكُهَ فَيَتْعَبُ؛

الحُبُّ: مستهلكّ!!!!!!!!!!!!!!!!

 

41

أَحْتَاجُهَا أَكْثَرَ

ثَمَرَةُ العُزْلَةِ؛

قَصِيدَتِي: القصيدة ثمرة العزلة طيب موافق ولكن ما الجديد؟ مع التكنولوجيا الجديدة العزلة وهم!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

42

أَخْشَى انْتِهَائِي 

رَغْمَ أَنَّهُ

لِي: لا اجتراح ولا تجديد مع عجز واضح وخوف متسلط (تقول أخشى) يمنعك من إبداع قصيدة ما بعد محمود درويش.

 

43

أُشْفِقُ عَلَيَّ؛

مَا لِهذِهِ القَصِيدَةِ

لَا تَنْتَهِي!: لا جديد في هذه القصيدة من حيث الموضوع، ومن حيث الاستعارة، هناك فذلكة لغوية لا ترقى إلى مستوى الوصف في جحيم التخييل!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

مُسَوَّدَةٌ بَيْضَاءُ

 

1

الرَّأْسُ فَسِيحٌ، فَكَيْفَ يَسَعُهَا؟! أَمَّا القَلْبُ؛ فَمَخَالِبُهُنَّ فَرَّغَتْهُ مَعَهَا مِنْ جُنُونِهِ المُصَدَّى: له يا محمد طب ليش!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

2

بَعْدَ سَنَةٍ حَلِيبِيَّةِ الأَسْنَانِ: له يا محمد لماذا حليب وأسنان ورضاعة وفطام لماذا لا تصطاد على جسد ملوث بمني الجنود الإسرائيليين يعجز عن الفطام؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فِي الفَمِ، يَزْفُرُ الفِطَامُ سُرَّتَهُ المُلَوَّثَةَ الوَطِيئَةَ تَطَهُّرًا جَدِيرًا بِرِضَاعَتِهِ.

 

3

ذُهُولٌ يَمْشِي!!!!!!!!!، بِقَدَمَيْ ضِفَّتَيْنِ حَافِيَتَيْنِ!!!!!!!!!!!، عَلَى سَغَبِ!!!!!!!!!!!!!!! المَاءِ الُمغَادِرِ إِلَى دَوَرَانِ سَاقِيَةِ!!!!!!!!!!!!!! الحَيَاةِ!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!، فَيُشْغِلُنَا، أَكْثَرَ، ثَوْرُ!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! الرَّتَابَةِ، بِتَعْدَادِ قَرْنَيْهِ!!!!!!!!!!! المَفْقُودَيْنِ: سأتوقف من جديد هنا... عليك أن تبتكر قصيدة جديدة (نثرية؟) ذات موضوع جديد كل الجدة وخاصة ذات أسلوب جديد، أن تعيد خلق قصيدتك من جديد وخلق نفسك تفكيرك طريقة تفكيرك رؤيتك للأشياء الأشياء التي تراها والتي نحن لا نراها.. عليك أن تقوم بثورة على اللفظة وعلى الاستعارة وعلى الدلالة... خاصة على الدلالة بكل ما تحبل من دلالات، لأني أريدها تعددية مذهلة مربكة مهدئة كقرص الأسبرين مجننة كقرص الفاليوم محيرة مهلكة مدغدغة وخاصة ممتعة، فالشعر متعة حتى في أفظع صوره وأرذلها....

 

أفنان

 

أكرر لا تنشر هذا الديوان، نشرت عشرات غيره يكفي، ولا تستعجل... دع كلماتي تهزك أطول وقت ممكن....

 

 

 

ramus105@yahoo.fr

 

Read more…

لعلهم يدركون الخطر


لعلهم يدركون الخطر





مجيب حسن %3Ca%20rel%3Dnofollow%20href=www.al-tagheer.com/user_images/writers/13-02-11-449993741.jpeg" _mce_src="http://1.1.1.3/bmi/www.al-tagheer.com/user_images/writers/13-02-11-449993741.jpeg" title="مجيب حسن" alt="مجيب حسن" align="left" border="0" hspace="4" vspace="3">


 لعلهم يضمدون جرحا كم نزف......لعلهم يقولون لا....لحاكم بشعبه استخف.. .....لعلهم يقولون له.. ان حمام السلام عندصالح اختلف...وزيتونمكة غصنه تلف.... ..علهم أن يدعوا عليه بما جنى أو اقترف.....أوعلهم يواسون  شعب قلبه رجف......ويصلون على ارواح ازهقت...وبلد ارهقت ...فهم شعله من نسل احفاد السلف....وهم زاهدون  كما يقولون...ويكوهون زيف أوترف......!

لعلهم يأمرون بمعروف من فوق ركام الظالم....هذا ما ننتظره من قيادات نخبة المجتمع في اليمن المتمثله "بالعلماء "فهم من ترنوا نحوهم الانظار ويتوقع منهم الإصطفاف الى جانب العدل والحق  ........ علما ان في المجتمعات العلمانية وان كانت مسلمه فإن المجتمع لا يعول على علماءه...وان كان فأن تعويلهم عليهم وتوقعاتهم منهم غلبا ما تكون كتوقعاتهم من اي شريحه مثقفه اخرى...!.  فمن كانا نعتقد انهم راس هرم الاصلاح والتغيير بموضوعيه وحياده وصدق ....تبين ان بعضهم ما هم الا  مجرد اكوام  من حجاره  متناثره في  منظومة دينية اجتماعيه وثقافيه وسياسيه عفى عليها الزمن وما كان لها ان ترقي الى قمة الهرم...!. لتخلف الحجارة عن بعضها.....فما كانت صفا.... ولا صفا مرصوص.........وهذا ما دائب عليه هبل اليمن وصنمه صالح.....ثقافه جاهل أتت جهل وتجهيل وتكريس مفاهيم الجاهليه الاولى وظلمها وأن أعطيت صبغة دينية لإستعطاف من يسهل استعطافهم لسذاجتهم.......!

فهذا اطلق لحيته ليجذب المتفرجين  نحوه.....وذاك قدس بقداسة صنمه فجمع حوله المتبركين والزوار....... فاصبحوا مرجعية دينيه لبلاط السبعين فذلوا وحبط عملهم! ...فمنهم من زين اخطاء فرعونه ..وقبحها جلياً  بين .....ونتانتها وصلت الى حد نتانة فاعلها.... وكثير من علماء البلاط ماهم الا اذيال لصالحهم...... يحضون إن ذهب صالحهم للحمام بمرحاض ملكي.... فتزيد وجه عالم البلاط اشراقة ويحضى بلمعة واضاءه ويسعد مساءه  بنتانه المرحاض الرئاسي.!

فدستورنا لا نسمع عنه من جلالتهم.....الا انشاء صالح.. ...وشرعنا لا يحكمنا الاعندما يحتاجه صالح للحديث عن شرعيته المقدسة...! تلك التي تفوق قداسة الحرم المكي..... وتمتزج بمقدسية بيت المقدس في جمعه وعند جموعه ....كيف لا وقد فصل خياطين الدين الفتاوي والبدل  الجاهزه.له بدلته   ليستمر هوعلى كرسي مصنوع من جثث الاحرار.... فتاوى تناسب الصالح وشرعيته ...مطرزه بحرمه  الخروج عن الخليفة السادس....و ملونه بأحمر قاني من قتل وتنكيل لكل من قالوا له ولظلمه   لا....والف لا ...لا...لا لقتل الابرياء..  لا....لسفكه للدماء ...ولا لتملكه لما لا يملكه بشر وهو الانسان بعقله وعرضه وارضه .......وجائت نخبه العلماء!

وما اكثر علمائناهؤلاء ......ان قالوا فقولهم هراء....... وان صلوا ففسق ورياء ......وان قالوا لبيك علي عبد الله  قال لهم أنا دينكم والدين ولاء... كونوا تحتي..... لنبيد الاخضر واليابس وينالكم سعدا ورخاء....فيجبوا لبيك...لبيك علي فخروجهم عن حكمكم جرم و بلاء.... فالله اباح بقتلهم فهم العملاء ..... فاحرق وابطش والعدل ضياء....نحن الدين ونحن  الشرع بأرض الله..... نحن العلماء!.

نعم انتم علماء....... وما اكثر بائعي الماء في حارة السقائين.... في عجاف سنواتنا المفلسه وخصوصا بعد ان قرر الصنم الاكبر ان يحل سخط السماء على كل من تفل في وجهه  ووجهكم......فبترول السماء جف .......ونور المضيئه  تلاشى و كسف .....وضوء المنير ولى وخسف ....عقاب لشعب بما اقترف.....لانه في وجه جلاده وقف....!هكذا شاء هبل السبعين.... ذو البئس الشديد .... فاخرج الساجدين ليسجدوا له.. ويركعوا له علنا ... لتهل عليهم بركاته و جزيل نعمائه وهو على مرحاضه الملكي! 

ماذا لو كان لدينا دستور تركيا العلماني....الذي جاء بوليدة ملتزمة محتشمة.....حكومه قدرها الجميع لبلوغها النصاب في تركيا الحالية.....  هل كان بامكان اصحاب الحوانيت الصغيره في ازقه صالح وقصره ان يفصلوا له بدلته الدينة بمواصفات الجودة السعوديه...... معمده بختم احمر بحجم اليمن أرضاً وأنساناً......!

عندما اقول "همجيه حتى النخاع استشرت بمجتمعنا اليمني"  وان تأتي ممن يضنون انهم اعلاما ومنابر......والمصيبه انهم  من يدعي العلم والصلاح من علماء السلطة....وهم نفسهم من ايدناهم....وباركنا فتواهم في 1994م بقتال الاشتركيين " الكفره اعداء الله" الى جانب علماء اختلفت رؤياهم السياسة حاليا ففتواهم تناسبنا ومستفزه لهبل قصر السبعين......!.وها هو الشعب اليمني قاطبه  اليوم عدولله  بفتوى خياطين  الدين المفصلة......... كثر النجارون وكثرت ابوابهم المخلعة في مجتمعنا.....لذافحكامنا وظلمهم  ما هم الانتيجه حتمية لفشلنا نحن ولتخلفنا لعقود....وهانحن نأمل ونتطلع وترنوا اعيننا نحو تغير فعلي في ثورة تغييرجذري لتمضي القافله...أدركنا الخطر وادركنا هو فهل للنخبة ان تدرك ماحل وماسيحل بارض السعيدة....

فما نحتاج له في زمن التغيير هو مقارعه كل سيئ ....وكشف الأقنعة وزيفها وتعريف مرتديها كل واحد بما يستحقه من تعريف....كي نستطيع أن نعرف قادتنا وزعمائنا الذين سنمنحهم العقد والثقة  ليتشرفوا بالعمل معنا كشعب يمني..... لا اقل ولا اكثر ........هذا ان كنا فعلا  ننشد التغيير....فمهمتنا تكمن في ملئ نصف الكاس الفارغ ......من خلال طرحنا دون خوف او ريبة .....لنشعر بعظمه التغير وفضاء الحريه التي انتظرناها!

 *أعلامي ناشط وباحث في حقوق الانسان والعلاقات الدولية
Read more…

لعلهم يدركون الخطر


لعلهم يدركون الخطر

 




مجيب حسن %3Ca%20rel%3Dnofollow%20href=www.al-tagheer.com/user_images/writers/13-02-11-449993741.jpeg" title="مجيب حسن" alt="مجيب حسن" align="left" border="0" hspace="4" vspace="3" />


 لعلهم يضمدون جرحا كم نزف......لعلهم يقولون لا....لحاكم بشعبه استخف.. .....لعلهم يقولون له.. ان حمام السلام عندصالح اختلف...وزيتونمكة غصنه تلف.... ..علهم أن يدعوا عليه بما جنى أو اقترف.....أوعلهم يواسون  شعب قلبه رجف......ويصلون على ارواح ازهقت...وبلد ارهقت ...فهم شعله من نسل احفاد السلف....وهم زاهدون  كما يقولون...ويكوهون زيف أوترف......!

لعلهم يأمرون بمعروف من فوق ركام الظالم....هذا ما ننتظره من قيادات نخبة المجتمع في اليمن المتمثله "بالعلماء "فهم من ترنوا نحوهم الانظار ويتوقع منهم الإصطفاف الى جانب العدل والحق  ........ علما ان في المجتمعات العلمانية وان كانت مسلمه فإن المجتمع لا يعول على علماءه...وان كان فأن تعويلهم عليهم وتوقعاتهم منهم غلبا ما تكون كتوقعاتهم من اي شريحه مثقفه اخرى...!.  فمن كانا نعتقد انهم راس هرم الاصلاح والتغيير بموضوعيه وحياده وصدق ....تبين ان بعضهم ما هم الا  مجرد اكوام  من حجاره  متناثره في  منظومة دينية اجتماعيه وثقافيه وسياسيه عفى عليها الزمن وما كان لها ان ترقي الى قمة الهرم...!. لتخلف الحجارة عن بعضها.....فما كانت صفا.... ولا صفا مرصوص.........وهذا ما دائب عليه هبل اليمن وصنمه صالح.....ثقافه جاهل أتت جهل وتجهيل وتكريس مفاهيم الجاهليه الاولى وظلمها وأن أعطيت صبغة دينية لإستعطاف من يسهل استعطافهم لسذاجتهم.......!

فهذا اطلق لحيته ليجذب المتفرجين  نحوه.....وذاك قدس بقداسة صنمه فجمع حوله المتبركين والزوار....... فاصبحوا مرجعية دينيه لبلاط السبعين فذلوا وحبط عملهم! ...فمنهم من زين اخطاء فرعونه ..وقبحها جلياً  بين .....ونتانتها وصلت الى حد نتانة فاعلها.... وكثير من علماء البلاط ماهم الا اذيال لصالحهم...... يحضون إن ذهب صالحهم للحمام بمرحاض ملكي.... فتزيد وجه عالم البلاط اشراقة ويحضى بلمعة واضاءه ويسعد مساءه  بنتانه المرحاض الرئاسي.!

فدستورنا لا نسمع عنه من جلالتهم.....الا انشاء صالح.. ...وشرعنا لا يحكمنا الاعندما يحتاجه صالح للحديث عن شرعيته المقدسة...! تلك التي تفوق قداسة الحرم المكي..... وتمتزج بمقدسية بيت المقدس في جمعه وعند جموعه ....كيف لا وقد فصل خياطين الدين الفتاوي والبدل  الجاهزه.له بدلته   ليستمر هوعلى كرسي مصنوع من جثث الاحرار.... فتاوى تناسب الصالح وشرعيته ...مطرزه بحرمه  الخروج عن الخليفة السادس....و ملونه بأحمر قاني من قتل وتنكيل لكل من قالوا له ولظلمه   لا....والف لا ...لا...لا لقتل الابرياء..  لا....لسفكه للدماء ...ولا لتملكه لما لا يملكه بشر وهو الانسان بعقله وعرضه وارضه .......وجائت نخبه العلماء!

وما اكثر علمائناهؤلاء ......ان قالوا فقولهم هراء....... وان صلوا ففسق ورياء ......وان قالوا لبيك علي عبد الله  قال لهم أنا دينكم والدين ولاء... كونوا تحتي..... لنبيد الاخضر واليابس وينالكم سعدا ورخاء....فيجبوا لبيك...لبيك علي فخروجهم عن حكمكم جرم و بلاء.... فالله اباح بقتلهم فهم العملاء ..... فاحرق وابطش والعدل ضياء....نحن الدين ونحن  الشرع بأرض الله..... نحن العلماء!.

نعم انتم علماء....... وما اكثر بائعي الماء في حارة السقائين.... في عجاف سنواتنا المفلسه وخصوصا بعد ان قرر الصنم الاكبر ان يحل سخط السماء على كل من تفل في وجهه  ووجهكم......فبترول السماء جف .......ونور المضيئه  تلاشى و كسف .....وضوء المنير ولى وخسف ....عقاب لشعب بما اقترف.....لانه في وجه جلاده وقف....!هكذا شاء هبل السبعين.... ذو البئس الشديد .... فاخرج الساجدين ليسجدوا له.. ويركعوا له علنا ... لتهل عليهم بركاته و جزيل نعمائه وهو على مرحاضه الملكي! 

ماذا لو كان لدينا دستور تركيا العلماني....الذي جاء بوليدة ملتزمة محتشمة.....حكومه قدرها الجميع لبلوغها النصاب في تركيا الحالية.....  هل كان بامكان اصحاب الحوانيت الصغيره في ازقه صالح وقصره ان يفصلوا له بدلته الدينة بمواصفات الجودة السعوديه...... معمده بختم احمر بحجم اليمن أرضاً وأنساناً......!

عندما اقول "همجيه حتى النخاع استشرت بمجتمعنا اليمني"  وان تأتي ممن يضنون انهم اعلاما ومنابر......والمصيبه انهم  من يدعي العلم والصلاح من علماء السلطة....وهم نفسهم من ايدناهم....وباركنا فتواهم في 1994م بقتال الاشتركيين " الكفره اعداء الله" الى جانب علماء اختلفت رؤياهم السياسة حاليا ففتواهم تناسبنا ومستفزه لهبل قصر السبعين......!.وها هو الشعب اليمني قاطبه  اليوم عدولله  بفتوى خياطين  الدين المفصلة......... كثر النجارون وكثرت ابوابهم المخلعة في مجتمعنا.....لذافحكامنا وظلمهم  ما هم الانتيجه حتمية لفشلنا نحن ولتخلفنا لعقود....وهانحن نأمل ونتطلع وترنوا اعيننا نحو تغير فعلي في ثورة تغييرجذري لتمضي القافله...أدركنا الخطر وادركنا هو فهل للنخبة ان تدرك ماحل وماسيحل بارض السعيدة....

فما نحتاج له في زمن التغيير هو مقارعه كل سيئ ....وكشف الأقنعة وزيفها وتعريف مرتديها كل واحد بما يستحقه من تعريف....كي نستطيع أن نعرف قادتنا وزعمائنا الذين سنمنحهم العقد والثقة  ليتشرفوا بالعمل معنا كشعب يمني..... لا اقل ولا اكثر ........هذا ان كنا فعلا  ننشد التغيير....فمهمتنا تكمن في ملئ نصف الكاس الفارغ ......من خلال طرحنا دون خوف او ريبة .....لنشعر بعظمه التغير وفضاء الحريه التي انتظرناها!

 *أعلامي ناشط وباحث في حقوق الانسان والعلاقات الدولية
Read more…

لنتنصر للشقائق .....لنصرهن لنا

 



مجيب حسن %3Ca%20rel%3Dnofollow%20href=www.al-tagheer.com/user_images/writers/13-02-11-449993741.jpeg" title="مجيب حسن" alt="مجيب حسن" align="left" border="0" hspace="4" vspace="3" />


 يشدني دائما حديث من يتحدثون عنما ميزوا به جينيا كونهم ذكور... او لعرقية ونسب كونهم من بني القبائل الملونة..! مفاهيم انتشرت في مجتمع جهله حاكمه فشغله عن علمه ومدنيته وحقوقه المفترضة..... فشغل بصغائر ليس لها اساس الا ما اسسه لها الحاكم لتستمر فيدوم ومن معه.......اصبحنا مجتمع يسطوا فيه كل فرد على حق الأخر...خصوصاً المتنفذين منهم... افراد كانوا أوجمأعات.......تفشت هذه الثقافة فسادت همجية الغابات ......فدولة الا قانون شجعت المجرم وكسرت المسالم المتحضر....فأصبحت جهات الفصل في دوله الجبايات اشنع كبوس يخطر ببال من له مظلمه.....فتفشى الظلم واستشرى...... فشمر الذكور الزناد ليستقووا على من هن تحت قوامتهم ... " ما ملكت ايمانهم"...لان هولاء "الرجال " أي الذكور......وما هم الا قطط في غابة صالح......وليس لهم أن يعشوا دورالاسود الافي مملكاتهم الصغيره البيت والاسرة التي يعولون..... ليتفرغ"الصالح" الفرعون الاكبر لظلم فراعنه المملكات الصغيره بل وضحاياهم..

تختلط الأوراق كلها بأسم المحافظه والقيم وطاعه الحاكم وأولي الأمر والقوامه والاحترام..و...و...مفاهيم افسدها تداخلها وعقلية من أولوها وعرفوها .......تعاريف بقدر ما تحملها عقولهم من جهل وتخلف.....فهذا يحبس "أخته الأنثى " كي لا تكون مدرسة ولو في مدرسة للبنات...طبعا أخ وله ان يكسر رجلي أخته التي فاقته علم وشهادات فهو شبل البيت...في الوقت الذي تعثر فيه اسد المستقبل بثانويته اليتيمة و لسنوات عجاف... وهذاأخر.......فحل اكا ديمي يمنع زوجته من التحصيل الجامعي خشيه ان تنافسه او ان تعرف قصص غرامه مع طالباته..... فاتنات الحرم الجامعي مع قديسهن الدكتور الفحل.......وذاك يستعير أن يذكر اسم امه كي لا يقال له يا أبن فلانة......وكأنه اشرف من رسول الامة (ص).....وأخرمن ياتي بثانيه وثالثه ورابعه عابثا .....دون ان يستوفي شروط الرجولة التي يتحدث عنها....وهذا وذاك من ذكور اليمن الذين اوهمونا بانهم حماة الديار.....واصحاب القرار ...والذائدين عن العار ..والزاحفين على خطوط النار........ قوة انتزعوها لانفسهم لاضعاف النصف الاخر من المجتمع من الشقيقات دون رقيب.....ضاعت قوامتهم بين مفهوم الرجوله وصفات الذكوره.......فسحقا لرجال ما أخذوا الدرس المجاني من قائدات المستقبل الافضل وعلى رأسهن الرائعه توكل كرمان.

ما زالوا يلبسون الأقنعه لتمرير جرمهم باقنعة منها المحتشم ....وان كانت حشمته وعفته مشكوك فيها ..... ومنهاالمزركش ومنها المنقش المتبرج ومنها المتدين الذي لا صله له بالدين أصلا... لكنها أقنعة العفة والتدين والرجولة .....الأكثر قبولا ورواجا في السوق المحلي .......امر مضحك مبكي....مفاهيم اصبحت جزء من حياة في شعب حكمه أجهلهم فلعنوا بجهله ونتج عن تلك الاقنعه ثله مرتزقه ركبت العمائم و اطلقت اللحى وصدقناهم وزيفهم لعقود..... ادعوا العلم..... وهذه هي اللعنه التي حلت بشعوب ما فقهت من الدين سوى ظاهره.... أما عدله فقد شطبوه وحبسوه بحبس جهلهم.... فحبسوا نسائهم ضناً منهم ان ذلك أعدل من دفنهن أحياء وان كنت أرى العكس.....مجتمع ما فقه من تعريف الرجوله الابما يملكه بين فخذيه......! تعريف يبرر للرجل كل اخفاقاته وظلمه ويدين المرأة بما لم تقترفه يداها!..............مالكم كيف تحكمون؟

فكل ناجحه من الشقائق في اليمن تكسر قيد من جهل....وتوكل كرمان حطمت قيود أجتماعيه وثقافيه وسياسيه.... بشعارها "لن تضربوا قيدا على حريتي "........فلله درك كريمة طاهرة .....محتشمة شجاعة.....قارعتي فساد الفاسد وجهل الجاهل ....فمزيد من توكل لنخرج من مستنقع الجهل والفساد والذل......توكل التي جمعت مالم يأتي به "رجالات" المجتمع الذكوري من عزم وشجاعة ومثابرة وثقه هزت شوارب ولحى المتشدقين بالمحافظه والعدل والقوامة..... من لا يزالون ينظرون الى الشقائق كانهن "من ما ملكت ا يديهم" وان كان بعضهن أعلى من "القوامين " بدرجات ....بقدر ما أتيحت لهن من فرص ......وبقدر حجم تحديهن لمجتمع ذكوري ما أدرك من الحداثه إلا سفاسفها ليدعم همجيته التي تزيد تعقيدا وحداثة ...!وتبريرا لمظالم مجتمعنا من قاعدتة حتى راس هرمه........ كلها قيودها تطوق كل ضعيف ومكبوت ومقهور على أمره ...وشقائق اليمن هن الضحايا بين ركام الاحجار المتناثره في منظومة صالح وشبكه فساده..... من دولته ومشائخه واعيانه ومثقفينه وقضاءته ......فكل من تربى في بلاطه فهو على شاكلته ومن معه ولاخير فيهم ......فتغيير..... تغييرفعلي...هذا ما نريده...... ثوره ثقافيه .....واجتماعيه شامله لتصل بثورتنا ا لسياسيه الى شاطئ النصر بأذنه تعالى..... ولننتفع من الخمسين بالمئه من العقول والقدرات المجمدة والمتمثلة في الشقائق...قوى جمدها جهل من جمدت عقولهم

وقلوبهم ....إلى أن تأتي درجه الحرارة الكفيلة بتذويب هذا التجمد والجليد الرهيب!

*إعلامي وباحث في حقوق الإنسان والعلاقات الدولية

Read more…

حلمحقيقي

لم يوقظ الكاتب لوي مالرو زوجه في الصباح الباكر كما اتفقا، كان يريد العودة إلى صنعاء القديمة وحده، ليعيش في أجواء روايته الجديدة، ليعيش تلك الأجواء. رفع الستارة، ونظر من النافذة العالية لفندق ملكة سبأ. كانت صنعاء لم تزل تنام مشوبة بالضباب، صامتة، غامضة، غارقة في الزمن، وكان مالرو كمن يعود ألف عام إلى الوراء، ألفي عام، ثلاثة... اخترق مشهد الماضي، ورأى في الخيال كل المعارك التي دُفع فيها ثمن الانتصار غاليًا، كل النساء التي استبيحت حرمتها من أجل إخضاعها، كل السدود التي أقيمت على أنهار من الدم والدمع لم تجف إلى اليوم. كان يريد الضحك، الابتسام، الصراخ ربما، لم يكن يعرف على التحديد. كيف كان يمكنه التعبير عن فرحه، خوفه، جنونه؟ انتفض دهشًا لقوة الانطباعات التي أثارها فيه مشهد بسيط للمدينة العريقة. التفت إلى زوجه النائمة نومًا عميقًا، وعلى شفتيها تطفو ابتسامتها الرصينة، الابتسامة ذاتها التي كانت تلصقها في باريس، بينما هو لم يكن قد أغلق عينه طوال الليل. كانت غرابة هذا المكان الذي لا شبيه له تكفي لبلبلته حتى أبعد نقطة في أعماق كيانه. تذكر ما كان قد قاله لها عشية أمس، وهما في زقاق قديم:

- أنت لا تعرفين، يا ماري-كريستين، كيف تقدرين هذه المدينة حق قدرها. تنظرين من حولك كما لو كنت لم تزالي في باريس بينما أنت في قلب صنعاء، وما صنعاء لك سوى ديكور غريب، قلادة حميرية، تمثال نحاسيّ لوعل قرنه مكسور، قدم حيوان خرافي، ربما كان من سباع الطير. تضعين صنعاء على صعيد واحد وكل ما سمحت لك الحياة الباريسية بمعرفته، أو كل ما قدمه لك زوجك – والحال هذه أنا – بفضل كتاباته، من أجمل الفساتين إلى أغلى الماس، من الفندق الخاص إلى الفيراري. أنت أكثر ظاهرية من أية امرأة أخرى! ومع الأسف، (( الفائض )) جوهر متعتك، هل أقول جوهرك؟

سارع لوي مالرو إلى مغادرة الحجرة، كان يريد أن يصل إلى جوهر الأشياء ليصل إلى متعته. تمنى، وهو في المصعد، لو يأخذ بساط الريح ليعجل الوصول، وابتسم هذه المرة على فكرة الوصول إلى جوهر الأشياء عن طريق الخيال، ما كان يريده هو الخيال الصادق. ومرة أخرى، قال لنفسه إن هذه ليست حال زوجه المجردة من كل خيال. دفع باب الفندق الضخم الخارجي، ورأى سائقه شملان يقف تحت آخر درجة من الدرجات الأربع. راوده الشك في عبارة ((الخيال الصادق))، فهل هناك حقًّا خيال صادق؟ إلى أي مدى يكون الخيال صادقًا؟ أو بالأحرى، إلى أي مدى يكون الصدق خياليًا؟

وضع في رأسه أن يعيش التجربة من الداخل، سواء أكانت هذه التجربة ممتعة أم لا، ليمكنه التعبير عنها بأكثر دقة، ويجعل من قارئه يشعر بها. فكر أنه ليكتب رواية ناجحة عليه أن يكسر العلاقة بين الواقع والخيال، أن يمحو المسافة الموجودة بينهما، أن يصهرهما ليعيد تجسيدهما بشكل أفضل. كان من السهل قول ذلك. لتحويل الكلمات إلى ماس – بمعنى ليحرز النجاح لدى قرائه ويغدو غنيًا وبعد أن يغدو غنيًا أن يمكنه تقديم كل ماس العالم لنفسه – لا بد من المعاناة. الكتابة عن الموت كما لو كان موت الكاتب. الموت مجازًا، ولم لا الموت بكل بساطة، الوقت الذي توصف فيه هذه اللحظة التراجيدية، غير المجردة من المتعة.

حيّاه شملان، ثم سأله عن زوجه ماري-كريستين:

- والست مريم، ألن تأتي؟

- الست مريم تنام.

كان مالرو يتأمل السائق باهتمام، شعره الأجعد كخروف، وعيني الصقر، ولحية التيس. كان ينظر إلى قميصه المفتوح عن صدر مشعر، وإلى مئزره الجلدي، وخنجره المعقوف، المشدود بحزام عريض مزين بخرز ملون. فكر الكاتب في بطله، بطل من لحم وشحم كشملان، لكن الظاهر فيه لم يكن حقيقيًا مع ذلك. كان شابًا دومًا، على عكسه هو الذي قضى حياته في الكتابة عن الآخرين، والذي لم يكن لديه الوقت ليكون شابًا. كانت أجواء روايته تقتضي بطلاً كهذا، بطلاً يؤثر في الأشياء، مع الأشياء.

أوضح:

- الست مريم تنام نومًا عميقًا.

ماذا سيحدث لو يبعث شملان إليها ليوقظها؟ كيف ستتصرف وهي ترى هذا الرجل الميثولوجي قرب مضجعها؟ هل ستُفاجأ؟ لن يكفي هذا محو المسافة بين حقيقتها وخياله. كان كل منهما يعيش التجربة نفسها على طريقته. كانت العلاقة بينهما تظل نائية على الرغم مما كان يبديه من إرادة لتحطيم هذه المسافة، لأنه لن يضفي عليها أكثر من بصماته الخاصة: (( الفائض )) مرة أخرى. مما كان يتلف قيمة الأسلوب. كان قد وصل إلى سؤالِ كيف توصف التجربة. كان على البطل أن يختلج في مكان يختلج بدوره في أقصى الريشة. ابتسم على فكرة قديمة كانت تتسلط عليه. كان يقول (( القيمة، كل القيمة في الأسلوب! )) ليرد على الذين كانوا يؤكدون أن (( كل القيمة الأدبية في المعنى )). أي معنى والمعنى ما هو سوى قارب في بحر الأسلوب؟ لم يكن هذا يعني أن موقفه لم يتغير في ذلك النقاش القديم حول الشكل والمضمون، لكن ذلك يعيده بشكل ممتع إلى اهتمامه الأول بالعلاقة بين الحقيقة والخيال، المعروضين ككل واحد، وككل واحد منسجم.

أخذ مكانًا قرب شملان في (( التويوتا )) المجملة بكل ما أبدعته العقول الخرافية من زينات: رسومات لحيوانات خيالية وطيور بائدة وآيات قرآنية وتعاويذ مهترئة وسلاسل مذهبة وقلائد زجاج ملونة وصور ممثلات وراقصات نصف عاريات. فجأة، أخذ هذا العالم الخيالي يتحرك، فأصاب لوي مالرو الدوار، ثم جاءه صوت المؤذن من بعيد، من بعيد جدًا، خفيضًا، عميقًا، شجيًا، كأغاني الأولين. أحسَّ بكونه في حالة معاكسة للحالة التي كان قد شعر بها على نافذة الفندق قبل قليل. لم يكن يذهب إلى الماضي، كان الماضي يأتيه. تصاعد دواره. كان الحاضر ينسحب مع انسحاب الضباب عن قباب صنعاء القديمة، وكان عالم التويوتا الميثي يفيض من كل جانب ليجتاح العالم. رفع رأسًا مثقلاً، وهمهم كالغائب:

- لا تسرع!

بعد مسافة وجيزة، توقف شملان على باب أحد الأزقة الضيقة جدًا، وقال:

- لا أستطيع الذهاب أبعد.

لحظات من التردد، ثم غادر لوي مالرو السيارة. وجد صعوبة في المشي على أرض الزقاق الحجرية التي بدت له قاسية بغرابة، ففهم أنه كان يمضى بحاله من الغيبوبة لا تخلو من المتعة. لكن أن يمضي بحالة من الغيبوبة لا يعني مع ذلك أنه كان يصل إلى الخيال المطلوب. لم يكن ذلك سوى حدس الخيال، المجمل بالخضوع والعجز، ثم السقوط. لحظات مؤقتة. وبسبب ما يكمن في هذه اللحظات من سعادة عابرة لم تكن سوى لحظات فائضة: الفائض مرة أخرى وأخرى! مقابل فضاء يغلي بالتعقيد، كان يفضل الرسم بدلاً من أخذ الملحوظات، فأخرج مفكرته ليرسم تصميمًا للزقاق ببيوته المتراكبة كالصناديق العجيبة، وانتهى به الأمر إلى رسم بطن امرأة فوق فخذين مرتفعتين تستعدان للولادة. صعقته الدهشة. كيف أمكن ذلك؟ كيف أمكن للفن أن يعبر عن الحقيقة بمثل هذه الطريقة؟ بمثل هذا الخيال؟ كان قد اقترب بمكر وحيلة من العلاقة بين الخيال والحقيقة، وكان في بدية الانشطار الذي سيسمح بالاندماج. تقدم من إحدى النوافذ، ووجد أنها كانت مزخرفة بزخارف على شكل طيور وعناقيد عنب، وعلى جانبها العلوي بِقِرَب لحفظ السوائل، ربما تكون شعارات للعبادة الحميرية. ذهب في خياله إلى الوراء، كان يلقي محاضرة يقول فيها: ((  الفن هو التعبير اللاعادي عن واقع عادي، اكتشاف ما هو لاعادي، هنا تكمن خصوصيته التي تبين القطع والانسجام. الواقع حتمًا هو مادة الفن، ولكنه في الفن ينتقل من حالة إلى أخرى، من حالته خامًا إلى حالته معدلاً فكريًا )).

توقفت ريشته عن إتمام الرسم عندما شاهد في الظل امرأة كانت تحمل على رأسها إكليلاً يطابق حدود شعرها الجعد المتساقط على كتفيها. كانت تلبس ثوبًا طويلاً أبيض رقيقًا، وعلى كتفها ترمي شالاً أخضر مطرزًا بخيوط من الفضة يلتف حول ردفيها، وعندما انقشع الضباب، أدرك أن ذلك كان تمثالاً من تماثيل الرومان. ومن جديد، عاد إلى الوراء. استعاد حوارًا مع إحدى معجباته: (( اكتشاف الواقع أفهمه كالخيانة الزوجية، إنه اتحاد استثنائي ومدهش بين طرفين غريبين... )). لم يستطع لوي مالرو البقاء أكثر أمام المرأة الحجرية، عاد إلى السيارة، وطلب من شملان أن يقوده إلى الفندق. لم يكن رد فعله يفسر بأية خيبة من الحقيقة، ولا بتراجع أمام هذه الحضارة القديمة، ولا بعجز ريشته التي بدأت عملها مع ذلك بداية حسنة. وتوصل إلى أن سبب كل هذا كان الابتسامة المعروفة لزوجه، تلك التي اعتادها في باريس، والتي لا تنفصل عنها.

سألت ماري-كريستين:

- آه! لماذا ذهبت دوني؟

وهذا العذر المعد منذ زمن سلفًا:

- كنت نائمة، كنت نائمة نومًا عميقًا، ولم أشأ إزعاجك.

ابتسمت ماري-كريستين، وهي تميل على صدره:

- أنت لطيف أحيانًا إلى حد اللوم!

- لا تلوميني، يا حبيبتي!

- حرمتني من متعة كنت أريدها حقيقية.

هل يطلعها على ما كان قد فكر فيه؟ وفي لحظة من اللحظات، ظن أنها كانت تهزأ به، فحاول أن يكون صادقًا:

- لم أظفر بأية متعة حقيقية.

ابتسمت ماري-كريستين من جديد:

- هذا لأنني لم أكن معك.

حاول مرة أخرى أن يبدو صادقًا:

- كان ذلك بسبب تمثال حسبته امرأة.

أمام الحيرة التي كان يقرأها على وجهها أوضح:

- تمثال روماني أو يوناني، من الحجر البارد، دون أدنى حرارة،  في زقاق ضيّق ضِيق خصر إحدى الحور.

وتردد قبل أن يقول فجأة:

- لم ألاحظ إذا ما كان للزقاق مخرجًا، ربما كان هناك مخرج له، لكني لم ألاحظ ذلك. كان هناك ضباب، وكان التمثال يمنعني من رؤية طرف الزقاق.

في الليل، أخذ لوي مالرو التويوتا، وعاد إلى الزقاق. أن يكون للزقاق مخرج أم لا، لم يكن ذلك سوى ذريعة. لم يجد التمثال. فكر أنه أخطأ المكان، وتابع في خياله الحديث مع الفتاة التي كانت معجبة به:

- أحيانًا يكون الاكتشاف أحاديًّا باردًا بسبب تمرد الواقع الذي يتضح أنه أقوى من الفنان. فقدان التجانس يفسر جزئيًا لماذا الفن لا يكفي لبلوغ هدفه. هل وصلنا إلى هذه اللحظة من انحطاط الحضارة؟

وقبل أن يعود إلى الصعود في السيارة، وجد امرأة ملتفة بالبياض من الرأس إلى القدم، حسبها تمثالاً، التمثال الآخر. لكن هذه كانت تعطي يدها لطفلة في الثالثة عشرة هي أيضًا ملتفة بالبياض من الرأس إلى القدم. أشارت الطفلة إليه ليقترب، فلم يحرك ساكنًا، وأشارت المرأة بدورها إليه ليقترب، فلم يحرك ساكنًا. فجأة، خلعت المرأة حجابها، فإذا بها عارية كما ولدتها أمها، ليس هناك من النساء أجمل منها على وجه الأرض، وكذلك فعلت البنت، فإذا بها عارية كما ولدتها أمها، ليس هناك من الحور أجمل منها على ظهر الجنة. اقترب لوي مالرو، وكأنه مشدود بحبل. كان يريد الهرب، في الوقت ذاته، والنفاد بجلده. وهو منهما على مد الذراع، اختفتا. سقط من إحدى النوافذ حجر أخطأه، وما لبث أن تبع ذلك صياح رجل خشن ومهدد، فهرب الكاتب حتى السيارة ليهرب من تلك الحالة اللامتوقعة. ولوي مالرو يسير على الطريق المحفرة الممتزج الليل فيها بالغبار، راح يضحك بأعلى صوته. كان يضحك من الخوف، بعد أن كان قد شعر بكونه مهددًا فعلاً.

لم يكن كل ذلك من الخيال شيئًا، كانت الحقيقة التي أولدها التهديد، وها هو يفشل مرة أخرى في مهمة صانع الكلمات التي له. عاد يضحك لأنه اكتشف في نفسه من المشاعر ما اعتقد أنها انتهت منذ كان طفلاً، اكتشف أنه لم يزل يخاف من الأشياء. الخوف، نعم، والهرب مما ليس متوقعًا. لماذا الكتابة إذن؟ لن يقول أبدًا إن القيمة في أسلوب يترجم تسلط الواقع عليه، إلا أنه حصل على متعة ما من تلك التجربة: متعة الخوف، تمامًا كمتعة الهرب، أو متعة الابتسامة الطفيفة الدائمة الملتصقة على شفتي زوجته وإن كانت زائفة. وبعد لحظة من التفكير في كل هذا، كان مَغيظًا. إذا كان قد شعر بالرضاء قبل بعض اللحظات، فهو لا يشعر بشيء في الوقت الحاضر. لا بسعادة، ولا بتعاسة... لا يشعر بشيء. لم يكن للماس في تلك الحالة أية قيمة. لم يكن يمكن لمالرو استغلال هذا الشعور بكونه مهددًا. كان معنى الكلمات والأشياء يفلت منه، وكان يطارده الأسلوب، كان يطارده البحر، وكان مركب محطم يبتعد، وهو لا يكل عن اللحاق بالمركب، ليس من أجل الوصول إلى الشاطئ، بل ليتحطم كالمركب، وليكسر التهديد.

* * *

في اليوم التالي، كان شملان يقودهما على الطريق اللامتناهية المنطبقة مع الأفق باتجاه تعز، لكن  تعز لم تكن سوى إشارة، ففي اليمن لا تتحدد الاتجاهات. كل شيء كان مفتوحًا على كل شيء. كل شيء كان حرية. كل شيء كان جمالاً، أصالة، حقيقة روائية. كل شيء كان جميلاً، كل شيء كان زائفًا، كل شيء كان كذبًا! لم يعد مالرو يشعر بكونه مهددًا. سمعته ماري-كريستين يقول:

- اليمن هو الجنة على الأرض.

هتفت ككل مرة كانت تفهم فيها فكرة زوجها:

- ألسنا في بلد الألف ليلة وليلة؟

كانت تفهمه أفضل ما يمكنها الفهم. طرف الجنة هذا كان يوجَز في عينيها إيجاز كليشه من الكليشيهات. للباريسية التي كانتها، لم يكن المكان سوى مكان للتغريب لا أكثر. ظن  لوي مالرو نفسه مضطرًا إلى التحديد:

- أريد القول إننا في بلد الخيال.

تأمل سلسلة جبال سُمارة العظمى التي تتشكل وتتبدل بلا انقطاع: حيوانات خرافية أعلاها إنسان وأسفلها حصان يثب في الفضاء الأزرق الشاسع، أو أعلاها حصان وأسفلها سمكة يختلج ذيلها الأحمر المدمى، أو هي أسود مجنحة، صقور ليست مجنحة، ثيران ليست ناطحة. ومع ذلك، القرون منتصبة، والأجنحة ممتدة. أية أجنحة! أية قرون!

عاد مالرو إلى القول:

- إنه الخيال في حالته الخالصة، هذه الحقيقة هي الخيال، هذا البلد هو الفن تحت كل أشكاله الممكنة. العالم الذي يبحث عن التعبير عنه لهو هنا، فما العمل عندما يُكتب كل شيء بيد الطبيعة ذاتها؟

قبل أن يكون مشهورًا، كان يأخذ الأوتوروت كل يوم من الضاحية الكبرى حيث كان يسكن إلى باريس التي كانت تمتد إلى ما لا نهاية. كانت السيارات كثيرة بطيئة، وكانت تتقدم بصعوبة. كان البرد بالحدة ذاتها التي على طريق قطب الشمال. كانت طبيعته التي له، جحيمه بشكل من الأشكال. جحيم لم يكن يستطيع التخلص منه حتى عندما كان يوجد في قلب الجنة. هذا التعايش المفارق للحظتين من حياته كان يثقل عليه، وكان الشيء نفسه مع زوجته. لم تكن لهذه المرأة السطحية أية سمة تجمعها والمرأة التراجيدية التي في قلب اهتماماته الأدبية. كان يلامس بإصبعه إذن مسألة يعلق عليها أهمية كبيرة، مسألة علاقته بالفن من ناحية، ومسألة علاقته بزوجته من ناحية ثانية:

- بالنسبة إلى ما عشت، أعيش الآن حالة متنافرة تعطيني شعورًا بكوني غير قادر.

احتجت ماري-كريستين:

- أنت من هزَّت كتابته الجمهور عندنا! أنت، الفنان الحقيقي!

بدت على شفتيه ابتسامة مريرة:

- لو لم أكن فنانًا حقيقيًّا لما اعترفت بعجزي في اللحظة التي تفرض فيها الطبيعة نفسها من حولنا بمثل هذه القوة.

أحسته، ذلك العجز، فنظرت إلى شملان الذي يسوق التويوتا باطمئنان، ثم قبضت على ذراع زوجها:

- عليك أن تتغلب على ضعفك، عليك أن تكتب روايتك الجديدة!

لم تكفّ سلسلة جبال سُمارة العظمى عن التشكل والتلون والتألق، ففكر مالرو في أمه، السمينة الربعة، وهي تحلب إحدى إناث الخنازير، وكان أبوه، الضخم العملاق، يجبره على مناطحتها، تلك الخنزيرة المقززة. كان طفلاً، ترهبه فكرة الاقتراب منها، شمها. كان يبكي، وأبوه يشبعه ضربًا، ثم أجبره على النوم معها. ومنذ ذلك الحين، أخذت تطارده تلك النتانة، تلك الرائحة الطاعونية دون توقف، كان يشمها أينما ذهب، في أنفه، في كيانه.

قرصته زوجته ليفيق، فوجد تعبير الخائفة على وجهها.

قال لها:

- هذه هي المرة الأولى التي تعيشين فيها التجربة من الداخل، فهل تكون الأخيرة؟

- أحس باليأس.

- إنه اليأس الصادق.

- ولكني لم أزل متعلقة بك. أن تكتب روايتك الجديدة أم لا، سأبقى متعلقة بك.

- ولهذا السبب.

تركت دمعة تسيل على خدها، فنظر إليها شملان باستغراب:

- ما لها الست مريم؟ هل أخفف السرعة؟

وكادت السيارة تنزلق في الوادي، وهي تمر على جثة كلب ملقاة في عرض الطريق.

- لا، لا تخفف السرعة.

أخذ لوي مالرو يتفرس في شملان، هذا البطل الميتافيزيقي الذي كان قد قطع العصور بقي فتيًّا وقويًّا كأجنحة الصقور، حقيقيًا ككل شيء من حوله، ما عدا النظرات التي كان يلقيها على ماري-كريستين، كان يخبئ في نظراته الشهوة والفِسق.

قال الكاتب لبطله:

- لقد كذبت عليك، الست مريم هي أختي!

تفجرت الشمس على شفتيه، بينما عرى ماري-كريستين بعينيه، فميز مالرو ومضة الشبق المدمر فيهما.

- الست مريم ليست زوجتك؟

لم تنفِ ماري-كريستين، وهي ترمي زوجها بنظرة مثقلة بالعتاب، بينما كان مالرو سعيدًا، لأن شملان تحرر من علاقة سطحية. كان يخفي شهوته طوال الوقت، وفسقه، ولكنه الآن، يبدي وجهه الحقيقي، ومن الآن فصاعدًا، يغدو جزءًا من هذه اللوحة الخالدة التي كانتها الطبيعة. لم تتأخر ماري-كريستين عن اللحاق به. كانت تقترب قليلاً قليلاً من المرأة التراجيدية التي يحلم بها زوجها متخلصة من زيفها. تابع لوي مالرو نظرة شملان المباشرة إلى فخذي زوجته، ثم إلى وَرِكَيها، نهديها. كلمة واحدة كانت كافية لتجعلها عارية ومشتهاة! هل سيعريها بدوره؟ عماد الكتابة الاكتشاف. كانت لعبته خطرة ومثملة. كان يريد أن يطلق لخياله العنان حتى المرض، لأن الخيال أمام العجز في الكتابة هو كل ما يتبقى للكاتب، إنه سلواه في الألم. كان يريد أن يذلل ضعفه أمام الطبيعة بالألم، الطريقة الوحيدة للخروج مما هو فيه، ولقدرته على الكتابة من جديد.

أوقف شملان السيارة، وطلب إليهما أن يأخذا صورة للجنة التي هم فيها. تظاهر مالرو بالتصوير، فلم يكن يريد صورًا لطبيعة ميتة. كان يرغب في الاحتفاظ بكل جمال الطبيعة الحية في ذاكرته. نست ماري-كريستين لحظةً أين كانت توجد بين شجر الرمان، وسط شجر العقيق الأحمر، وغدت في جرح العقيق قطرة ندى. تحت أثر الدهشة، أخذت تجري بصخب، مسحورة، وأخذت أم مالرو تجري هي أيضًا بنفس الطريقة. كانت ناحيتها الطبيعية التي تعبر عن نفسها بتلك الطريقة، وإن كانت الأقل جذبًا، الأقل قربًا من النفس. ثم رمت ماري-كريستين بنفسها على الأرض المخضبة بدم الغزوات التي صنعت التاريخ. رفعت ثوبها حتى خاصرتيها، وارتمى والد مالرو على والدته ليدمر صورة العناق القديمة، بينما كانت ماري-كريستين تحك فخذيها العملاقتين من الجليد الجمريّ، وتأتي بعواصف البحار البعيدة. فتحتهما، وأسقطت مالرو بينهما. لقد كانت زوجته، زوجته، وليست أخته. على الأقل عندما يكونان بعيدين عن نظرة شملان. ودفعته لتمحقه في نار القمح.

* * *

قال لهما شملان:

- إنني أدعوكما على الغداء في القرية القادمة.

ابتسمت ماري-كريستين:

- بل سندعوك نحن.

ظل لوي مالرو صامتًا. كان يتابع إصبع شملان، وهو يشير إلى القرية القادمة: بيوت قديمة محفورة في كشح الجبل، بيوت نمل عملاقة، لا تتحرك، مهما دارت التويوتا بهم، تبقى راسخة أمامهم.

- ماذا قلت، يا لوي؟ سندعوه نحن.

- بالطبع.

أطلق شملان ضحكة مستفزة:

- الست مريم كريمة، حتى أنها أكرم من ملكتنا أروى وأحلى!

وأطلقت ماري-كريستين نفس الضحكة التي للسائق، ولوي مالرو يفكر في الملكة أروى، العاشقة والمستبدة، التي كانت كل شيء ما عدا الكريمة، الحاكمة بالحب والنار. كانت الملكة أروى بالنسبة له أكثر عظمة من الملكة بلقيس التي لم يقطف نهديها إلا الملك سليمان، أما الملكة أروى، فكانت لمن تشتهي، للراعي الخشن، إذا ما وقع أمر الحب عليه، أو للقاضي الرقيق، وحتى لبعض المجرمين الأقوياء الذين هم في أسرها.

- ومتى سنصل إلى قبر الملكة أروى؟

لم يجب شملان. أعاد بفظاظة العاشق الوقح:

- الست مريم أكرم من الملكة أروى وأحلى!

كان يختلس النظر إلى ساقيها البيضاوين المختلطتين بأخريين سمراوين في ذاكرته. وهو صبي، كان شملان يختلس النظر إلى ساقي امرأة القاضي الذي أمسكه متلبسًا بجرم العين، فضربه بالسوط، وضرب أمه، وضرب أباه، وعلق الولد من ساقيه على شجرة، وضربه، وضربه...

وكما قال لهما، أوقف شملان السيارة في ساحة القرية. كان الناس يبيعون القات ويشترونه، وبعضهم قد بدأ يلوك أوراقه الطرية، وكان في المطعم بعض المسافرين، وفي اللحظة التي دخلوه فيها، جاء فوج من القرويين، وجلسوا على طاولة قذرة قريبة من جهاز (( فيديو )) بالألوان عليها أطنان من الذباب والعظم وبقايا الطعام. غاب شملان في زاوية من زوايا المطعم، وراء قدر أسود ضخم يتصاعد منه البخار، وفرن للخبز يتصاعد منه الدخان، وعاد بخرقة متسخة نظف بها الطاولة، وهو يلقي بالأوساخ بين قدميهما. كانت لماري-كريستين ابتسامة غير مألوفة، بينما مالرو يتابع بعينيه امتطاء ذبابة على ذراعه. فجأة، أهوى عليها بكفه، فانطلق شملان يصهل كحصان. بعد لحظة من التردد، انطلق لوي مالرو يضحك هو أيضًا، وبالمقابل، اختفت ابتسامة ماري-كريستين الغريبة، وراحت نظرتها تضيع في الفراغ بغرابة. وضع الطباخ في جهاز (( الفيديو )) احتفاء بالسائحين شريطًا فلكلوريّ النوع حول رقصة (( الجنابي ))، وأتاهما بأطباق المرق والسلتة وشرائح الخبز. أمام مط ماري-كريستين لشفتيها اشمئزازًا، أوضح شملان:

- هذا مرق من لحم عجل حديث الولادة، وهذه سلتة. أتعرفين ما هي السلتة؟ حلبة مطحونة مع طماطم.

بدأ يمزق شرائح الخبز، ويغمسها في المرق الدسم، وفي السلتة المخاطية، ثم يفسخ اللحم الناهي بأصابعه، ويأكل كوحش. تبدت للوي مالرو صورة لأم الكاتب وأبيه، وهما يأكلان خنزيرًا مشويًّا كوحشين، وتبدت لشملان صورة للقاضي ورئيس القبيلة، وهما يأكلان عجلاً مشويًّا كوحشين. كانا يقذفان ببقايا الطعام وبالعظام لصبي، كان شملان، وكان شملان مع أمه وأبيه وبعض الكلاب. كان لوي مالرو يحاول تقليد سائقه في أكله، وبين تارة وأخرى، كان يلقي النظر على ماري-كريستين التي كانت تفعل كل شيء لتجنب سقوط أقل قطرة مرق على ثوبها الحريري، ويقول لنفسه: (( هي بعيدة! ينتزعها القرف من هذه الحقيقة الأخاذة! ))

فسخ لها شملان قطعة لحم شهية، وقدمها لها، فأخذتها بطرف أصابعها، ونقرتها بطرف شفتيها. وعن مقربة، كان القرويون يغوصون بأيديهم وخراطيمهم في طبقهم الموحد كأنه مستنقع انتشرت التماسيح فيه، وتدافعت، وتصارعت، وراحت تفجر البول والدم والصديد.

نهضت ماري-كريستين بعد أن اعتذرت، ومن خلف التويوتا، أخذت تتقيأ بشراسة.

أخفت الأمر عن زوجها عندما سألها:

- لماذا قمت؟

- نسيت شنطتي في السيارة.

- لا أحد يسرق هنا، لا أحد عاطل عن العمل. أريد القول، كل واحد يشغل حياته كما يمكن له، يحياها.

أحاطهما بعض الصبية والبنات:

- صورة، يا صديق! صورة، يا صديق!

كان شملان قد اشترى حزمة من القات، وزجاجة كوكا، وزجاجتي ماء معدني، أعطى إحداهما لماري-كريستين، بينما كان مالرو يأخذ الصور للأطفال. كانوا أطفالاً يشبهون كل الأطفال في العالم، دون أي رابط بجمال الأرض.

- لماذا يقولون لي (( صديق ))؟

كان شملان يلف حزمة القات بعناية فائقة:

- يحسبونك روسيًّا. أوائل الأجانب الذين جاءوا إلى اليمن بعد خلع الإمام كانوا من الروس، والناس هنا يدعونهم بالأصدقاء.

سألت مالرو بنت سمراء جميلة جدًا:

- هل ستظهر صورتي في التلفزيون الليلة؟

كان مشدودًا إلى ابتسامة الحورية التي لها، وتساءل إذا ما كانت البنت ذاتها التي كان قد رآها في الزقاق الصنعائي؟ رفع رأسه إلى شبابيك بيوت النمل علَّه يقع على المرأة التي كانت تصاحبها، فلمح خيالاً خلف إحدى الستائر. اقتربت التويوتا منه، والبنت تلح:

- أنت لم تجبني، هل ستظهر صورتي في التلفزيون الليلة؟

انحنى مالرو، وأمسكها من كتفيها:

- ما اسمك؟

- أروى.

نظر إلى عينيها السوداوين، فتراجعت البنت عدة خطوات قبل أن تذهب جارية، وتختفي في الظل. طوال الطريق إلى مدينة (( أب )) بقي لوي مالرو صامتًا، كان يوهم بأخذه الصور للجنة التي يقطعونها. تبدت له صورة للنورماندي، صورة من الصور الحية التي كان يحتفظ بها في رأسه. كان أبوه قد أنشأ في قلب النورماندي مصنعًا للحوم الخنازير، وكانت ماري-كريستين تنام على كتفه، ومن وقت إلى آخر ترمي حولها بنظرة سريعة. جعل أبوه من العمال طوع حذائه، وخلال ذلك، كان شملان يضع شريطًا، أو يفتح الراديو، أو يشرب الماء، وهو يختلس النظر إلى الساقين البيضاوين المصبوبتين كالسبائك الثمينة. عادت زوجة القاضي تقتحم على شملان الخيال، وقد كان في ذلك الوقت شابًّا قويًّا، ولما كان في مخدعها، فاجأه القاضي بقدومه، فقتله شملان قبل أن يهرب إلى الجنوب. أوقفهم جندي في أحد مراكز التفتيش، وفحص الترخيص بالتجوال. سأل إذا كان شملان ينقل أشياء مهربة أو أسلحة، واختلس النظر إلى ساقي ماري-كريستين، وسأل إذا ما كانا من الروس، فأجاب شملان أنهما فرنسيان، وسمح لهم باستئناف الرحلة. في باقي مراكز التفتيش، كان الجنود يلوكون القات بخدود انتفخت كالكرات الكبيرة، فلم يتحرك واحد من مكانه، وإصبع مثقلة تشير إليهم بالعبور.

- إنها ساعة (( التخزين )). في هذه الساعة القات أهم من الوطن.

- ماذا؟

- يمكن احتلال اليمن في هذه الساعة، (( الجبهة )) تعرف هذا تمام المعرفة، ومنذ عدة أيام، شاهدت بأم عيني هجومًا ناجحًا ضد أحد معسكرات الجيش.

سكت قبل أن يضيف:

- لقد كنت ثوريًّا في البداية.

لاحظ على لوي مالرو عدم الاهتمام:

- لا يهمك أن تسمع منى كل هذا.

أكد:

- بلى!

ثم علل:

- لكن الحرارة شديدة!

نظر شملان إلى شفتي ماري-كريستين النائمة، وأوضح:

- كنت أريد أن أصنع هنا ما صنعوه هناك في الجنوب، لكنهم ألقوا القبض علي، ورغم ذلك، لم يفلحوا معي، كنت عنيدًا كجحش! ثم ألقوا القبض علي مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، حتى يئست، وصرت كالجميع. الناس هنا يفضلون القات على الثورة، يبيعون الوطن بحزمة قات.

أطلق ضحكة متشنجة، والتويوتا منطلقة على طريق تغطت بجثث الحيوانات: كلاب، حمير، وعول، ذئاب، صقور، أو معزات، بقرات، أو غربان. كان مالرو يتساءل: القات أم الثورة؟ القات أم الكتابة؟ كانت الكتابة، بالنسبة له، عملية معقدة كالثورة، ولكنه حينما ييأس لم يكن يستسلم كالجميع، كان يحتفظ بالتميز. أراد أن يصيح به: الثورة هي أن تحتفظ بالتميز دومًا حتى في أتعس اللحظات. أخذ بعض الثوار التقدم في رأسه صفوفًا من صخرة، ورموهم بالرصاص.

سأل مالرو ملحًّا:

- ومتى سنصل إلى قبر الملكة أروى؟

لم يجبه شملان، كان جبينه المسطور بتجاعيد الهم يفرز عرقًا غزيرًا، وكانت قبضتاه القويتان تحتويان المقود بعنف، ويحدق في نقطة ثابتة أمامه، والشمس ترتفع، وترتفع في السماء. كانت ماري-كريستين تغمض عينيها وتفتحهما لثوانٍ كي تلقي نظرة إلى اليمين ونظرة إلى الشمال، وكان الأوتوروت، طريق العقاب هذا، يمتد، ويمتد. كانت له بداية، ولم تكن له نهاية، وكانت التجمعات السكنية في (( لاكورنيف )) تنتصب في هذه الرؤية كعلب الإسمنت المسلح. استعاد مالرو ما قالته له فتاته المعجبة:

-  روايتك الأخيرة، جعلتني أعي، وأنا أقرأها، أن هذه التجمعات السكنية في (( لاكورنيف ))، المنعزلة عن باقي العالم، المنعزلة عن نهاية الأشياء، تشكل (( غيتو )) حقيقيًا، مما دفعني إلى الغضب.

همهم لوي مالرو وقتها:

- إذا غضب القارئ وصل الفنان إلى هدفه.

وإذا بهم في قلب مدينة (( أب )) دون أن يحسوا بذلك، مدينة على طريق السفر، قائمة قاعدة، واقعة في الدخان والغبار، مدينة جاءت إلى العالم في يوم الحشر. وهم يخرجون منها بسرعة، أشار شملان إلى قمة خضراء غائبة في الضباب، وقال في الأخير:

- هناك يوجد قبر الملكة أروى.

على باب قرية (( جبلا )) الصاعدة على كتف الكون، أوقف شملان السيارة. وفي اللحظة ذاتها، جاء أحد الشبان الصغار يجري صوبهم، فطلب إليه شملان أن يصطحب السائحين ليزورا قبر الملكة أروى. كان المطر يتساقط رذاذًا، والكاتب ينظر بمتعة إلى الدرج الطويل اللامتناهي، بينما يبدو على ماري-كريستين كمن لا تريد التقدم:

- هل تظن أنها ستمطر؟

لم يأبه مالرو بسؤالها، وعلى العكس فهم شملان ما ترمي إليه:

- خذي سترتي لتغطي شعرك.

كانت سترة من جلد العجل، تفوح منها رائحة مدوخة، رمتها على رأسها، ولحقت بزوجها، وكان الشاب الدليل يقفز كالمهر، بينما طال بهما الصعود على الدرج القديم. مدت ماري-كريستين يدها لتعتمد على زوجها، وانتهى بهما الأمر إلى الوصول إلى أزقة طينية، على جانبيها دكاكين معتمة وضيقة: الحداد، والنجار، والمنجد، والوشام، والبقال، والنقاش، وبائع الخناجر، وبائع الحلوى، وبائع الأقمشة. اشترت زوجة الكاتب شالاً مطرزًا بخيوط من الذهب والفضة دفعت ثمنه مائة ريال، وربطت شعرها به بعد أن رمت بالسترة الجلدية على ظهرها، ولم تمتنع عن القول بتعجب:

- الحياة هنا أغلى من باريس!

ورغم ذلك، اشترت أيضًا عقدًا من العقيق زيّنت به صدرها، بينما اشترى لوي مالرو خنجرًا من الفضة علقه على خصره، وعادا إلى الصعود على درج قديم آخر ينتهي بالجامع الكبير. كان الشاب الدليل قد سبقهما إليه جاريًا، وعلى بابه راح ينتظرهما، والأولاد والبنات يعجون من حولهما كالديدان:

- صورة، يا صديق! صورة، يا صديق!

في فناء الجامع، ترك بعض المتوضئين البركة القديمة، وتحلقوا بالشقراء التي تبادلهم الابتسام. كانوا يثبتون نظرتهم على محاسنها أو يطأطئون الرؤوس، ويهمسون فيما بينهم. وفي داخل الجامع، جاء أحد الشيوخ ليحييهما بالفرنسية، وقدم لهما جوهرته الحجرية:

- هذا هو قبر الملكة أروى المعظمة، إنها قديستنا الجليلة!

بدأ لوي مالرو يأخذ للضريح الصور من كل الجهات، نعم، الصور، الكثير من الصور. عبر هذه الصور الميتة لميتة تنام تحت الحجارة سيبدع أجمل صورة للملكة الدموية التي غدت قديسة. ركع على الأرض، وأخذ يصور المحراب المنقوش باللغة الحميرية.

قالت ماري-كريستين:

- لم تأخذ لي صورة مع الملكة أروى.

- سآخذ لك صورة مع الأولاد.

لأن أروى لن تكون إلا له، وأخذ لها صورة مع الأولاد كما قال لها، والكل يبتسم، ثم عادا يهبطان الدرج، والشاب الدليل يقول لهما:

- هناك... بقايا القصر حيث كانت تسكن الملكة أروى.

وإذا بامرأة سمراء أجمل من القمر تنبثق من بين الأطلال هارعة، ورجل من ورائها يتبع، ويطلق الرصاص، إلى أن تمكن من قتلها. صرخت ماري-كريستين، وسارعت وزوجها الذهاب نحو جسد البائسة. دفنت وجهها في صدر مالرو، ومالرو يظن أنه عرف فيها المرأة التي كان قد رآها في ذلك الزقاق الصنعائي الملعون. هجم الرجل عليها، ونفذها بطعنات خنجره، وانتهى به الأمر بدفعها بقدمه حتى ألقى بها من فوق الهضبة. جاء شملان يجري على أثر الطلقات، وذهب بحثًا عن الجسد القتيل، فخاف أهل القرية من الورد الدموي، وتخبأوا في بيوتهم، مما اضطره إلى ترك جثة المرأة على الحجارة...

في التويوتا، قال شملان لهما:

- ارتكبت الزنى، فقتلها زوجها.

أخرج لوي مالرو مفكرته، وكتب في الهامش بخط صغير: القتيلة هي أروى، والقاتل هو أبي! فتح آلة التصوير خلسة، وهو يهمهم: دوستويفسكي لديه الحق! دوستويفسكي لديه الحق! وألقى بالفيلم من نافذة السيارة. كانت الملكة أروى قد ماتت للمرة الثانية أمام عينيه، بنفس الطريقة التي كانت تميت فيها عشاقها، ولم يكن بحاجة إلى صورة أخرى لها.

* * *

كيف يمكنه أن يصف صعود الليل في (( تعز )) على جبلها (( صبر )) الأسطوري؟ بيوتها الزاحفة حتى حافة السماء؟ أضواءها الذائبة مع النجمات، الماحية للامتدادات ما بينها؟ كيف يمكنه أن يصف اللحظة السابقة لليل؟ عندما تتحول الشمس إلى نسر، والقمر إلى ثعبان، والنسر والثعبان يتحاربان؟ اشتهى كأس نبيذ، وثغر امرأة بشعر غزير أسود. قرر لوي مالرو أن يمضي الليل في أحد قصور الإمام التي أعدت كفنادق. في صنعاء، كان قد قبل النزول في فندق حديث ليشبع رغبة زوجه، أما في تعز، فرغبته هو. كان صاحب الفندق غائبًا، فاهتمت بهما زوجه التي يعرفها شملان تمام المعرفة، حسبما بدا من حديثه معها. صعدت معهما الدرج اللولبي الحجري المعتم، ورائحة الطعام والبخور والغائط تفوح بالمكان. مروا بحجرات مفتوحة فيها بعض اليمنيين الجالسين على الأرض، وهم يحتسون الكوكا كولا، ويخزنون القات. كانوا يتفرجون على التلفزيون، ولا يبدو عليهم أنهم يرون شيئًا. على عتبة الحجرة التي خصتهما بها زوج صاحب الفندق، حجرة الإمام حسبما ادعت، كانت جيوش من النمل تقطع عليهما الطريق، فتقدم شملان بقدمي العملاق اللتين له، وسحقها. دخلوا الحجرة لاهثين للجهد الذي بذلوه، وعلى السجاد القديم تهالك مالرو وماري-كريستين. أضافت زوج صاحب الفندق فرشة من القش وبعض الأغطية، وأحضرت الماء إلى المرحاض البدائي في تنكة بعد أن غسلته دون أن تتوقف عن إلقاء النظر على ماري-كريستين، وهي تبتسم. وعلى العكس، كان لوي مالرو ينظر إليها هي، وكان مستعدًا للنوم معها، رغم جهلها وفظاظتها. لم يكن لها من المرأة ذات الشعر الغزير الأسود التي يغتذي بها خياله شيء، وكان لها ثديان طويلان، يطلقان رائحة حريفة. ومع ذلك، كان مستعدًا للنوم معها. كان ذلك ما ينقصه ليستطيع الكتابة، قوة الحب الحليف لبدائية خلاقة. وابتداء من هنا، سيخترق الجمال الأول لطبيعة مسيطرة ليسيطر عليها. لاحظ أن شملان لم يكن يتوقف عن التكلم معها دون كلفة، كان يتكلم معها، وهو يرمي ماري-كريستين بنظرة مواربة، أو بابتسامة، ومن وقت إلى آخر، كان يمسكها من يدها أو يأخذها من كتفها، لا شيء إلا ليثير غيرة الشقراء التي كان يشتهيها. كانت للكاتب وبطله نفس المشاعر، إلا أنها لم تكن لنفس المرأة.

قال شملان:

- الجماعة جائعة!

علقت زوج صاحب الفندق:

- لكن الساعة متأخرة.

- حضري شيئًا لأجل الست مريم.

فكر لوي مالرو بخصوص بطله: إثارة الغيرة لا تمنع الخيانة. كان مستعدًا لأن يخون إحداهما بالأخرى كي يصل إلى أهدافه. سمعه يحكي لزوجة صاحب الفندق عن الحادثة التي وقعت في قرية (( جبلا )). كان يحكي بصوت حياديّ، وكانت المرأة لا تكف عن إطلاق صيحات مكتومة خلف يدها، متأسفة تارة، وتارة أخرى مستنكرة. ما جدوى كل هذا؟ كانت الملكة أروى ميتة، وكانت قوة الطبيعة الأقوى دومًا. تتابعت في عقل مالرو الصور: المحاضرة، المعجبة، الأوتوروت، التجمعات السكنية في (( لاكورنيف ))، الشبان الذين يغتصبون امرأة، الذين يحرقون سيارة. كانت الصور تتساقط الواحدة تلو الأخرى، وعاد إلى ذهنه حواره عن (( خيانة )) الواقع مع فتاته المعجبة التي يخون بها زوجته، فاشتعلت لديه رغبة عاجلة في رمي زوجة صاحب الفندق على طراريح الإمام، في مخدعه، وفي الاحتراق معها في مجمرة للبخور. وفي الأخير، وجد نفسه وحيدًا مع زوجته، فأراد أن يقوم باغتصابها، وهو يفكر في الأخرى. لن يدجن شهوته، بل على العكس سيزيدها توحشًا. لن يدجن الطبيعة، وسيزيد من ألمه. كان عليه أن يتألم. عندما قال لشملان إن ماري-كريستين أخته، كان ذلك لأجل هذا السبب المحدد، ليتألم. لكن بطله قد بقي عند مرحلة النظرة، ولم يمض إلى الفعل الموجع، الفعل المعذب.

قالت ماري-كريستين:

- أنا تعبة، فاتركني!

لكنه لم يتركها، بل رفع عن فخذيها، ووضع رأسه بينهما.

أعادت وهي تدفعه:

- أنا تعبة، وهما سيعودان بين لحظة وأخرى!

وبالفعل، سمعا خطوات تصعد الدرج، فاعتدل لوي مالرو، بينما كان شملان يتقدم بصينية بين يديه ملأى بالطعام: بنت الصحن، وعسل، وبيض بالبندورة، وأرز، وشاي.

- هل تريدان شيئًا آخر؟

أجاب مالرو بنبرة مقتضبة:

- لا شيء.

- هل آتيك ببعض القات؟

- لا، أشكرك.

- إذن، ليلة سعيدة.

وقبل أن يذهب أشار إلى المكان الذي كانت توجد فيه سيارته، عبر النافذة المصنوعة من زجاج من كل الألوان:

- سأنام في السيارة كالعادة.

كالعادة، ألح القول كما لو كان يريد أن يقول لماري-كريستين إنه مخلص للمرأة التي يحبها. في نهاية الأمر، لم يكن قادرًا على الخيانة، على استحداث حالة غامضة من أجل الخلق. حالة ناضجة. الفن هو هذا، حالات ناضجة.

- إذا كنتم بحاجة إلى أي شيء، فلا تترددا عن طلبه من أم محمد.

تأمل للحظة ماري-كريستين، كان يبدو عليها التعب، وذهب مع ابتسامة أخيرة لها.

سألت ماري-كريستين زوجها:

- هل تريد قليلاً من العسل؟

كانت هي من يشتهي بعنف، فصعد عليها، دمويًا كليث، شرسًا كفهد، لكنها ضربته بحذائها، والتفت بغطاء قبل أن تنام في زاوية رطبة. طوال الليل لم ينم لوي مالرو، كان ينظر من النافذة إلى التويوتا التي ينام فيها شملان، وكلاهما لم يحظ بجسد عار، جسد ماري-كريستين.  وعلى عكس الكاتب المطارد بصورة امرأة صاحب الفندق، كان السائق الذي خزّن كمية من القات لا بأس بها مطاردًا بأطياف المرأة القتيلة. أغوته، فقتلها رجلها. أغواها، فقتله رجلها. اتفقا على فعل العشق معًا، فقتلتهما القبيلة. صعدا من الموت، فوجدها طفلة في الثالثة عشرة، اغتصبها، فقتلته القبيلة. آه! كم القتل كثير، كم الدم غزير في هذا البلد، كم الاغتيال يسير! حتى الأحلام تدمي!

راح لوي مالرو يعاود الإصغاء إلى فتاته المعجبة في اللحظة التي كانا فيها في السرير.

سألت:

-  والمعرفة؟

- المعرفة لا تكفي الفن، إنها تكتفي به تمامًا كما ترتضي بالواقع دون الخيال. حقيقة أن أكون معك هي كما لو كان غوته وفاوست يوجدان معًا بعد الانتهاء من هذا العمل المتفوق. يتبدد الاكتشاف، وترصد المعرفة على باب الفن بقصد خيانة جديدة، ومن ثم اكتشاف جديد، يتبعه تبديد جديد.

- تبديد أم تجريد؟

- كلاهما حالة خاصة.

- حالة مطلقة؟

- حالة واعية. في لحظة الخلق، كل حالة مطلقة حالة واعية. إنه إبداع وليس فلسفة. إبداع ذو فلسفة.

كان لوي مالرو يشك في كل شيء: لم تكن للخلق فلسفة. زد على ذلك، لم يكن هناك خلق واحد بل عدة، وكانت لكل خالق فلسفته. فلسفة كانت تتبدل تبعًا للموضوعة، وخاصة تبعًا للحالة. وأية حالة مهولة كان يعيش! أخذ بممارسة العادة السرية، فاقتربت زوجته منه بجسدها الجليدي، ملتهبة، وبدأت بالصعود عليه والهبوط بشراسة حتى اللحظة التي فيها فرّغ. أطلق نفسًا، وتبدت له من الأفق البعيد أرتال من العربات التي تجرها وعول النار، وهي تقذف النهار على العالم. اصطدم بضوء النهار، ورأى تعز، وهي تبتعد في حضن المستقبل المتحطم المعالم. رأى قصورها المنهارة، وأزقتها المحفرة، وناسها الذين لا يفكرون إلا في التجارة. ورأى رهطًا من النساء، وهن يلطمن، ويولولن، عند قدمي أحد الموتى، وأخريات، وهن يصفقن، ويغنين، عند قدمي إحدى العرائس. رأى تعز، وهي تهجر نفسها من نفسها، واحدة تهجر عينيه، وأخرى تقتحمهما.

وماري-كريستين تجلس في المقعد الأمامي إلى جانب شملان، كانت تطلق صيحات متواصلة على مرأى جمل يجر عربة بين الجموع الصارخة بالبضاعة، وطلبت أن يأخذ لها زوجها صورة معه:

- لم يعد لدي فيلم.

- ماذا؟ لتشترِ فيلمًا!

أطلقت صيحة جديدة على مرأى امرأة ملتفة بالسواد من قمة الرأس حتى أخمص القدم ، وهي تسوق سيارة، فعلق شملان:

- المرأة في تعز متحررة أكثر من المرأة في صنعاء أو المرأة في عدن.

- هل أنت من تعز، يا شملان؟

- أنا من صنعاء.

- لا بد أن الغيرة تأكل قلبك.

ضحك شملان بعنف، كان لا يعرف الغيرة. وقف أمام مصور قائلاً لمالرو:

- بإمكانك أن تجد فيلمًا هنا.

هبط الكاتب دون حماس، فلا صور بعد موت الملكة أروى القديسة والدموية. على كل شيء أن ينقش في الذاكرة الحية. الملكة أروى، بلد الخيال، الطبيعة الأولى، ستبقى إلى الأبد خارج الكتب إلا إذا ولد كاتب بعقل شديد الشمول كهوميروس، قادر على خط الكلمات الأولى المقالة على شرف الإنسان والطبيعة، كلمات تكون الطبيعة نفسها، بمعنى الوحيدة التي تبقى ما بقي العالم. حتى كتاباته التي كانت تساوي كل ماس الكون لن يكون لها أية قيمة. ما لبث أن عاد، وترامى إلى جانب زوجه:

- لم أجد فيلمًا.

مما أغضبها:

- هناك مصور آخر على الرصيف المقابل.

- لا يوجد عندهم فيلم، يقولون إنهم لم يروا أبدًا آلة تصوير مثل آلتنا العتيقة. كل آلاتهم حديثة جدًا!

تدخل شملان:

- سنجد فيلمًا في مكان آخر.

سارت التويوتا في الأزقة المحتشدة بالبشر، والسائق لا يتوقف عن إطلاق النفير، ولا عن تمثيل دور الدليل: هذه نجمة داود على حمام، وهذا نبع عمره ألف عام، وهذا قصر، قصر على قصر، للإمام. وعندما مضوا ببائعي القات الحاملين لضممهم الخضراء الندية، سأل السائق:

- من يريد أن يخزّن معي؟

ابتسمت ماري-كريستين، بينما ضغط لوي مالرو آلة التصوير الفارغة على صدره متأملاً السوق المكتظ بالناس المتحركين إلى أبد الآبدين، فتابع شملان:

- الست مريم ستخزن معي.

ركّز عليها عينيه، فأحست بنفسها عارية. بحثت عن زوجها بعينيها، فوجدته غائبًا. سألته عندما ذهب شملان:

- أنت زعلان لأنك لم تجد فيلمًا.

تظاهر لوي مالرو كمن لم يسمع شيئًا، فقالت ماري-كريستين:

- كان علينا أن نشتري من باريس كمية كافية، لماذا لم تفكر في هذا؟

عاد شملان بزجاجة كوكا وزجاجتي ماء معدني وضمة قات سعيدًا كما لو كان يعود بامرأة. لف الضمة بكوفيته بعناية شديدة، ثم أنامها قرب ماري-كريستين، فتسربت نداوتها إلى فخذها. دفع السائق إليها بزجاجة ماء بارد، وقال:

- الطريق إلى الحديدة ستكون جهنمية!

لم يبد مالرو أي تعليق، كان لا يريد أن يجد فيلمًا، ويتمنى لو تجعل الحرارة شملان ينسى ذلك، ولكنه توقف أمام مصور قرب جامع ذي أعمدة كثيرة، فقالت زوجة الكاتب:

- يا ليتك تجد فيلمًا لتأخذ لي صورة بين الأعمدة.

بعد عدة لحظات، عاد الكاتب ليتهالك على المقعد الأمامي:

- هل وجدت فيلمًا؟

دمدم مبتسمًا:

- لم أجد.

خاب أملها، ومالرو يقطع، مرة أخرى، شوط الخيبة، سعيدًا تعيسًا في آن. كانت المتعة التي تثيرها خيبة زوجته سلواه. أخذ شملان الطريق الخارجة من تعز، وغدت الحرارة أكثر فأكثر ارتفاعًا. ألقى لوي مالرو الكاميرا بين قدميه، ونسيها تمامًا. راحت الحرارة تصارع أفكاره، فسمع شملان يقول:

- منذ عدة أيام، كانت هذه المنطقة نهبًا للمعارك، معارك استعملت فيها الأسلحة الأوتوماتيكية والدبابات، وبقيت (( الجبهة )) سيدة المنطقة لأيام قبل أن تنسحب. الناس هنا منقسمون، الذين مع الجبهة والذين ضدها، الذين مع الحكومة والذين ضدها.

تبدت لمالرو وجوه الثوار الضامرة وأفراد الجيش، كانوا يسوقون بعضهم البعض إلى الموت، وكانت العواصف تقتلع الشجر من جذورها. همهم مالرو:

- الموت هو البداية، تمامًا كالثورة!

عندئذ قالت ماري-كريستين لشملان:

- أفترض أنك مع الجبهة.

- أنا مع الحكومة.

بعد مسير دام أكثر من ساعة في طريق مقفرة، توقف شملان ليملأ خزان البنزين. طلب من لوي مالرو أن يقدم له جزءًا من الأجرة، فاستجاب فورًا. دفع السائق ثمن البنزين، وسأل الكاتب:

- هل تريد قناني؟

- قناني؟

- هنا يهربون الويسكي. القنينة غالية، لكن الماركة جيدة.

- لا، أشكرك.

تابعت ماري-كريستين شملان بعينيها، كان يتحدث إلى أحد الأشخاص الذين كانوا يوجدون هناك، وكان لوى مالرو يحدق بعيني ذهنه في المرأة التي كان قد رآها في الزقاق الصنعائي، والتي قتلها رجلها في (( جبلا )). كان يحدق في الملكة أروى التي كانت هناك في قلب الصحراء منتصبة، ملتفة بالبياض من قمة رأسها إلى أخمص قدمها، ثم خلعت حجابها. انطلق شملان، وراح يعمل دورات كثيرة من حول المرأة العارية، والكاتب عاجز عن التصديق. عندما توقفت السيارة، هبط بسرعة، فلم يقع على أحد. بعد قليل، لحقت بهم سيارة مرسيدس، هبط منها الرجل الذي تحدث شملان إليه، وأعطاه كيسًا من البلاستيك عليه صورة لوي مالرو، مما جعل ماري-كريستين تطلق صيحة اندهاش:

- انظر إلى صورتك، يا مالرو!

قال شملان بابتسامة باردة:

- هي حقًّا صورة السيد لوي.

- إنها الأكياس التي كانت دار النشر قد طبعتها بمناسبة صدور كتابك الأول. أتذكر؟

لم يجب لوي مالرو. كان كل ما كتبه لا يساوي في الوقت الحاضر أكثر من زجاجة كحول، والبرهان على ذلك، ها هو يقع، في هذا البلد البدائي، على كتابه الأول الذي يتمنى حرقه من كل قلبه. مر شملان بيده على الكيس، وأخرج زجاجات الويسكي التي أخفاها تحت مقعده. أوضح:

- لهذا الويسكي رائحة النفط، إنه آت من بلدان الخليج.

- ومن يبعث به؟

- أحد الشيوخ الذين لهم نفوذ.

وقهقه:

- يمنعونه عندهم، ويهربونه عندنا! لكن الحكومة الآن تغمض عينيها على كل شيء يخصهم. وعلى العكس، تفتح ذراعيها لكل المهربين من الأمريكيين إلى السعوديين إلى الصينيين إلى الروس، ولا تقف الأمور عند هذا الحد. ألم أقل لك؟ أحد شوارع العاصمة شقته مصر، وعبدته الصين، ورفعت أرصفته روسيا، وزرعته أمريكا. الأراضي التي من حوله يبيعها رؤساء العشائر بالذهب، يهدمون كل ما هو قديم، وفي كل يوم، ترتفع عمارة حديثة. هذا شكل آخر من أشكال التهريب.

بعد مسير أكثر من ساعة في الصحراء، عاد لوي مالرو يرى امرأة الزقاق الضيق في صنعاء، وهي تنغرس في ضباب الرمل، فينوس حقيقية، جمالها كان سببًا كافيًا لشن حرب بين رؤساء العشائر، وكان بمقدورهم أن يشتروها بالذهب أو يستبدلوها بعمارة حديثة. غدا مالرو شيخًا عاجزًا دميمًا، وما لبث أن أغفى، وهجم عليه الحلم الشرس من جديد. قوس النصر راح يتحطم، وبرج إيفل راح ينهار، والمسلة راحت تتصدع، والسين بأمواجه راح يتفجر في الشانزلزيه، ورجال الشرطة راحوا يكسرون الأبواب في (( لاكورنيف ))، يهدمون كل شيء، ويسوقون العائلات بعنف إلى سيارتهم المصفحة، والخنازير راحت تهجم على أبي مالرو، وهو يعدو بأقصى قواه، إلى أن سحقته بحوافرها.

نظر شملان إلى لوي مالرو، فرآه ينام نومًا عميقًا. كانت ماري-كريستين مستسلمة للحرارة، تراخت، وجعلت رياح جهنم تهب بجسدها. تطاير ثوبها دون أن تأبه بذلك، وبانت فخذاها البيضاوان الطويلتان. ضاعف شملان من سرعة السيارة وأنفاس الريح. هل يمد أصابعه إلى بطون السمك الغريضة، ويجبل البحر والنار والعسل؟ وإذا ما صحا مالرو ماذا سيفعل؟ نظر إليه ذاهبًا في نومه العميق، ونظر إلى الجسد الأبيض المندمج بالحرارة والريح. كانت ماري-كريستين تفتح عينين ثابتتين، كانت تنتظر ما لا تريد الانتظار، وكل شيء الآن كان يتوقف على الاقتحام. صاحت في جسد شملان كل شهوات هارون الرشيد وأنفاس شهرزاد الصانعة للحلم، واحترقت أصابعه رغبة في لمسها. وفي الأخير، مد أصابعه، وأراقها على فخذها، فأحست بها أشد من الجمر وأطرى من الحليب. تحركت أصابعه حركة قوائم العنكبوت العاصية، وقبضت عليها من أعلى فخذيها، فقرضت شفتيها، وسقطت في الانتشاء، وغرقت في التخلي. لم يكفها لسع الريح، ولا غضب الشمس، وشملان لم يعد شملان، غدا نصفه حصانًا مجنونًا، ونصفه الآخر صقرًا أعمى: أحس بأصابعها تداعب عنقه، فخصره، فخنجره، وتسحب خنجره، وتجعل قبضته في قبضته، وتلقي بقبضته على بطنها، وتخنق قبضته تحت بطنها، والحرارة تسحق الحرارة، وهو يدق قبضته، ويحفر في الخطيئة. دمرتها القبضة العاصية، وجرفها الرحيل القاتل في المتعة القتيلة. انهدم مرة أخرى برج إيفل العظيم، والقبضة المتوحشة سيطرت على العالم. طرق شملان شيئًا في الطريق، وكادت السيارة تفلت من بين أصابعه، فصاحت ماري-كريستين على رؤية جسد يلفظ الدم من رأسه، ومن قلبه، ومن فخذيه. توقفت السيارة، هبطت إليه بخفة، فانشل لوي مالرو على منظر الدم. نظر شملان إلى القتيل بين ذراعي ماري-كريستين البيضاوين، فاحتج، وحثهم على الهرب:

- لم يرنا أحد، وعلينا أن ننفد بجلدنا!

فتشبثت المرأة البيضاء بالمائع الأحمر، ورفضت:

- نتركه يموت دون أن نسعفه؟

بدا لوي مالرو غارقًا في تأمل لوحة الدم على الذراع البيضاء، وحنان الجليد الحار. بحث عن سبب للحنان، وعن سبب للالتهاف، وقال لنفسه، سعيدًا: هي مأخودة بمشهد الدم. كانت تبدو خائفة، مرتعبة. حجب ابتسامته، لأن الحادث أفقد امرأته رشادها. كان كل هذا الرشاد يكمن في هذا اللحم الأوروبي الملون بدم يمني متخلف لم يكن ينتظر الموت.

سمع لوي مالرو ماري-كريستين تهتف به:

- قل شيئًا، يا لوي!

فسبقه شملان إلى الكلام:

- ما هو سوى كلب، واحد من الحيوانات الكثيرة التي رأينا جثثها ملقاة على الطريق.

لكنها شدته إلى صدرها بحنان، وقالت مصممة:

- سآخذه إلى أقرب مستشفى.

ضرب السائق جبينه بحذائه، وانفجر:

- أين هو المستشفى في هذه المنطقة المقفرة!

- سننقله إلى الحديدة!

- لكنه سيموت في الطريق!

توجهت إلى زوجها:

- سنأخذه إلى المستشفى، يا لوي، ولن ندعه يموت.

هز لوي رأسه، وقال لشملان:

- تعال، احمله معي، سنضعه إلى جانب الست مريم.

أطاع شملان عن غير رضى. غدا اليمني كتلة منفرة من الدم، وأخذ السائق يشتم بصوت خافت. سبقت ماري-كريستين شبه القتيل إلى التويوتا، وطلبت إليهما أن يريحاه في حضنها. أخذ لوي مالرو مكانًا في الخلف، وانبجست أمه أمامه، عارية، عارية كخنزيرة، في حضنها خنزير شيخ جريح يقذف الدم من فمه. وقبل أن تنطلق السيارة من جديد، وضع شملان شرطًا:

- إذا مات قبل أن نصل إلى المستشفى، رميناه في الطريق.

كانت نبرة شملان حاسمة، فلم يحتج منهما أحد. كانت ماري-كريستين تبدو مأخوذة بالجسد المدمى الذي لا يتحرك. كان يبدو عليه عدم الوجع، وبالأحرى كانت ماري-كريستين هي التي تتوجع. كان زوجها ينظر إلى الرأس الجريح بين ذراعي زوجته كتحفة من التحف الفريدة، ويفكر أنها تتوجع وجع الرجل. أية سعادة! بدت قلقة، تمسح بيدها على شعره، وهي تفكر في وصولهم إلى المستشفى. كان مالرو هو أيضًا مأخوذًا بمشهد الدم، فأخرج مفكرته، وكتب هذه الكلمات: الفن يعجز عن إنقاذ الإنسانية، لكنه يبدو جبارًا بخصوص قتلها!

فجأة، تحول فم اليمني إلى نافورة حمراء، وغدا رأسه ثقيلاً كصخرة. اجتاح ماري-كريستين خوف يَعْجِز عنه الوصف، وحاولت إبعاد الرجل دون أن تفلح. أوقف شملان السيارة، وبعون مالرو جذب الميت من قدميه، ورأسه يضرب في كل شيء، ثم ألقيا به إلى الوادي. عندما أراد لوي استعادة مكانه إلى جانب زوجته، أمرته بتركها وحدها. بعد مسافة طويلة لم يتبادلوا فيها كلمة واحدة، رمت رأسها بين كفيها، وانفجرت باكية. استبدت بشملان شهوة جامحة، ودون تردد، رفع ذارعه، وجذبها إلى كتفه. أسكرتها رائحة العرق التي تنبعث من إبطه، رائحة الموت، رائحة الموت تجتاح العالم أخيرًا. رأى مالرو زوجته تسحل تحت ذراع شملان، ولم يبد أي تعليق. كان يشمها، هو أيضًا، رائحة الموت الحامزة تلك. كانت رائحة موته. لهذا لم يكن يتألم. كان قد فعل كل ما بوسعه لأجل الوصول إلى تلك اللحظة التراجيدية بحدة، ولم يكن يتألم. كان الموت يغدو قوة إضافية بين يدي الطبيعة الجبارة. شعر بضياعه الأبدي. راحت السيارة المنطلقة في الفضاء الرحيب تذهب ناحية اليسار وناحية اليمين إلى أن تمكن السائق من السيطرة عليها وإيقافها. هبط لينقل لهما أن إحدى عجلات السيارة تصدعت، وليس لديه دولاب تبديل، فنظر مالرو إلى الشمس الغاربة، ونزل بدوره ليطأ بقدمه أرض الصحراء التي كانت لم تزل تلفظ الهواء الساخن. عندما أخذ ثلاثتهم في السير تحت الجمال الوحشيّ المطلق للغروب، ولم يعد الكاتب يرى سوى خيالاتهم الضائعة في الفضاء الفسيح، راح يدمدم بعض ما حفظه عن هوميروس:

- يا زوجة عوليس المصون، يا ابنة لائرت، إذا كنت لا تزالين راغبة في سؤالي عن أصلي، فإني مخبرك بذلك، ولكنك بهذا تجلبين لي من الحزن أكثر مما أطيق، فمن المؤلم للرجل الذي طوف بعيدًا، وعانى كثيرًا، أن يتكلم عمَّا قاساه.

إن في وسط البحر جزيرة تدعى كريت، وإنها لأرض جميلة خصبة، يقيم فيها الكثير من السكان، وفيها من المدن تسعون... إلى هناك قدم عوليس حينما كان مبحرًا إلى طروادة، فقد حادت به الريح عن سبيله... إني أذكر أنه كان يرتدي معطفًا مزدوجًا من الصوف، بلون الأرجوان البحري، شبك بمشبك من الذهب نقشت عليه صورة كلب أمسك ظبيًا من عنقه، وقد صيغ صوغًا عجيبًا وضح به تشبث الكلب بفريسته وجهاد الظبي للإفلات. وكان يلبس ثوبًا أبيض ناعمًا يشبه أديم البصل الجاف، كانت النساء يعجبن به كثيرًا، ولا أعلم هل أعطاه هذه الأشياء أحد، فقد قدم له كثيرون العطايا، وأعطيته أنا أيضًا سيفًا وثوبًا.

لا تقولي هذا، يا زوجة عوليس، وكفي عن الندب لأن عوليس ما زال حيًّا، وهو جد قريب يقيم في أرض التسفروتيين، ومعه الكثير من الهدايا... ذهب إلى ذوذونا حينما كنت هناك، ذهب يستوحي زوس، إذ له هناك هاتف غيب وسط سنديانة. هل يرجع إلى بلده جهرًا أو خفية، كوني على يقين أيتها السيدة أن عوليس راجع في هذه السنة العاشرة، عندما يدخل القمر القديم في المحاق، ويولد القمر الجديد.

رأى مالرو في ضوء القمر يد زوجه، وهي تذوب في يد شملان، عدة أمتار من أمامه، أو هي يد شملان التي تذوب في يد زوجه، ولم يتوقف عن إلقاء النشيد. كان كل شيء يصغي إليه: السماء والأرض والدم وكل أبطال القصص، كل حشرات العالم وطيوره وحيواناته، كل الأنهار والزهور، الشلالات والبحار، والجبال البعيدة الشاهقة بدأت تتحرك. سمع تأوهات لذة زوجه وشملان، ولم يكن يحلم. بل كان يحلم، كان يحلم (( حُلْمَهُالحقيقي )) أخيرًا. ذوبان المحتمل واللامحتمل. تقدم من التأوهات، وتبدت له صورة من صور ألف ليلة وليلة. صورة فاسقة، جميلة، جميلة لأنها فاسقة. وبعد أن لعق شملان الدم عن الجسد الأبيض، وجده منشغلاً في بناء بيت حجريّ صغير. ادعى مالرو أنه بيت طفولته بعد أن وجده، عالمه الماضي، فهدمه شملان بقدمي العملاق اللتين له، وسار به وبزوجه إلى أحد الأكواخ التي يندر الوقوع عليها، والتي وجدوا فيه بدويًّا شيخًا ضائعًا في ضباب الكيمياء. كان يحول الماس إلى كلمات، ومن فترة لفترة، يصغي إلى صداح الريح الآتية من بعيد.

كان البدوي الشيخ يقول:

- للتوصل إلى كتابة الطبيعة، إلى وصفها، يجب عكس طريق الخلق. بمعنى، تحويل الماس إلى كلمات. والحالة هذه، تحويل كل ما هو أغلى في الحياة. هكذا يكون التنافس مع الطبيعة، وإلحاق الهزيمة بها.

 على مقربة منه، كانت نارجيلة ضخمة مزينة بنقش لامرأة عارية، في يدها اليمنى قطعة من البخور، وفي يدها اليسرى سراج مقدم للآلهة. ترامى لوي مالرو على إحدى الطراريح التي تغطي الأرض، ووضع رأسه على إحدى المخدات، بينما وقفت ماري-كريستين أمام المرأة المنقوشة، وهي تلاحقها بعينيها عاجزة عن ملاحقة نفسها في مرآتها. أخذ شملان يتنقل في بيت الرجل، وكأنه يتنقل في بيته. وبعد قليل، عاد ليقول لزوج الكاتب:

- هناك بئر إذا أردت الاغتسال.

لكنها طلبت:

- اغلِ الماء أولاً، فأنا أخشى الميكروبات.

أطاع شملان بينما كان البدوي الشيخ يضحك في عبه، رمى مالرو بحزمة قات، فراح يفصل فروعها الطرية، ويلوكها. أشعل الرجل البخور، ووضع في (( الفيديو )) شريطًا ملونًا لامرأة أمريكية تهز مسدسًا هزات متواقعة مع تخلع الوَرِكَيْن، وقدم للجميع كوكا كولا. نظر الكاتب مرة أخرى، ولم ير سوى خيالاتهم. وبدلاً من إلقاء بعض سطور لهوميروس، سمع أبياتًا للمتنبي تخرج من فم الشيخ، فانجذب إلى صُنعها البسيط بغرابة، الغريب ببساطة:

اليوم عهدكم فأين الموعد

 

هيهات ليس ليوم عهدكم غد

الموت أقرب مخلبًا من بينكم

 

والعيش أبعد منكم لا تبعدوا

إن التي سفكت دمي بجفونها

 

لم تدر أن دمي الذي تتقلد

قالت وقد رأت اصفراري: من به؟

 

وتنهدت، فأجبتها: المتنهد

فمضت وقد صبغ الحياء بياضها

 

لوني كما صبغ اللجين العسجد

فرأيت قرن الشمس في قمر الدجى

 

متأودا غصن به يتأود

عدوية بدوية من دونها

 

سلب النفوس ونار الحرب توقد

وهواجل  وصواهل   ومناصل

 

وذوابل وتوعد وتهدد

أبلت مودتها الليالي بعدنا

 

ومشى عليها الدهر وهو مقيد

أحس مالرو باختراقه الطبيعة، بالطير على بساط الكلمات. ترك الصور المتراكبة لقوس النصر المتحطم وبرج إيفل والأوتوروت والمحاضرة ومظاهرات الأول من أيار. كانت زوجه قد ذهبت ليغسلها شملان، فوصلت ضحكاتها إلى أذنيه، ووصلته بالمعرفة القديمة، ابن رشد والرازي وابن سينا وابن طفيل... ولوي مالرو يذهب دومًا إلى مطلقية الكائنات والأشياء، يطلب مزيدًا من الخدر، مزيدًا من الوهم، مزيدًا من المحال. قال له البدوي البصير إن السر الخفي من الصعب الكشف عنه، والهوى من الصعب إشباعه. حكمة رجل الصحراء هذه لم يسمعها مالرو من نفس الأذن، ترك نفسه يذهب نحو المطلق، أراد أن يمسك المتعذر إمساكه. أخيرًا، جاءه فم المرأة العارية من زجاج النارجيلة تحت معالم امرأة زقاق صنعاء الملعون. هكذا كان مالرو يراها. كائنة الحلم هذه اتضح أنها ابنة البدوي الشيخ. في تلك اللحظة، قطعت ماري-كريستين سحابة البخور كناسكة تخرج من الخرافة، لتمسك زوجها بالخطيئة الأولى. لكنها هي، امرأة كل الملائكة وكل الشياطين، لم يكن باستطاعتها مع ذلك أن تدرك في كل هذا طرف الحقيقة، عندما يختلط الزائف بالحقيقي وعندما لا يكون الحقيقي سوى نتيجة للزائف. وقعت في الخطأ في اللحظة التي قبضت فيها على خنجر شملان، وطعنت البدوي الشيخ. كان البدوي الشيخ في ظنها وراء كل هذا، سقوط زوجها، سقوطها، وخيانتها. كان هو، هذا الساحر الآتي من عصر آخر. قتلته إذن، وقلبها يفيض بالحقد. كأم مالرو، على الطرف الآخر من العالم، عندما قتلت الخنزير الشيخ في مكان زوجها المستبد، المحرك الحقيقي، والمنفذ لكل الآلام التي عانتها. طعنت الخنجر في الظهر، وفي القلب، وفي جمجمة الحيوان المسكين. ضربته أكثر فأكثر، بخنجرها، خوفًا من أن يبقى نفس واحد له. سالت أمواج الدم. سالت في بحار الكون.

كان مالرو يهمس في أذن البدوي القتيل، وهو يتخبط في الدم، ويبدو كمن يعبث به:

- كما قلت أحسن قول، نستطيع التنافس مع الطبيعة المسيطرة، ولكن ليس دون تراجيديا.

نقل شملان خنجره القديم، كان يسطع دمًا وضوءًا، وكان شملان خائفًا، خائفًا بشكل مرعب، كان خائفًا خوفًا فوطبيعيًا. لم يكن سوى علاء الدين والمصباح السحري قادرين على وضع حد لهذا الخوف. بيد أنه ليغطي المرأة التي كان يعتقد أنه يحبها، صرخ: أنا القاتل! أنا القاتل!

 

صنعاء في 7 سبتمبر 1981

 

 من مجموعته القصصية "حلمحقيقي" بمناسبة نشره للأعمال الكاملة

 

 

Read more…

حبيبتي في صنعاء

حبيبتي في صنعاء ماتت

من عناء الحب

وعناد ملك سبأ

 

حبيبتي في صنعاء صاحت

وهي تفتح فمها

دون أن يسمعها أحد

 

حبيبتي في صنعاء قالت

بلساني ما لم تقله

بنات أب

 

حبيبتي في صنعاء عادت

على مراكبٍ من أكفٍ

مخرت عباب الزمن

 

حبيبتي في صنعاء راحت

مع الريح راحت

ومع الريح آبت كل يوم

 

حبيبتي في صنعاء مالت

بين ظلالي

ميلان زنابق العبث

 

حبيبتي في صنعاء أرادت

هدم الصروح لهدم الأقبية

بالعناكب والعفن

 

حبيبتي في صنعاء قامت

للاحتفاء بعيد الشهوة

شهوةٌ رَيُّها الأمل

 

 

* من ديوان أنفاس2 لأفنان القاسم 1966 بمناسبة نشره للأعمال الكاملة

 

 

 

 

Read more…

حرير دمشق

يغضب الحرير من الجسد الرخص

دون القبلات

وينادي الشفاه

فتطبق الأفواه على الرغبات

 

يصرخ الحرير على الجسد الرخص

دون الآهات

ويجرح الزنابق

فيسيل الدم في الطرقات

 

يوبخ الحرير الجسد الرخص

دون العصيان

ويحرق القمر

فتنطفئ النجوم في الحارات

 

يثور الحرير ضد الجسد الرخص 

دون الهذيان

ويطلق الذئاب

فتهرع الجوارح من الغابات

 

يحاول الحرير خنق الجسد الرخص

دون الكشف عن كونه من العوام أم من أصحاب المقام

ويضغط بكفيه على فمي القطن والكتان

فيقتل أخويه دون أن يشاء

 

يمزق الجسد الرخص الحرير

دون الاستسلام

ويلقي به في النار

فتضطرم النار

 

* * *

 

يغضب الحرير من الجسد الرخص

دون القبلات

وينادي الشفاه

فتهرع الأجساد إلى العناق

 

يصرخ الحرير على الجسد الرخص

دون الآهات

ويجرح الزنابق

فتنطلق الأقواس من الجراح

 

يوبخ الحرير الجسد الرخص

دون العصيان

ويحرق القمر

فتشتعل للحبيب قناديل العشاق

 

يثور الحرير ضد الجسد الرخص 

دون الهذيان

ويطلق الذئاب

فتتحد الغزالات ضدها والغزلان

 

يحاول الحرير خنق الجسد الرخص

دون الكشف عن كونه من العوام أم من أصحاب المقام

ويضغط بكفيه على فمي القطن والكتان

فَتُدنيهِ الأيادي من أسنة الرماح

 

يمزق الجسد الرخص الحرير

دون الاستسلام

ويلقي به في النار

فيضرمُ بالنارِ لظى الهيجان

 

 

* من ديوان أنفاس2 لأفنان القاسم 1966 بمناسبة نشره للأعمال الكاملة

 

 

Read more…

على طريق دمشق

على طريق دمشق سيكون اندحاركم

واقتلاع أسنان الكواسج

ومخالب الحمام

 

على طريق دمشق سيكون انهزامكم

واحتراق فرو الثعالب

وخطوم الذئاب

 

على طريق دمشق سيكون انفلالكم

واعتصار خَتْلِ الفواكه

وسموم الرمان

 

على طريق دمشق سنقيم الأعمدة

على جثثكم

ونضيئها بالموت

 

على طريق دمشق سنزرع الياسمين

في دباباتكم

ونسقيه بالدم

 

على طريق دمشق سنحرر الحرية

من مزاميركم

ونحقنها بالمصل

 

على طريق دمشق سنرمي على جسد البيضاء منكم

كساء يافا

ونحميها من البرد

 

على طريق دمشق سنكنس عن جسد السمراء منكم

أيديولوجيا بال

ونحفظ لها العقل

 

على طريق دمشق سندفئ جسد السوداء منكم

بذراعي أم درمان

ونحررها من الخوف

 

على طريق دمشق سنكسر إرادة البورصة

وصندوق النقد الدوليّ

وكل كارتيلات الكونغرس

 

على طريق دمشق سنضع حدًا لمصالح البوظة

وجنرالات النوم الأمميّ

وكل قوى تحريك المفاصل

 

على طريق دمشق سننقذ الهريرات من أسنان أمها 

والذئاب من أنياب الذئب الآليّ

والجِمال من جَمال الهوادج

 

على طريق دمشق سنحفر مجرى الذهب

بفأس يوحنا الدمشقيّ

ونرفع في الفضاء إيقونة العذراء ذات الإيدي الثلاث

 

على طريق دمشق سيعود النبيُّ بعد أن يمضي بحلب

ليسلم بولس الدمشقيّ

رسالة الحداثة والحجر وجدائل العنقاء

 

على طريق دمشق سيكون حبي لكِ حبَّ ماء مأرب لنار سبأ

وكَلَف مدينتي

التي لم يخلق مثلها في البلاد

 

 

* من ديوان أنفاس1 لأفنان القاسم 1964 بمناسبة نشره للأعمال الكاملة

 

Read more…

إرادة الورد

إذا الورد يومًا أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القمر

ولا بد للشوق أن يرتوي

بالنارِ ماءً بعدما استعر

ومن لم يواجه ألوان الوجود

أضاع منه اللون واندحر

فويل لمن لا يفهم الكلمات

تحت كل المعاني والعبر

وويل لمن لا يحرر النفوس من الأوهام

وأولُ الأوهامِ ألا يتحررَ هُوَ

من مخالب الفكر والقبلات

في زوايا الحب ومرايا الصور

كذلك قال رأس المال

وكلُّ رأسٍ عاقلٍ إلا ما ندر

وإذا ما لم تَثُرِ الرياحُ تلوَ الرياح

في الصدر وفي العقل عند السحر

فسيبقى الليل دامسًا إلى ما بعد الصباح

وسيموت الورد في أحضان الشجر

 

ويمشي الزمان فتنمو ورود

وتذوي ورود وتحيا أخر

وتصبح ألوانها ألوان العيون

وألوان العلوم بشتى الدرر

تُسَائِلُ أين ابن سينا؟ وأين ابن خلدون؟

وأين سبينوزا؟ وأين أبو ذر؟

وأسرار كل المعارف لا السيوف؟

وجنات كل ما للإنسان على الأرضِ بعدَ عناءٍ ووصب؟

ظمئتُ إلى العَلْياءِ وأنا الغيور

من وردة نمت على ثغور الغضب

ظمئتُ إلى حرية النسور

الفضاءات لها وَلِيَ النضب

ظمئتُ إلى قوة النبض في نبع العصور

لأنهض مثل غيري من الأمم

ظمئتُ إلى صراع النار والنور

وعناق المخمل والذهب

ظمئتُ إلى قبلة من شفاه الزهور

وإلى ليلة من أحلى ليالي الزمن

هو العقل خلف إرادة الدهور

وحرية العقل حكمة الحكم

 

وَشَفَّ الوردُ عن جمالٍ عميق

يُسَائِلُ نفسي ما العمل؟

وأنا في فراشي طريح مريض

وعطر الورد موتي الذي انتشر

وأسقي الورد من دمعي ليفيض

على الدنيا سحرًا وسحر

لماذا الكون يسقط في ظلام مريع

والأرض تحت أقدامنا تهتزُّ وتهتز؟

قالت الورود ظلام العقل أقوى

فقلت تَبًا للعقول ألف تَبّ!

بعد موتي كل ما أريد

أن يحرق الأحياء ما كتبت!

 

 

* من ديوان أنفاس2 لأفنان القاسم 1966 بمناسبة نشره للأعمال الكاملة

 

Read more…

9270233278?profile=original




يسر الموقع العالمي لشعراء وكــتـّاب أوتــاوا المهـتمين بحقوق الإنسـان أن يتقدم إليكم بأحر التهاني والتبريكات بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك , راجيا من الله عز وجل أن يدخله عليكم وعلى الأمتين العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء بالخير والسلام

الدكتور محمد توفيق المنصوري

المؤسس والمحرر والناشر

9270211659?profile=original

9270234685?profile=original

Read more…

الأعشاش المهدومة

كل نتيجة جديدة للجمع بين الطريحة والنقيضة في الجدل الهيغلي تخرج من تحليل نقدي تمهيدي: مرحلة من الهدم تسبقها وتعد لها.

إدغار لو روا

 

 

ماذا ستفعل، أيها الطائر البريّ؟

فكر سعدان في هذا السؤال قليلاً، ثم رفع عينيه إلى القمة الزرقاء لشجرة لوز. حمى عينيه من أشعة الشمس، وقال لنفسه: هذا حسن، سيكون النهار جميلاً! غرق بأصابعه في العشب، وأذاب الذهب في العينين، فأضاء النضار أهدابه. سيكون النهار جميلاً! كان قد وعد زوجته، نعيمة، إذا كان النهار جميلاً أن يفترشا العشب في المساء، ويلتحفا بالسماء.

شد انتباهه ماء الساقية الرقراق، فأحس بجريان الدم في عروقه، وانتفض على غناء البلابل. شعر بعضلات ذراعيه تتوتر كعضلات الجذافين، ورأى كيف رسمت أصابعه في العشب المراكب، وكيف أبحرت في بحر أخضر. ابتسم، وعاد يقول لنفسه: سيكون النهار جميلاً! اتسعت ابتسامته حتى بانت كل أسنانه، وسقط شعره الغزير على جبينه. كان يبتسم. كان يبتسم، ويبتسم. بقناعة. تابع بعينيه جناحي خُضَيْر يقطع السماء إلى عشه: سيكون الربيع جميلاً هذه السنة! نهض، وذهب إلى الساقية. وقف على حافتها، ونظر إلى الماء الرقراق. أراد أن يلقي بنفسه فيه، أن يغسل فيه كل بدنه. لكنه تردد: كان عمل كثير ينتظره في المزرعة.

مد قدمه الحافية في الماء معترضًا مجرى السيل، وغطس بها في الزبد المحمول على ظهر المويجات الكسولة، لكنه ما لبث أن عاد على عقبيه، وراح يعدو. لم يبتعد سوى عدة أمتار قبل أن يوقفه بعض الضحك. بحث عن مصدر الضحك من حوله، ووقع على زينب التي أخذت تضحك بملء شدقيها. أي قوام مختال، قوام زينب! دخل حقل الكرنب، وكاد يوقعها، وهو يسارع إلى الوقوف قربها. كانت زينب تداوم على الضحك الشجي، وفي يدها رأس كبير من الكرنب الأخضر. ابتسم سعدان ببلاهة، وقال لها:

- اضحكي! هيا اضحكي!

توقفت زينب عن الضحك دفعة واحدة، وتطلعت إليه بعينيها العسليتين، الصافيتين، فحسب أنه يرى في مرآة عينيها وجه طفل بشعره الغزير المتساقط على جبينه وبأنفه الدقيق الدبق.

- اضحكي، يا زينب، اضحكي! لماذا لم تعودي تضحكين؟

أعطته ظهرها، وانحنت لتقطع رؤوس الكرنب، وتضعها في سلتها. بقي سعدان ينظر إليها إلى أن ناداه عبد القادر، رئيس العمال:

- سعدان، تعال!

لكن زينب رمته بنظرات والهة، وغدا لها شكل الأرملة الحزينة فجأة.

- سعدان، تعال هنا حالاً!

لم يكن سعدان سعيدًا، كان يجدف بين أسنانه:

- يا ابن الكلب، يا سعدان! ما الذي يريده من سعدان؟

- هل تأتي؟

صاح على مضض:

- أنا آت.

ثم لزينب:

- أي نهار جميل!

كان الثناء لها بقدر ما هو للنهار. استعادت زينب بساطتها ومرحها، وأفلتت ضحكة صغيرة كي تسعده، بينما لم يزل عبد القادر يطلبه. تغضن وجه سعدان، وهو يكز على أسنانه مَغيظًا من نفسه:

- يا ابن الكلب، يا سعدان! لماذا لا يدعه وشأنه؟

كان يريد أن يبعث به إلى الشيطان، لكنه أجاب:

- سآتي!

أحس بخدر في ساقيه، فتحرك خطوة باتجاه زينب، وأعاد:

- أي نهار جميل!

كان ينعكس على الوجه الأسمر الريفي اخضرار الأرض، وكانت تترك نفسها تروح مع ذلك الاختلاج السخي لأجنحة طيور تحلق في الأجواء.  فتحت فمها في الأخير، وقالت:

- اذهب إليه! هناك ما تعمله بانتظارك.

تأمل شفتيها مليًا، ثم أعطاها ظهره، والتحق بعبد القادر:

- ما الذي تريده من سعدان؟

رمى عبد القادر باستهزاء:

- أريد أن أتركه يتنزه، على أن يركب البغل لئلا يتعب قدميه. وعند عودته في المساء، أن أغلي له كوبًا من الشاي، وأفرش لسموه وسائد الحرير على الأرض!

نفخ عبد القادر، وأخذ يمسح بكوفيته العرق عن وجهه. نظر سعدان إلى وجنتيه المترهلتين قائلاً لنفسه: كأن لحمه من عجين!

قال عبد القادر:

- البيك كان هنا منذ قليل، وسأل عنك. قلت له إنك ذهبت بالخيول عند الحداد من أجل الحدوات.

- لكني لم أذهب بالخيول عند الحداد من أجل...

- إلى متى ستبقى طفلاً ساذجًا، يا سعدان؟ قلت له ذلك من أجلك، كذبت عليه لصالحك. هل تفهم الآن، أيها الطفل الأبله؟

عاد سعدان إلى تأمل الوجه العجيني.

- لو قلت له الحقيقة، لو قلت له إنك تمضي وقتك في ألا تعمل شيئًا، في الحلم أو الابتسام لزينب بغباء، أنت تعرف جيدًا ماذا سيكون عقابك.

- نعم، أعرف.

- إذن إذا أردت مواصلة اللعب كالأطفال في مثل سنك، فحذار من اللعب بالنار، وإلا طيرك التيار، ورماك في جوفها، وبعدها، سيكون ضياعك إلى الأبد بعدها.

كانت كلمات عبد القادر تشعره بجرم لم يرتكبه. مضى طائر فوقهما، وذهب الشمس يتموج على جناحيه. أراد سعدان أن يقول إنه كان يحسب نفسه طائرًا، إن كل تلك الأعشاش كانت له، إنه سيلقي بنفسه في الساقية، ويعوم في الماء البارد، لكنه لم يجرؤ على ذلك.

قال:

- إذن من الواجب عليّ أن أذهب بها.

- أن تذهب بها إلى أين، أيها الأبله؟

- بما أنك قلت للبيك يجب عليّ أن أذهب بالخيول عند الحداد.

رمى عبد القادر رأس الكرنب الذي قطعه في السلة، والشرر يتطاير من سكينه. قال، وهو يقهقه:

- يا له من طفل أبله! هل تظن أنها تنتظرك؟ لقد ذهبت بها بنفسي مع شروق الشمس.

قفز سعدان من الفرح، وهو يصفق، ويصيح:

- الله يحييك، يا عبد القادر! الله يحيي شنباتك!

ارتمى عليه شادًا إياه من خاصرتيه، لكن عبد القادر دفعه عنه مبعدًا، وهو يردد:

- توقف، أيها المجنون، توقف!

رفعت زينب رأسها، وصاحت،

- ماذا جرى له؟

- إنه مجنون! إنه طفل في كامل الحماقة، هذا كل ما هنالك!

تبسمت زينب عن لؤلؤ، وعبد القادر يردد: توقف! توقف!

قال سعدان، وهو يقطر نشوة:

- إذا أتيت عندي هذا المساء، طلبت من نعيمة أن تغلي لك إبريقًا من الشاي تشربه وحدك.

تذكر أن تلك الليلة ليلته، أنه سيقضيها في الحقل مع زوجته، لكنه قال لنفسه إن عبد القادر لن يأتي. وبالفعل، سمعه يقول:

- سنشرب الشاي في يوم آخر.

قبض عليه سعدان من ذراعه، لحظة، ثم خلاه. لم يلح، أخذ سلة وسكينًا ماضيًا ليقطع رؤوس الكرنب عندما قال رئيس العمال له:

- هناك عمل آخر ينتظرك.

شخص سعدان، وسأل:

- أوامر البيك؟

- ومن غيره يعطي الأوامر؟

- أنا أسأل فقط.

- نعم، أوامر البيك.

أضاف عبد القادر، وهو يقترب منه، ويطوي سكينه:

- عليك الذهاب إلى الحظيرة، ونقل القش إلى الإسطبل، فسيأتي البيك بحاضنة لتفريخ البيض يضعها هناك.

- أنقل القش إلى الإسطبل؟

- وقبل المغرب عليك أن تنتهي لتذهب في طلب الخيول.

رمى سعدان سلة القصب على الأرض ثم زرع سكينه في أحد رؤوس الكرنب الخضراء، والشفرة تهتز.

سأل سعدان:

- هذا كل ما هنالك؟

- هذا كل ما هنالك. حتى الساعة.

أعطى ظهره لرئيس العمال، وسار عدة خطوات، فقال هذا الأخير:

- ها أنا أنبهك! إياك أن تخدعك الشمس، فتترك العمل لتنام!

ابتسم سعدان، وعاد يأخذ طريقه، وهو ينظر إلى زينب، وزينب ترافقها نظرات الهيام الرقيقة، ثم صاح بأعلى صوت يقدر عليه:

- هذا النهار أجمل نهارات حياتي!

وانطلق يجري.

 

دخل الحظيرة كالسهم، فتفرقت الدجاجات هنا وهناك، وقاقت بهلع، بينما طار الديوك فوق الرفوف للالتحاق بإناثها، والخروج معها. تجمع سرب من الدجاج على عتبة الباب، وراح يختلس النظر إلى سعدان، فكش تلك الطيور الفضولية، وهو يضرب يديه على فخذيه، وهو يتظاهر بعزمه على ذبحها، حتى تفرقت خائفة في زوايا الفناء الأربع. كانت سذاجة الطيور تسلي سعدان كثيرًا، وكان عليه أن ينقل جبل القش من الحظيرة إلى الإسطبل، وأن ينتهي من كل شيء قبل غروب الشمس. عاير جبل الذهب ذاك من فوق إلى تحت، أخذ منه حزمة، وشم رائحتها مفكرًا: عندما نموت تكون لنا نفس الرائحة! أقلقته هذه الفكرة: لأنه كان شابًا، ولأن أباه علمه أن يحب الأرض والحياة. نثر حزمة كبيرة من القش على الأرض الملوثة بالروث، وجعلها ذهبية. جر عربة خشبية ذات عجلة واحدة، وفي الوقت نفسه طار ديك منها إلى أحد الرفوف، ولولا أن خفض سعدان رأسه لضربه الضيف في جبينه. التحق الديك بباقي إخوته وأخواته في الفناء، ففكر سعدان: لقد تركني وحدي! حرك مذراته، وقال لنفسه: هذا حسن! لنبدأ بهدم الجبل! زرع مذراته في بطن ما كان يدعوه "جبل"، ورفع كومة من القش رماها في العربة. انتشرت رائحة القش في كل مكان، وأثملته. عندما امتلأت العربة، دفعها حتى الإسطبل حيث لم يكن سوى بغل عجوز لم يميز سعدان وجوده إلا بعد أن اعتاد على العتمة. كان الحيوان ينظر إلي الفلاح الشاب بعينيه الحزينتين، فقال سعدان لنفسه: بغل أضاع حياته! أما عنه، فدم الشباب كان يسيل في شرايينه. وقف أمام البغل، وتبادل معه نظرات مفيضة بالحنان. كان كل منهما يريد أن يقول شيئًا للآخر، وما كان البغل العجوز يريد إفهامه لا علاقة له البتة بالشباب أو الشيخوخة. لاحظ سعدان أن الحوض كان مليئًا بالماء القذر، فحك رأسه حائرًا، وهو يفكر في الحالة التي يعيش فيها الحيوان. قال لنفسه إنه في يوم من الأيام سيكون أشبه بهذا البغل العجوز المنسي، وسيأتي أحدهم إليه، يكون في مثل حيويته وشبابه، سينظر إليه في العتمة، ولن يتبادل معه الكلام. كانت المرة الأولى التي تراوده فيها فكرة كهذه، هو الطفل "الأبله"، مجنون الطبيعة، المجنون بكل بساطة. قلب العربة، وعاد إلى الحظيرة.

 

كانت لآلئ المساء تداعب بأصابعها الشفيفة جبين سعدان، ففاض قلبه حبًا بها. هتف سعدان: نعم، كنت أعرف أن المساء سيكون جميلاً! عاد بالخيول الصهباء الثلاثة، وهو يجرها من اللجام مبتسمًا، والحيوانات الجميلة كانت تتبعه صاهلة، متبخترة. كان عليه الذهاب لإحضارها قبل الغروب، لكن نقل جبل القش قد أخذ منه وقتًا كثيرًا. هل سيوبخونه على ذلك؟ لم يكن ليهتم بذلك والقُبّة النجومية هي له الآن. غنى طائر الليل، وداعبت الأنسام العليلة شعره، فضم الطفل الكبير الطبيعة. ضمها بقوة حتى غدت جزءًا من لحمه. نسي الدرب الطويل، الغمام الأسود القابع خلف الضفة الأخرى لبحيرة الليل. نسي ما كان ينتظره ما بعد دربه. منذ وقت ليس بالبعيد، مواجهته مع البغل ذي شروط الحياة التعسة كانت لحظة نادرة في وجوده. كان سعدان يعيش من يوم ليوم، وعندما كان ينظر إلى المستقبل، لم يكن يفكر إلا في أشياء سارة. أخذ على نفسه تأخره: نعيمة بانتظاري، تركتها تنتظر طويلاً! جر الخيول بحزم، وعجل الخطى.

قرب الإسطبل، كان الليل حالكًا بغرابة، وبينما هو يقترب بحذر، لمح شبح أحدهم كان ينتظره. أحس بقلبه ينقبض، فسقط عليه صوت خشن:

- أين كنت لتعود بخيولي حتى هذه الساعة؟

عرف صوت البيك، وفكر: كم الليل حالك من هنا! انتابه شعور عميق بالذنب في اللحظة التي عاد فيها الصوت الخشن يسأله:

- إذن أين كنت؟

تقدم سعدان مواجهًا سيده، فبدا مسخًا أمام البيك، العملاق البدوي. كان البيك قد عُين حاكمًا عسكريًا قبل أن يمتلك كل المنطقة. أفلتت الكلمات من سعدان، فأشار إلى الخيول بإصبعه دون أن يكف عن النظر إلى السوط المهدد في القبضة الشرسة.

أعاد البيك، وهو يدفع بمقبض السوط سعدان في كتفه جاعلاً إياه يتراجع في الوقت ذاته والخيول:

- هل يمكنك أن تقول لي أين كنت حتى هذه الساعة؟

أجاب:

- ذهبت من أجلها، لأعود بها.

صفعه البيك:

- حتى هذه الساعة!

- تأخرت في نقل القش، كان كثيرًا!

عاد يصفعه:

- كثيرًا!

أفلت سعدان الأعنة ليخفف من التهاب وجنته القليل، دون نجاح. ردد مضطربًا:

- سيدي... سيدي...

ساطه سيده، فتوقد الليل، وشبت الخيول.

- سيدي... سيدي...

ركع على قدمي سيده ليقبلهما، والبيك يصرخ ويلهث لشد ما ساطه:

- قل أيضًا! أعد إلى ما لا نهاية!

- سيدي... سيدي...

مزق السوط كتفه، وسال الدم. كان سعدان مجنون الألم.

أمر البيك، وهو يدقه بقدمه:

- انهض!

رفع سعدان على سيده عينين مليئتين بالدمع، وهمهم:

- أقسم لك... أقسم لك...

لكنه ساطه أيضًا وأيضًا، فزرع سعدان أظافره في الأرض مكررًا:

- أقسم لك... أقسم لك...

سأل البيك، وهو يطحن أسنانه:

- ماذا يعني هذا؟

- أقسم لك... أقسم لك...

ضربه بقدمه:

- انهض!

اعتمد سعدان على يديه وقدميه دون أن يستطيع النهوض. كان الألم يسمره في الأرض، بينما كان البيك يأمر:

- قلت لك انهض!

استطاع الفلاح الشاب أن يقف في الأخير. كان دمه يسيل، والحصى يضحك منه. جره البيك من خناقه حتى الإسطبل:

- ستنقل هذا القش إلى الفناء حتى ولو قعدت الليل بطوله، أريده في الفناء، وليس هنا، في الفناء، مفهوم؟

وأعطاه ضربة عنيفة في معدته. سقط سعدان على القش، وابتلعه جبل الذهب. تركه البيك، وغادر المكان.

 

أيها الطائر! أيها الطائر!

كانت نعيمة تجري في الليل بحثًا عن سعدان، وكانت تفكر: لم يعد الطائر إلى العش هذا المساء! أحست بالفرخ الذي كان ينمو في بطنها يتحرك بشكل يدعو إلى القلق. عندما كانت تفكر في زوجها، كان الفرخ يحك منقاره ببطنها. كان يريد أن يُضحكها، وكانت تقول لنفسها: آه! كم هو مدلل، فرخي. لم يكن الوقت للدعابة. كانت قلقة على سعدان الذي لم يعد إلى العش ككل مساء.

لمحت على أرض الفناء بقعة حمراء كانت تعكس ضوء القمر، فخفق قلبها بقوة. جثت بثوب الفلاحة الطويل المطرز، ولمست كتل الدم اللزجة. ثم، نادته بعينين محملقتين:

- سعدان!

وانفجرت باكية. أخذت تجري في كل الاتجاهات دون أن تدري إلى أين تذهب. كانت الخيول تقضم العشب، وتمضغه بهدوء، فأقلقتها لامبالاتها في تلك اللحظة الجسيمة. دفعت باب الحظيرة، فانتصبت بعض الأعناق المريشة، وحدقت فيها بعض العيون المدورة. قوقأت إحدى الدجاجات كأنها تسأل عم كانت تفعله هناك، فعادت نعيمة أدراجها، ونادت من جديد:

- سعدان!

جرت نحو الإسطبل الغارق في محيط من القش والظلام، وألقت نظرة عبر الأمواج السوداء والذهبية، فلاحظت أن البغل العجوز كان يبكي. كانت دمعة كبيرة تفلت من عينيه، وكانت تضيء نظرته الحزينة. توقفت نعيمة عن البكاء، لكن عضلاتها ظلت تتقلص. وهي تنظر حولها، وقعت على قدم كانت تتحرك بصعوبة، وكان كل جسد سعدان لا يتحرك، فهرعت إليه، صائحة: سعدان! أيها الشقي، يا سعدان! وجذبته إلى صدرها. حاولت قليلاً تنظيف جراحه، وعادت إلى البكاء.

 

ساعدها البغل العجوز على نقل سعدان حتى الساقية. عهدت به إلى الحيوان العطوف الوقت الذي تذهب فيه لإحضار بعض الدقيق من كوخهم، دقيق عجنته، وبسطته على الجراح. مزقت طرف ثوبها لتعمل له ضمادًا، وسعدان ينظر إليها مبتسمًا.

سألته:

- هل أنت أحسن؟ قل لي إذا كنت تشعر بالتحسن.

واصل النظر إليها، وهو يبتسم. كانت بسمته تشبه ابتهالاً شقيًا، ارتعاشًا موجعًا. قالت، وقلبها مفعم بالألم:

- لا تتألم، يا سعدان، أنا هنا!

جذبها إلى صدره، لكنها ابتعدت، وابتهلت:

- توقف عن الألم، يا سعدان! إياك أن تتألم أبدًا!

همهم سعدان:

- مساء جميل! أليسه مساءً جميلاً؟

أمالت رأسها، ونظرت بعينين زائغتين إلى الساقية.

حدثها سعدان عن كل شيء: غضب البيك، أوامره، ضربات السياط. كانت عينا نعيمة تضيعان دومًا في الساقية. تأمل عنقها، ورغب في أن يلتهم بأصابعه العاج. نظر إلى ضفيرتيها، وترك أصابعه تطيران للالتقاء بهما. أخذ ينقل الذهب من عقدهما الفحمية، ويلقيه في الهواء. كان سعدان يتسلى كما لو نسي كل شيء. ملك نعيمة الخوف، فهتفت:

- أعرف أنك لست أبله، كما يدعي الجميع، لكنك ستبقى الطفل الذي هو أنت حتى ولو مزقوك إربًا!

فكر سعدان: كم أحب هذه المرأة! ارتعشت شفتاه، وأراد أن يبكي على صدرها، أن يقول لها إنه يحبها، يحبها، نعم، يحبها. أضافت بين زفراتها:

- سأقتل نفسي لو يقتلونك!

- لا تكوني مجنونة!

لم تتمالك نفسها:

- سأكون مجنونة، سأكون مجنونة، وسأقتل نفسي ليموت الطفل معي، ولا يعرف أبدًا آلام هذه الحياة.

اقترب سعدان منها، وأراد أن يأخذها بين ذراعيه. نظر إلى عينيها الحزينتين، واجتاحت قلبه عاصفة من الحب. لمس بطنها بأصابعه المتكسرة، وضغطه، وهو يحس بحركة الطفل. ضغط البطن بقوة أكثر فأكثر بلا شعور منه، وهو يفكر: أريد أن يكون ولدًا! كان يمكنه خنق الصغير. وعلى حين غرة، أعاده ضحك نعيمة الشهواني إلى الواقع، قاذفًا به على الأرض من جديد، جريحًا، بلا قوة، ولا إرادة.

قالت:

- أنت تدغدغني. ارفع يدك!

قال بصوت غريب:

- نعيمة!

وعاد لها قلقها وحزنها. تابعت تلك الغيمة القاتمة في عينيه. انتظرت أن يتكلم، لكنه هز رأسه لمرات ثلاث، وأخذ يضغط جراحه تحت الضمادات ضغطًا خفيفًا. أمال رأسه نحو الأرض، وهو يبحث بين الحصى عن الحجر الذي سخر به. لمست نعيمة كتفه، فقال كما لو وجد كلماته:

- ليكن كل شيء واضحًا ما بيننا، أريد أن يكون ولدًا!

وضع يد زوجته على صدره، فأحست بقلب سعدان يسارع الخفق. قالت لنفسها: كم يبالغ في رغباته! في الواقع، أبدًا لم تكن رغباته تتحقق كما يريد، أبدًا لم يكن يستطيع أن يفعل منها ما يريد. عذب روحها نداء غامض، فأجابت آسفة:

- ليت الأمر كان بيدي!

ترك يدها، واستشاط غضبًا:

- أريد أن يكون ولدًا وإلا قتلته!

أرادت أن تسأله لماذا، لكنها قالت لنفسها، وهي تنظر إليه برقة، إن لديه الحق ربما، هكذا يغدو ولدها رجلاً قويًا وشجاعًا ذات يوم. فك سعدان ضفيرتها الأولى. زحف بأصابعه الجسورة حتى ضفيرتها الثانية، وفكها أيضًا. نثر شعر الليل، وهو يفكر: شعر ماجن! شعر أسود ماجن! كانت ناحية عدم الحياء هذه التي تثيره لدى زوجته، الخجولة مع ذلك والمحتشمة.

هتف، وكله ابتسام:

- إذا كان ولدًا صنعت منه البيك الذي أريد أو على الأقل رجلاً كبيرًا كالبيك.

عبست نعيمة، وجعلتها تلك الفكرة المرعبة بشعة التقاطيع.

قالت:

- إذا كان الأمر كذلك، أجهضت نفسي.

- نعيمة، لماذا؟

- لأن الرجال كالبيك هم أشرار، وأنا أريد ابنًا طيبًا.

بالمقابل، كانت لا تعجبه هذه الناحية الأخلاقية. كان، هو، طيبًا بطبعه، ولكن ماذا استفاد؟ إذا أصبح ابنه كالبيك قويًا أصبح هو أيضًا قويًا، وأمكنه امتلاك المزارع وبيتًا من حجر. قال لنفسه: لكني لن أشتري له سوطًا! وعادت إليه أوجاعه من جديد.

قال كمن يتعزى:

- البكوات ليسوا كلهم أشرارًا.

- بلى. كلهم أشرار، وأنا أكرههم. إياك أن تفكر في أن تجعل من ابننا بيك زمانه!

- لماذا؟

- سبق وقلت لك. وفوق ذلك، ابن الفلاح لن يكون أبدًا بيك كل الفلاحين!

- سيكون بيك كل الفلاحين، لكنه لن يسمي نفسه البيك. سيكون البيك، لكن بشكل آخر.

- أنت، أيها الأبله، من تحسب نفسك؟ سيد المغول؟ قلت لك ألا تفكر في هذا.

حط الصمت بينهما، توقف طائر الليل عن الصداح، لم تعد نجوم السماء تتلألأ، لم تعد شفاه الأشجار تهمس. مضت عدة لحظات دون أن يكسر سعدان الصمت. وفي النهاية، جرؤ على قول:

- حسنًا، لن أفكر في هذا، لكني مع ذلك أريد أن يكون ولدًا.

أخذت يده بين يديها، وقالت كما لو كانت ثملى:

- غدًا، عندما سنكبر غدًا، سيأتي إلى عوننا، أليس كذلك؟

انفجر سعدان ضاحكًا:

- أنت أيضًا تريدين أن يكون ولدًا.

- سيشتري لنا حصانًا يساعدنا على التنقل.

مسح بيده على جبينها، وأراد عناقها، لكنه اكتفى بقول:

- حصان واحد فقط؟ سيشتري لنا عربة تجرها أربعة خيول.

هتفت بفرح:

- أربعة خيول دفعة واحدة؟

أكد، وهو يترك نفسه إلى الفرح هو أيضًا:

- نعم، أربعة خيول دفعة واحدة.

- آه! كم هو طيب، كم هو يحب والديه! لكن...

ترددت، وغدت شاحبة، حزينة:

- أنا خائفة، يا سعدان!

ترددت أكثر، وشدت يده بقوة بين يديها:

- أنا خائفة من أن تكون بنتًا.

انتفض، وسحب يده مهمهمًا:

- أبعد الله عنا الشر! سيكون يوم نحس لنا جميعًا!

- مع ذلك البنات فيهن الخير، أليس كذلك؟

- لسن على الرحب والسعة دومًا.

- البنات فيهن الخير مع ذلك، هذا ما كانت جدتي قد قالته لأبويّ يوم ميلادي.

فكر سعدان: يا لها من شقية. لم يكن يتمنى لابنته أن تعاني الآلام نفسها.

- أوقفي التفكير في هذا! لا أريد أن تحدثيني عنه!

غمرت يدها في المجرى، والماء الرقراق يداوم على السريان. حتى ولو أوقفت التفكير في هذا، فسيحصل ما يجب عليه أن يحصل. قالت لنفسها: بنت أم ولد، طيب أم شرير، هذا شيء يتجاوزنا على كل حال، لا نستطيع أمامه شيئًا. عاد طائر الليل إلى الصداح، والنجوم إلى التلألؤ، والشجر إلى الهمس. فجأة، سمعته يقول:

- أحبك، يا نعيمة! أحبك أكثر من كل شيء!

كانت خائفة من أن تسبب له الألم، لكنها رغبت في وضع ثغرها على ثغره، كالطيور، وفي عض منقاره. اقترب سعدان بأصابعه من ظهرها، وزلق بأصابعه الموجعة حتى تجويف خاصرتيها. أراد أن ينزع عنها ثوبها، ويلقي به في الماء، لكنها حالت دون ذلك.

سألته:

- وجبل القش؟ عليك أن تنقله أولاً.

كان سعدان يفكر: حقًا إنه مسائي! وكان النرجس يتفتح على ضفة البحيرة السماوية.

 

في الصباح التالي، حضر عبد القادر عند سعدان. أعلمه أن البيك يريد رؤيته، ولما جاءه سعدان، أمره البيك بقطع أشجار الغابة ابتداء من اليوم. كان عليه أن يسوّي الأرض التي سيبني البيك عليها حاضنة لتفريخ البيض. لم تكن الحظيرة واسعة بما فيه الكفاية ولا عملية. خلال ذلك، ستحل نعيمة محله في الحقول، وبالطبع لسوف تعفى من أعمالها المرهِقة في القصر.

 

حمل سعدان فأسه، وذهب إلى الغابة. كان الجو جميلاً، والحرارة خفيفة، والنسمة لطيفة، والأخضر والأزرق سيدي المكان. كان المرء ليحسب نفسه في الفردوس! بقي يقف طويلاً بين الأشجار، وهو يعانقها بعينيه واحدة واحدة. فكر أنه سيقطعها، وسيقتلعها بوحشية الهالكين في الجحيم. على منظر فأسه، كانت أسراب الطيور تغرد مع ذلك. قال سعدان لنفسه: الطيور لا تعرف الارتياب! احتار بين أن يزرع فأسه في جذوع الشجر أم في قلبه، لكن جبنه سيجعل منه الرجل الأكثر شجاعة.

زرع سعدان فأسه في جذع صنوبرة، وهو يهمهم بحزن: سأقتلعها من الجذور، وسأفزع الأفراخ! عاد يزرع في الجذر فأسه، ففتح فيه جرحًا أبيض. أخذ يسدد في الجرح الضربات، في صميمه، حتى مالت الشجرة، والطيور لا تفطن إلى ما يقوم به، كانت تواصل الغناء، وهو يواصل تسديد رأس فأسه في جرح الصنوبرة الأبيض، وقلبه قاس كالحجر. هكذا كان يترجم جبنه: بدلاً من أن يسدد في قلبه الضربات، كان يسددها في قلب الصنوبرة، ويضع حدًا لحياتها. بدأت الشجرة تُخرج من حلقها الزفرات، فضربها سعدان ضربة الموت الأخيرة، لتنكسر، وتهوي. فزعت الطيور، وهربت بصغارها عن الأعشاش بعيدًا بعد أن انتهى بها الأمر إلى فهم أن أحدهم قد اعتدى عليها وهزمها، ولكن بعد فوات الأوان.

كانت الطيور الفزعة تحلق في كل الاتجاهات فوق رأس سعدان، وكان الشاب الفلاح يشعر بارتكابه الفعل الأكثر إجرامًا في حياته. رمى الفأس، وخف ليرى قمة الصنوبرة الساقطة على الأرض، فوجد عشًا مهدمًا، وبيضًا محطمًا، وأفراخ ضعيفة جدًا لا تقوى على العيش. أحس بمخالب أمها وأبيها تمزق له نياط القلب، وكان يلزمه الصراخ لشدة أوجاعه. فكر سعدان في الجنين الذي ينمو في بطن زوجه، وقال لنفسه: إنه الآن مثلها! وسالت على خده دمعة.

كانت الطيور تروح وتأتي في مجموعات صغيرة فوق رأسه، ففكر بحذر: تريد أن تشن حربًا! عندما نقره أحدها من جبينه، حمل فأسه، وهزها مهددًا، فخافت، وابتعدت. وليشجع نفسه، ردد سعدان: إنها أوامر البيك! فلق جذعًا آخر، ونفخ. كان يعرق، وكانت الطيور قد شكلت مجموعات أكثر أهمية، لكنها لا تجرؤ دومًا على الاقتراب منه، إلا أنها امتنعت عن التغريد.

 

في تلك الليلة، بكى سعدان. سألته زوجته السبب، فقال لها إنه سيموت عما قريب، لأنه اقترف جرمًا في حق الطيور بهدم أعشاشها. ارتمت بين ذراعيه، وقبلته من عينيه، ومن شفتيه، ورجته:

- إذا مت إياك أن تذهب وحدك، إذا مت خذني معك!

 

وهم على أبواب الخريف، قال سعدان لزوجه:

- قطعت شجرًا كثيرًا.

- وهل ستتوقف أم ماذا؟

- قال لي البيك أن أستمر. يريد أن تكون الحاضنة ضخمة.

ثم بصوت كاب:

- هدمت أعشاشًا كثيرة، وأكثر ما يقلقني مصير الطيور بلا مأوى.

تأمل بطن زوجه الضخم كجبل، وزلق بيده تحت الثوب، وضغط بطنها.

طلبت نعيمة:

- توقف! أنت توجعني!

سحب يده، ونظر طويلاً في عينيها، ثم جال بطرفه في كل أنحاء الكوخ.

- ماذا سنغدو، نحن، لو هدموا لنا عشنا؟

على هذه الكلمات الجارحة، قطبت نعيمة حاجبيها، واكفهرت عيناها.

أضاف سعدان:

- إن الأمر سواء، أليس كذلك؟

 

في ليلة المخاض، دفعت نعيمة كوعها في خاصرة سعدان، وهي تعض شفتها السفلى حتى النزيف، وتتلوى من أشد وجع. أشعل سعدان المصباح، وجذبها إليه. كان يتوجع لوجعها، وكان يفكر: هذه الليلة ليلتها. أراد أن يهرع في طلب عون أحدهم، لكنها نادته. كانت الأوجاع قد توقفت. قالت له:

- لا تحضر أحدًا.

عاد يتمدد إلى جانبها، ولف كتفيها بذراعه. اقترب بوجهه من وجهها، وحك ذقنه بذقنها.

سأل سعدان:

- لماذا، يا لعبتي؟ لماذا، يا طفلتي؟ لماذا لا تريدين أن أحضر أحدًا؟

أجابت نعيمة:

- لأنني أخجل من أن يراني أحد.

- لكنك بحاجة إلى عون.

- ستعينني أنت.

- ولكن... أنا لا أعرف شيئًا.

- سأقول لك، سأقول لك ما عليك فعله.

تفجرت الأمواج فيها بقوة أكثر فأكثر، وكأن بحرًا من الزجاج المسحوق كان يخترقها. كانت تصعد من خاصرتيها حتى حلقها، مزلزلة إياها من طرف إلى طرف. أفلت منها الدمع، وسعدان يبكي من الألم معها. كان يعاني مما تعاني، وكان كمن يلد هو.

لم تلبث نعيمة أن غرقت في العرق، فمسح سعدان بكمه جبينها، ووجنتيها، وذقنها.

ابتسمت نعيمة، وسألت:

- أنت تفعل هذا من أجلي أم من أجل الولد؟

- من أجلك، أفعل هذا من أجلك.

- ومن أجل الولد.

- من أجلكما أنتما الاثنان، أفعل هذا من أجلكما أنتما الاثنان.

- آه! يا له من شقيّ، هذا الولد الذي يعذب أمه!

- نعم، يا له من شقيّ!

- ليس بالشقيّ الآن.

- نعم، ليس بالشقيّ الآن.

فكرت قليلاً، ثم:

- كيف سنسميه؟

لم يجب سعدان. شحبت ابتسامة نعيمة.

- قل لي، يا سعدان. كيف سنسميه؟

نهض، لكنها أمسكته من ذراعه.

- لا تتركني، يا سعدان.

- إذا تركتك في الحالة التي أنت عليها مت. سأذهب لأحضر زوجة عبد القادر.

- لا، يا سعدان. قلت لك إنني لا أريد أحدًا أن يراني.

غابت قليلاً، ثم:

- دومًا ما كانت أمي ترفض أن يراها أحد، وكانت تلد وحدها.

- ولكن، إنه لمن الجنون! جنون طفلة فاقدة الرشد تمامًا!

- من فينا فاقد الرشد أكثر، أنا أم أنت؟

- لست فاقد الرشد في اللحظات العسيرة.

ضحكت على الرغم منها:

- أنت تضحكني، يا سعدان!

مال عليها، وهو شديد القلق، وداعب وجنتيها وعنقها مهمهمًا:

- أحبك! انتبهي على نفسك! أنت لديك إرادة الحديد، أليس كذلك؟ كوني قوية!

عادت إلى الضحك على الرغم منها:

- أنا أم أنت من عليه أن يكون قويًا! اذهب وانظر إلى نفسك في المرآة، هيا، اذهب. لا تخش شيئًا، في البداية لا تجيء الطلقات تباعًا، هناك فترات طويلة أحيانًا. أنا لا أمسكك. اذهب وانظر إلى نفسك في المرآة، لتضحك قليلاً.

ابتسم سعدان دون أن يتحرك. فكرت في أنه قال لها "أحبك"، فغمرها شعاع سماوي.

همهمت:

- وأنا أيضًا، أحبك!

شحبت ابتسامتها شيئًا فشيئًا، ثم:

- لم تقل لي كيف سنسمي ابننا.

- لم أفكر في ذلك.

- إلى هذه الدرجة تكرهه؟

لم يجب.

- قل، أتكرهه إلى هذه الدرجة؟

- أنا لا أكرهه، لكنه يؤلمك بشدة.

مدت له يدها، فشدها بقوة. كانت باردة كقطعة الجليد:

- لا بأس في هذا، سيبقى ولدًا طيبًا، أليس كذلك؟

- أرجو ذلك.

- أنت ترجو ذلك؟ هل نسيت العربة التي تجرها الخيول الأربعة، العربة التي سيشتريها لنا عندما نصبح كبارًا؟ إنه ولد طيب.

- نعم، إنه ولد طيب.

- ولد طيب سيعنى بأمه العجوز الصغيرة، وبأبيه الشيخ الصغير.

- نعم، ولد طيب سيعنى بأمه العجوز الصغيرة، وبأبيه الشيخ الصغير.

- حسنًا. سخن الآن دلو الماء، واحضر الطشت هنا، قربي. احضر لي أيضًا الحفاضات، إنها جاهزة هناك، في الدولاب. هيأتها مع أسمال ولدنا. وانتبه جيدًا على ألا تُلبس الصغير قبل أن تغسله وإلا وسختها كلها. هيا، قم وافعل ما قلته لك.

خطا سعدان خطوتين، لكنها ما لبثت أن نادته، وغرزت أظافرها في ذراعه. كانت الآلام تتزايد، وكانت تقصف لها الأحشاء. كانت قلاع فيها تنهار، وكانت جذوة القنديل تئن. تقلصت، تقوست، يبست، وتركته في الأخير، وابتسمت ابتسامة شاحبة، وهي تلهث.

همهمت، وهي تلمس جرحًا صغيرًا على ذراعه:

- لقد أوجعتك. آه! كم هو شقيّ، هذا الولد الذي يوجع أمه. هل يعجبك ولد كهذا؟

- لا، لا يعجبني.

- لماذا؟ إنه طفل!

- طفل أم غير طفل، لا يعجبني، فهو يسبب لك الكثير من الألم.

- أنا، يعجبني، رغم كل آلام العالم. يعجبني طفلي. وأنت؟

- لا يعجبني.

- حسنًا. تستطيع أن تفعل ما طلبته منك.

أشعل البابور، ووضع عليه دلو الماء. قال لنفسه، والقلق يبدو عليه لحال نعيمة: على الماء أن يسخن بسرعة، ووصله صوت زوجته الواهي:

- أحبك، يا سعدان! دومًا ما كنت تريد إسعادي رغم كل ما نحن فيه من شقاء، وإذا مت؟ إذا ذهبت وحدي بعيدًا عنك؟ ستنقص مصيبة من مصائبك.

جاء قربها، وهو يرجوها أن تشفق به:

- أنت سعادتي، يا نعيمة! لا تحرميني من سعادتي، يا حبيبتي!

دفن وجهه بين نهديها ليشم أفضل ما يشم رائحتها المثملة، وقال بصوت مرتجف:

- أنا لا أريد أن أفقدك.

- هل تحبني إلى هذه الدرجة؟

- أحبك أكثر من كل شيء.

غدت شفتا نعيمة باردتين تمامًا، وحلقها جافًا، وأضلاعها سهلة الكسر، أكثر فأكثر سهلة الكسر, وكالطفل، دحدل شعبان رأسه بين نهدي زوجته، كان يبدو للناظر أنه هو من يموت، ومن يستغيث.

- لا تعذب نفسك، يا رجل! لن أموت. لي أفكار سيئة أحيانًا.

- أفكار امرأة مجنونة!

- سأكف عن اليأس. هل سأكف؟

- نعم، من أجلي.

- حسنًا. احضر لي الطشت، بدأت أنزف.

ترك الكوخ، وأخذ يجري في الليل نحو البئر، فمن عادته أن يغطيها بالطشت. فكر سعدان: ستلد عما قريب! لم يكن سعيدًا. كان يرزح تحت وطأة هذا الحدث. عندما وصل البئر، أخذ الطشت، وبقي طويلاً يسبر أغوارها. وبعد ذلك، رفع رأسه إلى السماء، ولمح غمامًا أسود كان يزحف على مهل. قال لنفسه، منقبض القلب، لما سمعها تصرخ فجأة: ستلد عما قريب، إنها على وشك الولادة! ترك الطشت يسقط في جوف البئر، وبدوره، سقط في ضجيج لا ينتهي. وثب إلى البيت للحاق بها، وعندما كان قرب السرير، رأى بين فخذيها شيئًا أشبه بحيوان صغير، بقط ربما، مغطى بالدم والغائط. كان هذا الشيء يصرخ ويبكي. أخذ نعيمة بين ذراعيه، كانت ثقيلة جدًا بحيث لم يستطع رفعها، ففهم أنها كانت ميتة.

 

قال سعدان:

- شقيقة النعمان هذه لها، وهذه، وهذه، ستكون باقة جميلة، وهذه أيضًا.

قطف شقائق النعمان، وهو يقفز من رابية إلى أخرى. كالسعدان. المعنى الآخر لاسمه. لكن منذ موت نعيمة، كان يفضل لو يدعونه نحسان. نحسه الأول كان موت زوجته، ونحسه الثاني سيكون ربما غدًا أو بعد غد، كان من الصعب التنبؤ به. لم يكن يعلم ما سيقع له ولا متى. الحقيقة أنه كان يحزره لكنه كان يبقى سره. ومنذ ذلك الحين، كان يخاف المستقبل، فيعمل كل شيء لاحتواء خوفه ويأسه. وشقيقة النعمان هذه أيضًا لها. لو كنت أقدر لقطفت لها روحي. وهذا المنثور. من أجل عيني نعيمة، الغادرة! ماتت وتركتني وحدي! وهذا أيضًا. انحنى وكأنه يصلي لإله الزهور. وزهر اللؤلؤ هذا. كانت تحب زهور الحقول! أخذ قلبه ينزف. أشار إليه منثور على كتف صخرة، فقفز صوبه. لم تزل الباقة صغيرة جدًا بعد. كانت تحب زهور الحقول من كل قلبها، وغالبًا ما كانت تغرز بها شعرها في المساء. ثلاث أو أربع. تذكر اليوم الذي كان فيه قد سرق باقة من القرنفل من حديقة البيك، وكيف كانت قد زوقت بقرنفلة دموية نهديها. عاد يقفز من مكان إلى آخر. نادته هندباء برية من سريرها المندى، فقطفها من جذرها، نظفها، وأحاط الزهور بها. قال لنفسه: ها هي ذي تنتظر! منذ غيابها، كان يشكل لها كل يوم باقة من الزهور التي كانت تحبها. تساءل: وإذا ما انتهت زهور الحقول؟ لكنه طمأن نفسه: لن تنتهي! هذه الأرض كالمرأة، تخصب في كل الفصول! شقيقة نعمان أخيرة، وجرى إلى المقبرة. قطع الأولاد ألعابهم لينظروا إليه، مستغربين ومليئين بالود في آن. وقف وسط القبور، وأجال نظره عليها. كان عالم الموتى يثير لديه الخشوع، السكون، والأبدية. اقترب من قبر امرأته، وتلا الفاتحة، وهو يشد باقة الزهور على صدره، ويكاد يكسر تيجانها. ثم وضع الزهور على المِسلة. جلس على الأرض قائلاً لنفسه: نعيمة سعيدة الآن. لم يكن بإمكانه أن يكبح مشاعره نحوها، وترك دمعه يسيل، لكنه منع نفسه عن الصياح بها: هاءنذا! تمدد على القبر، وغطاه بالقبلات. تعلق به، وعاد إلى البكاء.

 

عندما رجع سعدان إلى الحقل، وجد عبد القادر ينتظره. كان رئيس العمال قد أطلق لحيته، وكان له شكل الغصن الشائك. كان الغبار يغطي وجهه، وقنبازه القذر تفوح منه رائحة كريهة. كان عبد القادر الوحيد الذي يفهم ألم صديقه "الأبله"، الطفل الأبله، كما كان يقول. كان يرمي إلى أن يكون حاضرًا دومًا للوقوف إلى جانبه، وكان يتفنن في ابتكار كل الذرائع لئلا يدعه وحيدًا.

قال عبد القادر:

- كنت بانتظارك.

تطلع إليه طويلاً، كان الدمع قد جف على وجه سعدان، لكن الناظر إليه كان يرى أنه بكى. فكر رئيس العمال "يا لسعدان المسكين!" قبل أن يقول له:

- توقفت العفريتة!

هكذا كانوا يسمون التراكتور: العفريتة!

- لهذا أحضرت البغل الشيخ.

وأشار بإصبعه إليه.

كان البغل العجوز يرعى، أسنانه التعبة تسبب له الألم، ومع ذلك، كان يبدو طلق المحيا. لم يفه سعدان بكلمة، فتقدم عبد القادر منه خطوة، ووبخه بلطف:

- إذا بقيت على حالك هذه انتهى بك الأمر إلى الموت غمًا!

خلى سعدان كلماته دون أن يستطيع إخفاء يأسه:

- إذا متنا أو عشنا، الحال هو الحال، يا عبد القادر.

- لا، ليس الحال هو الحال. ونبرة اليأس التي تستعملها هذه، شيء جديد، شيء جديد حقًا! هناك بنت تركتها زوجتك من ورائها، ثم حياة مديدة مفتوحة أمامك عليك أن تعيشها حتى النهاية.

بعد أن تطلع إلى حاجبيه الكثين ولحيته الشائكة كما لو كان يراه للمرة الأولى، قال سعدان بهدوء:

- هذه الحياة لم تعد حياتي.

- بلى. هي حياتك. لا تنس ابنتك، إياك!

- كنت أريد أن يكون ولدًا، كنا نريده نحن الاثنان، أنا ونعيمة.

- مهما يكن من أمر، فهي بنت. ماذا تقترح أن نفعل بها؟ هيا، قل! ربما تريد أن نرميها في الغابة لتأكلها الذئاب؟ إنها ابنتك، شئت أم أبيت.

ظل سعدان صامتًا. فكر: إنها ابنتي على الرغم من كل شيء. حقًا لم يكن يريدها، لكنه أصر على تسميتها نعيمة كزوجته المتوفاة. كان قد عهد بها إلى زوجة عبد القادر لترضعها وتعنى بها.

نطق عبد القادر جملة كان لها أثر هجوم الطيور الجارحة:

- الحل الوحيد، يا سعدان، هو أن تتزوج، لأجل ابنتك، ولأجل أن تنسى. بنات الحلال كثيرات، وما عليك سوى الاختيار. لم لا زينب؟ زينب تحبك.

فكر سعدان: زينب تحبني. هذا الحب مصابي الثاني الذي يتربص بي بعد موت نعيمة، أنا النحسان.

تركه عبد القادر يفكر، وذهب ليربط المحراث بالبغل الذي جره من اللجام، فتحولت الأرض من ورائه إلى أثلام مستقيمة ومنتظمة. عندما تعب البغل، زرع حوافره في الأرض، ورفض القيام بأية حركة.

قال عبد القادر:

- ها هو "الأخ" يتوقف عن العمل، هو أيضًا، كما توقفت العفريتة.

سأل سعدان:

- ومتى سيصلحها البيك؟

- الله يعلم. ماذا سنفعل؟ البغل كبير كثيرًا، وهو على وشك الموت.

قفز سعدان نحو المحراث، فك البغل، وربط بالمحراث نفسه.

صاح:

- تعال، يا عبد القادر! احرث على ظهر هذا البغل قبل أن يموت هو الآخر!

 

بعد ست سنوات، كان سعدان وعبد القادر يحتسيان كأسًا من الشاي في مقهى القرية.

سأل عبد القادر:

- قل لي، يا سعدان، حتى متى ستبقى على عنادك؟ متى ستتزوج بزينب؟

أجاب سعدان:

- لست أدري. يوجع قلبي هذا النوع من الفتيات.

- يوجع قلبك لأنها رفضت إلى حد الآن كل خاطب؟

- ربما كان كذلك. ثم، بعد زوجتك، هي من تُعنى بابنتي.

- نعيمة تحبها من كل قلبها، وتدعوها "يمّا".

رشف سعدان شايه، تأمل شعر عبد القادر الأبيض ولحيته الناعمة اليوم، وهتف بابتسامة صغيرة:

- شاب شعرك كله، يا عبد القادر!

- إنها الرزانة التي تنقص الشباب!

وضحك حتى دمعت عيناه.

اقترب برأسه من رأس صديقه، وعهد إليه بشيء من الكآبة:

- سيأتي يوم نموت فيه جميعًا، يا سعدان. لهذا أنصحك بالزواج، لتترك من بعدك نسلاً يحمل اسمك. أنت كذلك شعرك قد بدأ يشيب.

مر سعدان بيده في شعره بينما تابع عبد القادر:

- أنت شبت قبل الأوان، وأنا أعرف لماذا، فلهذا الحريق الأبيض أسبابه.

- أنت أحسن من يعرف الوحل الذي نحن نتعثر فيه.

فكر عبد القادر: لا يقول الوحل الذي أتعثر أنا فيه. ربما كان يتكلم عن الوحلين، وبكلام آخر عن كل التعاسات التي كانوا كلهم يعانون منها.

- أذكرك إذا تزوجت زينب، جاءتك بكدها وعرقها مهرًا، ولن تنفق قرشًا واحدًا من أجل الجهاز. زينب ربة بيت لا غبار عليها، لديها كل ما يلزم، ستنقل فراشها إلى دارك، ويوم زواجكما، سأذبح لكما نعجتين.

سكت ليرى رد فعل صديقه، ثم:

- ماذا قلت؟ ما عليك سوى أن تحدد يوم الزواج، وسأتكلف بالباقي.

في تلك اللحظة، دخل المقهى شاب بأقصى سرعة، وقال بكلمات مضطربة:

- المعركة بدأت!

مما أدهش سعدان:

- عن أية معركة تتكلم؟

أحاط كل الرواد بالشاب ليعرفوا أية معركة هي. لم يكونوا ينتظرون حدثًا كهذا.

أوضح الشاب:

- يحاول اليهود احتلال جنين.

- ماذا؟!

- يحاول اليهود...

- ...احتلال جنين!!!

كانت بينهم وبين جنين مسافة عشرين كيلومترًا، لكنهم لم يكونوا ينتظرون أن يهجم الإسرائيليون، أن يجيئوا إلى هناك. كان عالمهم عالم البيك، سوطه، وصولجانه. كانوا لا يعرفون ما يجري خارج حدوده، ولا يسعون إلى معرفة ذلك. لكن "اليهود" كانوا يهجمون... استعاد الفلاحون صياحهم الضائع، وامتزجت أصواتهم المبحوحة. لم يكن في المقهى مذياع، ولا في كل القرية، ما عدا مذياع البيك، فكيف عرف غراب الشؤم هذا الخبر؟ من قال له؟

اقترح الشاب:

- اصعدوا فوق الهضبة، فيكون باستطاعتكم مشاهدة قصف المدافع والدبابات.

- ليس هذا صحيحًا!

- ما أنت إلا كاذب!

- ليس هناك غيرك من يقول هذا!

- لا بد أنك تهذي!

والآخر يدلي بالأيمان المغلظة، أنه عائد من نابلس، أنه رأى بأم عينه، عند مطلع الفجر، فرقة مدرعة، وقافلة من الجنود المشاة، وهي تقطع الحدود، الحدود الحقيقية، لا الأخرى، حدودهم، الوهمية!

وسعدان يغادر المقهى، قال لعبد القادر:

- كنت قد عزمت على الزواج بزينب، أما الآن والحرب بدأت...

 

بعد عدة أيام، تربع سعدان على الأرض أمام طاس من الألمنيوم مليء بالزيت، علي ركبته رغيف خبز أسود، وبيده كأس شاي. غمس الخبز في الزيت، ودفعه في فمه مع جرعة من الشاي. جلست الصغيرة نعيمة على مقربة منه، وهي تحك عينها اليسرى، وتنظر إلى أبيها.

سأل سعدان، وهو يبتسم لها:

- لماذا لا تأكلين؟

واصلت حك عينها بينما كان عنقود مخاطي يسيل من منخرها ليصل شفتها العليا، ويلتصق بها.

- نعيمة، لماذا لا تأكلين؟

واصلت حك عينها أكثر فأكثر.

- نعيمة، كلي!

نشقت العنقود المخاطي دفعة واحدة، وقالت:

- هذا الأكل، أنا لا أحبه، يابا.

وسال عنقود أصفر آخر من منخرها.

قال، وهو يقدم لها كسرة:

- لكنه خبز جيد، حتى ولو كان أسود وابن البارحة. ربما أنت لا تحبين خبز القرية، ، ومع ذلك، فهو خبز جيد، جيد جدًا، والزيت من أجود الزيوت.

ومن جديد، نشقت العنقود المخاطي، وتدحدلت خطوتين. تناولت كسرة الخبز، وعضتها، لكن الخبز كان يابسًا، فأوجع أسنانها. جذبت كمها على أنفها، ومسحته.

أوضح سعدان:

- عليك أن تغمسي خبزك في الزيت كي يطرى.

تركت كسرة الخبز تسقط على ركبتها، وخفضت رأسها بعناد. رفع لها أبوها وجهها بإصبع وضعها تحت ذقنها: وجه بقّعه البؤس والنمش.

- ما لك، يا نعيمة؟

- أنا لا أحب الزيت.

- ليس عندي زعتر. تريدين أن أذهب في طلب قليل منه لك؟ ما أطيب الزيت بالزعتر!

هزت رأسها علامة الموافقة.

قام سعدان بقفزة عند الجيران، ولم يتأخر عن الرجوع بحفنة من الزعتر.

قال لابنته:

- خذي، ها هو الزعتر. كلي!

توقفت الطفلة عن حك عينها، وقد غدت حمراء، فأخذ أبوها وجهها بين يديه، ونظر بانتباه.

- انظري إلى ما فعلت في عينك!

همهمت الصغيرة نعيمة:

- كانت تحكني.

- طيب، كلي.

قسمت قطعة خبز صغيرة، ورمتها ناشفة في فمها.

- أنت تسخرين مني أم ماذا!

- لماذا يابا؟

- والزعتر، لماذا طلبت من أن أستعيره من الجيران؟ أليس لتأكليه مع الزيت؟

- لكني لا أحب الزعتر، ولا الزيت، لا أحب شيئًا.

- أنت لا تحبين شيئًا، حقًا لا شيء!

- أنا لا أحب شيئًا، حقًا لا شيء.

وبعد لحظة:

- ما عدا شوربة زينب.

- ما عدا شوربة زينب!

- ما عدا شوربة زينب. أنا لا أحب شيئًا، ما عدا شوربة زينب.

أراد أن يقول لها في زمن الحرب، زينب لا تعمل شوربة، تأكل خبزًا مغموسًا في الزيت والزعتر كالجميع. كان البيك قد علق كل ما يدفع للفلاحين، حتى أنه كان قد شطب كل حصص الحبوب. وبانتظار أن تنتهي الحرب، وأن تعود الأمور إلى مجاريها، قرر سعدان إرسال ابنته لتعيش مع أطفال عبد القادر كالماضي، فتنسى قليلاً شوربة زينب.

قال سعدان:

- لم تعد زينب تعمل شوربة.

قالت الطفلة:

- أعرف.

- وكيف تعرفين؟

- لم يعد هناك كرنب، ولا أية خضروات. البيك أكلها كلها!

- من قال لك هذا؟

- زينب.

فكر: لقد علمتها زينب أشياء كثيرة!

- إذن كلي قليلاً من الزيت والزعتر، واشربي قليلاً من الشاي، هذا لذيذ مع الشاي. خذي، هذا كأسك.

- أنا لا أحب الشاي، أحب شوربة زينب.

- قلنا إن زينب لم تعد تعمل شوربة، وأنت يجب أن تأكلي لتكبري.

- صحيح أن اليهود يقتلون الأطفال الذين لا يريدون الأكل؟

- ماذا؟!

دست قطعة خبز في فمها، وأخذت جرعة شاي.

- من قال لك هذا؟

- زينب.

فكر سعدان: إذن هكذا جعلت زينب ابنتي عاشقة بشوربتها! أراد أن يقول لها إن ذلك ليس صحيحًا، إن لا علاقة للحرب بالأطفال الذين يرفضون الأكل، لكنه عدل عن ذلك:

- انسي كل هذا، وانتهي من الأكل.

رمت النحيفة الصغيرة كسرة الخبز، وقالت، وهي تركض نحو الخارج:

- شبعت.

وفي اللحظة ذاتها، دوى انفجار قوي في أقصى القرية، فصرخ سعدان:

- نعيمة!

وركض خلفها.

رآها في الحقل بعيدة، بينما كانت تمضي في السماء قاذفة قنابل.

- نعيمة، ارجعي!

رمت الصغيرة أباها بنظرة مذعورة، فقفز ليشدها إلى صدره بقوة، وهو يهمهم:

- يا طفلتي! يا صغيرتي!

ابتعد، فرأى وجه زوجته المتوفاة أمامه. ابتسم له الوجه ابتسامة مظللة بالعتاب، لأنه توقف عن وضع باقة الزهور المعتادة على قبرها، فقرر الذهاب إلى أبعد رابية لو يلزم ليقطف كل ما يوجد من زهور.

- يابا، انظر فوق!

رفع سعدان رأسه متابعًا الإصبع الصغيرة المقوسة، وحطت عيناه على قمة شجرة لوز.

- ماذا هناك، يا نعيمة؟

- العش، ألا ترى العش؟

 

وفي اللحظة ذاتها، حطم الفلاحون الجوعى، على رأسهم عبد القادر، بوابة قصر البيك، وأشعلوا النار فيه. سقط العديد منهم تحت رصاص حراس القصر، وبالمقابل قُتل البيك، وطُردت عائلته إلى ما وراء نهر الأردن، من حيث جاءت. وُزعت مخازن الحبوب على الجميع، وصاح عبد القادر بقوة وسط الحطام:

- نحن أحرار!

ومن وراء الهضبة، أصبح القصف أكثر فأكثر حدة، أكثر فأكثر قربًا.

 

- العش في الأعلى، ألم تره؟

أبعد سعدان أغصان شجرة اللوز الواطئة، ورأى عشًا من القش معلقًا على العرف.

قال:

- رأيته.

طلبت الصغيرة، وهي تقرص ظاهر يده:

- اصعد، واحضر لي بيضة.

- ولكن يجب ألا نزعج الطيور، حرام أن نسرق بيضها، ونضايق الأفراخ في عشها.

- أعرف، قالت لي زينب ذلك. سألعب معها قليلاً، ثم تصعد ثانية، وترجعها، أنا أعدك.

بقي سعدان في مكانه حائرًا.

- هيا، يابا! احضر لي بيضة!

- حسنًا. سأحضر لك بيضة، ترينها، وأرجعها في الحال إلى عشها، هذا إذا كان هناك بيض.

- هناك بيض، أنا أعرف.

- زينب أيضًا هي التي قالت لك ذلك؟

- لا.

- إذن كيف تعرفين؟

- لقد حلمت بذلك.

قرصها من ذقنها، وأخذ يتسلق شجرة اللوز حتى العش، فرأى فيه ست بيضات صغيرة جدًا، دون أبويها، ولا أحد. قال سعدان لنفسه: جعلت الحرب الطيور تهرب، ولم تحضن بيضها! أخذ بيضة بأصابع حذرة، ونزل بعجلة، وهو يقصف بعض الأغصان. قفز أمامها، وهو يلهث:

- خذي!

وشاهد اللؤلؤ بين شفتيها.

رددت الطفلة مستثارة كلها:

- يا يابا! يا يابا!

طوت أصابعها على البيضة، وهي تغني: يا يابا! يا يابا! كانت سعادتها! كانت تدور، وتدور، وهي تداعب البيضة الصغيرة، وهي تقبلها، وهي تضعها على صدرها. يا يابا! يا يابا! كان سعدان جذلان لجذلها، لسماعه لها. كانت الوحيدة التي لا تفكر في الحرب. انقبض قلبه، وهتف:

- هذا يكفي، يجب عليّ إرجاعها.

رجته الصغيرة:

- لا، انتظر قليلاً.

- هاتي البيضة!

أخذها من يديها، وعاد يتسلق شجرة اللوز.

سألت نعيمة بينما كان أبوها يصعد:

- هل تظن أن هناك عصفورًا صغيرًا فيها؟

- وما يدريني؟

أكدت البنت:

- هناك واحد، وهو صغير صغير كحبة القمح.

لم يجب، وهو يواصل الصعود، لكنها أوقفته:

- يابا...

- ماذا؟

- عندما تصبح البيضة فرخًا، هل ستحضره لي كي ألعب معه؟

ابتسم.

تابعت الطفلة:

- أعرف أن على الأطفال ألا يحرموا الأفراخ الصغيرة من أمها وإلا ماتت.

لم يعد سعدان يبتسم.

عندما وصل قرب العش، سمع ابنته تناديه من جديد، وفورًا بعد ذلك وصله صخب كان يشبه رشقة طلقات متواترة، فصاح من أعلى شجرة اللوز:

- هل أنت بخير، يا نعيمة؟

كان الصمت الجواب الوحيد، وكانت الأغصان المتأرجحة تحت قدميه تحجبها عنه.

- يا نعيمة، هل أنت بخير؟

لم تجب الصغيرة.

- أجيبيني، يا نعيمة!

الصمت دومًا.

رشقة طلقات متواترة أخرى، تلاها انفجار. تشنجت يده، فتكسرت البيضة الصغيرة بين أصابعه. من فوق، رأى النار والدخان في قصر البيك، وفي كل أكواخ القرية، المهدمة تمامًا. وكأن أحدهم سدد نصلاً في قلبه، وطعنه. وهو يعجل النزول من شجرة اللوز، لم يعرف كيف هدم العش، وكيف حطم البيض الذي فيه، لم يعرف كيف صرخ باسم ابنته الغالية على قلبه عدة مرات كالهالك في أرض الجحيم: كان يزلق، وكانت الأغصان تتكسر تحت ثقله، وكان يسلخ يديه، وكان يمزق صدره، ساعده، عقله، لأن نعيمة لم تكن تجيب، لم تكن تجيب. كان يواصل الانزلاق، الانهيار، السقوط، إلى أن وجد نفسه وحيدًا، مجردًا، دون قوة ولا أصدقاء، وجهًا لوجه مع رشاشات العوزي...

 

 كتبت هذه القصة الطويلة منذ أربعين عامًا وهي تحمل اسم المجموعة الصادرة في الجزائر عام 1972 واليوم يعاد نشرها ضمن الأعمال الكاملة لأفنان القاسم.

 

Read more…
الأخـوة والزملاء الأعـــزاء كافة : في الوقت الذي أكون فيه مبتهجاً لصدور موسوعتي ( الوراقة والوراقون في الحضارة العربية الإسلامية) بأجزائها الستة ، بعد جهد طويل ناف على 25 سنة ، وبدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون ، أهديكم هذا العمل وأرجو منكم الإطلاع على ( هذا المختصر) من مقدمتها مع صورة للغـلاف الخاص بالموسوعة ، آمل من الجميع نشرها في الصحافة والإعلام مع تقبل خالص تحياتي
 
د. خيرالله سعيد
Read more…
9270296296?profile=original
تتساقط الاوراق من  اعالي الاشجار في خريف العمر
فيبقيَ اسمكِ منقوش على اوراق الزيتون مدى الدهر
زخات الدمع من عيونكِ وعيون البشر
مطر مطر ثم مطر
اوراق الاشجار تحدثني عن الطغاة بكل اقتدار
اوراق الاشجار تحدثني عن الصخروالحجر
مطر مطر ثم مطر
اوراق الاشجار تحدثني عن العصر وتامرني بالصبر
اوراق الاشجار تحدثني عن الخطر وعن البدو والحضر
اوراق الاشجار تحدثني عن الثورة في ساحة التغيروعن صقورها الثوار.
Read more…

بعد رحلة طويلة من العطاء والتميز في عالم الثقافة والادب والصحافة، توفي صباح امس الكاتب المصري انيس 9270297478?profile=originalمنصور عن 87 عاما، وكانت الحالة الصحية للراحل قد تدهورت في الايام الاخيرة اثر اصابته بالتهاب رئوي حاد وشرخ بين فقرات الظهر ما استلزم نقله الى العناية المركزة.

تشيع جنازة الفقيد من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير بقلب القاهرة اليوم. وكان كاتبا مصريا مخضرما، تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الفلسفة عام 1947، ثم عمل لفترة استاذا بقسم الفلسفة بجامعة عين شمس في القاهرة ايضا ثم تفرغ للكتابة والعمل الصحافي.

شغل منصور منصب رئيس تحرير العديد من المجلات والصحف منها «الجيل» و«هي» و«آخر ساعة» و«اكتوبر» و«العروة الوثقى» و«مايو» و«كاريكاتير» و«الكاتب». وكان الكاتب الكبير قد دخل مستشفى الصفا يوم الجمعة الماضي وتم حجزه بغرفة الرعاية المركزة بالمستشفى وهو يعاني من التهاب رئوي وكانت حالته قد تدهورت منذ الثلاثاء الماضي وقام الاطباء بالمستشفى بتقديم اقصى رعاية صحية له وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي الى ان وافته المنية صباح امس.

ولد الفقيد الكاتب والأديب أنيس منصور في 18 أغسطس 1924، كانت بدايته في عالم الصحافة في مؤسسة أخبار اليوم إحدى أكبر المؤسسات الصحافية المصرية حينما انتقل إليها مع كامل الشناوي، ثم ما لبث أن تركها وتوجه إلى مؤسسة الأهرام في مايو عام 1950 حتى عام 1952. ثم سافر أنيس منصور وكامل الشناوي إلى أوروبا، وفي ذلك الوقت قامت ثورة 23 يوليو 1952، وقام أنيس منصور بإرسال أول مواضيعه إلى أخبار اليوم وهو نفسه كان يقول: «كانت بدايتي في العمل الصحافي في أخبار اليوم، وهذا بالضبط ما لا أحب ولا أريد، فأنا أريد أن أكتب أدبا وفلسفة، فأنا لا أحب العمل الصحافي البحت، فأنا أديب كنت وسأظل أعمل في الصحافة». ظل يعمل الفقيد في أخبار اليوم حتى تركها في عام 1976 ليكون رئيسا لمجلس إدارة دار المعارف، وثم أصدر مجلة الكواكب. عاصر الكاتب المخضرم أنيس منصور فترة جمال عبد الناصر وكان صديقا مقربا للرئيس الراحل محمد أنور السادات.

الريف المصري

وتأثر أنيس منصور بالريف المصري جدا وأعجب بحياة الغجر الذين كانوا احيانا يزورون قريته، وعن ابيه تعلم الا يقرأ إلا ما يمتعه، فقرأ وقرأ وقرأ، حتى أنهى مكتبات عديدة، وكون ثقافة واسعة وسافر وأبحر في سفن الخيال الى بحور المعرفة الواسعة ليعود من تلك الرحلات بخبرات ومواقف وآراء مازال حتى اليوم يعبر عنها.

أما ما احدث تغييرا حقيقيا في حياة انيس منصور هو ذهابه الى صالون العقاد وانفتاحه على دنيا لم يكن يعرف لها وجود.. حيث كان بمعزل تماما عن الدنيا في فترة حياته الجامعية، لم يكن لديه هم وقتها سوى شراء الكتب ودراسة الفلسفة بنهم شديد، وسجل كل ذلك في كتاب «في صالون العقاد.. كانت لنا أيام».

الفقيد كان يجيد عدة لغات: العربية والإنجليزية والألمانية والإيطالية واللاتينية والفرنسية والروسية وربما هناك غيرها. وكان يقول عن نفسه أنا رجل فلسفة أسمي نفسي أديبا يعمل في بلاط صاحبة الجلالة. واطلع منصور على كتب عديدة في هذه اللغات وترجم بعضا من الكتب والمسرحيات نذكر منها: ومولوس العظيم ـ زواج السيد مسيسبي ـ هي وعشيقها ـ أمير الأرض البور ـ مشعلوا النيران ـ من أجل سواد عينيها ـ فوق الكهف ـ تعب كلها الحياة. وسافر الى العديد من دول العالم، فكتب الكثير في أدب الرحلات، وربما كان الأول في أدب الرحلات، وألف كتبا عديدة نذكر منها: حول العالم في 200 يوم ـ بلاد الله لخلق الله غريب في بلاد غريبة ـ اليمن ذلك المجهول ـ أنت في اليابان وبلاد أخرى ـ أطيب تحياتي من موسكو -أعجب الرحلات في التاريخ - وكتابه حول العالم في 200 يوم هو الأكثر انتشارا باللغة العربية. وفي فترة من الفترات كانت كتابات أنيس منصور فيما وراء الطبيعة هي الكتابات المنتشرة بين القراء والمثقفين، ومن أشهر كتبه في هذا المجال الذين هبطوا من السماء، الذين عادوا إلى السماء، لعنة الفراعنة. حصل الفقيد الاديب على الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة. جائزة الفارس الذهبي من التلفزيون المصري أربع سنوات متتالية. جائزة كاتب الأدب العلمي الأول من أكاديمية البحث العلمي. فاز بلقب الشخصية الفكرية العربية الأولى من مؤسسة السوق العربية في لندن. حصل على لقب كاتب المقال اليومي الأول في أربعين عاما ماضية. جائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، عام 1963. حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1981. جائزة الإبداع الفكري لدول العالم الثالث، عام 1981. كما حصل على جائزة مبارك في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2001. وله الآن تمثال في مدينة المنصورة يعكس مدى فخر بلده بهذا الكاتب والأديب الفذ.

منصور والكويت

كما نال الراحل جائزة الملتقى العربي الاعلامي في الكويت الذي اقيم تحت رعاية وحضور سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بعد اختياره على رأس قائمة من ابرز الشخصيات الاعلامية العربية التي اثرت بتاريخها وتراثها في مسيرة الاعلام العربي.

وعن تكريمه بالجائزة في الكويت، قال الراحل: الحفاوة في بلدي طبيعية بعد تاريخي الطويل، لكن ان يأتي التقدير عربيا من الكويت وقبل ذلك من الاردن فهذا امر يملؤني بالسعادة، لأن معناه انه يوجد كثيرون يقرأون انتاجي، ويرون قيمتي الادبية، وفي الوقت نفسه يشعرني بالفخر لأنني عبرت الحدود، فأصبحت كاتبا عربيا، قادرا على امتاع الناس، فشكرا للجمع وللملتقى الاعلامي الذي اهداني التقدير والحفاوة معا. وعن الثقافة والادب في الخليج، قال في احد لقاءاته: لا ادعي انني اتابع الادب في الكويت ولا حتى في الخليج، وارى ان المؤلفين لا يبعثون لنا بكتبهم، وكذلك الناشرون، وهو اجماع على «الكسل» او «الانشغال» ويشير الى «عدم التواصل» بين ادباء وطننا، في حين ان ادباء اسرائيل لا يكاد تصدر لهم كتب حتى تصلنا بسرعة، مترجمة او بلغتها العبرية، وفجأة يجد المؤلف نفسه جاء يلقي محاضرة في المركز الاكاديمي الاسرائيلي في القاهرة، وعلى الرغم من ذلك فإنني اقرأ بعض ما يكتبه الادباء العرب في المجلات والصحف، وكثير منهم موهوب، والصحف الخليجية ليست في متناولي كلها، وحتى لو جاءت، فمن الصعب متابعة كل ما ينشر فيها، ولك ان تتخيل كم الصحف التي اقلّبها، واتوقف عند بعض ما جاء فيها، انها اكثر من عشرين صحيفة ومجلة بست لغات، احرص على متابعة بعض الاقلام فيها، فمن المستحيل ان تقرأ كل الصحف، وحتى الصحيفة التي تعمل بها.

الصحافة الكويتية

اما الصحافة الكويتية، فقال منصور انها تدهشه وتابع: الصحف الكويتية تدهشني وتجعلني اقف امام نوعين من الدول، دولة حكومتها لعبة الشعب و«دولة شعبها لعبة الحكومة»، وفي الكويت مجلس النواب لعبته الحكومة، وهذه قضية يومية تشغل اكثر الصفحات والباقي اخبار البورصة، فالشعب الكويتي ليست له نفس مشكلاتنا في مصر، الاكل والشرب والعلاج والمواصلات والزحام في المدارس والمستشفيات وطوابير الخبز وانما طوابير البنوك، وجلسات مجلس الامة، ولذلك فإن عليهم ان يشعلوا «المباخر» ويلفوا بها ارجاء الكويت ليلا ونهارا، اتقاء لعيون حاسدي «الثروة» و«الحرية»، وان كنت ارى ان الشعب الكويتي اقل سعادة بما اوتي من «ثروة» و«حرية» وارتفاع النبرة في الاداء السياسي.

فزيارات الاديب الراحل الى الكويت كانت متعددة ومستمرة فاقت العشر مرات وعبر عن سعادته اثناء حلوله ضيفا على احد البرامج التلفزيونية، حيث قال انه من عشاق هذه الارض الطيبة لمواقفها الثابتة في جميع القضايا الاجتماعية والانسانية، وهنأ الشعب الكويتي بحلول شهر رمضان المبارك متمنيا لهم كل خير وامان. وحول صداقاته بالكويت، قال: مش عاوز اذكر اسماء اصدقائي عشان ما حد يزعل لأن في اجيال طلعت معرفش عنها اي حاجة ومش عاوز اذكر احد علشان لا يفتكروا اني اشتمهم بدل من شكرهم، وعن اشادته بالكاتبة الكويتية طيبة الابراهيم قال: هي كاتبة مجتهدة ونفسها طويل وعندها جرأة واتمنى لها التوفيق. وذكر منصور انه يعتز بلقب «عدو المرأة» الذي مازال يلاحقه واكد انه لم يغير نظرته حتى الآن، قائلا: منذ التسعينيات يلقبونني بعدو المرأة وسعيد بهذا اللقب، واذا اردت ان تغيظ امرأة فتزوج عليها.

خزانة الأسرار

وفي أحد لقاءاته الأخيرة فتح الكاتب الكبير أنيس منصور «صندوقه الأسود» المليء بالأسرار والحكايات التي لا يعرفها سواه في لقاء مع جريدة «الأخبار» المصرية، فكشف منصور عن الكثير من القصص غير المروية في حياة الرئيس السابق حسني مبارك، ومنها ان مبارك نفسه هو الذي حكى لهم عن مؤامرة اغتياله في اثيوبيا، حيث قال «طلبت من ابني علاء ان يرافقني، ولكنه رفض وقال: سأبقى هنا وأرجو أن تبلغني بوصولك وعودتك.. وقال: لما طلبت علاء بالتلفون قال لي حمدا لله على السلامة يا بابا، فقال له الرئيس: أنا عائد فقد حدثت محاولة لاغتيالي وكلم ماما في ألمانيا وقل لها ان تراها وتسمعها من وكالات الأنباء العالمية!». ويضيف منصور ان هذه المكالمة أذاعها راديو اسرائيل كاملة وهو طلب من علاء ولم يطلب من جمال لأن علاء ابن مبارك وجمال ابن سوزان مبارك، ومن أجل ان يرث والده كانت سوزان على استعداد ان تهدم الدنيا من أجل ان يكون رئيسا وهي معجبة بالسيدة بربارا بوش، كان زوجها رئيسا وابنها رئيسا لأميركا! وقد حاولنا ان نستخرج تصريحا من الرئيس مبارك يقول فيه: انه سيوثر ابنه وكان يقول: الكفن ليس له جيوب! إذا كان هذا رأيك يا ريس فلماذا المليارات التي تملأ الجيوب ياليتك ورثت هذه المليارات وانما كانت من قوت الشعب يا ريس! وقد قال لي الرئيس مبارك «أنا عندي مليارات وعندما تتورط الحكومة أفرج عن شوية فلوس» ولا أعرف ان كان قد حدث كثيرا، كانت صدمة كبيرة يا ريس. وأضاف منصور ان ثورة 25 يناير لم تكن في الحسبان، وان أحد «اللصوص الكبار» قال له ان الصحة كانت زي البمب ولن تقع بعد الفضيحة لن تكون كذلك!

أما عن مبارك نفسه، فيقول منصور انه «اتبهدل وانكسرت نفسه ومسحنا بكرامته وكبريائه الأرض ولففنا حول رقبته كل الحبال والسلاسل فلا مهرب له من القيود ولا مهرب من الشيخوخة والمرض. تطلع حرامي وتخسر أولادك وفلوسك حرام ثم تطلع على قناة العربية وتقول أحاسب الناس.. أما صحيح انك حرامي وطني»! وعن رأيه في رؤساء مصر الثلاثة، قال منصور «كان عبدالناصر زعيما حقيقيا لكن ظروفه كانت قاسية فقد فتح جبهتين في وقت واحد اسرائيل واليمن فكانت هزيمة 1967 هزيمة جيش لم يعد ولم تكن هزيمة قائد. والسادات كانت الصورة أمامه واضحة كسياسي من الدرجة الأولى وعسكري أيضا لكنه لم يعط الفرصة ليكمل نجاحه بعد نصر أكتوبر 1973 ولم تكتمل فرحته ليتسلم طابا فقد كان يعتزم ان يعتزل الحكم والسياسة ويقضي بقية عمره بعيدا عنهما ويعيش كمواطن مصري عادي.

أما مبارك فلم يكن زعيما وورث ثروة مصر دون اي مجهود مثله مثل واحد يجلس بجوار سائق تاكسي وفجأة ضرب هذا السائق بالنار فأخذ مكانه، لقد تسلم مصر جاهزة فلم يقل شيئا ولم يفعل شيئا فقط رفع العلم على طابا وأشهد ان حكاية الضربة الجوية لم يكن له فيها دور فقد كانت طلعة جوية عادية «ما فيش حاجة اسمها الضربة الجوية» وقد سأله في مؤتمر صحافي عالمي صحافي اسرائيلي انه لم يسمع أحد عن هذه الضربة وطلب منه معلومات عنها فأجابه «بعدين ح تسمع». لقد عاش مبارك طول عمره خائفا وهو أكثر الرؤساء تعرضا لمحاولات الاغتيال فقد تعرض لعشرين محاولة». أما عن سوزان مبارك، فيقول أنيس منصور «خطيئة السيدة سوزان انها كانت تريد ابنها جمال رئيسا مثل زوجها، زوجة رئيس وأم رئيس مثل السيدة الأميركية بربارا زوجة الرئيس بوش الأب وأنا أشبه السيدة سوزان بـ «الأرملة السوداء» في عالم العناكب فهي بعد ان تتزوج الذكر تقتله وتحتفظ به حتى تبيض ويفقس البيض ويخرج الأبناء فتقدم جثته لهم فيأكلوه وهي تتزوج في اليوم خمس مرات وفي كل مرة تقطع زوجها لأولادها وسوزان هي هذه الأرملة السوداء!».

 

من أقوال الراحل

٭ لا تغلق الباب الذي بينك وبين الناس فقد تعود إليه!

٭ مادمت لا تُقدر أحدا، فكيف تغضب لأن أحدا لا يقدرك؟!

٭ سوف يبقى الفشل مُرا، إذا لم تبتلعه!

٭ وراء كل رجل ناجح سيدة واحدة على الأقل مندهشة لذلك!

٭ العاقل يستفيد من أعدائه، والغبي لا يستفيد من أصدقائه!

٭ سعيد من يجد امرأة يحبها، تعيس من يجدها ثم يتزوجها!

٭ ورقة الجنيه التي خرجت من المطبعة الآن تساوي بالضبط الورقة التي دارت على حل شعرها عشرات السنين ـ فهمت؟!

٭ لا تتزوج امرأة لم تعرف إلا رجلا واحدا ـ لأنها لن تنساه!

٭ اجلس إلى والدتك واسألها كيف تزوجت والدك، فسوف تجد قصة مضحكة!

٭ الفرق بين شروق الشمس وغروبها ـ كالفرق بين واحدة سوف تتزوج وواحدة قد تزوجت!

٭ لا تسمع نصيحة من الذي أحب ولا نصيحة الذي تزوج ـ جرب الفشل بنفسك!

٭ وحياتك كلهن سواء: الحاصلة على شهادة الدكتوراه والحاصلة على شهادة ميلاد!

٭ من حسن حظ الرجال انهم لا يسمعون ما تقوله النساء عن أزواجهن إذا جلسن معا!

٭ العذاب في الدنيا ألوان: الحب والزواج والأولاد والأصدقاء والجيران!

٭ هات ورقة وقلما واكتب: أعترف بأنني حيوان له أربع أرجل وذيل، لأنني لم أستمع إلى نصائح كل الذين سبقوني إلى الحب الذي أفضى إلى الزواج!

٭ إن كان لايزال في عينك دمع فأرجوك أن تبكي على حالي فقد أخذت بنصيحتك ولم أهاجر إلى أي بلد آخر!

٭ يومان حزينان في حياة المرأة: يوم خدعتها ويوم صدقتك!

٭ لا تغضب من أحد فأنت أسوأ كثيرا مما تعتقد!

 

جوائز حصل عليها

٭ الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة.

٭ جائزة الفارس الذهبي من التلفزيون المصري اربع سنوات متتالية.

٭ جائزة كاتب الادب العلمي الاول من اكاديمية البحث العلمي.

٭ فاز بلقب الشخصية الفكرية العربية الاولى من مؤسسة السوق العربية في لندن.

٭ حصل على لقب كاتب المقال اليومي الاول في اربعين عاما ماضية.

٭ جائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الاعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1963.

٭ جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الاعلى للثقافة عام 1981.

٭ جائزة الابداع الفكري لدول العالم الثالث، عام 1981.

٭ جائزة مبارك في الآداب من المجلس الاعلى للثقافة عام 2001.

٭ وله الآن تمثال في مدينة المنصورة.

 

المقال الأخير لـ «منصور»: لا أحب أن أنشغل عن الكتابة!

في حوار تلفزيوني بين العقاد وطه حسين والحكيم.. كنت أسأل العقاد عن رأيه في طه حسين، ثم أسأل العقاد عن رأي طه حسين فيه.. ثم أسأل طه حسين عن رأي العقاد فيه.. وأسال الحكيم عن رأيه فيهما.. ثم اعود الى العقاد اناقشه في رأي الحكيم، وبعد ذلك اسأل طه حسين، وقد نشرت هذا الحوار التلفزيوني، وكان للعظماء الثلاثة رأي في كل منهم وفي دوره التاريخي. وكان من الممكن ان يصبح هذا الحوار اساسا لكتاب في أدب ونقد وفلسفة هؤلاء الثلاثة.. ولكني لم افعل.. ولا تزال هذه الفكرة تشغلني.

ونشرت رواية مسلسلة في مجلة «الجيل» بعنوان «عريس فاطمة» وظللت احلل شخصية فاطمة.. وأضعها في ظروف اجتماعية صعبة ومعقدة حتى وجدتني عاجزا عن اكمال القصة، عاجزا عن اخراجها من المصاعب التي غرقت فيها.. وتوقفت ورحت اتعلل بأسباب كثيرة لعدم اكمال هذه القصة ولكن الحقيقة انني لم استطع! واخيرا وجدت الحل.. فقد كنت أقرأ رواية «المعنى الحزين للحياة» للفيلسوف الاسباني الوجودي اونامون، فجأة وجدت الحل..فقد وقع الفيلسوف العظيم في الحفرة نفسها.. ولكنه خرج من المأزق بأن ادار حوارا بينه وبين البطل.. اي بين المؤلف والبطل.. يقول له البطل: كيف قررت ان تميتني؟ اي ان البطل يسأل المؤلف: على أي اساس قرر ان يموت البطل.. لماذا لا يعيش اطول.. لماذا لا يجد له حلا افضل؟ انه هو الذي اختار له النهاية واختار له البداية.. وان هذه عقدة المؤلف الذي لا يستطيع ان يدفع الموت عن نفسه فيتسلى بأن يحكم بالموت على الآخرين! وهكذا اكملت قصتي بحوار بيني وبين البطلة التي عاتبتني واتهمتني بأنني انا الذي وضعت نفسي في مأزق.. فأنا الذي اخترت صفاتها واهلها وظروفها.. وانه كان من الممكن ان تكون النهاية افضل لو انني غيرت البداية.. ولو اتسع وقتي لفعلت ذلك! فأنا لست مشغولا بالصورة النهائية لكل الذي اكتبه، ولكن الذي يشغلني هو ما افكر فيه الآن وما اكتبه الآن، ولا اكاد اكتبه حتى انساه.. ولكن عقلي يروح ويجيء ويلف ويدور، ويعلو ويهبط ويلقي ضياء على ما سبق ان رأيت وتأملت وقرأت! وكما يحدث عندما اجلس للكتابة او ازيل من امامي الكتب خاليا تماما وكما احب ان انظر من النافذة فلا ارى الا مساحات لونية وضوئية ولا تتركز عيناي على شيء، ولا اذناي على شيء، فإنني هكذا ايضا عندما اشغل نفسي بالتهيؤ لكتابة شيء كبير.. دراسة كبيرة.. كتاب متكامل.. لا احب ان انشغل عنه بشيء آخر!

 

 

من أعمال الراحل

كان للراحل العديد من الاعمال الدرامية التي تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية منها: من الذي لا يحب فاطمة، حقنة بنج، اتنين.. اتنين، عريس فاطمة، غاضبون وغاضبات، هي وغيرها، هي وعشاقها، العبقري، القلب ابدا يدق، يعود الماضي يعود.

وبجانب تأليفه باللغة العربية ترجم أنيس منصور العديد من الكتب والأعمال الأدبية إلى العربية. فقد ترجم أكثر من 9 مسرحيات بلغات مختلفة وحوالي 5 روايات مترجمة، وتقريبا 12 كتابا لفلاسفة أوروبيين. كما ألف أكثر من 13 مسرحية باللغة العربية.


Read more…
Ottawa International Poets and Writers for human Rights (OIPWHR)